بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد..
فإن مما ينبغي لطالب العلم أن يتعهده في نفسه في مسيره في طلب العلم أن يكون معتنيا بكتاب الله -جل وعلا-، حفظا للقرآن وكثرة التلاوة، ومعاهدة له في المحفوظ والمتلو.
ولا شك أن أعظم العلم هو القرآن، إن أعظم العلم هو العلم الذي اشتمل عليه القرآن، وأعظم الأدلة هو دليل الكتاب؛ لأنه كلام الله -جل وعلا- الذي من قال به خصم.
وتعاهد طالب العلم للقرآن له مقاصد:
الأول: أن التعبد بالتلاوة أمر معلوم. فلقارئ القرآن بكل حرف يقرأه عشر حسنات، والله -جل وعلا- يضاعف لمن يشاء، وهذا يعني أن بقراءة القرآن زيادة الحسنات وزيادة الأجور.
والثاني: أن في قراءة القرآن تدبر القرآن، والله -جل وعلا- حض على ذلك بقوله: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا وقال: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا .
تعاهد القرآن من جهة الحفظ والتلاوة يهيئ لطالب العلم أن يعلم المعاني، وإذا علم المعاني زاد فقهه في القرآن.
الثالث: أنه إذا قرأ القرآن حفظا في صلاته، أو حفظا في مصلاه، أو قرأه تلاوة في أي مكان يقرأ فيه ينبغي له أن يتأمل مواضع الاستدلال، وكثيرا ما تمر معنا في الدروس آيات يستدل بها.
والقرآن كله دليل على مسائل العلم، إما دليل على مسألة عقدية، أو في التوحيد، أو في الفقه، أو في الآداب، أو في التاريخ، أو في مسألة نحوية، أو في مسألة أصولية، أو دليل على معنى لغة.. إلى أخره.
فكلما زاد علم طالب العلم كلما علم أن كل آية دليل -ولا شك- ينزل في موقعه من مواقع الاستدلال في العلوم المختلفة: علوم الشريعة الأصلية، والصناعية المساعدة.
لهذا إذا قرأت القرآن فلتكن القراءة مع كونها للتعبد، أن تضع قلبك، وأن تفتح قلبك وذهنك إلى مواضع الاستدلال، هذه الآية فيها دليل على مسألة كذا، قد لا يكون عندك علم أنها دليل من قبل، لكن لما تأملت وجدتها أنها تصلح دليلا لهذه المسألة، فتذهب تراجع في التفسير، تراجع كتب العقيدة مثلا إذا كانت الآية في العقيدة، تراجع كتب الفقه إذا كانت الآية في الأحكام، وتنظر هل هذا الفهم منك صحيح أم لا؟
ولهذا من حفظ القرآن وهو كبير، يعني ليس في حالة الصغر، يعني مثلا بعد أن عرف العلم، وعرف طلب العلم، فإنه يستفيد من هذه الطريقة أكثر ممن حفظه صغيرا.
وهذا أمر مجرب في أن طالب العلم إذا ابتدأ حفظ القرآن وعنده معلومات، عنده بعض المسائل في التوحيد، بعض المسائل في العقيدة، بعض المسائل في الفقه، وعلم من هذا وهذا وهذا أشياء، فإنه وهو يحفظ سيتأمل الآية، فسيجد أنها دليل على المسألة الفلانية، والأخرى دليل على المسألة الفلانية، وهذه دليل على أن اللغة هذه فصيحة -يعني- في استعمال كلمة، وهكذا.
لهذا من مقاصد تلاوة القرآن، وحفظه لطالب العلم، وكثرة تلاوته أن يكون على ذكر منه دائما، بعد التعبد والتقرب إلى الله -جل وعلا- بما خرج منه -سبحانه وتعالى-، أن يكون على ذكر دائما بمواضع الاستدلال، وهذه منكم ينبغي لكم العناية بها كثيرا.
كذلك إذا قرأتم في كتب السنة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ربما في كلمة مثل هذه، كيف يستفاد من كتب السنة في التدبر والاستذكار؟ فإذن إذا قرأت القرآن لا تكن القراءة قراءة هذٍّ، لا تعلم المعاني، ولا تعلم أوجه الاستدلال، يعني لا تدبرت في المعنى فعلمت التفسير، ولا تدبرت في أوجه الاستدلال فاستفدت منه.
