أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة.
وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً
وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ- الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
بِمَا أنَّه قَدْ تمَّ حَذْفُ مَوْضُوعِ : { تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِمَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْجَمَاعَةُ وَلَا اشْتِرَاطَ لِمَكَانٍ .}
وَلَمْ تَظْهَرْ عِلَّةُ الْحَذْفِ – وِلَا أَدْرِي هَلِ الْحَذْفُ طَرِيَقَةٌ عِلْمِيَّةٌ مُعَاصِرَةٌ أَمْ مَاذَا ؟
الْبِدَايَةُ ..................
إِنَّ الدِّينَ لَا يُؤْخَذُ إِلَّا بِالْحُجَّةِ ..................
قَالَ تَعالَى :{هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) }
- قَالَ ابْنُ كَثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ................
{هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} أَيْ: هَلا أَقَامُوا عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ دَلِيلًا وَاضِحًا صَحِيحًا ؟!
قَاَلَ أَبُو حَيَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي البَحْرِ المُحِيطِ ..............
وَفِي مَا ذَكَرُوهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدِّينَ لَا يُؤْخَذُ إِلَّا بِالْحُجَّةِ - وَالدَّعْوَى إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا دَلِيلٌ فَهِيَ فَاسِدَةٌ .
جَاءَ فِي كِتَابِ لَوَامِعِ الْأَنْوَارِ الْبَهِيَّةِ وَسَوَاطِعُ الْأَسْرَارِ الْأَثَرِيَّةِ لِشَرْحِ الدُّرَرِ الْمُضِيَّةِ فِي عَقْدِ الْفِرْقَةِ الْمَرْضِيَّةِ لِلسَّفَارِينِيِّ رَحِمَهُ اللهُ:
فَكُلُّ مَنْ لَهُ مَسْكَةٌ مِنْ عِلْمٍ وَدُرْبَةٌ مِنْ فَهْمٍ، يَعْلَمُ أَنَّ فَسَادَ الْعَالَمِ وَخَرَابَهُ إِنَّمَا نَشَأَ مِنْ تَقْدِيمِ الرَّأْيِ عَلَى الْوَحْيِ، وَالْهَوَى عَلَى النَّقْلِ، وَمَا اسْتُحْكِمَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ الْفَاسِدَانِ فِي قَلْبٍ إِلَّا اسْتَحْكَمَ هَلَاكُهُ، وَلَا فِي أُمَّةٍ إِلَّا وَفَسَدَ أَمْرُهَا أَتَمَّ فَسَادٍ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأْيُ فُلَانٍ وَرَأْيُ فُلَانٍ وَرَأْيُ فُلَانٍ عِنْدِي سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي الْآثَارِ.
وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِسَنَدِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
دِينُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ آثَارُ ... نِعْمَ الْمَطِيَّةُ لِلْفَتَى الْأَخْبَارُ
لَا تَعْدُ عَنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ ... فَالرَّأْيُ لَيْلٌ وَالْحَدِيثُ نَهَارُ
وَلَرُبَّمَا جَهِلَ الْفَتَى طُرُقَ الْهُدَى ... وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ لَهَا أَنْوَارُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَحْسَنَ:
الْعِلْمُ قَالَ اللَّهُ قَالَ رَسُولُهُ ... قَالَ الصَّحَابَةُ لَيْسَ خُلْفٌ فِيهِ
مَا الْعِلْمُ نَصْبَكَ لِلْخِلَافِ سَفَاهَةً ... بَيْنَ النُّصُوصِ وَبَيْنَ رَأْيِ فَقِيهِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)}
1- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ...
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى ، وَأَخِيهِ أَنِ اتَّخِذَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا.
يُقَالُ مِنْهُ : تَبَوَّأَ فُلاَنٌ لِنَفْسِهِ بَيْتًا : إِذَا اتَّخَذَهُ . وَكَذَلِكَ تَبَوَّأَ مُصْحَفًا : إِذَا اتَّخَذَهُ . وَبَوَّأْتُهُ أَنَا بَيْتًا : إِذَا اتَّخَذْتُهُ لَهُ . {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} يَقُولُ : وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَسَاجِدَ تُصَلُّونَ فِيهَا.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلَهُ : {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاجْعَلُوا مَسَاجِدَكُمْ قِبَلَ الْكَعْبَةِ.
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
{وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَأَدُّوا الصَّلاَةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتِهَا.
