يا طلاب العلم ... القرآن ... القرآن ، وطلب العلم من كلام الخضير .

إنضم
22/05/2010
المشاركات
381
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مصر
الناظر للواقع العلمي في هذه الأيام يجد عزوف بعض طلاب العلم عن القرآن ــــ مع الأسف ـــ مع أنه أصل الأصول وطريق الوصول ، وأولي ما تصرف إليه الهمم العوالي ، وتبذل فيه المهج الغوالي ، لذا رأيت أن أجمع من كلام الأفاضل من أهل العلم المعاصرين ، نتفا من كلامهم في الحث علي القرآن والاهتمام به ، مع فوائد عامة لطلاب العلم ، وأول من أبدأ به ؛


الشيخ الفاضل العلامة / عبدالكريم الخضير ــــ حفظه الله وبارك فيه ـــ .
 
( 1 )
بسم الله الرحمن الرحيم
آيات ينبغي للمسلم تأملها

** فعلى المسلم أن يتأمل مثل هذه الآيات (( سورة القارعة )) ، وهذه السور القصيرة فيها العجائب ، لاسيما السور المكية التي فيها هذه الأهوال ، السور المكية ـ على قصرها ـ فيها ما يزجر القلوب، ويدفعها إلى العمل ؛ لكن قلب من ؟ الله - جل وعلا – يقول : { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } [ (45) سورة ق ] ، فالذي يخاف الوعيد هو الذي يذكر بالقرآن ، أما الذي لا يخاف ممن مات قلبه ـ نسأل الله السلامة والعافية ـ مثل هذا يقرأ قرآن ، أو يسمع قرآن ، أو يسمع جريدة ، ويسمع تحليل صحفي أو غيره لا فرق عنده ، والله - جل وعلا – يقول : { ولقد يسرنا القرآن للذكر } [ (17) سورة القمر ] ، لكن لمن ؟ للغافل واللاهي والساهي ؟ أو كما قال الله - جل وعلا - : { فهل من مدكر } [ (17) سورة القمر ] ؟ يعني هل من متذكر ؟ هل من متعظ ؟ هل من منزجر ؟ نعم إذا وجد هذا فالقرآن ميسر عليه ، يسرت قراءته ، يسر حفظه ، يسر فهمه ، يسر العمل به ؛ لكن لمن أراد أن يذكر ، لمن أراد أن يتذكر بالقرآن ، يتعظ بالقرآن يستفيد ، أما الذي لا يقرأ القرآن بهذه النية فإن فائدته وإن استفاد أجر قراءة الحروف فإنه لا يستفيد قلبه شيء من هذه القراءة إلا بقدر ما يعقل منها.

المقطع من تفسير الشيخ لسورة القارعة .​



أعظم وسائل تحصيل العلم وتثبيته

** من أعظم وسائل تحصيل العلم تقوى الله - جل وعلا - : { واتقوا الله ويعلمكم الله } [ (282) سورة البقرة ] فالعلم بالعمل من أعظم وسائل تحصيله ، والذي لا يتقي الله - جل وعلا - ولا يحقق هذا الشرط في نفسه لا يحصل العلم ، ولو جمع من المسائل والأحكام ما جمع ، فإن هذا ليس بعلم ، شاء أم أبى ، وإن قال الناس إنه عالم ، فلا علم إلا بالتقوى ، ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) ، العلماء استشهدهم الله - جل وعلا - على وحدانيته وألوهيته ، فكيف يكون ممن يتصدى لأعظم شهادة لأعظم مشهود له ، وهو ليس بأهل وليس بكفء يخالف الأوامر ، ويرتكب النواهي ؟ هذا جاهل وليس بعالم .
العلم الذي لا يورث الخشية لله - جل وعلا - ليس بعلم ، والحصر في الآية صريح { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [ (28) سورة فاطر ] ، وفي قوله - جل وعلا - : { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة } [ (17) سورة النساء ] هل معنى هذا أن التوبة خاصة بالجهال الذين لا يعرفون الأحكام ؟ ولو عرف الحكم أن هذا حلال وحرام وارتكبه فهو جاهل ، كل من عصى الله فهو جاهل .
فالتقوى هي المحقق للوصف الشريف وهو العلم ، وهي من أعظم ما يعين على تحصيله وتثبيته ، فعلينا أن نعمل بما نعلم ، وعلينا أن نطبق ، وأن نكون أسوة وقدوة في أفعالنا وأقوالنا .


أعمال خاصة على طالب العلم أن يلزمها

** هناك أعمال خاصة على طالب العلم أن يلتزمها ؛ ليعان على طريقه ومشواره في طلب العلم ، يستعين بقراءة القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل ، وأيضا يكثر من تلاوة القرآن ليحصل على الأجور العظيمة ، بكل حرف عشر حسنات ، الإنسان في ربع ساعة يقرأ جزء يحصل له مائة ألف حسنة ، وليكثر من هذا ، ويجعل له وقت للتدبر، والنظر في كتاب الله والاعتبار ، { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } [ (17) سورة القمر ] لا بد أن نعتبر ، لا بد أن نتذكر ، لا بد أن نذكر أنفسنا ونذكر غيرنا بالقرآن ، {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} [(45) سورة ق] لكن من الذي يتذكر؟ هو الذي يخاف الوعيد ، أما الإنسان الغافل الساهي اللاهي ، هذا نصيبه من هذا قليل ، ومع الأسف أن بعض من ينتسب إلى طلب العلم عنده شيء من الجفاء بالنسبة للقرآن ، فتجده إذا تيسر له أن يحضر إلى المسجد قبل الإقامة ، وصلى الركعتين إن بقي وقت أخذ مصحف ، وقرأ ما تيسر ورقة أو ورقتين ، ويكون القرآن عنده - على ما يقول الناس- على الفرغة ، إن وجد وقت و إلا فلا !!!!!!!!!!
فهذه مشكلة يعايشها كثير من طلاب العلم حتى من الحفاظ ، بعض الطلاب إذا ضمن حفظ القرآن انتهى ، نقول له : لا يا أخي الآن جاء دورك ، الآن جاء دور التلاوة التي رتب عليها أجر الحروف ، وجاء دور الترتيل والتدبر والاستنباط والتذكر والتذكير بالقرآن ، فأهل القرآن لهم هذه الخاصية ، هم أهل الله ، وهم خاصته ، وينبغي أن يعرفوا بما لا يعرف به غيرهم ، كما قال ابن مسعود : يعرف بصيامه ، يعرف بصلاته ، يعرف بقيامه ، يعرف بتلاوته ، يعرف بنفعه الخاص والعام ، يعرف بإقباله على الله - جل وعلا - إذا غفل الناس ، فصاحب القرآن له شأن عظيم.







أمر يحتاجه كثير من طلاب العلم !
** ((لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق)) ، تلقى أخاك بوجه سهل منبسط ، وهذا مع الأسف كثير من طلاب العلم يحتاج إليه ، بعض العامة قد يكشر في وجه من يعمل عمله من أمور الدنيا ، أو ينافسه في شيء من أمور الدنيا ؛ لكن ما عذر طالب العلم إذا كشر في وجه أخيه ؟! والرسول - عليه الصلاة والسلام – يقول : ((لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق)) سهل ، مبتسم ، تبش في وجهه ، تدخل السرور إلى قلبه ؛ أما أن تلقاه بوجه مكشر ، مقطب ؛ هذا لا شك أنه ليس من المعروف ، وإذا لم يكن من المعروف ؛ فيكون حينئذ من المنكر نسأل الله السلامة والعافية ، من المنكر ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
















أمور مهمة لا بد أن يحذرها طالب العلم


** العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا يجوز التشريك فيها ، في طلبها فضلا عن أن تطلب بغير نية أو رياء أو سمعة أو ليقال ..... ، وقد جاء التحذير من ذلك أشد التحذير ، وأبلغ التنفير ، ففي حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار منهم من تعلم العلم وعلمه ، قد يمضي عمره كله مئة سنة نصفها في التعلم والنصف الثاني في التعليم ؛ ثم يكون بعد ذلك أحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار ، ماذا صنعت يا فلان ؟! تعلمت العلم وعلمته الناس - لا - إنما تعلمت ليقال وقد قيل !!! ومثله المجاهد الذي يبذل نفسه ومهجته فيما يبدو للناس ويظهر للناس أنه يقدمها لإعلاء كلمة الله - جل وعلا - والأمر خلاف ذلك ، إنما ليقال شجاع ، وثالثهم الذي يتصدق بالأموال الطائلة ليقال جواد ، والله المستعان .
يقول الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله تعالى - في ميميته في الوصية بالعلم وطلبه ، وهي منظومة جدير بطالب العلم أن يحفظها ويعنى بها ، يقول - رحمه الله تعالى - :

ومن يكن ليقول الناس يطلبه ... أخسر بصفقته في موقف الندم

فالإنسان عليه أن يتفقد هذه النية ، فالنية شرود ، يأتي ليطلب العلم ، ثم يغفل عن هذه النية فتشرد

ومن يكن ليقول الناس يطلبه ... أخسر بصفقته في موقف الندم

فليطلب العلم طالبه مخلصا لله - عز وجل - ، مبتغيا به وجه الله - جل وعلا - والدار الآخرة ، وليحذر من المراءاة ، والمماراة ،
يقول الشيخ حافظ أيضا - رحمه الله - :

إياك واحذر مماراة السفيه به ... كذا مباهاة أهل العلم لا ترم

ليحذر طالب العلم أيضا الكبر ، يعني إذا كان ممن أوتي مزيد من حفظ أو فهم لا يترفع على الآخرين ، لا يتكبر على غيره ؛ لأن المتكبر يصرف عن الإفادة من العلم الشرعي لا سيما ما يتعلق بالقرآن الكريم الذي هو أصل العلوم كلها { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } [الأعراف/ 146]
المتكبر يصرف عن الاستفادة ، وبهذا رد مفتي حضرموت الشيخ عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف رد على من اتهم شيخ الإسلام ابن تيمية بالكبر ؛ لأن بعض من ترجم له نبزه بالكبر ، شيخ الإسلام إمام من أئمة المسلمين ، إمام علم وعمل وتواضع وتقوى ونشر للعلم وجهاد في سبيل الله ، ويأتيك من ينبزه بمثل هذا!!! ماذا قال مفتي حضرموت عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف ؟! له محاضرة ألقاها في تحقيق الفرق بين العامل بعلمه وغيره نفى الكبر عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، قد يكون ممن يختلف مع شيخ الإسلام في بعض الأمور ؛ لكنها كلمة حق ، نفى الكبر عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، واستند في نقض كلامه الكلام الذي ادعى هذه الدعوى إلى أنه رأى القرآن على طرف لسانه ، وأسلة قلمه ...
كيف ييسر له القرآن لمثل هذا وفيه شيء من الكبر؟! وعلق الإمام البخاري عن مجاهد : "لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر " ومستحي بالياء بياءين مستحيي ولا مستكبر، لا شك أن الذي يستحي ، والمراد بالحياء الحياء العرفي لا الحياء الشرعي ؛ لأن الحياء في الشرع خير كله ، والحياء لا يأتي إلا بخير ؛ لكن الحياء في عرف الناس الذي يمنع من تحصيل العلم ، ويمنع من إنكار المنكر ، ويمنع من توجيه الناس ونصحهم ، وإرشادهم ، مثل هذا مذموم ، وحينئذ لا يدرك من العلم من اتصف بهذا الوصف ، وهو الحياء الذي يمنعه ، قد يجلس الطالب وفي نفسه أشياء مشكلة فيستحي يسأل الشيخ ، أو بلفظ آخر يخجل أن يسأل الشيخ ، فتستمر هذه الإشكالات عنده ... فكيف تنجلي هذه المشكلات إلا بالسؤال ، ولا مستكبر ، قد يستكبر ويستنكف ويترفع عن أن يسأل هذا السؤال بين الناس ، ويظهر للناس أنه فوق مثل هذا السؤال ، وبهذا يحرم العلم .
ومما يتعين على طالب العلم الحذر منه : العجب والإعجاب ورؤية النفس ، ولا شك أن هذا من الأمراض المقيتة ؛ فإذا كان الإنسان إذا أعجب بما أوتي من أمور الدنيا قد يعطى الإنسان من هذه الدنيا الشيء الكثير ويستفيد منه في أمور دينه ودنياه ؛ لكن متى يذم ؟! إذا طغى ، ومتى يطغى ؟! أن رآه استغنى ، يعني إذا رأى أنه استغنى ، وهنا طالب العلم إذا رأى أنه حصل ما يغنيه عن غيره ، وأعجب بنفسه ، حينئذ يهلك ، إذا وصل إلى هذه المرحلة لا شك أنه وصل إلى مرض مزمن يحتاج إلى علاج قوي ، ماحق لبركة العلم والعمل ، يقول الشيخ حافظ - رحمه الله - في ميميته التي أشرت إليها :

