بشير عبدالعال
Member
قال تعالى في سورة المؤمنون :{ فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (47)}
قال الطبري رحمه الله :
قوله تعالى {وَقَوْمُهُمَا} مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ {لَنَا عَابِدُونَ} يَعْنُونَ أَنَّهُمْ لَهُمْ مُطِيعُونَ مُتَذَلِّلُونَ ، يَأْتَمِرُونَ لأَمْرِهِمْ , وَيَدِينُونَ لَهُمْ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَنْ دَانَ لِمَلِكٍ عَابِدًا لَهُ ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِأَهْلِ الْحِيرَةِ : الْعِبَادُ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ طَاعَةٍ لِمُلُوكِ الْعَجَمِ.
قال أبو السعود رحمه الله :
قوله تعالى { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا } ثَنَّى البشرَ لأنَّه يُطلقُ على الجمعِ كما في قوله تعالى : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً } ولم يثنِّ المِثْلَ نظراً إلى كونِه في حكمِ المصدرِ . وهذه القصصُ كما تَرى تدلُّ على أنَّ مدار شُبَه المُنكرين للنُّبوةِ قياسُ حالِ الأنبياءِ على أحوالِهم بناءً على جهلِهم بتفاصيلِ شؤونِ الحقيقةِ البشريَّةِ وتباينِ طبقاتِ أفرادِها في مراقي الكمالِ ومَهَاوي النُّقصانِ بحيثُ يكونُ بعضُها في أعلى عِلِّييِّنَ ,وهم المختصُّون بالنُّفوس الزكيَّةِ المؤيِّدون بالقُوَّةِ القُدسيَّةِ المتعلِّقون لصفاءِ جواهرِهم بكِلا العالمينِ الرُّوحانيِّ والجسمانيِّ يتلقَّون من جانبٍ ويُلقون من جانبٍ ولا يعوقُهم التَّعلُّقُ بمصالحِ الخلقِ عن التَّبتلِ إلى جنابِ الحقِّ وبعضُها في أسفلِ سافلينَ كأولئك الجَهَلة الذين هم كالأنعامِ بلْ هُم أضلُّ سبيلاً{ وَقَوْمُهُمَا } يعنون بني إسرائيلَ { لَنَا عابدون } أي خادمون مُنقادون لنا كالعبيدِ وكأنَّهم قصدُوا بذلك التَّعريضَ بشأنِهما عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ وحطَّ رتبتهما العليَّةِ عن منصب الرِّسالةِ من وجهٍ آخرَ غيرِ البشريَّةِ واللامُ في لنا متعلِّقةٌ بعابدون وقُدِّمت عليه رعايةً للفواصلِ . والجملةُ حالٌ من فاعلِ نُؤمنُ مؤكِّدةٌ لإنكارِ الإيمانِ لهما بناءً على زعمهم الفاسدِ المُؤَسَّسِ على قياسِ الرِّياسةِ الدِّينيةِ على الرِّياساتِ الدُّنيويَّةِ الدَّائرةِ على التَّقدُّمِ في نيل الحظوظِ الدَّنيةِ من المالِ والجاهِ كدأبِ قُريشٍ حيثُ قالُوا : { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } وقالُوا : { لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ } وجهلِهم بأنَّ مناطَ الاصطفاءِ للرِّسالةِ هو السَّبقُ في حيازةِ ما ذُكر من النُّعوت العليةِ وإحرازِ المَلَكاتِ السَّنية جِبلَّةً واكتساباً .
قال في التحرير والتنوير :
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: {لِبَشَرَيْنِ} لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ نُؤْمِنُ. يُقَالُ لِلَّذِي يُصَدِّقُ الْمُخْبِرَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ: آمَنَ لَهُ، فَيُعَدَّى فِعْلُ (آمَنَ) بِاللَّامِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ صَدَّقَ بِالْخَبَرِ لِأَجْلِ الْمُخْبِرِ، أَيْ لِأَجْلِ ثِقَتِهِ فِي نَفْسِهِ. فَأَصْلُ هَذِهِ اللَّامِ لَامُ الْعِلَّةِ وَالْأَجْلِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26] وَقَوْلُهُ:{ وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} [الدُّخان: 21] . وَأَمَّا تَعْدِيَةُ فِعْلِ الْإِيمَانِ بِالْبَاءِ فَإِنَّهَا إِذَا عُلِّقَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَبَرِ تَقُولُ: آمَنْتُ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. وَبِهَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِكَ: آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ وَقَوْلِكَ: آمَنْتُ لِمُحَمَّدٍ. فَمَعْنَى الْأَوَّلِ: أَنَّكَ صَدَّقْتَ شَيْئًا.وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ: آمَنْتُ لِلَّهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ: آمَنْتُ بِاللَّهِ. وَتَقُولُ: آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ وَآمَنْتُ لِمُحَمَّدٍ. وَمَعْنَى الْأَوَّلِ يَتَعَلَّقُ بِذَاتِهِ وَهُوَ الرِّسَالَةُ وَمَعْنَى الثَّانِي أَنَّكَ صَدَّقْتَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ.
وَقَوْلُهُ:{ عابِدُونَ }جَمْعُ عَابِدٍ، أَيْ مُطِيعٌ خَاضِعٌ. وَقَدْ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ خَوَلًا لِلْقِبْطِ وَخَدَمًا لَهُمْ قَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ .}
قال الشعراوي رحمه الله : وسمّى ذلك عبادة ، لأن مَنْ يخضع لإنسان ، ويطيع أمره كأنه عبده .