وَقَوْلُهُ : {وَبِشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : وَبِشِّرْ مُقِيمِي الصَّلاَةِ الْمُطِيعِي اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ الْمُؤْمِنِينَ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مِنْهُ.
2- قَالَ السَّعديُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ .....................
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ } حِينَ اشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَى قَوْمِهِمَا، مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَحَرَصُوا عَلَى فِتْنَتِهِم عَنْ دِينِهِم.
{ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } أَيْ: مُرُوهُم أَنْ يَجْعَلُوا لَهُم بُيُوتًا، يَتَمَكَّنُونَ بِهَا مِنَ الِاسْتِخْفَاءِ فِيهَا.
{ وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } أَيْ: اجْعَلُوهَا مَحِلَّاً تُصَلُّونَ فِيهَا، حَيْثُ عَجَزْتُم عَنْ إَقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي الْكَنَائِسِ، وَالْبِيَعِ الْعَامَّةِ.
{ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } فَإِنَّهَا مَعُونَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْأُمُورِ، { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ، وَإِظْهَارِ دِيِنِهِم، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، وَحِينَ اشْتَدَّ الْكَرْبُ، وَضَاقَ الْأَمْرُ، فَرَّجَهُ اللهُ وَوَسَّعَهُ.
3- جَاءَ فِي كِتَابِ «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ الْأَنْدَلُسِيِّ رَحِمَهُ اللهُ..................
هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ شَرْعًا لِمُوسَى فِي صَلَاتِهِ وَلِقَوْمِهِ ، وَلَمْ تَخْلُ الصَّلَاةُ قَطُّ عَنْ شَرْطِ الطَّهَارَتَيْنِ ، وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي التَّكْلِيفِ ، وَأَوْقَرُ لِلْعِبَادَةِ .
قِيلَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } : يَعْنِي : بَيْتَ الْمَقْدِسِ أُمِرُوا أَنْ يَسْتَقْبِلُوهَا حَيْثُمَا كَانُوا ، وَقَدْ كَانَتْ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ قِبْلَةً ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَقِيلَ : أَرَادَ بِهِ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ دُونَ بِيَعِكُمْ إذَا كُنْتُمْ خَائِفِينَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ دِينِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ إلَّا فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ مَا دَامُوا عَلَى أَمْنٍ ، فَإِذَا خَافُوا فَقَدْ أَذِنَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ دَعْوَى .
4- قَالَ ابْنُ كَثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ................
يَذْكُرُ تَعَالَى سَبَبَ إِنْجَائِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَكَيْفِيَّةِ خَلَاصِهِمْ مِنْهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ {أَنْ تَبَوَّءَا} أَيْ: يَتَّخِذَا لِقَوْمِهِمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا.
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} (5) فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ خُصَيْف، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} قَالَ: أمرُوا أَنْ يَتَّخِذُوهَا مَسَاجِدَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} قَالَ: كَانُوا خَائِفِينَ، فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ.
وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَأَبُوهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: وَكَأَنَّ هَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -لَمَّا اشْتَدَّ بِهِمُ الْبَلَاءُ مِنْ قبَل فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَضَيَّقُوا عَلَيْهِمْ، أُمِرُوا بِكَثْرَةِ الصَّلَاةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [الْبَقَرَةِ: 156] . وَفِي الْحَدِيثِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ: بِالثَّوَابِ وَالنَّصْرِ الْقَرِيبِ.وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُظْهِرَ صَلَاتَنَا مَعَ الْفَرَاعِنَةِ، فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ، وَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا بُيُوتَهُمْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} قَالَ: لَمَّا خَافَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ أَنْ يُقْتَلُوا فِي الْكَنَائِسِ الْجَامِعَةِ، أُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا بُيُوتَهُمْ مَسَاجِدَ مُسْتَقْبِلَةً الْكَعْبَةَ، يُصَلُّونَ فِيهَا سِرًّا. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أَيْ: يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
-5 قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه .....