والعجب فاحذره إن العجب مجترف ... أعمال صاحبه في سيله العرم

طالب العلم ينبغي أن يتفقد القلب ، والقلب لا يخفى عليكم أنه جميع الخطابات الشرعية جاءت موجهة إلى إيش ؟! إلى القلب ، (( ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )) { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } [الشعراء/ 88 -89] ، فالقلب على طالب العلم أن يعنى به ، ويترفع عن هذه الأمراض والأدواء ، أيضا على طالب العلم أن يطرح الكسل ، ويشمر عن ساعد الجد في الطلب ؛ فإن العلم لا ينال براحة الجسم نقله الإمام مسلم عن يحيى بن أبي كثير : " العلم لا يستطاع براحة الجسم " ما هو بتمني المسألة وإلا كان كل الناس علماء ، كل يعرف منزلة العلماء ؛ لكن دونه خرط القتاد ! لا بد من الجد والاجتهاد ، لا بد من ثني النفس وغسلها عن شهواتها ، وما حصل أهل العلم ما حصلوا إلا بالسهر ، إذا أراد الطالب سلوك هذا الطريق بعد أن يبذل الأسباب ، ويسعى في البراءة من هذه الموانع التي أشرنا إلى بعضها ، يسلك أسباب التحصيل ، ويبرأ من الموانع ، فليسلك الجواد المعروفة عند أهل التحقيق من العلماء الراسخين الذين يربون طلابهم على العلم النافع والعمل الصالح على الكتاب والسنة ، وعقيدة أهل السنة والجماعة .
 
( 2 )​

أهل الله وخاصته


** عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( كل مؤدب يحب أن تؤتى مأدبته )) المأدبة : الوليمة ، كل صاحب وليمة يحب أن تؤتى مأدبته وأن يؤكل منها ، (( ومأدبة الله القرآن )) ، ومأدبته يعني وليمته ونزله وإكرامه لخلقه هذا الكتاب ، فهو يحب أن تؤتى هذه المأدبة وهذا القرآن ، (( فلا تهجروه )) ، نعم ؛ لأن من هجر بمنزلة من لم يأكل من هذه المأدبة ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن لله أهلين ، قيل من هم يا رسول الله ؟ قال : هم أهل القرآن أهل الله وخاصته )) هذا معروف مخرج عند الدارمي و في المسند وابن ماجه ، بإسناد حسن عند الدارمي إسناده جيد لا بأس به ، هم أهل الله وخاصته ، فأهل العناية بكتاب الله - جل وعلا - هم أهل الله وخاصت ه، ويقرر ابن القيم - رحمه الله تعالى - أن أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته هم أهل العناية به ، والاهتمام بقراءته وتدبره ، وترتيله ، والعمل به ، يقول : هم أهل القرآن وإن لم يحفظوه ، على أنه جاء في الحفظ على وجه الخصوص ما جاء من نصوص تحث عليه ؛ لكن لا ييأس من لم يحفظ القرآن ، تكون له عناية بحفظ القرآن ، وورد يومي من القرآن ، ويعنى بكتاب الله - جل وعلا - ، ينظر في عهد ربه بحيث لا تغيب شمس يوم إلا وقد قرأ حزبه من القرآن ، والمسألة تحتاج إلى همة ، وتحتاج إلى عزيمة ، والتسويف لا يأتي بخير! يقول : إذا فات ورد النهار قرأناه في الليل ! وفات ورد الليل نضاعف حزب الغد ، ما ينفع هذا ! ناس نعرفهم إذا جاء وقت الورد ووقت الحزب وهو في سفر ، في طريق في البراري والقفار يغلق السيارة ويقرأ حزبه ويواصل إذا لم يحفظ ، هنا لا يضيع الحفظ بهذه الطريقة ، من حدد لنفسه وردا وحزبا يوميا بحيث لا يفرط فيه ، مثل هذا يفلح ، ولا يفرط في نصيبه من القرآن ، وتلاوة القرآن لا تكلف شيئا ، يعني بالتجربة من جلس بعد صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس قرأ القرآن في سبع ، يعني في كل جمعة يختم القرآن ، ما تكلف شيء ، المسألة تحتاج إلى ساعة ؛ لكن مع ذلك تحتاج إلى همة ، أما من يقول إذا جاء الصيف والله الآن الليل قصير ، فإذا طال الليل أجلس بعد صلاة الصبح إن شاء الله ! وإذا جاء الشتاء قال والله براد إذا دفينا شوي جلسنا! الفجر برد بالشتاء معروف ؛ لكن إذا قال مثل هذا لن يصنع شيئا !! ومعروف أن الناس ما ينامون بالليل ، ويجلسون بعد صلاة الصبح ؛ لأنهم اعتادوا هذا ، وطنوا أنفسهم على هذا ، وجعل هذا جزءا من حياته ، كغداه وعشاه ، كأكله وشربه ، ما يفرط في هذا ، وإذا جلس إلى أن تنتشر الشمس يقرأ السبع بدون أي مشقة ، سبع القرآن ، وتكون هذه القراءة لتعاهد القرآن ، والنظر في عهد الله - جل وعلا - في هذا الكتاب ، وأيضا من أجل اغتنام الأجر المرتب على الحروف أقل الأحوال ، ويكون له ساعة أيضا من يومه قراءة تدبر يقرأ فيها ولو يسير ويراجع عليه ما يشكل من التفاسير الموثوقة ، وبهذا يكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ؛ لكن المشكل التسويف ! هذا الإشكال ، والله إذا دفينا إذا بردنا ، ما ينفع يا أخي ! ينتهي العمر وأنت ما دفيت ! أبدا ، أو الآن والله انشغلنا جاءنا ما يشغلنا نجعل نصيب النهار إلى الليل ، ثم جاء الليل والله جاءنا ضيف جاءنا كذا والله الإخوان مجتمعين في استراحة ، ما يجدي هذا ! هذا ما يمشي ! فإذا اقتطع الإنسان من وقته جزءا لا يفرط فيه مهما بلغت المساومة ، مهما بلغت المغريات ؛ حينئذ يستطيع أن يقرأ القرآن بالراحة في كل سبع ، وقد جاء الأمر بذلك في حديث عبد الله بن عمرو : ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد )) نعم ، لا يزيد على سبع ؛ لأنه مطالب بواجبات أخرى ؛ لكن الذي عنده من الفراغ أكثر ، وارتباطاته العامة أقل ، مثل هذا لو قرأ القرآن في ثلاث ما كلفه شيء ! يزيد ساعة بعد صلاة العصر ، ويقرأ القرآن في ثلاث ! ، والدنيا ملحوق عليها ترى ما فاته شيء ! والرزق المقسوم يأتي ، وليت الناس ما ينشغلون إلا بما ينفعهم ! يعني من اليسير أن يجلس الإنسان بعد صلاة العشاء يتكلم إلى أذان الفجر ! سهل مع الإخوان ومع الأقران ومع الأحباب يمشي سهل ؛ لكن تقول له اجلس وهو ما تعود يقرأ ، ما يصبر ! والمسألة تحتاج إلى أن يري الله - جل وعلا – من الإنسان شيئا في حال الرخاء ويتعرف عليه في حال الرخاء ؛ بحيث إذا أصابه شدة أو مأزق أو جاءه ضائقة أو شيء ؛ يعرفه الله -جل وعلا - (( تعرف على الله في الرخاء؛ يعرفك في الشدة )) ثم كثير من الإخوان ومن الخيار ومن طلاب العلم يهجرون بلدانهم وأهليهم إلى الأماكن المقدسة في الأوقات الفاضلة من أجل أن يتفرغ للعبادة ؛ ثم إذا فتح المصحف عجز يقرأ ، يعني مع الجهاد يقرأ جزء بين صلاة العصر وهو وجالس ما طلع من المسجد الحرام إلى أذان المغرب يالله يقرأ جزء ، يقرى ويتلفت ! ويناظر عسى الله يجيب أحد ! إن جاب أحد و إلا قام يدور ! لأنه ما تعود ، صعب ، وبالراحة بعض الناس ما يغير جلسته ، يقرأ عشرة وهو مرتاح ! لأنه تعود ، والمسألة مسألة تعود .
أهمية علوم الآلة


** لا بد أن نقرأ ما يعيننا على فهم الكتاب والسنة ، ونحن في قراءتنا للغة العربية أجرنا كمن يقرأ القرآن أو يفسر القرآن ، لماذا ؟
لأنه وسيلة ، والوسائل لها أحكام المقاصد ، أنت قرأت اللغة العربية من أجل أيش؟ أن تفهم الكتاب والسنة ، لك أجر من يتعلم الكتاب والسنة ، قرأت في علوم الحديث لكي تعرف ما يثبت وما لا يثبت من حديث النبي - عليه الصلاة والسلام - لك أجر من يقرأ ويقرأ الحديث ؛ لأن الوسائل لها أحكام الغايات ، قرأت في أصول الفقه لتعرف كيف تتعامل مع النصوص ، نصوص الكتاب والسنة ، لك أجر من يتعلم ويعلم الكتاب والسنة ؛ لأنك لا تتعلم هذا العلم بمفرده ، نعم قد يكون بعض الناس يفني عمره بهذه الوسائل ، ولا يصل إلى الغايات.
مثل هذا محروم ؛ لأن هذه وسائل ، كمن يمشي من أجل الخطا ، وأجر الخطا إلى المسجد ، فإذا وصل باب المسجد وقف ، ما دخل ، فهذه وسيلة ، وأجر الخطا إنما رتب من أجل الصلاة ، فمن خرج إلى الصلاة لا ينهزه إلا الصلاة له بكل خطوة حسنة ، فإذا اقتصر على الوسيلة مشى ، تطهر في بيته ، وخطا إلى المسجد خمسين خطوة ، مائة خطوة ، ألف خطوة ، ثم وقف عند الباب ، نقول: هذا مثل من يتخصص باللغة العربية ، ولا يستعمل هذه اللغة في علم الكتاب والسنة وفهم الكتاب والسنة ، وقل مثل هذا في كل العلوم الوسائل ؛ لأن القصد من معرفة اللغة العربية فهم الوحيين ، القصد من علوم الآلة عموما كيفية التعامل مع نصوص الوحيين ، فليكن همنا الكتاب والسنة ، ولا يمنع ذلك ، لا يعني هذا أني أقول للإخوان : لا تقرؤوا في اللغة العربية ، لا تقرؤوا في أصول اللغة ، ولا في علوم الحديث ، ولا في قواعد التفسير ، لا ، هذه أمور لا بد منها لفهم الغاية ، التي هي نصوص الكتاب والسنة.
كيف يتعامل شخص ما عرف اللغة العربية مع كتاب أنزل بلغة العرب ؟ كيف يفرق بين الحقائق الواردة في القرآن ، الألفاظ الواردة في القرآن ، كيف يتعامل معها على أنها حقائق لغوية ، أو عرفية ، أو شرعية ؟ حتى يعرف هذه الحقائق .
فعلى طالب العلم أن يهتم بهذا غاية الاهتمام ، ويأخذ منه ما يكفيه ولا يزيد على ذلك ، قد تحتاج الأمة إلى متخصصين في اللغة العربية يفيدون أهل العلم فيما يحتاجون إليه من عويص المسائل ، ودقائق المسائل ، لكن - والحمد لله - ما يكفي لفهم الوحيين أمره ميسور.
أثر رؤية ومجالسة الصالحين