ولهذا نقول: إن أعظم ما ينبغي لك أن تعتني به أن تكون قراءتك للقرآن قراءة استدلال على مسائل العلم، وهذا يتنوع فيه الناس بحسب قدرتهم على انتزاع الأدلة، أو معرفتهم بكلام العلماء في الاستدلال.
ومن الضعف أن يكون طالب العلم قليل الاستدلال بالقرآن، الحجة في الكتاب والسنة مبينة للقرآن وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ . فالاحتجاج بالقرآن هو أعظم الاحتجاج، والسنة مبينة للقرآن، مبينة للمجمل، مخصصة للعام، مقيدة للمطلق، وهكذا في بيانات في أنواع البيان، والتخصيص والتقييد والعموم.. إلى آخره.
لهذا ينبغي لك أن تتعاهد هذه المسألة من نفسك، تأمل هذا الدليل إذا حفظت يكون معك أدلة المسائل.
الرابع: أنك إذا وطنت نفسك على الاستدلال اجمع النظائر، يعني مثلا مسألة في المساجد، الكلام على أحكام المساجد: في القرآن فيه آيات كثيرة في أحكام المساجد، إذا كنت حافظا للقرآن، أو كثير التلاوة، مستظهرا للآيات، فوطن نفسك ودرّب نفسك على أن تكون الآيات في المساجد معك دائما.
الآيات في تدبر القرآن معك دائما، عدد من الآيات في إيجاب الصلاة معك دائما، عدد من الآيات في ذكر الآخرة معك دائما، عدد من الآيات في ذكر مراقبة الله -جل وعلا- معك دائما، عدد من الآيات في ذكر التقوى ومراتب التقوى والأمر بها معك دائما.
وهكذا في أصناف العلم، مع الزمن تجتمع عندك حصيلة كبيرة جدا في الآيات، مصنفة في قلبك وفي ذهنك، لأنها تأتي تباعا، مثلما أنك تحفظ سورة من أولها إلى آخرها، تقرأ مائة آية تلو بعض ولا تخطئ، كذلك إذا رتبت نفسك في الاستدلال ستجد أن هناك آيات كثيرة في أحكام المساجد متوالية، في تدبر القرآن متوالية، في ذكر استدلالهم في التوحيد في أن الدعاء هو العبادة متوالية، في أن دعاء الموتى شرك أكبر بالله -جل وعلا- متوالية، فيما دعت إليه الرسل تأتي تباعا.
وهذا في الحقيقة يقويك من جهة فهم العلم، وفهم ما أنزل الله -جل وعلا- على رسوله، والخروج من التقليد في ذلك إلى معرفة الحجة والاستدلال.
ثم يقويك إذا أردت أن تتكلم في خطبة، أردت أن تتكلم في محاضرة، أن تعظ الناس، أن تُذكر أهلك، أن تذكر أصحابك ومن حولهم، أن تلقي كلمة يكون معك شيء.
والدين ليس بالآراء، إن الواحد يجتهد ويفكر، ويبدأ يتكلم بكلام كله من محض الأفكار التي عنده، لا، الدين مبناه على: قال الله، قال رسوله -صلى الله عليه وسلم-. ثم طالب العلم بفهمه للشريعة يوضح معاني الكتاب والسنة، هذا هو العلم.
فإذا علمت تبويب الاستدلال بالقرآن والأدلة من السنة شيئا فشيئا، لا شك أن الذي أمضى زمنا طويلا في العلم يجتمع عنده من الأدلة والتبويب ما ليس عند المبتدئ، ومن فهمه للأدلة وفي تصنيفها، لكن شيئا فشيئا تجتمع عندك وتتبوب، فيكون عندك من الاستدلال الشيء الكثير.
فإذا علمت العلم كان عندك طرف صالح من التوحيد والعقيدة، وعندك طرف صالح في أحكام الفقه، ثم في الآداب، وتنوع ذلك، ثم في مسائل أخر، فإذا أتيت تتكلم عن مسألة تتوارد عندك الأدلة، ثم بعد ذلك تبين معاني كلام العلماء في بيان معاني الكتاب والسنة.
لهذا حقيقة من هو العالم؟ العالم هو الذي فَقه الكتاب والسنة، ثم بين للناس دلالات الكتاب والسنة، هذا هو العالم، العالم ناقل، العالم مبلغ مأمون على تبليغ دلائل الكتاب والسنة.