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا) يُقَالُ تَبَوَّأَ الدَّارَ : اتَّخَذَهَا مُبَوَّءًا أَوْ مَبَاءَةً أَيْ مَسْكَنًا ثَابِتًا وَمَلْجَأً يَبُوءُ إِلَيْهِ ، أَيْ يَرْجِعَ كُلَّمَا فَارَقَهُ لِحَاجَةٍ ، وَبَوَّأَهَا غَيْرَهُ ، وَقَوْلُهُ : (أَنْ تَبَوَّآ) تَفْسِيرٌ لِأَوْحَيْنَا لِأَنَّهُ بِمَعْنَى قُلْنَا لَهُمَا: اتَّخِذُوا لِقَوْمِكُمَا بُيُوتًا فِي مِصْرَ تَكُونُ مَسَاكِنَ وَمَلَاجِئَ يَبُوءُونَ إِلَيْهَا وَيَعْتَصِمُونَ بِهَا . (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) أَيْ مُتَقَابِلَةً فِي وِجْهَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَالْقِبْلَةُ فِي اللُّغَةِ مَا يُقَابِلُ الْإِنْسَانَ وَيَكُونُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَمِنْهُ قِبْلَةُ الصَّلَاةِ وَهِيَ أَخَصُّ وَيَصِحُّ الْجَمْعُ هُنَا بَيْنَ الْمَعْنِيِّينَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) أَيْ فِيهَا مُتَوَجِّهِينَ إِلَى وِجْهَةٍ وَاحِدَةٍ ..
لِأَنَّ الِاتِّحَادَ فِي الِاتِّجَاهِ يُسَاعِدُ عَلَى اتِّحَادِ الْقُلُوبِ .......{تَأمَّل }
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِكْمَةِ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ ((وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ)) وَحِكْمَةُ هَذَا أَنْ يَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِتَبْلِيغِهِمَا إِيَّاهُمْ مَا يُهِمُّهُمْ وَيَعْنِيهِمْ مِمَّا بُعِثَا لِأَجْلِهِ ، وَهُوَ إِنْجَاؤُهُمْ مِنْ عَذَابِ فِرْعَوْنَ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ بِلَادِهِ . وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِاسْتِقْبَالِهَا وَالتَّوَجُّهِ إِلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِنَصٍّ : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بِحِفْظِ اللهِ إِيَّاهُمْ مِنْ فِتْنَةِ فِرْعَوْنَ وَمِلْئِهِ الظَّالِمِينَ لَهُمْ وَتَنْجِيَتِهِمْ مِنْ ظُلْمِهِمْ . خَصَّ اللهُ مُوسَى بِهَذَا الْأَمْرِ (التَّبْشِيرِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَمْرِ الْوَحْيِ وَالتَّبْلِيغِ الْمَنُوطِ بِهِ ، وَأَشْرَكَ هَارُونَ مَعَهُ فِي الْأَمْرِ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّهُ تَدْبِيرٌ عَمَلِيٌّ هُوَ وَزِيرُهُ الْمُسَاعِدُ لَهُ عَلَى تَنْفِيذِهِ .
6- قَالَ ابْنُ عَاشُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................
وَاضْطَرَبَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوتِ وَذَكَرُوا رِوَايَاتٍ غَيْرَ مُلَائِمَةٍ لِحَالَةِ الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ. فَقِيلَ: أُرِيدَ بِالْبُيُوتِ بُيُوتُ الْعِبَادَةِ أَيْ مَسَاجِدُ يُصَلُّونَ فِيهَا، وَرُبَّمَا حَمَلَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَنْ تَأَوَّلَهُ وُقُوعُ قَوْلِهِ: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ عَقِبَهُ. وَهَذَا بِعِيدٌ لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُفَارِقُونَ مِصْرَ قَرِيبًا بِإِذْنِهِ. وَقِيلَ: الْبُيُوتُ بُيُوتُ السُّكْنَى وَأَمْسَكُوا عَنِ الْمَقْصُودِ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوتِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُنَاسب للتبوؤ لِأَن التبوؤ السُّكْنَى، وَالْمُنَاسِبُ أَيْضًا لِإِطْلَاقِ الْبُيُوتِ، وَكَوْنِهَا بِمِصْرَ.