** لا شك أن المجالسة لها أثر على النفس ، وكم من شخص أثر في الناس بمرآه فقط قبل أن يتكلم ، وكثير من أهل العلم إذا ترجموا لشيوخهم يذكرون شيئا من ذلك ، وأنهم يستفيدون من رؤية الشيخ أكثر من علمه ، وذكر ابن الجوزي في ترجمة أحد شيوخه في فهرسته أنه استفاد من بكائه أكثر من فائدته من علمه ؛ ولا شك أن مثل هذا مؤثر جدا ، رؤية الشيخ العامل بعلمه ، الداعي إلى علمه المعلم ، معلم الناس الخير ؛ لا شك أنه مؤثر ، قد لا يتيسر لكثير من الناس زيارة مثل هؤلاء ، إن تيسر فليحرص على ذلك ، إن لم يتيسر ؛ فليقرأ في أخبارهم ، أخبار هؤلاء الأخيار ، وهؤلاء الصلحاء ، وعلى رأسهم مقدمهم - عليه الصلاة والسلام - ؛ فليدم النظر طالب العلم في سيرته -عليه الصلاة والسلام - ، ويسمعها غيره من عامة الناس ؛ لكي يقتدوا به ، ويأتسوا به ، من ذلكم سير الصالحين من الصحابة والتابعين ؛ لا شك أن لها أثرا كبيرا في نفوس الناس ، وفيها أيضا شحذ الهمم من حيث الإقتداء والائتساء بهم .
 
( 3 )
أزيز كأزيز المرجل


** حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه ، مطرف بن عبد الله سيد جليل من سادات التابعين ، وأبوه صحابي ، يقول : (( رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل )) القدر إذا كان على النار وهو يفور ، مع الأسف إن هذا يكاد أن يكون مما اندرس ، حتى مع الأسف الشديد من بعض طلاب العلم ، ولا أبالغ إذا قلت إن بعض العامة قد يوجد منه مثل هذا الأمر ، وكثير من طلاب العلم بسبب الغفلة والانشغال فيما لا فائدة فيه ؛ لما فتح على طلاب العلم أبواب الجرح والتعديل التي لا يستفيد منها الكثير ، هذا صار له عقوبات ، صار له حرمان من بركة العلم والعمل ، أنا لا أقول كل طلاب العلم بهذه المكانة ؛ لكنه موجود على كل حال , بعض طلاب العلم مع الأسف همه قال فلان ، قال علان ، القدح في العلماء ، عليك بخويصة نفسك ، ألزم ما عليك نفسك ، أصلح نفسك أولا ، تفقد الخلل الذي لديك ، يعني يندر أن نسمع من يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ، من قلبه حاضر في صلاته ، يتدبر ما يقرأ ويتأمل ، والله المستعان.
والأزيز : هو الصوت الناتج من الغليان ، غليان القدر إذا وضع على النار ، وخرج البخاري عن عمر - رضي الله عنه - أنه قرأ سورة يوسف حتى إذا بلغ قوله - جل وعلا - : { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } سمع نشيجه - رضي الله عنه وأرضاه - ، وإلى وقت قريب ونحن نسمع من الأئمة ومن خلفهم مثل هذا الأمر ، وإلى وقت قريب أيضا في ليلة الثالث عشر أو الثاني عشر عند قراءة سورة هود الثاني عشر أو الثالث عشر الناس يبكون ، يسمع لهم شيء من هذا كثير ، وبعض الأئمة وإن لم يكن صوته من الجمال بحيث يؤثر في الناس ؛ لكنه يتأثر ويؤثر ، وإن كان الحديث الوارد في هود وأن النبي - عليه الصلاة والسلام - سئل عن شيبه ، سأله أبو بكر أراك شبت يا رسول الله ! ، قال : ((شيبتني هود وأخواتها)) ؛ لكن هود لا شك أنها مؤثرة ، الخبر مضطرب ، وبعضهم يرجح بعض الروايات على بعض وينفي الاضطراب ؛ ولكن على كل حال هي مؤثرة سواء ثبت الخبر أو لم يثبت ، وعندنا بعض الناس يقرأ سورة هود وكأنه يقرأ جريدة ! يعني لا أثر ولا تأثير - نسأل الله العافية - ، وهذا يخشى أن يكون من مسخ القلوب ، ومعلوم أن مسخ القلوب أشد من مسخ الأبدان ، فعلينا جميعا أن نعتني بهذا الباب .























إلى الله نشكو قسوة قلوبنا

** سورة الطور سورة عظيمة ، تهز قلب الكافر قبل المسلم ، ففي الصحيح من حديث جبير بن مطعم أنه قدم المدينة في فداء أسرى بدر ، وكان يومئذ كافرا ، فسمع النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور ، وأخبر عن نفسه أن قلبه كاد يطير من سماع هذه السورة ، قال: وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي ، وهذا كافر لا يؤمن بالله ، ولا بما جاء عن الله ؛ لكنه بفطرته مع تذوقه للكلام ، فالعرب الذين نزل القرآن بلغتهم يفهمون ما يلقى إليهم ، ومما يؤسف له أن كثيرا من المسلمين لا يعون ولا يدركون مثل هذا الإدراك ، فتقرأ سورة الطور ، وتقرأ سورة هود ، وتقرأ الآيات التي لو أنزلت على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ، ومع ذلك لا تحرك ساكنا ، هذا كافر كاد قلبه أن يطير ، والنصارى إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ، ومع الأسف أن المسلم في عصرنا هذا لا تكاد تحرك فيه ساكن ؛ إلا من رحم الله ، وهم قلة ؛ لأننا نجد في أنفسنا ، ونحن مع إخواننا من طلاب العلم يعني لنا صلة وإن كانت ضعيفة ، حقيقة الصلة ضعيفة بكتاب الله ؛ لكنها موجودة ، يعني ولو كانت ناقصة ، ومع ذلك كلام الله لا يحرك فينا ساكنا وما ذلكم إلا لقسوة القلوب ، وما ران عليها من الذنوب ، ومن أظهر ذلك التخليط في المأكول الذي ران على القلوب وغطاها ، وغشاها ؛ فصارت لا تفقه شيئا ، إذا كان كلام الله يتلى بأصوات مؤثرة ، ومع ذلك القلب لا يجل ! ولا تزيدنا إيمانا مع الأسف ، والله - جل وعلا - حصر الإيمان بالذين إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ، وجلت قلوبهم، ونحن لا تحرك ساكنا ، فنشكو إلى الله -جل وعلا - قسوة القلوب ، ومع هذه الشكوى لابد من بذل الأسباب ؛ لإحياء الشعور فيها ، أبو جهل وأبو لهب وغيرهم من مشركي قريش من عتاة وصناديد قريش إذا قيل لهم قولوا لا إله إلا الله نفروا ، وقالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا ؟ وتجد المسلم منذ قرون يطوف بالقبر وهو يقول لا إله إلا الله ! فهل هذا يفهم معنى لا إله إلا الله كما يفهمها أبو جهل وأبو لهب ؟! والله ما يفهم لا إله إلا الله ، تجده يقول : لا إله إلا الله وهو يقول يا علي يا حسين !! هل هذا يفهم معنى لا إله إلا الله ؟! ونحن نسمع كلام الله بالأصوات المؤثرة التي لو قرئ فيها كلام عادي ؛ يعني تتأثر من جمالها وحسنها وترقيقها فكيف بكلام الله المؤثر بنفسه بذاته ؟! هذا كافر كاد قلبه أن يطير! فماذا عنا ؟! هل نحن بهذه الصفة ؟! أتكلم عن نفسي ، وأعرف من حال كثير من إخواني إنهم ليسوا كذلك ! فلا بد من مراجعة الحسابات ، الحسن يقول: " تفقد قلبك في ثلاثة مواطن ، في قراءة القرآن ، وفي الصلاة ، وفي الذكر ؛ فإن وجدته ؛ وإلا فاعلم أن الباب مغلق " يعني بينك وبين ربك حجاب! فاسع إلى رفع هذا الحجاب ، فهل سعينا إلى رفع هذا الحجاب ؟! سعينا بجد ؟ وبذلنا الأسباب ؟ وعملنا على انتفاء الموانع التي تمنع ارتفاع هذا الحجاب ؟! نحن على طريقة واحدة منذ أن بدأنا الطلب إلى يومنا هذا ونحن طريقتنا لا تتغير ؛ بل الملاحظ أنها تتغير إلى الأسوأ !! أيام بداية الطلب كانت قلوبنا أفضل مما هي الآن ! وهذا يجعل الإنسان يسيء الظن بنفسه ، وبنيته ، وطلبه للعلم .. هل هو على الجادة؟! العلم فائدته العمل ، والقرب من الله - جل وعلا - فهل أفادنا هذا العلم القرب من الله - جل وعلا - ؟! هل استحضرنا لذة المناجاة بين يدي الله - جل وعلا - ؟! هل تلذذنا بصلاة ركعتين في جوف الليل ؟! لا بد من إعادة الحساب ، وإذا كان هذا كافر يسمع النبي - عليه الصلاة والسلام - يقرأ بسورة الطور ؛ فيكاد قلبه أن يطير ! كاد قلبه أن ينخلع - كما في بعض الروايات - فماذا عنا ؟! ونحن ننتسب إلى طلب العلم ، ونعنى في الظاهر والله أعلم بالبواطن والخفايا ! في الظاهر نعنى بكتاب الله ، وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام - ، وهي ديدن كثير من الإخوان وطلاب العلم ؛ لكن مع ذلك ؛ النتيجة الغاية هل نحس فيها بلذة ؟! ما نحس بشيء ! فلا بد من إعادة النظر ، لا بد من بذل الأسباب ، والسعي بجد على انتفاء الموانع ؛ يعني اعلم أن الباب مغلق ! لا أبالغ إذا قلت أنني مرارا أبدأ بسورة يونس ولا أشعر إلا وأنا في سورة يوسف ! أقول هذا عن نفسي ، أين ذهبت سورة هود بين السورتين ؟! يعني ثلاثة سور واحد وأربعين صفحة من القرآن ، ثلاثة سور تبدأ من أولها إلى آخرها مررت بسورة هود ؛ ولا كأن شيئا حصل ! والنبي - عليه الصلاة والسلام - لما سأله أبو بكر وغيره أراك شبت يا رسول الله ، قال : (( شيبتني هود وأخواتها )) ، الحديث لا يسلم من كلام لأهل العلم حتى قيل أنه مضطرب ؛ لكن الحافظ ابن حجر يقول إنه يمكن ترجيح بعض الوجوه على بعض ؛ فيكون حسنا ، قصص لأمم غابرة ارتكبت ما ارتكبت من الذنوب والمخالفات ، وعذبت بصنوف من العذاب ، نقرؤها ونسمعها ، وكأن الأمر لا يعنينا ! والمسألة كما قال عمر وغيره : " مضى القوم ولم يرد به سوانا! " نحن المقصودون أيها الإخوان ، ليس المقصود لا عاد ، ولا ثمود ، ولا أصحاب الأيكة ، ولا مدين ، ولا قوم فرعون ، مضوا وانتهوا ، لمن أنزل القرآن ؟! أنزل لنا ؛ لنعتبر ونتعظ وندكر ، والسنن الإلهية واحدة لا تتغير ، عذبوا بأسباب إذا وجدت هذه الأسباب ؛ يعذب بها غيرهم { لن تجد لسنة الله تبديلا } ولم يستثنى من الأمم إلا قوم يونس ، ما استثتي من هذه السنة الإلهية إلا قوم يونس ، يعني لما انعقدت الأسباب ، وحقت كلمة العذاب نفعهم إيمانهم ؛ لكن غيرهم ؟! السنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل ، ونحن الآن واقعون في مسائل ، وفي عظائم موجودة في مجتمعنا ؛ ونخشى من عقوبة تنزل بنا ، ومن أن يحل بنا ما حل بغيرنا من المثلات ، والقوارع ، نرى الناس يتخطفون من حولنا ونحن في بلد آمن ؛ فعلينا أن نشكر هذه النعمة ، ونقوم بشكرها ، ونؤديه على الوجه المطلوب ، لا يكفي اللسان ؛ بل لا بد من العمل .























