أبو صفوت
فريق إشراف الملتقى العلمي
إن ردَّ أقوال العلماء والحكم عليها بالبطلان والخطأ من الأمور التي تحتاج إلى تأصيل وبيان تضبط على أساسه تخطئة الآخرين ، ويوزن على مقياسه رد أقوال السابقين واللاحقين ؛ إذ ليس كل من رمى عالما بالخطأ مصيبا ، ولا كل من ردَّ قول عالم مبطلا .
والاقتراب من أهل الصناعة ومحاولة فهمهم والإنصات القلبي لهم يفتح لطالب العلم أبوابا مغلقة ، ويحل له إشكالات كثيرة ، ومن ذلك ما في تلك المسألة (تفسير الزيادة ) في قوله تعالى (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)
فقد اتُهِمَ ابن عطية بالاعتزال لأنه بعد أن ذكر تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم ، مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جمع غفير من الصحابة رضي الله عنهم قال ( وقالت فرقة: الحسنى " هي الحسنة، والزيادة هي تضعيف الحسنات إلى سبعمائة فدونها حسبما روي في نص الحديث، وتفسير قوله تعالى " والله يضاعف لمن يشاء " وهذا قول يعضده النظر ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول، وطريق ترجيحه: أن الآية تتضمن اقترانا بين ذكر عُمَّال الحسنات، وعُمَّال السيئات، فوصف المحسنين بأن لهم حسنى وزيادة من جنسها، ووصف المسيئين بان لهم بالسيئة مثلها فتعادل الكلامان)
وهذا الذي نص على قوته وذكر طريق ترجيحه قول المعتزلة ، وهنا انتهى البحث وصار ابن عطية معتزليا .
ولو رجع المنصف إلى آثار السلف لوجد هذا القول الذي ذكره ابن عطية منقولا عنهم !!!
فأين الإشكال إذن ؟
هل من السلف مَن ينكر الرؤية يوم القيامة ؟
والجواب : لا .
إذن أين الخلل ؟
والجواب: أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم ليس تخصيصا للزيادة بهذا المعنى وحصرا لها فيه، وإنما هو تفسير بالمثال، أُريد به التمثيل لأعظم ما يدخل في معنى الزيادة ، وهذا كتفسيره صلى الله عليه وسلم الكوثر بأنه نهر في الجنة ، وتفسيره صلى الله عليه وسلم القوة بالرمي ، وقد بين الطبري ذلك فقال بعد حكاية الأقوال عن السلف في المقصود من الزيادة في الآية
قال (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وَعَد المحسنين من عباده على إحسانهم الحسنى ، أن يجزيهم على طاعتهم إيّاه الجنة ، وأن تبيض وجوههم، ووعدهم مع الحسنى الزيادة عليها. ومن الزيادة على إدخالهم الجنة أن يكرمهم بالنظر إليه، وأن يعطيهم غُرفا من لآلئ، وأن يزيدَهم غفرانا ورضوانًا، كل ذلك من زيادات عطاء الله إياهم على الحسنى التي جعلها الله لأهل جناته. وعمّ ربنا جل ثناؤه بقوله:(وزيادة)، الزيادات على "الحسنى"، فلم يخصص منها شيئًا دون شيء، وغير مستنكَرٍ من فضل الله أن يجمع ذلك لهم، بل ذلك كله مجموع لهم إن شاء الله. فأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يُعَمَّ ، كما عمَّه عز ذكره)
فما رأيكم ؟
هل الطبري معتزلي كذلك ؟
ولو رجعت إلى ابن كثير ، لوجدته يقول (وقوله: { وَزِيَادَة } هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وزيادة على ذلك [أيضا] ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القُصُور والحُور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظرُ إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه، لا يستحقونها بعملهم، بل بفضله ورحمته)
فهل هو معتزلي كذلك ؟
إذن ما الفارق بين قولهم وقول المعتزلة ؟
أن المعتزلة حصروا معنى الزيادة في التضعيف ونفوا ان يكون مرادا به النظر ، وأما هؤلاء الأئمة ففسروا الزيادة بعمومها وما يدخل تحتها دون حصر لها في معنى بعينه ، بل الزيادة يدخل تحتها النظر إلى وجه الله الكريم ، وتضعيف الحسنات وغير ذلك مما يكرم الله به عباده .
ينظر: هل في تفسير ابن عطية اعتزاليات
ويصدق في مثل هذه المواقف قول الصولي في رسالته إلى مزاحم بن فاتك
[FONT="]رأيت -أعزك الله- أكثر المتحلين بالأدب في زماننا هذا على خلاف ما عهدت عليه القدماء الماضين والعلماء الأستاذين : يطلب الرجل منهم فنًّا من فنون الآداب فيقسم له حظ فيه، وينال درجة منه، فلا يرى اسم العالم يتم له ، ولا أن الرياسة تنجذب إليه إلا بالطعن على العلماء ، والوضع من ماضيهم ، والاستحقار لباقيهم ويكثر ذلك على لسانه حتى يكون أجل فوائده ، وأكثر ما يمر في مجلسه.." [/FONT]
وصدق من قال:لأن نبطئ خير من أن نخطئ .