فَالَّذِي يَظْهَرُ بِنَاءً عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الْبُيُوتَ خِيَامٌ أَوْ أَخْصَاصٌ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِاتِّخَاذِهَا تَهْيِئَةً لِلِارْتِحَالِ وَهِيَ غَيْرُ دِيَارِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَسْكُنُونَهَا فِي (جَاسَانَ) قُرْبَ مَدِينَةِ فِرْعَوْنَ وَقَدْ جَاءَ فِي التَّوْرَاةِ مَا يَشْهَدُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَخْرُجَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْبَادِيَةِ لِيَعْمَلُوا عِيدَ الْفِصْحِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ مَا سَأَلَهُ مُوسَى مِنْ فِرْعَوْنَ، وَأَنَّ فِرْعَوْنَ مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ مُوسَى كَرَّرَ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْ فِرْعَوْنَ كُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ كَمَا فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْفَصْلِ الثَّامِنِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ، وَقَدْ صَارَ لَهُمْ ذَلِكَ عِيدًا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً أَيْ هَذِهِ الْخِيَامَ أَوِ الْأَخْصَاصَ الَّتِي تَتَّخِذُونَهَا
تَجْعَلُونَهَا مَفْتُوحَةً إِلَى الْقِبْلَةِ. قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالْقِبْلَةُ: اسْمٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ لِجِهَةِ الْكَعْبَةِ. وَتِلْكَ الْجِهَةُ هِيَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِأَنَّ قِبْلَةَ بِلَادِ مِصْرَ كَقِبْلَةِ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَهِيَ الْجَنُوبُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْبِيرُ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ بِالْقِبْلَةِ فِي الْآيَةِ حِكَايَةً لِتَعْبِيرِ مُوسَى عَنْهَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى التَّوَجُّهِ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي يُصَلُّونَ إِلَيْهَا، وَهِيَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ، فَيَكُونُ أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَوْمَئِذٍ جَارِيًا عَلَى الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يُنْسَخَ بِالِاسْتِقْبَالِ إِلَى صَخْرَةِ الْقُدْسِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى قَدْ عَبَّرَ بِمَا يُفِيدُ مَعْنَى الْجَنُوبِ فَحُكِيَتْ عِبَارَتُهُ فِي الْقُرْآنِ بِاللَّفْظِ الْمُرَادِفِ لَهُ الشَّائِعِ فِي التَّعْبِيرِ عَنِ الْجَنُوبِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُوَ كَلِمَةُ قِبْلَةٍ.
وَالْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ الْبُيُوتِ إِلَى الْقِبْلَةِ أَنَّ الشَّمْسَ تَدْخُلُهَا مِنْ أَبْوَابِهَا فِي غَالِبِ أَوْقَاتِ النَّهَارِ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ وَفِي ذَلِكَ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ.
وَالَّذِينَ فَسَّرُوا الْبُيُوتَ بِأَنَّهَا بُيُوتُ السُّكْنَى فَسَّرُوا قِبْلَةً: إِمَّا بِمَعْنَى مُتَقَابِلَةً، وَإِمَّا بِمَعْنَى اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَحَلَّ صَلَاتِكُمْ، وَكِلَا التَّفْسِيرَيْنِ بَعِيدٌ عَنِ الِاسْتِعْمَالِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ تَأَوَّلُوا الْبُيُوتَ بِالْمَسَاجِدِ فَقَدْ فَسَّرُوا الْقِبْلَةَ بِأَنَّهَا قِبْلَةُ الصَّلَاةِ، أَيْ جِهَةُ الْكَعْبَةِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الْكَعْبَةُ قِبْلَةَ مُوسَى. وَعَنِ الْحَسَنِ: كَانَتِ الْكَعْبَةُ قِبْلَةَ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ يُلَائِمُ تَرْكِيبَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً لِأَنَّ التَّرْكِيبَ اقْتَضَى أَنَّ الْمَجْعُولَ قِبْلَةً هُوَ الْبُيُوتُ أَنْفُسُهَا لَا أَنْ تُجْعَلَ الصَّلَاةُ فِيهَا إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَإِذَا افْتَقَدْنَا التَّأْوِيلَاتِ كُلَّهَا لَا نَجِدُهَا إِلَّا مُفَكَّكَةً مُتَعَسِّفَةً خَلَا التَّفْسِيرِ الَّذِي عَوَّلْنَا عَلَيْهِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ إِلَيْهِ.
وَأُسْنِدَ فِعْلُ اجْعَلُوا إِلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَعْلَ مِنْ عَمَلِ مُوسَى وَأَخِيهِ وَقَوْمِهِمَا إِذْ كُلُّ أَحَدٍ مُكَلَّفٌ بِأَنْ يَجْعَلَ بَيْتَهُ قِبْلَةً.
وَأَمَرَهُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، أَيِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى، وَالَّتِي كَانُوا يُصَلُّونَهَا مِنْ قَبْلِ مَجِيءِ مُوسَى اتِّبَاعًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَبْنَائِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى أَمْرِهِمْ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ اتِّخَاذَ الْبُيُوتِ كَانَ فِي حَالَةِ رَحِيلٍ فَكَانَتْ حَالَتُهُمْ مَظِنَّةَ الشُّغُلِ عَنْ إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ فَلِذَلِكَ أُمِرُوا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي مُدَّةِ رِحْلَتِهِمْ.