قال الطبري رحمه الله :
قوله تعالى {وَقَوْمُهُمَا} مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ {لَنَا عَابِدُونَ} يَعْنُونَ أَنَّهُمْ لَهُمْ مُطِيعُونَ مُتَذَلِّلُونَ ، يَأْتَمِرُونَ لأَمْرِهِمْ , وَيَدِينُونَ لَهُمْ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَنْ دَانَ لِمَلِكٍ عَابِدًا لَهُ ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِأَهْلِ الْحِيرَةِ : الْعِبَادُ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ طَاعَةٍ لِمُلُوكِ الْعَجَمِ.
قال أبو السعود رحمه الله :
قوله تعالى { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا } ثَنَّى البشرَ لأنَّه يُطلقُ على الجمعِ كما في قوله تعالى : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً } ولم يثنِّ المِثْلَ نظراً إلى كونِه في حكمِ المصدرِ . وهذه القصصُ كما تَرى تدلُّ على أنَّ مدار شُبَه المُنكرين للنُّبوةِ قياسُ حالِ الأنبياءِ على أحوالِهم بناءً على جهلِهم بتفاصيلِ شؤونِ الحقيقةِ البشريَّةِ وتباينِ طبقاتِ أفرادِها في مراقي الكمالِ ومَهَاوي النُّقصانِ بحيثُ يكونُ بعضُها في أعلى عِلِّييِّنَ ,وهم المختصُّون بالنُّفوس الزكيَّةِ المؤيِّدون بالقُوَّةِ القُدسيَّةِ المتعلِّقون لصفاءِ جواهرِهم بكِلا العالمينِ الرُّوحانيِّ والجسمانيِّ يتلقَّون من جانبٍ ويُلقون من جانبٍ ولا يعوقُهم التَّعلُّقُ بمصالحِ الخلقِ عن التَّبتلِ إلى جنابِ الحقِّ وبعضُها في أسفلِ سافلينَ كأولئك الجَهَلة الذين هم كالأنعامِ بلْ هُم أضلُّ سبيلاً{ وَقَوْمُهُمَا } يعنون بني إسرائيلَ { لَنَا عابدون } أي خادمون مُنقادون لنا كالعبيدِ وكأنَّهم قصدُوا بذلك التَّعريضَ بشأنِهما عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ وحطَّ رتبتهما العليَّةِ عن منصب الرِّسالةِ من وجهٍ آخرَ غيرِ البشريَّةِ واللامُ في لنا متعلِّقةٌ بعابدون وقُدِّمت عليه رعايةً للفواصلِ . والجملةُ حالٌ من فاعلِ نُؤمنُ مؤكِّدةٌ لإنكارِ الإيمانِ لهما بناءً على زعمهم الفاسدِ المُؤَسَّسِ على قياسِ الرِّياسةِ الدِّينيةِ على الرِّياساتِ الدُّنيويَّةِ الدَّائرةِ على التَّقدُّمِ في نيل الحظوظِ الدَّنيةِ من المالِ والجاهِ كدأبِ قُريشٍ حيثُ قالُوا : { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } وقالُوا : { لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ } وجهلِهم بأنَّ مناطَ الاصطفاءِ للرِّسالةِ هو السَّبقُ في حيازةِ ما ذُكر من النُّعوت العليةِ وإحرازِ المَلَكاتِ السَّنية جِبلَّةً واكتساباً .
قال في التحرير والتنوير :
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: {لِبَشَرَيْنِ} لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ نُؤْمِنُ. يُقَالُ لِلَّذِي يُصَدِّقُ الْمُخْبِرَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ: آمَنَ لَهُ، فَيُعَدَّى فِعْلُ (آمَنَ) بِاللَّامِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ صَدَّقَ بِالْخَبَرِ لِأَجْلِ الْمُخْبِرِ، أَيْ لِأَجْلِ ثِقَتِهِ فِي نَفْسِهِ. فَأَصْلُ هَذِهِ اللَّامِ لَامُ الْعِلَّةِ وَالْأَجْلِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26] وَقَوْلُهُ:{ وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} [الدُّخان: 21] . وَأَمَّا تَعْدِيَةُ فِعْلِ الْإِيمَانِ بِالْبَاءِ فَإِنَّهَا إِذَا عُلِّقَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَبَرِ تَقُولُ: آمَنْتُ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. وَبِهَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِكَ: آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ وَقَوْلِكَ: آمَنْتُ لِمُحَمَّدٍ. فَمَعْنَى الْأَوَّلِ: أَنَّكَ صَدَّقْتَ شَيْئًا.وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ: آمَنْتُ لِلَّهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ: آمَنْتُ بِاللَّهِ. وَتَقُولُ: آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ وَآمَنْتُ لِمُحَمَّدٍ. وَمَعْنَى الْأَوَّلِ يَتَعَلَّقُ بِذَاتِهِ وَهُوَ الرِّسَالَةُ وَمَعْنَى الثَّانِي أَنَّكَ صَدَّقْتَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ.
وَقَوْلُهُ:{ عابِدُونَ }جَمْعُ عَابِدٍ، أَيْ مُطِيعٌ خَاضِعٌ. وَقَدْ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ خَوَلًا لِلْقِبْطِ وَخَدَمًا لَهُمْ قَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ .}
قال الشعراوي رحمه الله : وسمّى ذلك عبادة ، لأن مَنْ يخضع لإنسان ، ويطيع أمره كأنه عبده .