العالم ليس مخترعا للأحكام يبتدئ بها من عند نفسه، العالم ليس بذي رأي، يأتي بالأشياء المنصوص عليها هكذا من جهة نفسه لا، العالم يعلم ما جاء في القرآن وما جاء في سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويبين للناس معاني الكتاب والسنة، هذه وظيفة العالم.
فإذا جاءته مسألة ليس فيها عنده، يعلم فيها استدلال من الكتاب أو السنة، فإنه لأجل علمه ومعرفته بالأدلة، ومعرفته بحدود ما أنزل الله -جل وعلا- على رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإنه يجتهد، فإذا أصاب فله أجران: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة التي وفقه الله -جل وعلا- إليها، وإن أخطأ فله أجر واحد، وهو أجر اجتهاده مع وجود آلات الاجتهاد عنده في ذلك.
لهذا ينبغي لك أن تكون هذه المسالة منك على ذكر وبال، وهي مسألة مهمة لا تستهن بها، ولا تجعلها تمر هكذا، لا بد لك من تبويب نفسك مع القرآن، جهة كثرة التلاوة والتعبد بذلك، ومراجعة محفوظك، ثم أن ترتب نفسك في الأدلة.
تمرن نفسك على أن هذه الآية دليل كذا، هذه الآية دليل في كذا، ثم بعد ذلك تبوب هذه الأدلة من القرآن في الموضوعات المختلفة، تلحظ أنك بعد سنين إذا أردت أن تتكلم عن مسألة جاءت عدة آيات فيها، ثم بعد ذلك تبين معنى الآيات، ثم ما جاء في السنة، ثم كلام أهل العلم على ذلك، وما يتصل بهذه المسألة، هذا هو العلم في الحقيقة، هذا نقل العلم يكون بهذه الوسيلة.
أسأل الله -جل وعلا- أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يعلمنا منه ما جهلنا، وأن يذكرنا منه ما نسينا، إنه سبحانه جواد كريم .
من شرح بلوغ المرام للشيخ صالح ال الشيخ وفقه الله
ومن عادة الشيخ حفظه الله أن يبدأ دروسه بتوجيهات لطلاب العلم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد..
فإن مما ينبغي لطالب العلم أن يتعهده في نفسه في مسيره في طلب العلم أن يكون معتنيا بكتاب الله -جل وعلا-، حفظا للقرآن وكثرة التلاوة، ومعاهدة له في المحفوظ والمتلو.
ولا شك أن أعظم العلم هو القرآن، إن أعظم العلم هو العلم الذي اشتمل عليه القرآن، وأعظم الأدلة هو دليل الكتاب؛ لأنه كلام الله -جل وعلا- الذي من قال به خصم.
وتعاهد طالب العلم للقرآن له مقاصد:
الأول: أن التعبد بالتلاوة أمر معلوم. فلقارئ القرآن بكل حرف يقرأه عشر حسنات، والله -جل وعلا- يضاعف لمن يشاء، وهذا يعني أن بقراءة القرآن زيادة الحسنات وزيادة الأجور.
والثاني: أن في قراءة القرآن تدبر القرآن، والله -جل وعلا- حض على ذلك بقوله: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا وقال: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا .
تعاهد القرآن من جهة الحفظ والتلاوة يهيئ لطالب العلم أن يعلم المعاني، وإذا علم المعاني زاد فقهه في القرآن.
الثالث: أنه إذا قرأ القرآن حفظا في صلاته، أو حفظا في مصلاه، أو قرأه تلاوة في أي مكان يقرأ فيه ينبغي له أن يتأمل مواضع الاستدلال، وكثيرا ما تمر معنا في الدروس آيات يستدل بها.
والقرآن كله دليل على مسائل العلم، إما دليل على مسألة عقدية، أو في التوحيد، أو في الفقه، أو في الآداب، أو في التاريخ، أو في مسألة نحوية، أو في مسألة أصولية، أو دليل على معنى لغة.. إلى أخره.
فكلما زاد علم طالب العلم كلما علم أن كل آية دليل -ولا شك- ينزل في موقعه من مواقع الاستدلال في العلوم المختلفة: علوم الشريعة الأصلية، والصناعية المساعدة.