وَعَطْفُ جُمْلَةِ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } عَلَى مَا قَبْلَهَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنِ اتِّخَاذِ
الْبُيُوتِ أَمْرٌ بِحَالَةٍ مُشْعِرَةٍ بِتَرَقُّبِ أَخْطَارٍ وَتَخَوُّفٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً [يُونُس:
85] فَأَمَرَ مُوسَى أَنْ يُبَشِّرَهُمْ بِحُسْنِ الْعَاقِبَةِ، وَأَنَّهُمْ مَنْصُورُونَ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَنَاجُونَ مِنْهُ وَالْمُؤْمِنُونَ هُمْ قَوْمُ مُوسَى الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي قَوْلِهِ: فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ [يُونُس: 83] وَفِي قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا [يُونُس: 84، 85] .
الْخُلَاصَةُ ..............
- الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ ...............
عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي الفَتْحِ ............
قَوْلُهُ {وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا } أَيْ مَوْضِعَ سُجُودٍ لَا يَخْتَصُّ السُّجُودُ مِنْهَا بِمَوْضِعٍ دُونَ غَيْرِهِ.
قَالَ الشِّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي في السَّيْلِ الْجَرَّارِ الْمُتَدَفِّقِ عَلَى حَدَائِقِ الْأَزْهَارِ:
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي خَمْسَة عَشَر مَذْهَبًا، فَقَالَ: وَجُمْلَة مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ خَمْسَة عَشْر قَوْلًا: أَحَدُهَا: تَصِحّ مِنْ الْوَاحِد نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ. قُلْت: وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْقَاشَانِيِّ وَصَاحِبِ الْبَحْر عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ.
الثَّانِي: اثْنَانِ كَالْجَمَاعَةِ، هُوَ قَوْل النَّخَعِيّ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَالْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى. الثَّالِثُ: اثْنَانِ مَعَ الْإِمَام عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ........الخ .
وَالْعَجَبُ مِنْ كَثْرَةِ الْأَقْوَالِ فِي تَقْدِيرِ الْعَدَدِ حَتَّى بَلَغَتْ إِلَي خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلَاً وَلَيْسَ عَلَى شَيءٍ مَنْهَا دَلِيلٌ يُسْتَدَلَّ بِهِ قَطُّ إِلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا تَنْعَقِدُ جَمَاعَةُ الْجُمُعَةِ بِمَا تَنْعَقِدُ بِهِ سَائِرُ الْجَمَاعَاتِ.
قَالَ الشِّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي في السَّيْلِ الْجَرَّارِ الْمُتَدَفِّقِ عَلَى حَدَائِقِ الْأَزْهَارِ:
قَوْلُهُ: "وَمَسْجِدٌ فِي مُسْتَوْطَنٍ".
أَقُولُ: وَهَذَا الشَّرْطُ أَيْضَاً لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ يَصْلُحُ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْبَابِ فَضْلَاً عِنِ الشَّرْطِيَّةِ وَلَقَدُ كَثُرَ التَّلَاعُبُ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَبَلَغَ إِلَي حَدٍ يُقْضَى مِنْهُ الْعَجَبُ.
وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ شَعَارٌ مِنْ شَعَارَاتِ الْإِسْلَامِ وَصَلَاةٌ مِنَ الصَّلَوَاتِ, فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلٍ , وَقَدْ تَخَصَّصَتْ بِالْخُطْبَةِ وَلَيْسَتِ الْخُطْبَةُ إِلَّا مُجَرَّدَ مَوْعِظَةٍ يَتَوَاعَظُ بِهَا عِبَادُ اللهِ.
فَإذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَكَانِ إِلَّا رَجُلَانِ , قَامَ أَحَدُهُمَا يَخْطُبُ وَاسْتَمَعَ لَهُ الْآخَرُ ثُمَّ قَامَا فَصَلَّيَا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي- السِّلْسِلَةِ – تَعْلِيقَاً عَلَى قَوْلِ الشِّوْكَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ : وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وقَالَ الصَّنْعَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي (سُبُلِ السَّلَامِ) شَرْحِ بُلُوغِ الْمَرَامِ : :
وَالْحَقُّ أَنَّ شَرْطِيَّةَ أَيِّ شَيْءٍ فِي أَيِّ عِبَادَةٍ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ هُنَا عَلَى تَعْيِينِ عَدَدٍ لَا مِنْ الْكِتَابِ وَلَا مِنْ السُّنَّةِ، وَإِذْ قَدْ عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ صَلَاتُهَا إلَّا جَمَاعَةً فَتَتِمُّ بِهِمْ فِي الْأَظْهَرِ .
