السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الموضوع فعلا صعب وعسير وما ظننت أنه بهذه الصعوبة حتى وصلت مع إخواني في البحث في سلسلة ( فأتوا بسورة مثله ) إلى هذه السورة، فاضطررت للخوض فيه، ولما لم أصل إلى ما يشفي الغليل آثرت طرح الموضوع هنا لعل الله يفتح لنا بابا من العلم.
خلاصة ما قيل في تفسير هذه الأقسام ملخص في الصورة المرفقة، وسيكون النقاش محددا في النقاط التالية:
النقطة الأولى: حول ما قاله جمهور المفسرين في تفسير الأقسام: معظم المفسرين من المتقدمين ربطوا هذه الأقسام بالعبادات، صلاة أو صياما أو حجا، والظاهر أن الذي دفعهم إلى ذلك اعتبارهم أن القسم يكون بعظيم وهذه الأزمنة محل عبادات والعبادات شأنها عظيم فمن هنا جاء الربط فيما يظهر والله أعلم، إلا أن هذا الاختيار يبقى قاصرا عن الإجابة عن سؤال مهم ألا وهو: المناسبة بين العبادات وبين ما تلاها من الحديث عن إهلاك الأمم، وقد حاول ابن كثير الإجابة عن هذا السؤال فقال: ( ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده ( ألم تر ) وهؤلاء كانوا متمردين جبارين خارجين عن طاعته مكذبين لرسله فذكر كيف دمرهم )، إلا أن هذه المناسبة عليلة فيما ظهر لي، وهذا ما دفعني إلى مزيد من البحث.
وقد كنت أظن أني وحدي في هذا الأمر حتى اطلعت على كتاب الشيخ ( عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ) فوجدت أن قد جرى له ما جرى معي، وهذا ما دفعه إلى تفسير الأقسام بتفسير مختلف على ما سنرى في النقطة الثانية.
النقطة الثانية: تفاسير أخرى:
ذهب الشيخ عبد الرحمن مذهبا آخر في التفسير خلاصته:
أن الأقسام بهذه الأزمنة هي إقسام بأزمنة مرتبطة بإهلاك الأمم وليس بالعبادة.
فأما الفجر فهو وقت إهلاك عامة الأمم.
وأما الليالي العشر فهي الليالي العشر من محرم التي نجى الله موسى وقومه في آخرها
وأما الشفع والوتر فهي ثمانية أيام وتسع ليال أنزل الله العذاب فيها على عاد.
ثم اطلعت على كلام للأخ عمرو الشاعر قال فيه:
الليالي العشر هي مجموع ثلاثة أيام تربصت فيها ثمود وسبع ليال سلط الله العذاب فيها على عاد.
وأما الشفع والوتر: فهو العطاء والمنع وهذا مناسب لما ذكر لاحقا من الإعطاء والمنع للإنسان ( فأكرمه ونعمه ) ( فقدر عليه رزقه )
النقطة الثالثة: مناقشة قولي الشيخ عبد الرحمن والأخ عمرو الشاعر:
الذي ظهر لي أن في كلا القولين نقاط ضعف ونقاط قوة:
قول الشيخ عبد الرحمن:
نقاط القوة: أنه أتى بتفسير مناسب كل المناسبة لما ذكر لاحقا من إهلاك الأمم، خاصة في تفسير الفجر وتفسير الشفع والوتر.
نقاط الضعف: في تفسير الليالي العشر إذ لا دليل على أن بداية خروج قوم موسى كان في الأول من محرم، وبالتالي لا دليل على أن مدة هروبهم كانت عشر ليال، وهذا مأخذ قوي.
قول الأخ عمرو الشاعر:
نقاط القوة: تفسير الشفع والوتر أيضا مناسب غاية المناسبة لما سيذكر لاحقا من عملية المنع والعطاء وهذا أحد المعاني البارزة في السورة، وهذا تفسير في غاية التوفيق بحسب ما أرى، إلا أن ينقض لغوي متخصص ما ذهب إليه من الدلالة اللغوية، ولا طاقة لي بمثل هذا، والله أعلم.
نقاط الضعف: في تفسير الليالي العشر وعليه مأخذان: الأول: ضم ليالي انتظار عذاب مع ليالي عذاب وهذا يضعف القول.