لهذا إذا قرأت القرآن فلتكن القراءة مع كونها للتعبد، أن تضع قلبك، وأن تفتح قلبك وذهنك إلى مواضع الاستدلال، هذه الآية فيها دليل على مسألة كذا، قد لا يكون عندك علم أنها دليل من قبل، لكن لما تأملت وجدتها أنها تصلح دليلا لهذه المسألة، فتذهب تراجع في التفسير، تراجع كتب العقيدة مثلا إذا كانت الآية في العقيدة، تراجع كتب الفقه إذا كانت الآية في الأحكام، وتنظر هل هذا الفهم منك صحيح أم لا؟
ولهذا من حفظ القرآن وهو كبير، يعني ليس في حالة الصغر، يعني مثلا بعد أن عرف العلم، وعرف طلب العلم، فإنه يستفيد من هذه الطريقة أكثر ممن حفظه صغيرا.
وهذا أمر مجرب في أن طالب العلم إذا ابتدأ حفظ القرآن وعنده معلومات، عنده بعض المسائل في التوحيد، بعض المسائل في العقيدة، بعض المسائل في الفقه، وعلم من هذا وهذا وهذا أشياء، فإنه وهو يحفظ سيتأمل الآية، فسيجد أنها دليل على المسألة الفلانية، والأخرى دليل على المسألة الفلانية، وهذه دليل على أن اللغة هذه فصيحة -يعني- في استعمال كلمة، وهكذا.
لهذا من مقاصد تلاوة القرآن، وحفظه لطالب العلم، وكثرة تلاوته أن يكون على ذكر منه دائما، بعد التعبد والتقرب إلى الله -جل وعلا- بما خرج منه -سبحانه وتعالى-، أن يكون على ذكر دائما بمواضع الاستدلال، وهذه منكم ينبغي لكم العناية بها كثيرا.
كذلك إذا قرأتم في كتب السنة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ربما في كلمة مثل هذه، كيف يستفاد من كتب السنة في التدبر والاستذكار؟ فإذن إذا قرأت القرآن لا تكن القراءة قراءة هذٍّ، لا تعلم المعاني، ولا تعلم أوجه الاستدلال، يعني لا تدبرت في المعنى فعلمت التفسير، ولا تدبرت في أوجه الاستدلال فاستفدت منه.
ولهذا نقول: إن أعظم ما ينبغي لك أن تعتني به أن تكون قراءتك للقرآن قراءة استدلال على مسائل العلم، وهذا يتنوع فيه الناس بحسب قدرتهم على انتزاع الأدلة، أو معرفتهم بكلام العلماء في الاستدلال.
ومن الضعف أن يكون طالب العلم قليل الاستدلال بالقرآن، الحجة في الكتاب والسنة مبينة للقرآن وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ . فالاحتجاج بالقرآن هو أعظم الاحتجاج، والسنة مبينة للقرآن، مبينة للمجمل، مخصصة للعام، مقيدة للمطلق، وهكذا في بيانات في أنواع البيان، والتخصيص والتقييد والعموم.. إلى آخره.
لهذا ينبغي لك أن تتعاهد هذه المسألة من نفسك، تأمل هذا الدليل إذا حفظت يكون معك أدلة المسائل.
الرابع: أنك إذا وطنت نفسك على الاستدلال اجمع النظائر، يعني مثلا مسألة في المساجد، الكلام على أحكام المساجد: في القرآن فيه آيات كثيرة في أحكام المساجد، إذا كنت حافظا للقرآن، أو كثير التلاوة، مستظهرا للآيات، فوطن نفسك ودرّب نفسك على أن تكون الآيات في المساجد معك دائما.
الآيات في تدبر القرآن معك دائما، عدد من الآيات في إيجاب الصلاة معك دائما، عدد من الآيات في ذكر الآخرة معك دائما، عدد من الآيات في ذكر مراقبة الله -جل وعلا- معك دائما، عدد من الآيات في ذكر التقوى ومراتب التقوى والأمر بها معك دائما.
وهكذا في أصناف العلم، مع الزمن تجتمع عندك حصيلة كبيرة جدا في الآيات، مصنفة في قلبك وفي ذهنك، لأنها تأتي تباعا، مثلما أنك تحفظ سورة من أولها إلى آخرها، تقرأ مائة آية تلو بعض ولا تخطئ، كذلك إذا رتبت نفسك في الاستدلال ستجد أن هناك آيات كثيرة في أحكام المساجد متوالية، في تدبر القرآن متوالية، في ذكر استدلالهم في التوحيد في أن الدعاء هو العبادة متوالية، في أن دعاء الموتى شرك أكبر بالله -جل وعلا- متوالية، فيما دعت إليه الرسل تأتي تباعا.
