عبدالرحمن بن عبدالحفيظ برغال
New member
- إنضم
- 17/10/2014
- المشاركات
- 27
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
- الإقامة
- الأردن
- الموقع الالكتروني
- www.facebook.com
(( أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: (( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ )) الْآيَةَ، أَنَّ السَّعْيَ وَالتَّسَبُّبَ فِي تَحْصِيلِ الرِّزْقِ أَمْرٌ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا، وَهَذَا أَمْرٌ كَالْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْأَسْبَابِ فِي تَحْصِيلِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ فِي الدُّنْيَا أَمْرٌ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ بِحَالٍ ; لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يَتَعَاطَى السَّبَبَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبِّهِ مَعَ عِلْمِهِ وَيَقِينِهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا مَا يَشَاءُ اللَّهُ وُقُوعَهُ، فَهُوَ مُتَوَكِّلٌ عَلَى اللَّهِ، عَالِمٌ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ تَخَلُّفَ تَأْثِيرِ الْأَسْبَابِ عَنْ مُسَبَّبَاتِهَا لَتَخَلَّفَ.
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (( قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ )) الْآيَةَ ، فَطَبِيعَةُ الْإِحْرَاقِ فِي النَّارِ مَعْنًى وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ إِلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَمَعَ هَذَا أَحْرَقَتِ الْحَطَبَ فَصَارَ رَمَادًا مِنْ حَرِّهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي هِيَ كَائِنَةٌ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، فَدَلَّ ذَلِكَ دَلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى أَنَّ التَّأْثِيرَ حَقِيقَةً إِنَّمَا هُوَ بِمَشِيئَةِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنَّهُ يُسَبِّبُ مَا شَاءَ مِنَ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى مَا شَاءَ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ جَلَّ وَعَلَا.
وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ رُبَّمَا جَعَلَ الشَّيْءَ سَبَبًا لِشَيْءٍ آخَرَ مَعَ أَنَّهُ مُنَافٍ لَهُ، كَجَعْلِهِ ضَرْبَ مَيِّتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِبَعْضٍ مِنْ بَقَرَةٍ مَذْبُوحَةٍ سَبَبًا لِحَيَاتِهِ، وَضَرْبُهُ بِقِطْعَةٍ مَيْتَةٍ مِنْ بَقَرَةٍ مَيْتَةٍ مُنَافٍ لِحَيَاتِهِ؛ إِذْ لَا تُكْسَبُ الْحَيَاةُ مِنْ ضَرْبٍ بِمَيْتٍ، وَذَلِكَ يُوَضِّحُ أَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا يُسَبِّبُ مَا شَاءَ مِنَ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى مَا شَاءَ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَلَا يَقَعُ تَأْثِيرٌ أَلْبَتَّةَ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ جَلَّ وَعَلَا.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ تَعَاطِيَ الْأَسْبَابِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ يَعْقُوبَ: ((وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ )) ، أَمَرَهُمْ فِي هَذَا الْكَلَامِ بِتَعَاطِي السَّبَبِ، وَتَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِهِ ; لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ تُصِيبَهُمُ النَّاسُ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا أَبْنَاءُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَهُمْ أَهْلُ جَمَالٍ وَكَمَالٍ وَبَسْطَةٍ فِي الْأَجْسَامِ، فَدُخُولُهُمْ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ مَظِنَّةٌ لِأَنْ تُصِيبَهُمُ الْعَيْنُ فَأَمَرَهُمْ بِالتَّفَرُّقِ وَالدُّخُولِ مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ تَعَاطِيًا لِلسَّبَبِ فِي السَّلَامَةِ مِنْ إِصَابَةِ الْعَيْنِ ; كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ، وَمَعَ هَذَا التَّسَبُّبِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَنْهُ: ((وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ )) ، فَانْظُرْ كَيْفَ جَمَعَ بَيْنَ التَّسَبُّبِ فِي قَوْلِهِ: ((لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ))، وَبَيْنَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ((عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ )) ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى مَنْ طَمَسَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ لَهَا الرُّطَبَ مِنْ غَيْرِ هَزِّ الْجِذْعِ، وَلَكِنَّهُ أَمَرَهَا بِالتَّسَبُّبِ فِي إِسْقَاطِهِ بِهَزِّ الْجِذْعِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ:
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي .
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (( قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ )) الْآيَةَ ، فَطَبِيعَةُ الْإِحْرَاقِ فِي النَّارِ مَعْنًى وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ إِلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَمَعَ هَذَا أَحْرَقَتِ الْحَطَبَ فَصَارَ رَمَادًا مِنْ حَرِّهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي هِيَ كَائِنَةٌ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، فَدَلَّ ذَلِكَ دَلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى أَنَّ التَّأْثِيرَ حَقِيقَةً إِنَّمَا هُوَ بِمَشِيئَةِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنَّهُ يُسَبِّبُ مَا شَاءَ مِنَ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى مَا شَاءَ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ جَلَّ وَعَلَا.
وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ رُبَّمَا جَعَلَ الشَّيْءَ سَبَبًا لِشَيْءٍ آخَرَ مَعَ أَنَّهُ مُنَافٍ لَهُ، كَجَعْلِهِ ضَرْبَ مَيِّتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِبَعْضٍ مِنْ بَقَرَةٍ مَذْبُوحَةٍ سَبَبًا لِحَيَاتِهِ، وَضَرْبُهُ بِقِطْعَةٍ مَيْتَةٍ مِنْ بَقَرَةٍ مَيْتَةٍ مُنَافٍ لِحَيَاتِهِ؛ إِذْ لَا تُكْسَبُ الْحَيَاةُ مِنْ ضَرْبٍ بِمَيْتٍ، وَذَلِكَ يُوَضِّحُ أَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا يُسَبِّبُ مَا شَاءَ مِنَ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى مَا شَاءَ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَلَا يَقَعُ تَأْثِيرٌ أَلْبَتَّةَ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ جَلَّ وَعَلَا.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ تَعَاطِيَ الْأَسْبَابِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ يَعْقُوبَ: ((وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ )) ، أَمَرَهُمْ فِي هَذَا الْكَلَامِ بِتَعَاطِي السَّبَبِ، وَتَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِهِ ; لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ تُصِيبَهُمُ النَّاسُ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا أَبْنَاءُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَهُمْ أَهْلُ جَمَالٍ وَكَمَالٍ وَبَسْطَةٍ فِي الْأَجْسَامِ، فَدُخُولُهُمْ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ مَظِنَّةٌ لِأَنْ تُصِيبَهُمُ الْعَيْنُ فَأَمَرَهُمْ بِالتَّفَرُّقِ وَالدُّخُولِ مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ تَعَاطِيًا لِلسَّبَبِ فِي السَّلَامَةِ مِنْ إِصَابَةِ الْعَيْنِ ; كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ، وَمَعَ هَذَا التَّسَبُّبِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَنْهُ: ((وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ )) ، فَانْظُرْ كَيْفَ جَمَعَ بَيْنَ التَّسَبُّبِ فِي قَوْلِهِ: ((لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ))، وَبَيْنَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ((عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ )) ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى مَنْ طَمَسَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ لَهَا الرُّطَبَ مِنْ غَيْرِ هَزِّ الْجِذْعِ، وَلَكِنَّهُ أَمَرَهَا بِالتَّسَبُّبِ فِي إِسْقَاطِهِ بِهَزِّ الْجِذْعِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمَرْيَمَ ... وَهُزِّي إِلَيْكَ الْجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبُ
وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيَهُ مِنْ غَيْرِ هَزِّهِ ... جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبُ
))وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيَهُ مِنْ غَيْرِ هَزِّهِ ... جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبُ
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي .