وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قوله تعالى :{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}
قال السعدي رحمه الله :
{ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي: وكما ولَّيْنَا الجن المردة وسلطناهم على إضلال أوليائهم من الإنس وعقدنا بينهم عقد الموالاة والموافقة، بسبب كسبهم وسعيهم بذلك.
كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالما مثله، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه، ويزهده في الخير وينفره عنه، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها.
والذنب ذنب الظالم، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } ومن ذلك، أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين.
كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف.
 
جاء في كتاب بَدَائِع السَّلْكِ فِي طَبائعِ الْمُلك لابنِ الأَزرَق الأندَلسي المتوفي سنة 896 هـ :
يحْكى عَن السُّلْطَان أبي يحيى من الْمُلُوك الحفصيين أَنه دخل على زَاوِيَة الشَّيْخ الزبيدِيّ فَلم يجده وَوجد ابْن أَخِيه الْفَقِيه الإِمَام بهَا ,فَقيل لَهُ قد غَابَ عمك فباشر أَنْت السُّلْطَان, فَلَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان أدع اللهَ لي, فَقَالَ وَمَا عَسى دعائي لَك - قد سبقت لَك دَعْوَةُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر حَدِيث « اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ».أخرجه مسلم
قال النوويُّ رحمه اللهُ :هَذَا مِنْ أَبْلَغ الزَّوَاجِر عَنْ الْمَشَقَّة عَلَى النَّاس ، وَأَعْظَم الْحَثّ عَلَى الرِّفْق بِهِمْ ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث بِهَذَا الْمَعْنَى .
وَهَذَا عَامٌ فِي كلِّ وَالٍ عَمت ولَايَتُه أَو خَصت قَلت أَو كَثُرت عَظُمَت أَو صَغُرَت. وهو ظَاهرٌ في كلِّ وِلايةٍ حَتى عَلى الصِبيانِ في الكُتَّابِ. وهذا دعاءٌ مجابٌ وقضيتُه لا يشكُ في حقيقتِها عاقلٌ ولا يرتابُ.
قال العثيمين في شرح رياض الصالحين :
وهذا دعاءٌ من النبي صلى الله عليه وسلم على مَن تولى أمور المسلمين الخاصة والعامة؛ حتى الإنسان يتولى أمر بيته، وحتى مدير المدرسة يتولى أمر المدرسة، وحتى المدرس يتولى أمر الفصل، وحتى الإمام يتولى أمر المسجد.
ولهذا قال: ((من ولي من أمر أمتي شيئاً)) . ((وشيئاً)) نكرة في سياق الشرط، وقد ذكر علماء الأصول أن النكرة في سياق الشرط تفيد العموم؛ أي شيء يكون، ((فرفق بهم فارفق به)) ، ولكن ما معنى الرفق؟
وقد يظنُ بعضُ الناسِ أن مَعنى الرفقِ أن تأتي للناسِ على ما يَشتهونَ ويريدونَ وليس الأمرُ كذلك , بل الرفق أن تسيرَ بالناس حَسْبَ أوامر الله ورسوله, ولكن تسلكُ أقربَ الطرق وأرفق الطرق بالناس ولا تشق عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله , فإن شققتَ عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله , فإنك تَدخلُ في الطرف الثاني من الحديث وهو الدعاءُ عليك بأن يشقَ اللهُ عليك والعياذُ بالله .يشقُ عليك إما بآفاتٍ في بدنك أو في قلبك أو في صدرك أو في أهلك أو في غير ذلك لأن الحديثَ مطلقٌ.
 
راجع ما قاله السعدي رحمه الله وتأكد من أنك فهمت هذه العبارات مشكورا :
ومن ذلك، أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين.
كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف.
 
عودة
أعلى