اصدق اللجأ، وأخلص النية؛ توفق بإذن الله


(( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله )) نعم ، قد يأتي الخبر ويراد به الأمر ، الآن في قوله - عليه الصلاة والسلام - : (( ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى )) هل الحديث متضمن لطرد الصغار الذين تقدموا إلى الصلاة ، وصلوا خلف الإمام ؟! - لا - هذا فيه حث للكبار أن يتقدموا ؛ ليصفوا قرب الإمام ، فلا تترك هذه الأماكن المهمة في المسجد للصغار ، وليس معنى هذا أنه طرد للصغار ؛ إنما هو حث للكبار ، ومثل هذا ما جاء في الحديث ((يحمل هذا العلم)) يعني ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، وهذا على القول بأن ما يحمله الفساق يسمى علما ولو تسمية عرفية وليست بتسمية شرعية ، العلم جاء الأمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- بطلب الزيادة منه ، ولم يؤمر - عليه الصلاة والسلام - بطلب الزيادة في شيء إلا من العلم { وقل رب زدني علما } [سورة طه/ 114] ، والنصوص في هذا كثيرة ، {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [سورة المجادلة/ 11] ، وكم بين الدرجة والدرجة من درجات الجنة ؟! فالأمر في غاية الأهمية ؛ لكن دون العلم مع الراحة والاسترخاء خرط القتاد ، يسمع الناس النصوص ، وينظرون في واقع أهل العلم ، ويرون الشرف في الدنيا والآخرة ، ويتمنى كل واحد أن يكون عالما ؛ لكن دونه خرط القتاد ، النفس بطبعها ميالة للراحة والدعة ؛ لأن العلم متين ، ويحتاج إلى تعب ونصب ، يحتاج إلى أن يسلك الطريق ، ويؤخذ من أبوابه وعن أهله على الجواد المعروفة عند أهل العلم ، وقد يطول الطريق ! ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما ؛ سهل الله له به طريقا إلى الجنة )) ، وهذا وعد لمن يسلك الطريق ؛ لأن بعض الناس تكون عنده النية الصادقة والعزيمة والهمة والحرص ، ثم بعد ذلك يطلب العلم عشر سنين ، عشرين سنة ، ثلاثين سنة ، فإذا جلس في مجلس ، أو أراد أن يحرر مسألة ؛ ما استطاع ! نقول : الأجر مرتب على سلوك الطريق ، كونك تحصل العلم – نعم ، هذه غاية ؛ لكن الأجر مرتب على بذل السبب ، وحصول المسبب بيد المسبب وهو الله - جل وعلا - ، فلا يضيق ذرعا من تعب في تحصيل العلم ، ولم يدرك منه ما يقنعه ، أو ما ينقل به ويعرض بين الناس ؛ ليصبر ، ويسلك الطريق ؛ ويوفق إن شاء الله تعالى ، ومر في كتب التراجم – تراجم أهل العلم - والواقع يشهد أيضا أن بعض الناس يطلب العلم خمسين ستين سبعين سنة ! ما يوفق ! ولا يفلح ! والسبب في ذلك كما جاء في الحديث حديث معاوية - رضي الله عنه - : ((من يرد الله به خيرا ؛ يفقه في الدين)) ، ((وإنما أنا قاسم ، والله المعطي)) الله - جل وعلا - هو المعطي ، النبي - عليه الصلاة والسلام - قسم العلم على الأمة ، ما كتم شيئا مما أمر بتبليغه ؛ لكن المعطي في الحقيقة هو الله - جل وعلا - ؛ فاصدق اللجأ إلى الله - جل وعلا - ؛ وأخلص في طلبك للعلم ؛ وتوفق إن شاء الله ، ولو لم تدرك إلا الدخول في حديث ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما؛ سهل الله له به طريقا إلى الجنة)) طالب العلم بحاجة ماسة إلى تصحيح النية ، والإخلاص لله - جل وعلا - ، فالعلم عبادة لا تقبل التشريك ، أولا : لا بد من بيان العلم الذي جاءت النصوص بفضله ، وفضل أهله ، العلم الذي جاءت النصوص بفضله هو العلم الشرعي المورث للخشية { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [سورة فاطر/ 28 ] نعم هو العلم الذي رتبت عليه الأجور هو العلم الشرعي ، العلم الشرعي المستمد من كتاب الله -جل وعلا - ، وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام - ، والوسائل لها أحكام المقاصد ، فما يعين على فهم الكتاب والسنة ؛ دخل في فضل هذا المقصد العظيم ، وهو علم قال الله وقال رسوله ، فعلى طالب العلم أن يصحح النية ، ويخلص في طلبه للعلم ؛ لأنه عبادة ، وقد جاء في الحديث الصحيح حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار ، ومنهم من تعلم وعلم فسئل بعد ذلك ، فقال : تعلمت العلم ، وعلمته الناس ، وقد ينفق على التعلم والتعليم عقود ؛ لكن يقال له في النتيجة ، كذبت ! إنما تعلمت وعلمت ليقال ! فهذا أحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار - نسأل الله السلامة والعافية - فالمسألة خطيرة ، وليس فيها كفاف ، لا علي ولا لي ! - لا - إنما إما أن ترفع درجات ، أو تكون أول من تسعر بهم النار ؛ لكن قد يسمع بعض طلاب العلم مثل هذا الكلام ، فيقول : لا طاقة لي بمثل هذا ، أترك ! والترك ليس بحل ؛ لأن من عمل من أجل الناس ، أو العمل من أجل الناس رياء ، وترك العمل أيضا من أجل الناس أيضا أمره خطير ، قال بعضهم كفر...

يا طالب العلم لا تبغي به بدلا ... فقد ظفرت ورب اللوح والقلم.
 
( 4 )
اطلب العلم حتى يأتيك اليقين


الرسول - عليه الصلاة والسلام – يقول : ((إنما أنا قاسم ، والله المعطي)) فعلى الإنسان أن يبذل السبب ، ولا يقول : أنا طلبت العلم سنين ما استفدت ، عليك أن تستمر إلى أن يأتيك اليقين ؛ لأن العلم من أعظم أبواب العبادة ؛ بل يفضله أهل العلم على جميع ما يتعبد به بعد الفرائض ، أفضل نوافل العبادات تعلم العلم الشرعي ، فعليك أن تستمر ، ولو كان حفظك ضعيف ، ولو كان فهمك أقل ، مثل هذا لا يثنيك عن تعلم العلم الشرعي ، ومع الوقت والإخلاص والحرص تدرك - إن شاء الله تعالى - ، ولو لم تدرك من ذلك إلا الاندراج في قوله - عليه الصلاة والسلام - : ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة)) ألا تريد أن يسهل الله لك طريقا إلى الجنة ؟ ولو لم تدرك العلم ؛ لأن الوعد في هذا الحديث ما رتب على العلم ؛ إنما على سلوك الطريق فقط ، فأنت مجرد ما تسلك الطريق ، ييسر لك الطريق إلى الجنة ، ولو لم تدرك من العلم ما يكفيك أو لم تدرك شيئا ؛ لأن هذا الوعد ثابت لمجرد من سلك الطريق .






اعتن بصلاح قلبك


(( ألا وإن في الجسد مضغة )) يعني بقدر قطعة من اللحم بقدر ما يمضغه الإنسان ، بقدر اللقمة ، يعني ما هو بكبيرة ؛ ((إذا صلحت)) هذه المضغة ؛ ((صلح الجسد كله ، وإذا فسدت ؛ فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب )) القلب شأنه عظيم ، وفساده خطير ، ومرضه شر مستطير ، وكثير من الناس يعيش بين الناس وقلبه ممسوخ وهو لا يشعر ! - نسأل الله السلامة والعافية - وقد يكون ممن ينتسب إلى العلم ، أو إلى طلب العلم ، يعني لا نكابر! يعيش بين الناس بقلب ممسوخ - نعم - ما المانع! لكثرة ما يزاوله وينتهكه من محرمات ، فالقلب تنبغي العناية به ، العناية بالقلب في غاية الأهمية ، وجميع خطاب الشرع موجه إلى القلب {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم} [(88-89) سورة الشعراء] فالقلب شأنه عظيم ، فعلى المسلم لا سيما طالب العلم أن يعنى بصلاح قلبه ، هناك أمراض للقلوب ، وهناك أدوية للقلوب ، وخير ما يداوى به القلب المريض بالقرآن الكريم ، بقراءته على الوجه المأمور به بالترتيل والتدبر ، أيضا الارتباط بالله - جل وعلا – بالأذكار ، بنوافل العبادات من الصيام والقيام ، وأن يعين على نفسه بكثرة السجود ، المقصود أن هناك أمور تعين على صلاح القلب ((وإذا فسدت ، فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب )) القلب بمنزلة الملك ، والجوارح أعوان لهذا الملك ؛ فإذا كان الملك صالح ؛ وجه هؤلاء الأعوان إلى ما يصلح ، وإذا كان الملك فاسد ؛ وجه الأعوان إلى ما يفسد ويضر ((إذا صلحت ؛ صلح الجسد كله ، وإذا فسدت ، فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب)) .








الانشغال عن القرآن


(( ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره )) مع الأسف أن كثيرا من المسلمين انشغلوا عن القرآن بالقيل والقال والصحف والمجلات ، والقنوات ، تجد بعض طلاب العلم عنده استعداد يقرأ الجرائد كلها ! أو المسلم الموظف بعد ما يطلع من وظيفته إلى أن ينام وهو يقلب الجرائد ! علشان إيش ؟! ماذا تستفيد من هذه الجرائد ؟! هذا خبر سيء ، وهذا تهكم بالدين ، وهذا استهزاء بالمتدينين ، وهذه صورة عارية ومع ذلك هذا ديدن كثير من الناس ، ويمر عليه اليوم واليومين والأسبوع والشهر وهو ما فتح المصحف ! إن تيسر له أن يحضر إلى الصلاة قبل الإقامة بدقيقتين ، ثلاث ، خمس قرأ قراءة الله أعلم بها ! قرأ له ورقة ورقتين !! وبعض الناس ما يعرفون القرآن إلا في رمضان ! هذه مشكلة ؛ ولذا يقول : ((ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره)) نعم هناك علوم يعني لا يشمل هذا الكلام ، النظر في السنة مثلا ، أو في العلوم المساندة التي تعين على فهم القرآن ، كلها من العناية بالقرآن ؛ لأن السنة تفسر القرآن ، توضح القرآن ، العلوم التي تعين على فهم القرآن ، والإفادة من القرآن ، والاستنباط من القرآن كلها داخلة في تعلم القرآن ((إنه لا خير في عبادة لا علم فيها)) عبادة على الجهل لا خير فيها ، قد يرتكب هذا العابد مبطل لهذه العبادة ، وهو لا يشعر! ((ولا خير في علم لا فقه فيه)) يعني تجد بعض الناس منهوم بقراءة الكتب ؛ لكن لا يفهم ولا يريد أن يفهم ! مجرد سرد ، لا يقف عند المسائل ، ولا يحرر المسائل ، ولا يحقق المسائل ((لا خير في علم لا فقه فيه، ولا خير في قراءة لاتدبر معها)) يعني الخير المرتب على التدبر ؛ لا يأتي إلا بالتدبر، وأما قراءة الحروف فتتم مع غير التدبر ، وفضل الله واسع ، والله المستعان.







التلذذ بالطاعات والعبادات


لا شك أن الشرع فيه تكاليف ، وفيه ما يشق على النفوس ؛ لأن الجنة حفت بالمكاره ، هذا هو السبب في تسمية الأحكام بالتكليف ؛ لأن الجنة حفت بالمكاره ، ولا يمنع أن يكون هذا التكليف في بداية الأمر ، ثم بعد ذلك يكون تلذذ بالطاعة ، يعالج الإنسان نفسه على هذه التكاليف؛ حتى تصير ديدنا لها ويتلذذ بها ، وهذا معروف عند المسلمين قديما وحديثا ، كثير من الناس يتلذذ بالطاعة والرسول - عليه الصلاة والسلام – يقول : ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) ، ولسان حال كثير من المسلمين يقول : أرحنا من الصلاة ؛ لا شك أن الصلاة تكليف على خلاف ما تهواه النفس ؛ لكن إذا اعتادها الإنسان وتعلق قلبه بها حدث ولا حرج من اللذة وانشراح الصدر في الصلاة ، وجاهد السلف وكثير من الناس في القديم والحديث جاهدوا أنفسهم من أجل قيام الليل جاهدوا مدة ، ثم صار من شأنهم وديدنهم ؛ فتلذذوا به ، وهكذا غير الصلاة من العبادات ، الصيام في الهواجر من أشق الأمور على النفس الصيام في الهواجر ؛ لكنه من ألذ الأشياء عند من عود نفسه عليه وصار شأنه وديدنا له ، والله المستعان ، وقل مثل ذلك في سائر العبادات كتلاوة القرآن التلذذ بمناجاة الله - عز وجل - والخلوة به ، والله المستعان ، وهذا محروم منه كثير من الناس ، والسبب انشغالهم بهذه الدنيا.











الجمع بين قراءة القرآن والتفسير

هل بالإمكان الجمع بين قراءة القرآن والتفسير، وذلك حينما أريد أن أقرأ القرآن كل شهر؟ وما هي أقصر الطرق لفهم الآيات؟

يعني قراءة جزء من القرآن في كل يوم هذا أمر سهل يسير ، الجزء مع التدبر والترتيل يحتاج إلى نصف ساعة ، ولا يشق ، ومراجعة كتب التفسير المختصرة ؛ لا سيما المتعلقة بغريب القرآن ، لا تكلف شيئا أمرها سهل ، ومن كتب الغريب ما طبع في حاشية المصحف ، وهذا ييسر أكثر ؛ لكن قراءة جزء في كل يوم بالنسبة لطالب العلم كأنها قليلة بالنسبة لكتاب الله - جل وعلا - ! فلا يشق على طالب العلم أن يجلس بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس ، وحينئذ يتيسر له أن يقرأ القرآن في سبع ، كما أمر النبي - عليه الصلاة والسلام - عبد الله بن عمرو بذلك ، حيث قال له : ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) وهو مع قراءته يدون الكلمات الغريبة ليراجع عليها بعد الفراغ من القراءة ، يراجع عليها كتب التفسير ، ويراجع عليها كتب الغريب ، فكتاب الله ينبغي أن يكون عناية طالب العلم به أكثر ، نعم يعنى بالحفظ أولا ، ثم بعد ذلك بالمراجعة ، ثم القراءة من أجل تحصيل أجر الحروف ، فالتدبر والترتيل والعمل ؛ كل هذا مطلوب بالنسبة لطالب العلم ، يعني بالنسبة للعامي الذي يعرف يقرأ القرآن هذا إذا حصل أجر الحروف بالنسبة له ؛ يكفيه ! أما بالنسبة لطالب العلم لا بد أن يتفقه من كتاب الله ، وأن يتعلم كتاب الله ، وأن يعلم كتاب الله بعد ذلك ، أما إذا قرأ القرآن في شهر ، كل يوم جزء ، بإمكانه أن يقرأ معه تفسير مختصر ؛ حينئذ يتعلم القرآن علما وعملا على طريقة الصحابة - رضوان الله عليهم - ؛ لكن على الإنسان أن يستكثر من هذا الباب الذي فتح له مما يقربه إلى الله - جل وعلا - .






الحرص على كتاب الله -عز وجل-


وليحرص طالب العلم على كتاب الله - جل وعلا - ، وما يعينه على فهم كتاب الله من النظر في التفاسير الموثوقة التي كتبها أهل التحقيق ، والنظر أيضا في العلوم التي يسمونها علوم الآلة التي تعين على فهم الكتاب والسنة ؛ وليكن حفظه للقرآن وغيره من العلوم على الجادة ، فالقرآن -مثلا- يخصص ما يريد حفظه ، والناس يتفاوتون ، من الناس من رزق حافظة تسعفه لو أراد حفظ جزء كامل من القرآن ، ومن الناس من لا يستطيع حفظ أكثر من آية ، وبقية الناس بين هذين ، فيحدد ما يغلب على ظنه أنه يستطيع حفظه ، أربع آيات ، خمس آيات ، عشر آيات ، ثم يحفظ هذه الآيات ، ويتعلم ما فيها من علم وعمل ، يراجع عليها ما يناسب سنه وتحصيله من التفاسير التي تعينه على فهم هذه الآيات ، فإذا انتهى من القرآن فإذا به قد انتهى من العلم والعمل ، يتعلم ، يحفظ ، يفهم ، يستنبط ، يعمل ، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي : " حدثنا الذين يقرؤوننا القرآن أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ويعرفوا ما فيها من علم وعمل " ، وتعلموا العلم والعمل جميعا بهذه الطريقة .
الــــــربانـي


"الرباني" منسوب إلى الرب ، أو إلى التربية ، إما لأنه يربي الناس ، أو لأنه مطيع لربه فاعل لأوامره مجتنب لنواهيه ، معتن بخلقه ، وقيل في الرباني : إنه الذي يتعلم ثم يعمل ويعلم ، فالمتعلم والمعلم هذا رباني ، وعن ابن عباس أنه الذي يعلم الناس بصغار العلم قبل كباره ، يعلم الناس بصغار العلم قبل كباره وعلى هذا عليه أن يتدرج مع الطلاب من الصغر إلى أن يكبروا ، فيعلمهم المتون الصغيرة ، ويحفظهم إياها ، ويشرحها لهم بالطريقة المناسبة لاستيعابهم ، وعقولهم ثم يتدرج إلى ما هو أكبر منها ، ثم إلى ما هو أكبر ، ويكون نظره إلى مصلحة الطالب لا إلى مصلحة نفسه ؛ لأن بعض من يتصدى للتعليم ينظر إلى مصلحته ، يأتي مجموعة من الطلاب يطلبون منه درسا فلا ينظر إلى مصلحتهم وما يناسبهم ؛ بل ينظر إلى مصلحته هو ، هو يحتاج هذا الكتاب ، بغض النظر هل يستفيدون منه أو لا يستفيدون ؟ هذا ليس برباني ، هذا متعلم يريد أن يتعلم من قراءته في هذا الكتاب ؛ لكن الذي ينظر إلى مصلحة الطالب ويوجهه إلى ما يفيده وينفعه ويناسبه هذا هو الرباني .
أيضا لو قدر أن شخصا يعلم الطلاب ، نظر إلى هؤلاء المجموعة فوجدهم من المبتدئين أو المتوسطين وأراد أن يرفع من هممهم وينهض فجعل درسا في علل الدارقطني ، وآخر في موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول لشيخ الإسلام ، هذا نصح للطلاب و إلا ما نصح ؟ والله ما نصح للطلاب ، وهؤلاء الطلاب المجزوم به أنهم سوف يتركون الطلب ، فعليه أن يتدرج بهم ينظر فيما يحتاجون يتلمس حاجاتهم ويعلمهم إياها .
قد يقول قائل : إن بعض الشيوخ لا يستطيع أن ينزل بطريقته وأسلوبه إلى صغار المتعلمين ، هل هو من هذا النوع ؟ نقول : إذا لم يقم بحاجة صغار المتعلمين لا بد أن ينزل ، إذا لم يقم بها أحد ، وإذا وجد من يعينه عليها ويقوم بها ويكفيه إياها لا مانع أن يعلم من فوقهم بطريقته وأسلوبه الذي يراه نافعا.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : الرباني هو المعلم ، وأخذه من التربية أي يربي الناس بعلم كما يربي الطفل أبوه ، وقال سعيد بن جبير : هو الفقيه العليم الخبير ، وقال سيبويه: زادوا ألفا ونونا في الرباني إذا أرادوا تخصيصا بعلم الرب ، كما قالوا : شعراني ولحياني لعظيم الشعر واللحية ، وقال أبو عمر الزاهد : سألت ثعلبا عن هذا الحرف وهو الرباني فقال : سألت ابن الأعرابي فقال : إذا كان الرجل عالما عاملا معلما قيل له : رباني ، فإن حرم خصلة منها لم يقل له رباني ، وفي مفتاح دار السعادة للإمام المحقق ابن القيم : معنى الرباني : الرفيع الدرجة في العلم ، العالي المنزلة فيه ، وعلى ذلك حملوا قوله تعالى : {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} [ (63) سورة المائدة ].. إلى آخره.
قبله في البخاري : "الذي يربي بصغار العلم قبل كباره" هناك أقوال كثيرة لكن أشهرها ما ذكرنا أنه إما الذي يربي الطلاب بصغار العلم قبل كباره ، أو أنه الذي يعتني بنفسه وبغيره فيتعلم ويعمل ويعلم، ويكون وقته لله .
 
