( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ) أي : في الآخرة لا في الدنيا .

المسيطير

New member
إنضم
14/04/2006
المشاركات
145
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
كنتُ أقرأ في تفسير سورة الغاشية من جزء ( عم ) للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى ، فوقعت على هذه الفائدة - وكنت أجهلُها - ، حيث كنت إذا نظرت إلى بعض أهل الكفر من اليهود والنصارى وأهل البدع المكفرة تذكرتُ هذه الآية ، فعندما قرأت تفسيرها أحببت نقلها لكم :

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى في تفسير جزء ( عم ) ص176 ما نصه :
( ثم قسم الله سبحانه وتعالى الناس في هذا اليوم إلى قسمين فقال :
{وجوه يومئذ خاشعة} {خاشعة} أي ذليلة كما قال الله تعالى : {وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي} [الشورى: 45]. فمعنى خاشعة يعني ذليلة .
{عاملة ناصبة} عاملة عملاً يكون به النصب وهو التعب .
قال العلماء : وذلك أنهم يكلفون يوم القيامة بجر السلاسل والأغلال ، والخوض في نار جهنم ، كما يخوض الرجل في الوحل ، فهي عاملة تعبة من العمل الذي تكلف به يوم القيامة ؛ لأنه عمل عذاب وعقاب ، وليس المعنى كما قال بعضهم أن المراد بها : الكفار الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، وذلك لأن الله قيد هذا بقوله : {وجوه يومئذ} أي يومئذ تأتي الغاشية ، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة . إذن فهي عاملة ناصبة بما تكلف به من جر السلاسل والأغلال ، والخوض في نار جهنم أعاذنا الله منها .


ثم اطلعتُ على ما ذكره الإمام الطبري رحمه الله تعالى فوجدته يقول بهذا القول :
وقوله : { وجوه يومئذ خاشعة } يقول تعالى ذكره : وجوه يومئذ , وهي وجوه أهل الكفر به . خاشعة : يقول : ذليلة .
ذكر من قال ذلك :
28668 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { وجوه يومئذ خاشعة } : أي ذليلة .
28669 -حدثنا ابن عبد الأعلى , قال : ثنا ابن ثور , عن معمر , عن قتادة , في قوله : { خاشعة } قال : خاشعة في النار .

( عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ )
وقوله : { عاملة } يعني : عاملة في النار .
وقوله : { ناصبة } يقول : ناصبة فيها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
28670- حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس { عاملة ناصبة } فإنها تعمل وتنصب في النار .
28671 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن أبي رجاء , قال : سمعت الحسن , قرأ : { عاملة ناصبة } قال : لم تعمل لله في الدنيا , فأعملها في النار .
28672 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { عاملة ناصبة } تكبرت في الدنيا عن طاعة الله , فأعملها وأنصبها في النار .
*- حدثنا ابن عبد الأعلى , قال : ثنا ابن ثور , عن معمر , عن قتادة , في قوله : { عاملة ناصبة } قال : عاملة ناصبة في النار .28673 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { عاملة ناصبة } قال : لا أحد أنصب ولا أشد من أهل النار ) أ.هـ.

وقد يكون هناك من المفسرين من يرى خلاف ذلك ، لكن أحببتُ نقل رأي الإمام الطبري والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله للفائدة .
 
أحسن الله إليك يا أخي فالأمر كما توقعت فهناك من المفسرين من يرى خلاف نقلك عن الشيخين رحمهما الله كابن كثير والقرطبي والبغوي وغيرهم من المفسرين رحم الله الجميع

قال ابن كثير رحمه الله تعالى عند هذه الآية:
(قوله تعالى{عاملةٌ ناصبةٌ}أي: قد عملت عملاً كثيراً ونصبت فيه ,وصليت يوم القيامة ناراً حاميةً.
قال الحافظ أبو بكر البرقاني:حدثنا إبراهيم بن محمد المزكي حدثنا محمد بن إسحاق السراج حدثنا هارون بن عبدالله حدثنا سيار حدثنا جعفر قال:سمعت أبا عمران الجوني يقول: مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدير راهب, قال: فناداه ياراهب فأشرفَ قال: فجعل عمر ينظر إليه ويبكي ,فقيل له : يا أمير المؤمنين ما يبكيكمن هذا؟ قال:ذكرت قول الله عزوجل في كتابه(عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية)فذاك الذي أبكاني.)
ويقول القرطبي رحمه الله عند قوله تعالى{ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون}:فبعض الآية في الآخرة وبعضها في الدنيا , ونظيرها {وجوه يومئذ خاشعة} فهذا في الآخرة ,{عاملة ناصبة} في الدنيا).
ويقول -رحمه الله -في الغاشية:ثم قال:{عاملة ناصبة} فهذا في الدنيا لأن الآخرة ليست دارَ عمل , فالمعنى:عاملة ناصبة في الدنيا , خاشعة في الآخرة.)
 
جزاك الله خيرا .

نقل الشيخ إحسان العتيبي وفقه الله تعالى في مللتقى أهل الحديث هذا النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من مجموع الفتاوى ( 16 / 217- 220) :
قال شيخ الإسلام :
قوله ( هل أتاك حديث الغاشية . و جوه يومئذ خاشعة . عاملة ناصبة . تصلى نارا حامية . تسقى من عين آنية ) فيها قولان :
أحدهما :
أن المعنى : و جوه في الدنيا خاشعة ، عاملة ناصبة ، تصلى يوم القيامة نارا حامية ، و يعنى بها :
عبَّاد الكفار كالرهبان و عباد البدود ، و ربما تؤولت في أهل البدع كالخوارج .

