وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا

إنضم
26/02/2009
المشاركات
1,878
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
(وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30))
يقول الرازي رحمه الله تعالى:
"قوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } اتفقوا على أن هذا نهي عن أن يقتل بعضهم بعضا وإنما قال : { أَنفُسَكُمْ } لقوله عليه السلام : « المؤمنون كنفس واحدة » ولأن العرب يقولون : قتلنا ورب الكعبة إذا قتل بعضهم لأن قتل بعضهم يجري مجرى قتلهم . واختلفوا في أن هذا الخطاب هل هو نهي لهم عن قتلهم أنفسهم؟ فانكره بعضهم وقال : إن المؤمن مع إيمانه لا يجوز أن ينهى عن قتل نفسه ، لأنه ملجأ إلى أن لا يقتل نفسه ، وذلك لأن الصارف عنه في الدنيا قائم ، وهو الألم الشديد والذم العظيم ، والصارف عنه أيضا في الآخرة قائم ، وهو استحقاق العذاب العظيم ، وإذا كان الصارف خالصا امتنع منه أن يفعل ذلك وإذا كان كذلك لم يكن للنهي عنه فائدة ، وإنما يمكن أن يذكر هذا النهي فيمن يعتقد في قتل نفسه ما يعتقده أهل الهند ، وذلك لا يتأتى من المؤمن ، ويمكن أن يجاب عنه بأن المؤمن مع كونه مؤمناً بالله واليوم الآخر ، قد يلحقه من الغم والأذية ما يكون القتل عليه أسهل من ذلك ، ولذلك نرى كثيرا من المسلمين قد يقتلون أنفسهم بمثل السبب الذي ذكرناه ، وإذا كان كذلك كان في النهي عنه فائدة ، وأيضا ففيه احتمال آخر ، كأنه قيل : لا تفعلوا ما تستحقون به القتل : من القتل والردة والزنا بعد الإحصان ، ثم بين تعالى أنه رحيم بعباده ولأجل رحمته نهاهم عن كل ما يستوجبون به مشقة أو محنة ، وقيل : إنه تعالى أمر بني إسرائيل بقتلهم أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصا لخطاياهم وكان بكم يا أمة محمد رحيما ، حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة ."
وقال بن كثير رحمه الله تعالى:
"وقوله: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } أي: بارتكاب محارم الله وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } أي: فيما أمركم به، ونهاكم عنه."
وقال الطبري رحمه الله تعالى:
" يعني بذلك جل ثناؤه:"ولا تقتلوا أنفسكم"، ولا يقتل بعضكم بعضًا، وأنتم أهل ملة واحدة، ودعوة واحدة، ودين واحد. فجعل جل ثناؤه أهل الإسلام كلهم بعضَهم من بعض. وجعل القاتل منهم قتيلا = في قتله إياه منهم = بمنزلة قَتله نفسه، إذ كان القاتلُ والمقتول أهلَ يد واحدة على من خالف مِلَّتَهُما."
وقال بن الجوزي رحمه الله تعالى:
"قوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } فيه خمسة أقوال .
أحدها : أنه على ظاهره ، وأن الله حرم على العبد قتل نفسه ، وهذا الظاهر .
والثاني : أن معناه : لا يقتل بعضكم بعضاً ، وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل ، وابن قتيبة .
والثالث : أن المعنى : لا تكلفوا أنفسكم عملاً ربّما أدى إلى قتلها وإِن كان فرضاً ، وعلى هذا تأولها عمرو بن العاص في غزاة ذات السلاسل حيث صلى بأصحابه جُنباً في ليلة باردة ، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقال يا رسول الله إِني احتلمتُ في ليلة باردة وأشفقت إِن اغتسلت أن أهلِك ، فذكرت قوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والرابع : أن المعنى : لا تغفلوا عن حظ أنفسكم ، فمن غفل عن حظها ، فكأنما قتلها ، هذا قول الفضيل بن عياض . والخامس : لا تقتلوها بارتكاب المعاصي ."
وفي الحديث الصحيح:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا".
سبحان الله !!!
هذا الوعيد الشديد في حق من قتل نفسه، يدعونا إلى التأمل والتدبر والنظر، لماذا هذه العقوبة القاسية ؟
لا شك أنها لحكمة عظيمة بالغة .
فهل انتظر من مشايخنا الفضلاء ما يمكن أن ننتفع به وينتفع به غيرنا في هذه المسألة؟
ثم كيف نصحح دور الإعلام وهو يتناول هذه القضية الخطيرة من خلال إذاعة مثل هذا الفعل دون تنويه إلى أنه جريمة لا مبرر لها؟
ثم ما هو أثر الواقع الذي يعيشه المرتكب لهذه الجريمة في حكمها؟
فنحن نجد بعض الناس قد يرتكبها في غير وعي منه ، فقد يقدم عليها من غير نية مسبقة ، تحت وطأة قهر أو ظلم وليد اللحظة ؟
فقد نرى الوالد بأسلوب أرعن يدفع ولده إلى مثل هذه الجريمة في لحظات؟
وقد نرى زوجا يدفع زوجته في لحظة رعناء إلى قتل نفسها ؟
وقد يحدث هذا من أخ متسلط ومن رئيس متسلط
ومن شرطية رعناء فر منها المسكين إلى رؤسائها فإذا هو كالمستجير من الرمضاء بالنار فما وجد من سبيل ليخرج من هذا البلاء إلى الهروب القسري في غير وعي ولا روية ، ومن أين يأت الوعي والتفكير والتروي في مثل هذه الحال من القهر والظلم !!!!!!!!!؟
(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى (42)
 