جزاكم الله خيرا على هذه الدرر
 
( 5 )
العلم حفظ وفهم

فلا علم بدون فهم ؛ لأن الاعتماد على الحفظ وحده دون فهم يصدق فيه ما يردده بعض الناس من قولهم بإزاء من يحفظ : زاد في البلد نسخة ، يعني كون البلد فيها نسخ كثيرة من هذا الكتاب ، وهذا يحفظ هذا الكتاب ولا يعاني فهمه ، هذا بمثابة زيادة نسخة ، وهذه العبارة ، وإن كان أصلها ومنشأها سببه التقليل من شأن الحفظ ، وقد راج قبل نصف قرن من الزمان الدعايات ضد الحفظ ، حتى قال قائلهم ممن يزعم أنه يعاني تربية الجيل : أن الحفظ يبلد الذهن ، الحفظ يبلد الذهن .
وأقول : لا علم إلا بحفظ ، وأنتم سمعتم ، ورأيتم من يعلم ، ومن يفتي مع ضعف في حافظته ، أو عدم عناية منه بالحفظ ، سمعتم ما لا يعجبكم ، بخلاف من حفظ العلوم ، وعلى رأسها النصوص ، قال الله ، وقال رسوله .
فالذي يفتي بالنصوص على نور من الله - جل وعلا - ، أما الذي ليس له نصيب من الحفظ ، مثل هذا يتخبط يمينا وشمالا ، وبالأساليب الإنشائية يمضي الوقت ، لكن هل يقنع السامع ، لا سيما إذا كان السامع طالب علم ؟ لا ، والساحة مملوءة من أمثال هؤلاء .
يعني فرق بين أن تسمع كلام عالم له عناية بالفقه ، بالعلم من أبوابه ، وله حفظ ، ورصيد من الحفظ من النصوص ، ومن أقول أهل العلم ، ولا سيما من أقوال سلف الأمة فيما يوضح به النصوص ، البون شاسع بين هذا وبين من لا يحفظ ، فلا بد من الحفظ ، ولا بد من الفهم ، لا يكفي الحفظ وحده ، ولا يكفي الفهم وحده ، ولو كان الفهم كافيا دون حفظ لرأينا من عوام المسلمين - ممن يعدون من أذكياء العالم- ، وهم في أسواقهم من الباعة ، رأيناهم علماء ، وهم يسمعون العلم ، يسمعون الخطب ، يسمعون الدروس في المساجد ، ومع ذلك لا يدركون شيئا من العلم ، وهم على جانب كبير من الفهم.
فعلى هذا المفاتيح الغريزية هي : الفهم والحفظ ، فإذ حفظ طالب العلم ما يريد حفظه من نصوص الكتاب والسنة ، ومن أقوال العلماء ، من المتون المعروفة عندهم في كافة العلوم ، حرص على فهم واحد ، وكل منهما يعين على صاحبه ، فالفهم يعين على الحفظ ، والحفظ يعين على الفهم .























العلم يحتاج إلى مدارسة وسهر وتعب


العلم يحتاج إلى مدارسة ، يحتاج إلى أن تسهر الليالي ، وعرف من كثير من المتقدمين تقسيم الليل إلى ثلاثة أجزاء : ثلث للنوم ، وثلث للمطالعة والكتابة ، وثلث للصلاة ، ولا بد من الاستعانة بالصبر والصلاة ؛ لأن بعض الطلاب تجده حريص على طلب العلم ، ومن درس إلى درس ، ومن حلقة إلى حلقة ، ومع ذلك يشق عليه أن يصوم يوم في سبيل الله ، أو يصلي ركعتين مثل هذا لا يعان على طلب العلم ، خير ما يعين على طلب العلم العمل بالعلم ، ولذا تجدون الجبال الكبار من أئمة الحفظ والفهم لو نظرت إلى مدة طلبهم للعلم بالنسبة لما عرف عنهم من عمل وجدت أن العمل أكثر ، يعني الإمام أحمد وهو يحفظ سبعمائة ألف حديث كيف تدرك سبعمائة ألف حديث ؟ يعني يحتاج إلى أن يحفظ كم في اليوم الواحد ؟ هل نقول : إن الإمام أحمد عطل الواجبات ترك النوافل والمندوبات ؟ أبدا ، الإمام أحمد يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة ، ويقول القائل مما لا يحتمل عقله مثل هذا الكلام هذا غير معقول ، ثلاثمائة ركعة تحتاج إلى إيش ؟ تحتاج إلى دقيقة مثلا ، يعني ركعة أقل ما يجزئ تحتاج إلى دقيقة ، وثلاثمائة دقيقة يعني خمس ساعات ، متى يطلب العلم ؟ متى يتعلم ؟ متى يعلم ؟ متى ينام ؟ متى.. ؟ لكن لتعلم أن الإمام أحمد ما عنده استراحة ، نعم وليس عنده أناس يؤنسونه ، ويضيعون عليه الأوقات كما يفعله كثير من الناس اليوم ، وليس عنده على ما قال بعضهم : صالون في بيته يحتاج إلى ثلاث ساعات في اليوم ينظر في المرآة ، وهذه شعرة زائدة ، وهذه شعرة ناقصة ، الإمام أحمد ما عنده شيء من هذا ، فإذا صرف خمس ساعات في الصلاة وقل مثلها للعلم بقي عنده أربعة عشر ساعة ، والواحد منا إذا حضر درس أو ألقى درس يحتاج إلى راحة كأنه ألقى صخرة من فوق رأسه يحتاج بقية اليوم كله يرتاح وينفس عن نفسه ، فمثل هذا يحتاج الإنسان في مثل هذه الظروف إلى إعادة نظر.





العلم متين ويحتاج إلى حفر في القلوب

إذا عجزت عن الحفظ ، بعض الناس الحافظة عنده قريبة من الصفر ، وبعض الناس الحافظة عنده قريبة من المائة في المائة ، كما أن القريب من الصفر في الحافظة ، عنده فهم قريب من المائة بالمائة ، والثاني بالعكس ، وبين هذين ما يقرب من هذا وما يبعد من هذا.
نضرب مثال بالجلالين ــ صاحبي التفسيرــ ، جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي ، جلال الدين المحلي إمام من أئمة الشافعية ، ومع ذلك في الحافظة يقرب من الصفر ، وقال : إنه حاول أن يحفظ فصل من كتاب أخذ عليه وقت طويل جدا مدة أكثر من أسبوع ، وارتفعت حرارته ، وظهر في جسده بثور ، وفي النهاية عجز!!
والسيوطي يقول إنه يحفظ أكثر من مئتي ألف حديث ، كيف صار المحلي إمام من أئمة الشافعية ؟ كيف صار ؟ هناك طريقة لمن هذه صفته ، إذا عجزت استعمل القلم ، اكتب ما تريد حفظه، راجع عليه الشروح وعلق عليه ، ومن كثرة المداولة يثبت في ذهنك ، مقومات التحصيل الحفظ والفهم ، قد يجتمعان في شخص ، وقد يفقدان من شخص الكلية فيصير فدما ، ما يفهم ولا يحفظ ، هذا يسلك العلم يثبت له أجر السلوك والطريق ، ويقرأ نظر ويردد القرآن ويذكر الله -جل وعلا- ولا يحرم من الأجر.
فبعض الناس عنده حافظة قوية ، وبعضهم ضعيفة ؛ لكن الفهم عنده قوي ، نقول لمثل هذا : أمسك القلم ، وكثر الأوراق اقرأ الفاتحة واكتب الفاتحة ، وراجع عليها التفاسير ، وانتق من تفسير ابن كثير على الفاتحة ، ومن تفسير الشيخ ابن سعدي ، ومن فلان ومن فلان تجتمع عندك تصور للتفسير إجمالي ، ولو لم يكن من كثرة هذه المعاناة إلا ما رسخ في ذهنك مما كتبت ومما قرأت فيكفي ؛ لأن العلم متين يحتاج إلى معاناة ، يحتاج إلى حفر في القلوب .
أقول ؛ مثل هذا الذي لا يستطيع أن يحفظ يعمد إلى كتاب صعب ، لا يذهب إلى منار السبيل أو منهج السالكين ، - لا – نقول : اذهب إلى أصعب الكتب من المتون الفقهية ، خذ زاد المستقنع –مثلا - أو مختصر خليل - إن كنت مالكي - ، الذي كلامه أشبه ما يكون بالألغاز ، وانظر ما قال الشراح حول هذا الكلام ، وتصور الكلام واكتب ما تصورت ، واكتب ما راجعت ، وراجع عليه كتب اللغة إن عجزت عن معنى كلمة ، راجع عليه كتب لغة الفقهاء ؛ لأن الفقهاء لهم لغة صنفت فيها الكتب ، راجع عليه الكتب التي هي أسهل منه ، بحيث إذا فهمت هذا الكلام الصعب انتقش في قلبك ، والذي لا يثبت في القلب إلا بصعوبة فإنه حينئذ لا يخرج منه إلا بصعوبة .
فأنت إذا عانيت هذا الكتاب الصعب ، وأتقنته وفهمته من خلال مراجعاتك عليه الكثيرة الشديدة ، وحاولت جاهدا أن تفهم هذا الكتاب ، أنت في النهاية استقر في ذهنك شيء قدر كبير من هذا الكتاب ، فالذي حافظته ضعيفة لا يذهب إلى الكتب السهلة ، التي تعينه على الغفلة ، لا ، يذهب إلى الكتب الصعبة ، التي لا تعينه على الغفلة ، كل كلمة تحتاج إلى نظرات ليس بنظر الواحد .
فأقول يذهب إلى أصعب الكتب ، ويراجع عليها الشروح ، ويسأل الشيوخ المختصين فيما يعجز عنه إذا انتهى يكون فهم ولا ما فهم ؟ فهم ، يكون قد ثبت في ذهنه شيء أو ما ثبت ؟ يكون ثبت في ذهنه ؛ لأن هذه المعاناة بهذه الطريقة لا بد أن يثبت الشيء في الذهن .
العلم لا يعدله شيء


يقول: أنا إنسان بدأت بطلب العلم ؛ ولكن أحس كثيرا أني لم أستفد من هذا العلم ؛ لأني أريد شيئا يوفر لي المأكل والمشرب ، وهذا العلم لم يوفر لي هذا الشيء ؛ رغم أني أعلم فضيلة العلم ؛ ولكني أفكر دائما كيف أوفر للأهل الأكل والشرب ، فهذا الشيء يتردد في نفسي دائما ، فأتثبت في طلب العلم... وضح لنا حلا في هذه المشكلة ؟!
لا شك أن الظروف التي نعيشها فيها شيء من الصعوبة ، يعني الذي يكفي الناس في الزمن السابق ، قد لا يكفي في هذا الزمان عشرة أضعافه ! واحد من الأساتذة الوافدين ، أستاذ في فنه أستاذ في الحديث ، استغنت عنه الجهة التي يعمل فيها ، فقال لي : مثل هذا الكلام ، أريد عمل فيه دخل لي ولأولادي ، العمل استغنى عني ، قلت : ما تقتدي بالأئمة الإمام أحمد ويحيى بن معين وعلي بن المديني ؟! هؤلاء حياتهم كلها للعلم ، وما نسوا نصيبهم من الدنيا الشيء اليسير ، قال: بس الإمام أحمد ويحيى بن معين ما عندهم فواتير تلفون ! ولا فواتير كهرباء ، ولا سيارات ، ولا أولاد يدرسون بالأجرة ، ما عندهم مثلنا ، صحيح الظروف التي نعيشها فيها شيء من الصعوبة ؛ لكن العلم لا يعدله شيء ! وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بأن طالب العلم يأخذ من الزكاة لشراء الكتب وما يعينه على التحصيل ، وعلى كل حال إذا أمكن الجمع بين العلم ومصدر يغنيه عن تكفف الناس فهذا هو الأكمل والأفضل ، إذا لم يتمكن فالعلم لا يعدله شيء ، فلا يترك العلم من أجل الدنيا ، ومع ذلك لا ينس نصيبه من الدنيا ؛ فعليه أن يسدد ويقارب ، لا يمنع طالب علم أن يشتغل في مكتبة ، في مطبعة ، في أي عمل يناسب عمل علمي بأجرة ، نصف الوقت ، والنصف الثاني يتفرغ فيه للطلب .
بركـة القـرآن