قَالَ العُثَيمِينُ رِحِمَهُ اللهُ فِي الشَّرْحِ الْمُمْتِعِ عَلَى زَادِ الْمُسْتَقْنِعِ.............
بَعْدَ أَقْوَالٍ لَهُ :
(الْقَوْلُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبً عَلَى اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقَ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمَاعَةٌ فَيَحْصُلُ الِاجْتِمَاعُ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْنِ بِالِاتَّفَاقِ، وَالْجُمُعَةُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ، فَمَنِ ادَّعَى خُرُوجُهَا عَنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَأَنَّ جَمَاعَتَهَا لَابُدَّ فِيهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَاخَتَارَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى، وَهُوَ قَوْلٌ قَوِيٌّ، لَكِنْ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أصح؛ إِذْ لَا بُدَّ مِنْ جَمَاعَةٍ تَسْتَمِعُ، وَأَقْلُّهَا اثْنَانِ، وَالْخَطِيبُ هُوَ الثَّالِثُ، وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَأَقْرَبُ الْأَقْوَالِ إِلَى الصَّوَابِ: أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ، وَتَجِبُ عَلَيْهِم.
انْطُرْ :{ وَتَجِبُ عَلَيْهِم. }
اسْتِدْرَاكٌ وَاجِبٌ ..................
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا.............
لَا أظنُّ أَنَّ أَخَاً مِنْ إِخْوَانِي الْكِرَامِ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا الْمَوْضُوعَ دَعْوَةٌ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِقَامَةِ جُمُعَةٍ بِالْعَدَدِ الْوَارِدِ فِي الْمُشَارَكَاتِ السَّابِقَةِ – هَذَا عَيْنُ الْمُحَالِ وَالضَّلَالِ – فَإِنَّ هَذَا مُعْتَقَدُ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ وَالشِّيعَةِ- بَلْ نَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَنْ وَاقِعٍ أَصَابَ الْعَالَمَ كَافَّةْ وَالْمُسْلِمِينَ خَاصَّةْ ...
جَاءَ فِي مَتْنِ الْعَقِيدَةِ الْوَاسِطِيَّةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَحْمَدَ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - :
وَيَرَوْنَ إِقَامَةَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْجُمَعِ وَالأَعْيَادِ مَعَ الأُمَرَاءِ أَبْرَارًا كَانُوا أَوْ فُجَّارًا، وَيُحَافِظُونَ عَلَى الْجَمَاعَاتِ.
جَاءَ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ لِأَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - :
وَمَنْ تَرَكَ الْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ الْفَاجِرِ، فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
وَالْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ، فَإِذَا صَلَّى الْمَأْمُومُ خَلْفَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، لَكِنْ إِنَّمَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ تَرْكُ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ يُفَوِّتُ الْمَأْمُومَ الْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ، فَهُنَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ إِلَّا مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ قَدْ رَتَّبَهُ وُلَاةُ الْأُمُورِ، لَيْسَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَهُنَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ، بَلِ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ أَفْضَلُ.
وَأَمَّا إِذَا أَمْكَنَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْبَرِّ، فَهَذَا أَوْلَى مِنْ فِعْلِهَا خَلْفَ الْفَاجِرِ.
جَاءَ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ لِأَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - :
وَأَمَّا الَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ بِالرِّيَاضَاتِ وَالْخَلَوَاتِ، وَيَتْرُكُونَ الْجُمَعَ وَالْجَمَاعَاتِ، فَهُمُ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، قَدْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. كَمَا قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» . وَكُلُّ مَنْ عَدَلَ عَنِ اتِّبَاعِ سُنَّةِ الرَّسُولِ، إِنْ كَانَ عَالِمًا بِهَا فَهُوَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ ضَالٌّ. وَلِهَذَا شَرَعَ اللَّهُ لَنَا أَنْ نَسْأَلَهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، مِنَ النَّبِيِّينِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.
أَقُولُ : فَإذَا فُتِحَتِ الْمَسَاجِدُ فَلَيْسَ لَنَا وَاللهِ إِلَّا الْمَسَاجِدُ .