الثاني: أنه ضم ما ذكره القرآن على أنه ( أيام ) مع ما ذكره على أنه ( ليال ) حيث قال ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ) وأما في حال عاد فقد فصل ( سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) ولا يغني عنه جواز تسمية اليوم بالليلة إذ أن القرآن قد فصل في حالة عاد.
وعليه فلم يترجح عندي شيء، فلعل الله يسوق خيرا على يد أحد رواد المنتدى فيفيدنا بمزيد علم، وفوق كل ذي علم عليم.
النقطة الرابعة: هل يجوز لنا ترك أقوال المتقدمين من السلف والنظر في أقوال لم يقولوا بها؟
أنقل هنا ما قاله الشيخ عبد الرحمن الميداني في كتابه بنصه يقول ( وقد نظرت فيما ذكره المفسرون من أقوال اجتهادية فلم أجد قولا يتضمن مناسبة بين الأزمنة التي أقسم الله بها وبين الحديث عن إهلاك عاد وثمود وفرعون وجنوده فلم ينشرح صدري لقول منها، ثم تتبعت في القرآن الأزمنة التي أهلك الله بها هؤلاء الأقوام وأشباههم، فظهرت لي المناسبة جلية واضحة ) إلى أخر كلامه.
والذي يظهر لي أن كلامه مستقيم وقد وقع لي ما وقع له تماما، إلا أنني تحرجت من التطاول على القامات السامقة بعلمي القليل، وتلبثت قبل أن أقول بقول ليس في فيه إمام، فلما قرأت ما قاله فكأنما نزل على قلبي برد اليقين، وانشرح صدري لما قال في هذه النقطة بالذات.
النقطة الرابعة: في ما قرأت من ردود على مشاركة الأخ عمرو الشاعر:
قرأت الردود على مشاركة الأخ عمرو الشاعر فوجدتها في معظمها تصب في سياق نقض ما أتى به، إلا أنها لم تكن مدعومة بما يكفي من المناقشة العلمية الموضوعية، وتوزع الرفض بين انتقاد أسلوبه المتعالي في الكتابة، وبين النقل المجرد من الكتب، حتى أني عرضت كتاباته على بعض الإخوة، فلشدة ما كان مشحونا وهو يقرأ ظن أنه يقول بقول الدكتور محمد شحرور واجتهد في سياق الأدلة في نقضه، وكم تفاجأ عندما علم أن الرجل – أقصد عمرو الشاعر – ساق كلام الدكتور على سبيل الاعتراض لا على سبيل الموافقة، مما يشير إلى كمية الرفض المسبق التي نقرأ بها مثل هذه الأفكار، والواجب أن نضعها في الميزان وأن نمضغها قبل أن نلفظها أو نبلعها، وكما قال أحدهم: سرعة قبول الفكرة وسرعة ردها كلاهما يدل على بساطة غير محمودة.
فأما انتقاد الأسلوب المتعالي والابتعاد عن مناقشة الفكرة فلا بد فيه من إعادة النظر فيه على الرغم من اتفاقي معهم في الاعتراض على مثل هذا الأسلوب الذي كتب به الأخر عمرو، إذ أن الواجب مناقشة الأفكار لا الأشخاص، وكان الأجدر مناقشة الفكرة مناقشة علمية وردها بأسلوب علمي أولا، ثم توجيه نصيحة أو استدراك على الأخ عمرو، أو التنبيه على أن اتفاقنا معه في نقطة ما لا يعني موافقته في جميع ما أتى به خارج الموضوع، وهذا أيضا ما أردت التنبيه عليه فقد أتى في موقعه بالغرائب، إلا أن الإنصاف لا يمنعنا من الاستفادة منه فيما نراه صوابا مما قال به.
وأما الرد بالنقل المجرد فلا يغني من الحق شيئا، وليس له قيمة في مساق الاحتجاج، ولا يضيف أي قيمة علمية حقيقية للموضوع فما أسهل النسخ واللصق، فالذي ينبغي في حق طالب العلم أن يقوي جانب التفكير التحليلي العلمي الناقد عنده، ويبتعد عن ثقافة التلقي الجامد للأفكار دون تمحيص ومراجعة.
مشاهدة المرفق 11202