{وهذا كتاب أنزلناه مبارك} بركة القرآن لا تنتهي ، فهو مبارك من كل وجه ، وعلى أي حال ، فمجرد قراءته متعبد بها ، التي لا تكلف شيئا ، وبكل حرف عشر حسنات ، إذا قرئ القرآن يحصل للقارئ على كل حرف في مقابل كل حرف عشر حسنات ، هذا أقل تقدير ، والله يضاعف لمن يشاء ، فأقل ما يحصل للقارئ في الختمة الواحدة قراءة القرآن مرة واحدة على أكثر من ثلاثة ملايين حسنة ، هذا إذا قلنا أن المراد بالحرف حرف المبنى ، و إلا فالخلاف موجود : هل المراد بالحرف حرف المعنى أو المبنى ؟ لكن المرجح أنه حرف المبنى .
وهذه من بركاته ، من بركاته أنه شفاء لأمراض القلوب ، ولأمراض الأبدان ، فمن قرئت عليه الفاتحة برئ من اللدغة كأنما نشط من عقال ، كأنه ما أصيب ؛ فالبركة فيه من كل وجه ، من تدبره ورتله ، وقرأه على الوجه المأمور به ، هداه الله ، من يريد ويروم الهدى فإنه هنا في قراءة القرآن على الوجه المأمور به ، من يريد زيادة الإيمان والطمأنينة وانشراح الصدر فعليه بقراءة القرآن ، من يريد النور التام في الدنيا والآخرة فعليه أن يتمسك بالقرآن .
وفي كل يوم يطلع على سر من أسرار القرآن التي يثبت الله بها عباده الذين آمنوا ، لكن لو قرأنا القرآن على الوجه المأمور به عرفنا هذا ، {بل أكثرهم لا يعلمون} مع الأسف أن أكثر المسلمين ، وهم يقرؤون القرآن لا يعلمون وجوه هذا التثبيت ، لا يعلمه إلا من عاناه ممن قرأه على وجهه المأمور به ، {قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين} [(102) سورة النحل] هدى لا شك أن فيه الهداية ؛ لأنه هو الصراط المستقيم ، كما جاء في تفسير السلف أنه القرآن هو الذي يهديهم وهو الذي يدلهم ، {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [(9) سورة الإسراء] فالقرآن هدى ، في مطلع سورة البقرة {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [(2) سورة البقرة] هدى فالقرآن هدى.



ترويض النفس على العبادة


ثبت في النصوص عن أهل العلم من الصحابة ومن دونهم أنهم يسهرون ، لكن على أي شئ ؟ على الخير ، فمنهم من يقسم الليل إلى أجزاء ينام ثلثه ، ثم يتعلم ويطلب العلم ويقرأ ويبحث ثلثه ، ثم يصلي ثلثه ، يصلي ثلث الليل ، بهذه الطريقة لا شك أن الإنسان يصل إلى مراده ، نعم هذه صعبة على النفوس لكنها بالجهاد تسهل ، بالمجاهدة تذل ، ثم بعد ذلك تكون سجية للإنسان ، وتكون أيضا لذة ومتعة ، فالسلف منهم من قال : "كابدنا قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذذنا به عشرين سنة" ؛ فالمسألة لا بد من المرور بمرحلة المجاهدة ، طلب العلم شاق يحتاج إلى مجاهدة في أول الأمر ، ثم يكون لذة ، يتلذذ به طالب العلم.
والمعلم في أول الأمر يجاهد ، كثير من مشايخ وقضاة وطلاب العلم ودعاة في بعض المناطق تسأل هل في هذا البلد دروس؟ يقول لك: ما فيه دروس ، تسأل القاضي ، لماذا؟ يقول : والله جلسنا ، جلسنا في رجب مثلا ، جلس عندنا عشرة طلاب ، ثم جاء رمضان انقطع الدرس ثم استأنفاه بعد العيد ما حضر إلا خمسة ، ثم جاء الحج وانقطع الدرس بعد الحج حضر اثنين ، من يجلس للاثنين ؟ قلت : يا أخي تجلس لواحد ، أنت إذا أردت أن يقرأ عليك الكتاب وجئت بشخص يقرأ عليك الكتاب لا تدفع له أجرة ؟ قال : أدفع له أجرة ، قلت : إذن جرب أنت أثبت واصبر، وتجاوز هذه المرحلة ، مرحلة امتحان ، كل الناس مروا بهذا ، أنا أعرف شخص يحضر دروسه في الفجر - فضلا عن المغرب - ما يقرب من ألف ، الآن دروس المغرب جموع غفيرة ، أنا أدركته قبل ثلاثين سنة ، ما عنده إلا طالب واحد ، ثم صبر إلى أن أقبل الناس عليه ، فلا بد من تجاوز هذه المرحلة ، مرحلة الامتحان ، ثم بعد ذلك تتلذذ ، والله المستعان .
فطالب العلم عليه أن يجتاز هذه المرحلة ، والمعلم عليه أن يجتاز هذه المرحلة ، والعابد الذي يريد العبادة النوافل شاقة على النفس ، وبعض الناس يفتح له أبواب ويغلق عليه أبواب ، عنده استعداد يجلس خمس ساعات يقرأ القرآن ، لكن تشق عليه سجدة التلاوة ، فضلا عن صلاة ركعتين ، نقول : عليك أن تجاهد نفسك لترويضها من أجل الصلاة ؛ لأن الصلاة من أفضل الأعمال ، بعض الناس عنده استعداد يبذل الألوف المؤلفة ولا يصوم يوم ، يقال : عليك أن تجاهد نفسك في الصيام ، في هذا الباب ، ليفتح لك ، فإذا جاهدت نفسك وتجاوزت هذه المرحلة أبشر تجد من اللذة والمتعة والأنس ما يجعلك تتمنى أن لو كان اليوم أطول ، وأحيانا منهم من يتمنى وقرأنا في سير بعض العباد ، أنهم يتمنون أن الحر أشد ، والوقت أطول ، لأنهم لا يحسون بتعب ما دام القلب مرتاح فالبقية كلها مرتاحة ، والذي يتعامل مع الله - جل وعلا – القلب ، البدن شبه المعدوم في هذا الباب ، كيف ذلك ؟ شخص جاوز المائة ويصلي خلف شخص في صلاة التهجد ويقرأ في التسليمة جزء كامل من القرآن ، ففي صلاة التهجد يقرأ خمسة أجزاء في التسليمة الأخيرة في يوم من الأيام، وهذا الشخص جاوز المائة ويصلي قائم واقف خلف هذا الإمام ، في التسليمة الأخيرة الخامسة خفف الإمام ؛ لأنه سمع مؤذن يؤذن الأذان الأول والعادة جرت أنه إذا أذن الأذان الأول معناه أن المسجد هؤلاء انتهوا من الصلاة ، فظن أنه تأخر على المصلين فخفف فلما سلم اتجه إليه هذا الشيخ الكبير الذي جاوز المائة ، وأخذ يوبخه ويقرره ويقول : ليال قليلة وجاء وقت اللزوم يعني آخر الوقت كيف تخفف؟. وشباب يتذمرون نجد مسجد يصلي صلاة العشاء مع التراويح بأقل من نصف ساعة ؟ وهذا يمتلأ من الشباب لماذا ؟ لأنه يخفف ، لكن الذي يطول عليهم لو يزيد خمس دقائق تذمروا وضاقوا ذرعا بهذا التطويل ، وبعضهم عنده استعداد يخرج من المسجد ، والتسليمة في أقل من خمس دقائق ويخرج من هذا المسجد ساعة يتحدث من أحد ، وبلغنا عن شخص كبير في السن من عشر سنوات أو أكثر يصلي جالس ، في يوم العيد صارت عارضة ، تعرفون العارضة ؟ نعم ، فأخذ يعرض مع الناس قائم بيده السيف وقتا طويلا ، فلما نوقش يا ابن الحلال تصلي جالس من سنين والآن... قال : والله لو كنتم تعلمون ما الذي حملني على رجلي فأنا أعلم ، ما أدري ما الذي شالني ؟ فالتعامل في مثل هذه المواقف القلب الذي يتعامل تجد شخص تقول: كيف هذا يستطيع أن يعيش ؟ وبعد ذلك إذا وقف في الصلاة كأنه سارية ، لا يتحرك ، وبعض الناس يراوح بين رجليه قبل أن تتم الفاتحة ، ملل وقلق ، وسببه عدم ترويض النفس على العبادة .
النبي - عليه الصلاة والسلام - غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك قام حتى تفطرت قدماه ، هذا شكر النعمة ، ولهذا لما قيل له قال : ((أفلا أكون عبدا شكورا؟!)) فعلى الإنسان أن يشكر الله - جل وعلا - على ما أعطاه وأولاه من نعم ، وأسدى إليه من دفع للنقم.




حياة العلم مذاكرته، فكيف تكون مدارسته؟!


يقول : حياة العلم مذاكرته ، فكيف تكون مدارسة العلم ومذاكرته ، وكيف يراجع طالب العلم جميع العلوم ؟ فالعلم مع الأيام ينسى والأشغال تكثر فكيف نراجع ؟ تعبنا نراجع وننسى!
مذاكرة العلم مع الأقران قبل وبعد ؛ قبل الدرس وبعده ، ينتقي طالب العلم خمسة من أقرانه يقاربونه في الفهم وفي الحفظ ويتعاون معهم على هذا الأمر ، وهذا لا شك أنه من أعظم أنواع التعاون على البر والتقوى ، فهؤلاء الخمسة أو الستة أو العشرة مثلا ؛ يجتمعون قبل الدرس ثم يقرؤون القدر المقرر شرحه في الدرس ، ثم يقرؤون القدر المقرر شرحه في الدرس ، ويحفظونه كل واحد يراجع على الثاني ، ثم بعد ذلك ينصرف كل واحد في زاوية ومعه ورقة وقلم ويعلق على هذا الكلام ؛ يشرح هذا الكلام من تلقاء نفسه ، يشرح هذا الكلام من تلقاء نفسه ، ثم بعد ذلك يقرؤون كل واحد يصحح للثاني ، إذا انتهوا من هذا قرؤوا الشرح على هذا الكلام من قبل أهل العلم ، نفترض أنه مقطع خمسة أسطر من زاد المستقنع ؛ يحفظونه إذا كان الشيخ يطالب بالحفظ وكل واحد يضع عليه شرح أو حاشية حسب استطاعته ؛ حسب فهمه وتصوره لهذه المسألة ، ثم بعد ذلك يصحح كل واحد للثاني ويراجعون الشرح الروض المربع أو الممتع أو غيرهما من الشروح يراجعونها ؛ يصححون الأخطاء التي وقعوا فيها ، ثم يراجعون إذا كان هناك حواشي ، وبعد ذلك يذهبون إلى الدرس ، الآن عندهم تصور شبه كامل عن الدرس ، يسمعون ما يزيده الشيخ على ما تداولوه بينهم ، يسمعون ما يزيده الشيخ على ما تداولوه بينهم ، ثم إذا رجعوا تناقشوا ؛ كل واحد يسأل الثاني عن ما حصل في
الدرس وقبل الدرس ، بعد هذا لا يحتاجون إلى مراجعة ، أبدا لا يحتاجون إلى مراجعة ، وهذه طريقة شرحها الشيخ عبد القادر بن بدران الدومي في كتاب له من أمتع الكتب اسمه: المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل.





