يا أهل التفسير

النايف

New member
إنضم
29/03/2004
المشاركات
1
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يا أهل التفسير

قال الله تعالى ((وما كان ربك نسيا )) و قال الله تعالى (( نسوا الله فنسيهم ))


كيف نجمع بين الأيتين وجزاكم الله خيرا
 
يسهُل الجمع بين الآيتين الكريمتين بعد معرفة الأصل اللغوي لكلمة (النسيان) والذي هو (الترك)، وقد يكون الترك متعمداً، وقد يكون غير متعمد، وهو الغفلة.
أما قوله تعالى: { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [مريم:64]، فهو نفي للترك المتعمد لرسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، والمعنى: أي ما كان ربك تاركاً لك يا محمد، وإن أخر عنك الوحي، وهو كقوله تعالى: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ }
[الضحى: 3] وهذا الخطاب حكاية لقول جبريل عليه السلام لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حين تأخر عنه الوحي، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر الإمام الألوسي أن النسيان في هذه الآية: (وما كان ربك نسياً) قد يأتي على ظاهره، وهو الغفلة، فالله عز وجل لإحاطة علمه وملكه لا يطرأ عليه الغفلة والنسيان، حتى يغفل عن الإيحاء إليك، ثم رجّح رحمه الله المعنى الأول، وهو الترك لمناسبته لسبب النزول، ولأن المعنى الثاني لا يُحتاج إلى نفيه عن الله تعالى، فالنسيان بمعنى الغفلة محال على الله.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن النسيان الذي هو بمعنى الغفلة يعود أيضاً إلى الترك، لكنه ترك غير متعمد.
وفي هذا يقول الفيروز أبادي في (بصائر ذوي التمييز): النِّسيان: تَرْكُ الإِنسان ضَبْطَ ما اسْتُودِعَ، إِمّا لضَعْف قَلْبه، وإِمّا عن غَفْلةٍ، وإِمّا عن قَصْد حتى يرتفع عن القَلْبِ ذِكْرُه. أ.هـ.
النسيان بمعنى الترك المتعمد ليس محالاً على الله وهو المعنى غير الظاهر من النسيان، ولكن الترك غير المتعمد وهو الغفلة محال عليه سبحانه وهو المعنى الظاهر من النسيان، ونفي النسيان عن الله في الآية السابقة، قد يحمل على المعنيين: إما نفي الترك المتعمد لرسوله صلى الله عليه وسلم، وإما نفي الغفلة.
أما النسيان المنسوب إليه تعالى الوارد في قوله: { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ }، فهو ترك متعمد للذين نسوه، والمعنى أن الكافرين تركوا طاعة أوامر الله، والتزام شرعه، فتركهم الله من رحمته، أو تركهم في النار، والتعبير بالنسيان من باب المشاكلة.
ولا يجوز أن يحمل النسيان في هذه الآية على أنه غير متعمد، سواء نسيان الكافرين أو نسيان الله لهم، لما سبق من أنه محال في حق الله، ولأن النسيان عن غير قصد لا يحاسب عليه الإنسان، قال الإمام الرازي: "واعلم أن هذا الكلام لا يمكن إجراؤه على ظاهره لأنا لو حملناه على النسيان على الحقيقة لما استحقوا عليه ذماً، لأن النسيان ليس في وسع البشر، وأيضاً فهو في حق الله تعالى محال، فلا بد من التأويل، وهو من وجهين: الأول: معناه أنهم تركوا أمره حتى صار بمنزلة المنسي، فجازاهم بأن صيرهم بمنزلة المنسي من ثوابه ورحمته، وجاء هذا على أوجه الكلام كقوله:
{ وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا }
[الشورى: 40] الثاني: النسيان ضد الذكر، فلما تركوا ذكر الله بالعبادة والثناء على الله، ترك الله ذكرهم بالرحمة والإحسان، وإنما حسن جعل النسيان كناية عن ترك الذكر لأن من نسي شيئاً لم يذكره، فجعل اسم الملزوم كناية عن اللازم. أ.هـ.

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
والنتيجة أن نفي النسيان عن الله لا يتعارض مع إثباته له سبحانه، فكلٌ له سياق ووجه يُحمل عليه، والله أعلم.
 
سؤال: هل يوصف الله تعالى بالنسيان ؟.

الجواب:


الحمد لله

" للنسيان معنيان :

أحدهما : الذهول عن شيء معلوم مثل قوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) البقرة /286 . ومثل قوله تعالى : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) طـه/115. على أحد القولين .

ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ) . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) . وهذا المعنى للنسيان منتف عن الله عز وجل بالدليلين السمعي ، والعقلي .

أما السمعي : فقوله تعالى عن موسى : ( قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى ) طـه /52.

وأما العقلي : فإن النسيان نقص ، والله تعالى منزه عن النقص ، موصوف بالكمال ، كما قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) النحل /60 . وعلى هذا فلا يجوز وصف الله بالنسيان بهذا المعنى على كل حال .

والمعنى الثاني للنسيان : الترك عن علم وعمد ، مثل قوله تعالى: ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْء ) الأنعام /44 . ومثل قوله تعالى: ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) طـه /115 . على القول الثاني في تفسيرها . ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في أقسام أهل الخيل : ( ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ، ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها فهي له كذلك ستر ) . وهذا المعنى من النسيان ثابت لله تعالى عز وجل قال الله تعالى : ( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ) السجدة /14. وقال تعالى في المنافقين : ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) التوبة/67. وفي صحيح مسلم في كتاب الزهد والرقائق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟

فذكر الحديث ، وفيه " أن الله تعالى يلقى العبد فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا. فيقول : فإني أنساك كما نسيتني ".

وتركه سبحانه للشيء صفة من صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته التابعة لحكمته، قال الله تعالى: ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ ) البقرة /17 . وقال تعالى : ( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ) الكهف /99 . وقال : ( وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً ) العنكبوت/35 . والنصوص في ثبوت الترك وغيره من أفعاله المتعلقة بمشيئته كثيرة معلومة ، وهي دالة على كمال قدرته وسلطانه. وقيام هذه الأفعال به سبحانه لا يماثل قيامها بالمخلوقين ، وإن شاركه في أصل المعنى ، كما هو معلوم عند أهل السنة " اهـ .



"فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (1/172-174) .​
 
عودة
أعلى