جزاك الله خيراً يا أبا سعدٍ على هذا الموضوع المهمِّ الذي انتقلَ في التصوير الإعلامي اليومَ من كونهِ جريرةً شنعاءَ وداهيةً أليمةً دهياء إلى صيرورتهِ بطولةً شمَّاءَ وشهادةً وعلياءَ.

والانتحارُ بحرق النفسِ جريمةٌ انعقد على شناعتها إجماعُ الأديان السماويَّـةِ فاليهودُ هم أقلُّ مُرتكبِيها لما فطَرهم اللهُ عليه من حبِّ الخُلود واستدامة الحياةِ ((( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْيَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَالْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ))) , والنصارى وإن كانوا أكثرَ إقداماً عليهِ لكنهم يجرِّمونهُ في شريعتهم لاعتبار نفسِ الإنسانِ مُقدَّسةً ويتمسَّكون بوصيَّة المسيح عيسى ((( لاَتَقْتُـلْ ))) فيجعلونَ انصرافَ النهيِ عن قتلِ النَّفسِ أولى منهُ عن قتلِ الغَير , بل ويمنعونَ من شرع في الانتحار من الترقي في سلك الرَّهبَـنةِ , ويحرمونهُ من الطقوسِ الجنائزيَّـةِ في الدفنِ ما لم يكن مجنوناً أو مفضوحاً اجتماعياً , ومن قسوةِ بعضهم البالغة أنَّهم كانوا يعاقبون المنتحر بقطع يده اليمنى ليُدفن بعيداً عن باقي الجثث.
ودينُ الإسلامِ كما تفضَّلَ أبو سعدٍ يُجرِّمُ الانتحارَ ويُحرِّمهُ , بل وينهَـى المسلمينَ وينأى بهم عما هو أدني بكثيرٍ من الانتحار أعني تمنِّـي الموتِ كما في الصحيح عن النبي صل1 قال ((( لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ))) , واختلفت أحكامُ المسلمينَ على المُنتحر فمنهم - وهم أهل السنة - من يراهُ فاسقاً مرتكباً كبيرةً من الكبائر لا يخلد بها في النار , ومنهم من يكفرهُ بها ويترتب على ذلك عنده خلوده في النار.
بل وذهب بعضِ الفقهاء الحنابلة إلى إيجاب ديةِ نفسهِ على العاقلةِ لأنهُ أزهقَ نفساً ولا محلَّ للقصاص فتوجهت الديةُ عليهم , والصلاةُ عليهِ محلُّ خلافٍ أيضاً هل يمتنعُ منها كل الناسِ أم الإمامُ وحدهُ , وهذه الأحكامُ كلها وقايةٌ وتحصينٌ من الشروع في هذه الجريمة النكراء.

وينبغي علينا أن نستحضرَ في وقتٍ نرى فيه تحريضاً من كثير من القنواتِ على هذه السلوكياتِ ضرورةَ مُحاكمتها وملاحقتها باعتبارها ومن تستضيفهم من المحرضينَ شُركاءَ في انتحار شباب الأمة , والتحريضُ على الانتحار جريمةٌ يعاقبُ عليها القانون في كثير من الدول العربية والإسلامية بعقوباتٍ قد تصلُ إلى الإعدام كما هو الحالُ في القانون السودانِي وغيره.

ومن تأمَّل واقع الشعوب اللادينية التي عاشت على الأرضِ وجدَها أكثرَ الأممٍ تدنُّساً بهذا العار والشنار مما يوحي صراحةً بأنَّ ضعفَ الوازع الدينيِّ هو أهمُّ وآكدُ أسباب الانتحار والجراة على قتل النفس , حيثُ تقيمُ بعضُ تلك المُجتمعات كقدماء الهنود واليابانيين وسكان شمال الإسكيمو حفَلاتِ تكريمٍ للمنتحرينَ - على غِرار ما يسعَـى الإعلامُ اليومِ لغرسه فينا وتربية ناشئتنا عليهِ - إشادةًً ببطولاتهم وبسُمو دوافع الانتحار عندهم كالوفاء لعلاقات الحبِّ أو طلب الشرفِ أو التقدم بالفداء للمبادئِ (انظر: مشكلة الانتحار لمكرم سمعان).
 
عودة
أعلى