القول الثاني :
أن المعنى : أنها يوم القيامة تخشع أي : تذل و تعمل و تنصب .

قلت : هذا هو الحق ، لوجوه :
أحدها :
أنه على هذا التقدير يتعلق الظرف بما يليه أي و جوه يوم الغاشية خاشعة عاملة ناصبة صالية و على الأول لا يتعلق إلا بقوله ( تصلى ) و يكون قوله ( خاشعة ) صفة للوجوه قد فصل بين الصفة و الموصوف بأجنبى متعلق بصفة أخرى متأخرة ، و التقدير : و جوه خاشعة ، عاملة ناصبة ، يومئذ تصلى نارا حامية ، و التقديم و التأخير على خلاف الأصل ، فالأصل : إقرار الكلام على نظمه و ترتيبه لا تغيير ترتيبه .

ثم إنما يجوز فيه التقديم و التأخير مع القرينة أما مع اللبس فلا يجوز لأنه يلتبس على المخاطب و معلوم أنه ليس هنا قرينة تدل على التقديم و التأخير بل القرينة تدل على خلاف ذلك فإرادة التقديم و التأخير بمثل هذا الخطاب خلاف البيان و أمر المخاطب بفهمه تكليف لما لا يطاق .

الوجه الثاني :
أن الله قد ذكر و جوه الأشقياء و وجوه السعداء فى السورة فقال بعد ذلك و جوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية و معلوم أنه إنما و صفها بالنعمة يوم القيامة لا فى الدنيا إذ هذا ليس بمدح فالواجب تشابه الكلام و تناظر القسمين لا إختلافهما و حينئذ فيكون الأشقياء و صفت و جوههم بحالها فى الآخرة .

الثالث :
أن نظير هذا التقسيم قوله ( و جوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة . و وجوه يومئذ باسرة . تظن أن يفعل بها فاقرة ) و قوله ( و جوه يومئذ مسفرة . ضاحكة مستبشرة . و وجوه يومئذ عليها غبرة . ترهقها قترة . أولئك هم الكفرة الفجرة )

و هذا كله و صف للوجوه لحالها فى الآخرة لا فى الدنيا .

الرابع :
أن و صف الوجوه بالأعمال ليس فى القرآن و إنما فى القرآن ذكر العلامة كقوله ( سيماهم فى وجوههم ) و قوله ( و لو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ) و قوله ( تعرف في و جوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا )

و ذلك لأن العمل و النصب ليس قائما بالوجوه فقط بخلاف السيما و العلامة .

الخامس :
أن قوله ( خاشعة . عاملة ناصبة ) لو جعل صفة لهم فىالدنيا لم يكن فى هذا اللفظ ذم فإن هذا إلى المدح أقرب و غايته أنه و صف مشترك بين عباد المؤمنين و عباد الكفار و الذم لا يكون بالوصف المشترك و لو أريد المختص لقيل خاشعة للأوثان مثلا عاملة لغير الله ناصبة فى طاعة الشيطان و ليس فى الكلام ما يقتضي كون هذا الوصف مختصا بالكفار و لا كونه مذموما و ليس فى القرآن ذم لهذا الوصف مطلقا و لا و عيد عليه فحمله على هذا المعنى خروج عن الخطاب المعروف فى القرآن .

السادس :
أن هذا الوصف مختص ببعض الكفار و لا موجب للتخصيص فإن الذين لا يتعبدون من الكفار أكثر وعقوبة فساقهم فى دينهم أشد فىالدنيا و الآخرة فإن من كف منهم عن المحرمات المتفق عليها و أدى الواجبات المتفق عليها لم تكن عقوبته كعقوبة الذين يدعون مع الله إلها آخر و يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق و يزنون فإذا كان الكفر و العذاب على هذا التقدير فىالقسم المتروك أكثر و أكبر كان هذا التخصيص عكس الواجب .

السابع :
أن هذا الخطاب فيه تنفير عن العبادة و النسك إبتداء ثم إذا قيد ذلك بعبادة الكفار و المبتدعة و ليس فى الخطاب تقييد كان هذا سعيا فى إصلاح الخطاب بما لم يذكر فيه )أ.هـ .
 
[align=justify]ورجح السعدي أن ذلك في الآخرة فقال : ( { عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } أي: تاعبة في العذاب، تجر على وجوهها، وتغشى وجوههم النار.
ويحتمل أن المراد [بقوله:] { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } في الدنيا لكونهم في الدنيا أهل عبادات وعمل، ولكنه لما عدم شرطه وهو الإيمان، صار يوم القيامة هباء منثورا، وهذا الاحتمال وإن كان صحيحًا من حيث المعنى، فلا يدل عليه سياق الكلام، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول، لأنه قيده بالظرف، وهو يوم القيامة، ولأن المقصود هنا بيان وصف أهل النار عمومًا، وذلك الاحتمال جزء قليل من أهل النار بالنسبة إلى أهلها ؛ ولأن الكلام في بيان حال الناس عند غشيان الغاشية، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا.)[/align]
 
المشايخ الفضلاء /

جزاكم الله خير الجزاء .
 
عودة
أعلى