وهذا في الحقيقة يقويك من جهة فهم العلم، وفهم ما أنزل الله -جل وعلا- على رسوله، والخروج من التقليد في ذلك إلى معرفة الحجة والاستدلال.
ثم يقويك إذا أردت أن تتكلم في خطبة، أردت أن تتكلم في محاضرة، أن تعظ الناس، أن تُذكر أهلك، أن تذكر أصحابك ومن حولهم، أن تلقي كلمة يكون معك شيء.
والدين ليس بالآراء، إن الواحد يجتهد ويفكر، ويبدأ يتكلم بكلام كله من محض الأفكار التي عنده، لا، الدين مبناه على: قال الله، قال رسوله -صلى الله عليه وسلم-. ثم طالب العلم بفهمه للشريعة يوضح معاني الكتاب والسنة، هذا هو العلم.
فإذا علمت تبويب الاستدلال بالقرآن والأدلة من السنة شيئا فشيئا، لا شك أن الذي أمضى زمنا طويلا في العلم يجتمع عنده من الأدلة والتبويب ما ليس عند المبتدئ، ومن فهمه للأدلة وفي تصنيفها، لكن شيئا فشيئا تجتمع عندك وتتبوب، فيكون عندك من الاستدلال الشيء الكثير.
فإذا علمت العلم كان عندك طرف صالح من التوحيد والعقيدة، وعندك طرف صالح في أحكام الفقه، ثم في الآداب، وتنوع ذلك، ثم في مسائل أخر، فإذا أتيت تتكلم عن مسألة تتوارد عندك الأدلة، ثم بعد ذلك تبين معاني كلام العلماء في بيان معاني الكتاب والسنة.
لهذا حقيقة من هو العالم؟ العالم هو الذي فَقه الكتاب والسنة، ثم بين للناس دلالات الكتاب والسنة، هذا هو العالم، العالم ناقل، العالم مبلغ مأمون على تبليغ دلائل الكتاب والسنة.
العالم ليس مخترعا للأحكام يبتدئ بها من عند نفسه، العالم ليس بذي رأي، يأتي بالأشياء المنصوص عليها هكذا من جهة نفسه لا، العالم يعلم ما جاء في القرآن وما جاء في سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويبين للناس معاني الكتاب والسنة، هذه وظيفة العالم.
فإذا جاءته مسألة ليس فيها عنده، يعلم فيها استدلال من الكتاب أو السنة، فإنه لأجل علمه ومعرفته بالأدلة، ومعرفته بحدود ما أنزل الله -جل وعلا- على رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإنه يجتهد، فإذا أصاب فله أجران: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة التي وفقه الله -جل وعلا- إليها، وإن أخطأ فله أجر واحد، وهو أجر اجتهاده مع وجود آلات الاجتهاد عنده في ذلك.
لهذا ينبغي لك أن تكون هذه المسالة منك على ذكر وبال، وهي مسألة مهمة لا تستهن بها، ولا تجعلها تمر هكذا، لا بد لك من تبويب نفسك مع القرآن، جهة كثرة التلاوة والتعبد بذلك، ومراجعة محفوظك، ثم أن ترتب نفسك في الأدلة.
تمرن نفسك على أن هذه الآية دليل كذا، هذه الآية دليل في كذا، ثم بعد ذلك تبوب هذه الأدلة من القرآن في الموضوعات المختلفة، تلحظ أنك بعد سنين إذا أردت أن تتكلم عن مسألة جاءت عدة آيات فيها، ثم بعد ذلك تبين معنى الآيات، ثم ما جاء في السنة، ثم كلام أهل العلم على ذلك، وما يتصل بهذه المسألة، هذا هو العلم في الحقيقة، هذا نقل العلم يكون بهذه الوسيلة.
أسأل الله -جل وعلا- أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يعلمنا منه ما جهلنا، وأن يذكرنا منه ما نسينا، إنه سبحانه جواد كريم .
من شرح بلوغ المرام للشيخ صالح ال الشيخ وفقه الله
ومن عادة الشيخ حفظه الله أن يبدأ دروسه بتوجيهات لطلاب العلم