ورحم الله شيخ العربية محمود محمد شاكر لما علق على أمثال تلك المواقف قائلا (أي نكبة نزلت بعلوم هذه الأمة العربية الإسلامية ، على يد الصغار في حقيقتهم ، الكبار في مراتبهم التي أنزلتهم إياها تصاريف الزمان ، فأطلقوا ألسنتهم في مواريث أربعة عشر قرنا بالاستهانة والقدح والازدراء ، وغفر الله للشريف الرضي حيث قال دفاعا عن نفسه ، والدفاع عن علم أمتنا أولى : ولما لم يلاقوا في عيبا كسوني من عيوبهم وعابوا ))
مقدمة العلامة محمود شاكر في تحقيقه لأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني ص : 27
والاقتراب من أهل الصناعة ومحاولة فهمهم والإنصات القلبي لهم يفتح لطالب العلم أبوابا مغلقة ، ويحل له إشكالات كثيرة ، ومن ذلك ما في تلك المسألة (تفسير الزيادة ) في قوله تعالى (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)
فقد اتُهِمَ ابن عطية بالاعتزال لأنه بعد أن ذكر تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم ، مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جمع غفير من الصحابة رضي الله عنهم قال ( وقالت فرقة: الحسنى " هي الحسنة، والزيادة هي تضعيف الحسنات إلى سبعمائة فدونها حسبما روي في نص الحديث، وتفسير قوله تعالى " والله يضاعف لمن يشاء " وهذا قول يعضده النظر ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول، وطريق ترجيحه: أن الآية تتضمن اقترانا بين ذكر عُمَّال الحسنات، وعُمَّال السيئات، فوصف المحسنين بأن لهم حسنى وزيادة من جنسها، ووصف المسيئين بان لهم بالسيئة مثلها فتعادل الكلامان)
وهذا الذي نص على قوته وذكر طريق ترجيحه قول المعتزلة ، وهنا انتهى البحث وصار ابن عطية معتزليا .
ولو رجع المنصف إلى آثار السلف لوجد هذا القول الذي ذكره ابن عطية منقولا عنهم !!!
فأين الإشكال إذن ؟
هل من السلف مَن ينكر الرؤية يوم القيامة ؟
والجواب : لا .
إذن أين الخلل ؟
والجواب: أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم ليس تخصيصا للزيادة بهذا المعنى وحصرا لها فيه، وإنما هو تفسير بالمثال، أُريد به التمثيل لأعظم ما يدخل في معنى الزيادة ، وهذا كتفسيره صلى الله عليه وسلم الكوثر بأنه نهر في الجنة ، وتفسيره صلى الله عليه وسلم القوة بالرمي ، وقد بين الطبري ذلك فقال بعد حكاية الأقوال عن السلف في المقصود من الزيادة في الآية
قال (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وَعَد المحسنين من عباده على إحسانهم الحسنى ، أن يجزيهم على طاعتهم إيّاه الجنة ، وأن تبيض وجوههم، ووعدهم مع الحسنى الزيادة عليها. ومن الزيادة على إدخالهم الجنة أن يكرمهم بالنظر إليه، وأن يعطيهم غُرفا من لآلئ، وأن يزيدَهم غفرانا ورضوانًا، كل ذلك من زيادات عطاء الله إياهم على الحسنى التي جعلها الله لأهل جناته. وعمّ ربنا جل ثناؤه بقوله:(وزيادة)، الزيادات على "الحسنى"، فلم يخصص منها شيئًا دون شيء، وغير مستنكَرٍ من فضل الله أن يجمع ذلك لهم، بل ذلك كله مجموع لهم إن شاء الله. فأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يُعَمَّ ، كما عمَّه عز ذكره)
فما رأيكم ؟
هل الطبري معتزلي كذلك ؟
ولو رجعت إلى ابن كثير ، لوجدته يقول (وقوله: { وَزِيَادَة } هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وزيادة على ذلك [أيضا] ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القُصُور والحُور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظرُ إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه، لا يستحقونها بعملهم، بل بفضله ورحمته)
فهل هو معتزلي كذلك ؟
إذن ما الفارق بين قولهم وقول المعتزلة ؟
أن المعتزلة حصروا معنى الزيادة في التضعيف ونفوا ان يكون مرادا به النظر ، وأما هؤلاء الأئمة ففسروا الزيادة بعمومها وما يدخل تحتها دون حصر لها في معنى بعينه ، بل الزيادة يدخل تحتها النظر إلى وجه الله الكريم ، وتضعيف الحسنات وغير ذلك مما يكرم الله به عباده .
ينظر: هل في تفسير ابن عطية اعتزاليات
ويصدق في مثل هذه المواقف قول الصولي في رسالته إلى مزاحم بن فاتك
[FONT="]رأيت -أعزك الله- أكثر المتحلين بالأدب في زماننا هذا على خلاف ما عهدت عليه القدماء الماضين والعلماء الأستاذين : يطلب الرجل منهم فنًّا من فنون الآداب فيقسم له حظ فيه، وينال درجة منه، فلا يرى اسم العالم يتم له ، ولا أن الرياسة تنجذب إليه إلا بالطعن على العلماء ، والوضع من ماضيهم ، والاستحقار لباقيهم ويكثر ذلك على لسانه حتى يكون أجل فوائده ، وأكثر ما يمر في مجلسه.." [/FONT]
وصدق من قال:لأن نبطئ خير من أن نخطئ .
ورحم الله شيخ العربية محمود محمد شاكر لما علق على أمثال تلك المواقف قائلا (أي نكبة نزلت بعلوم هذه الأمة العربية الإسلامية ، على يد الصغار في حقيقتهم ، الكبار في مراتبهم التي أنزلتهم إياها تصاريف الزمان ، فأطلقوا ألسنتهم في مواريث أربعة عشر قرنا بالاستهانة والقدح والازدراء ، وغفر الله للشريف الرضي حيث قال دفاعا عن نفسه ، والدفاع عن علم أمتنا أولى :
رموني بالعيوب ملفقات وقد علموا بأني لا أعاب
مقدمة العلامة محمود شاكر في تحقيقه لأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني ص : 27