كتاب عظيم لا تنقضي عجائبه


ابن القيم يقول : " أهل القرآن هم العالمون به ، العاملون بما فيه وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب - ، وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم " هذا الموضوع يحتاج إلى بسط ، يحتاج إلى وقفة طويلة ، ويحتاج إلى مزيد من العناية ؛ لأنه يلاحظ على كثير من طلاب العلم هجر القرآن ، هجر القرآن ، كثير من الإخوان نعم ، قد تجده حافظ حرص في أول عمره على حفظ القرآن ثم ضمن الحفظ وترك القرآن يكفي هذا ؟ لا يكفي ، وتجد بعض الإخوان -مع الأسف الشديد - عوام المسلمين أفضل منه بالنسبة لكتاب الله ، بعض الناس لا يفتح المصحف إلا إذا قدر أنه حضر قبل الإقامة بدقائق بدل ما يضيع الوقت يقرأ القرآن ، وبعض الناس من رمضان إلى رمضان ؛ لكن الإنسان إذا التزم وردا معينا لا يفرط فيه سفرا ولا حضرا ، وقد عرفنا من الناس وهو مسافر في طريقه من بلد إلى بلد إذا جاء وقت الورد على جنب ، يقرأ حزبه إذا انتهى واصل سفره ، الدنيا ملحوق عليها يا أخي ، ما هناك أمر يفوت ، المسألة أنفاس معدودة تتوقف مثلما انتهت ، وخير ما تصرف فيه الأعمار كتاب الله - جل وعلا - .

هو الكتاب الذي من قام يقرأه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلم

كتاب عظيم لا تنقضي عجائبه ، فيه حلول لجميع المشاكل ، فيه عصمة من الفتن ، والناس أحوج ما يكونون في هذه الظروف إلى الرجوع إلى كتاب الله - جل وعلا - .
على كل حال بعض الناس يشق عليه جدا أن يرتل وتعود الهذ هذا يهذ ما في بأس ؛ لكن على ألا يهمل التدبر ، لا أقول : مع الهذ لأن هذا ما يصل إليه إلا بعد مراحل ؛ لأنا عرفنا أناس يقرؤون القرآن في يوم ويبكون من قراءته ، هؤلاء تجاوزوا مراحل ، هذا الشخص اللي في البداية ويقول : الترتيل صعب عليه..؛ لأن بعض الناس إذا عرف النتيجة والمحصلة التي قرأها في هذا اليوم خمسة أجزاء ، ستة ، عشرة ، نشط ؛ لكن إذا رتل وتدبر في النهاية جزء هذا يكسل ، نقول: هذا لا بأس هذ ، وحصل أجر الحروف ، واجعل لك ختمة تدبر، ولو كانت في السنة مرة ، اقرأ في هذا اليوم ورقة واحدة بالتدبر ، وامش على طريقك .
الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - ترجم لشخص يقرأ القرآن في ثلاث ، ديدنه عمره كله ، وله ختمة تدبر أمضى فيها عشرين سنة ، وبقي عليه أقل من جزء من القرآن ، توفي ولما يكملها ، فلا هذا ولا ذاك ، يعني المسألة تحصيل الحروف والنشاط لقراءة القرآن يحصل بالهذ بلا شك ، لاسيما من تعود عليه ، والتدبر يجعل له وقت ولو يقرأ في كل يوم ورقة واحدة بالترتيل والتدبر والتفكر والاستنباط ، ويتفهم كلام الله ، ويراجع على هذه الورقة ما يعينه على فهم كتاب الله - جل وعلا - ، نعم في حديث : ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) حمله أهل العلم على من كان ديدنه ذلك ، وأما من استغل الأوقات الفاضلة ، والأماكن الفاضلة في أوقات المضاعفات مثل هذا لا يتناوله مثل هذا الحديث ، على أن الناس يتفاوتون في هذا ، يعني إذا وجه هذا الكلام لعموم المسلمين نعم لعموم المسلمين لا يفقهون إذا قرؤوا ، لكن شخص متفرغ لقراءة القرآن ، يقول : أنا عندي استعداد أجلس بعد صلاة الصبح وأقرأ خمسة أجزاء ، وأجلس بعد صلاة الظهر واقرأ خمسة ، وأجلس بعد صلاة العصر وأقرأ خمسة نعم من غير مشقة بحيث يختم في يومين ، نقول : لا يا أخي أنت خالفت الحديث لا تقرأ الظهر ، اترك القراءة على شان تختم في ثلاثة أيام ، هذا حل ؟ هل هذا مراد النبي - عليه الصلاة والسلام - من هذا الحديث ؟ نعم ، نعم يحل المسألة لو قيل له : اقرأ القرآن ، اقرأ بدل خمسة بعد صلاة الصبح ثلاثة ، بس على الوجه المأمور به ، بعد صلاة الظهر بدل خمسة اقرأ ثلاثة ، أما أن يقال له : اترك القراءة في وقت من هذه الأوقات لتقرأ القرآن في ثلاث ما هو بهذا المراد قطعا ، نعم .
أما الذي يستطيع أن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به ويكون ديدنه ، قراءة ترتيل وتدبر ولو قلت قراءته هذا أفضل ، هذا أفضل واختيار أكثر أهل العلم ؛ لكن بعض الناس ما يستطيع يقرأ بالترتيل ، الذي تعود على الهذ ما يستطيع يقرأ بالترتيل ، لا بأس يقرؤه في شهر ، ما المانع ؟ يقرأ على الوجه المأمور به كل يوم جزء أنفع له بكثير ، أنفع لقلبه ؛ لأن هذه الطريقة هي المحصلة للإيمان واليقين كما قال شيخ الإسلام ، وهذا هو الذي أنزل القرآن من أجل هذا ؛ لكن من فضل الله - جل وعلا - أنه رتب الأجر على مجرد النطق بالحروف ، إذا فاته طريقة أدرك طرائق - إن شاء الله تعالى - ، وهو على خير على كل حال.

هجر القرآن


هجر القرآن سواء هجر التلاوة أو هجر التعلم أو هجر العمل هذا كله لا يجوز {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} [(30) سورة الفرقان] فالهجر أصناف ، وأقل ما يكون بالنسبة للقرآن تلاوته ، ومع ذلك تلاوته على الوجه المأمور به ، فإذا كان أهلا ليستنبط منه الأحكام ليعمل بها وإلا قرأ في الكتب التي تعينه على هذا الأمر ، فيقرأ حزبه اليومي ، يخصص له من القرآن جزء يقرأه سواء كان جزء اصطلاحي عشر ورقات أو أقل أو أكثر المقصود أنه لا يخل بشيء من القرآن يقرأه يوميا ، وإن شغل عنه قضاه من الغد أو بالليل ، وإن كان يقرأ بالليل وشغل عنه يقرأ بالنهار ، المقصود أنه لا يترك يوما يمر بدون أن ينظر في كلام ربه - جل وعلا - ، أما كونه يأثم أو لا يأثم ؟ لا يأثم ، لكنه مع ذلك هذا حرمان شديد حتى يدخل في مسمى الهجر ، ومعلوم أن كثير من طلاب العلم يحصل لهم شيء من هذا ، ولو حفظ القرآن ، بعض الناس يحفظ القرآن يحرص على حفظ القرآن ثم بعد ذلك يتركه ، ما يقرأ إلا في مناسبات إذا تقدم إلى الصلاة أو جاء رمضان أو ما أشبه ذلك ، فلا بد أن تفرض للقرآن من وقتك ما يكفي لقراءة الحزب اليومي ، والمجرب عند كثير من طلاب العلم أن قراءة القرآن في سبع لا تشق على الناس ، لا تشق لا سيما على طالب العلم ، إذا جلس من صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس قرأ حزبه اليومي الذي هو سبع القرآن ، وامتثل قول النبي - عليه الصلاة والسلام - لعبد الله بن عمرو : ((اقرأ القرآن في سبع، ولا تزد)) .

وكفى بالقرآن واعظا


جاء في أول الحديث: " كان تنورنا وتنور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدا سنتين ، أو سنة وبعض السنة ، وما أخذت (ق) والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأها كل جمعة إذا خطب الناس " ؛ لأن في سؤال من الأسئلة يقول : هل تجوز الخطبة بـ(قاف) فقط ؟ يصعد المنبر ويقرأ سورة (ق) وينزل ؟ نقول : هذه ليست خطبة ؛ لأنها إنما أخذت (ق) والقرآن المجيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس ، يعني ضمن الخطبة تصير ، تكون في ضمن الخطبة ، ولا تكون هي الخطبة .
النبي - عليه الصلاة والسلام - يكثر من قراءة هذه السورة إذا خطب الناس في الجمعة ، وذلكم لما اشتملت عليه ، لما اشتملت عليه هذه السورة من المعاني العظيمة ، فيها أمور لو تأملها المسلم لأفاد منها ؛ ولذا جاء في أخرها {فذكر} كيف ؟ {بالقرآن من يخاف وعيد} [(45) سورة ق] {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} [(45) سورة ق] فالتذكير ينبغي أن يكون بالقرآن ، وكفى بالقرآن واعظا ، ومع الأسف تجد أن بعض الناس إذا كان هناك درس أو محاضرة يعتنون بالدرس والمحاضرة ويجلبون عليه بكل ما أتوا من استنفار ، ثم إذا جاءت الصلاة لم يحضر لها قلب ، لا من الطالب ولا من غيره ؛ لأن العناية والهمة منصبة إلى هذا الدرس ، لا يا أخي نقول : ينبغي أن يعنى بالفريضة قبل كل شيء التي هي الصلاة وتؤدى على الوجه المشروع ، وتطال فيها القراءة طول نسبي ، لا سيما إذا كثر الناس بصوت جميل يؤثر في الناس ، وهذا هو التذكير بالقرآن ، بعض الناس يتضايق من الإمام إذا أطال في الصلاة وهو ينتظر درس ، لا يا أخي هذه أهم من الدرس .
فهذه السورة لا شك أن فيها موضوعات تهم المسلم ، ولو تدبرها طالب العلم لخرج منها بالمعاني العظيمة ، واستعراض هذه السورة وما فيها من معاني يحتاج إلى دروس لا يكفيها درس أو درسين ، وكلكم يحفظ هذه السورة - ولله الحمد - ، وهي من أعظم سور القرآن ، فعلى الخطباء أن يعنوا بها ، وأن يكثروا من قراءتها على الناس بطريقة أو على الوجه المأمور به من الترتيل ، وإدخالها إلى القلوب بتحسين الصوت والتغني بها ؛ لأن القرآن يزين بالقرآن ((زينوا القرآن بأصواتكم)) ((وليس منا من لم يتغن بالقرآن)) والتأثير أولا وأخرا للقرآن المؤدى بالصوت الجميل ، وليس التأثير للصوت أبدا ، بدليل أن هذا الصوت لو قرأ به شيء غير القرآن ما أثر هذا التأثير ، لكن التأثير للقرآن المؤدى بهذا الصوت ، ولا شك أن السامع يتأثر بالقرآن لاسيما إذا أدي على ما أمر به من ترتيل وتدبر وتخشع واستحضار قلب ، والله المستعان.
 
عودة
أعلى