بشير عبدالعال
Member
قَوْلُهُ تَعَالَى: :{ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)}
جاءَ فِي أَضْوَاءِ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ .............
تَنْبِيهٌ :
قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :{ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} ، لَيْسَ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ الْمَعْرُوفَةِ بِهَذَا الِاسْمِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : بِأَيْدٍ لَيْسَ جَمْعَ يَدٍ : وَإِنَّمَا الْأَيْدُ الْقُوَّةُ .
أَقُولُ .........
الْأَيْدُ الْقُوَّةُ ................ وَالإيسَاعُ ....عَلَى مَعْنَاهُ الظَّاهِر..
قَالَ السَّعديُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ .....................
يَقُولُ تَعَالَى مُبِينًا لِقُدرَتِهَ العَظيمَةِ: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا } أيْ: خَلَقْنَاهَا وَأَتْقَنَّاهَا، وَجَعَلنَاهَا سَقْفًا لِلأَرْضِ وَمَا عَلَيهَا.
{ بِأَيْدٍ } أيْ: بِقُوةٍ وَقُدرَةٍ عَظِيمَةٍ { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } لأرجَائهَا وَأَنْحَائهَا، وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ أيضا عَلى عِبادِنَا، بِالرزقِ الَّذي مَا تَركَ اللهُ دَابةً فِي مَهَامِه القِفَار، وَلُججِ البِحَارِ، وَأقْطَارِ العَالَمِ العُلويِّ وَالسُفليِّ، إلَّا وَأوصَلَ إليهَا مِنْ الرزقِ، ماِ يكْفيهَا، وَسَاقَ إِليهَا مِنْ الإِحْسَانِ مَا يُغْنيهَا.
فَسُبحَانَ مَنْ عَمَّ بِجُودِهَ جَميعَ المَخْلُوقَاتِ، وَتَبَارَكَ الذَّي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ جَمِيعَ البَرِّيَاتِ.
{ وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا } أيْ: جَعلنَاهَا فِرَاشًا لِلخَلقِ، يَتَمكنونَ فِيهَا مِنْ كُلِّ مَا تَتَعلقُ به مَصَالِحِهِم، مِن مَسَاكِنَ، وغِراسٍ، وَزَرْعٍ، وحَرثٍ وجُلوس، وَسُلوكٍ لِلطُرُقِ المُوَصِّلَةِ إِلَى مَقاصِدِهِم وَمآربهم، ولمَّا كَانَ الفِراشُ، قَدْ يَكُونُ صَالِحَا للانتِفَاع مِنْ كلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ يَكونُ من وَجهٍ دُون وَجهٍ، أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّه مَهَّدَهَا أَحْسَنَ مِهَادٍ، عَلَى أَكْمَلِ الوُجُوهِ وَأَحْسَنَهَا، وَأَثنَى عَلَى نَفْسِهِ بِذَلكَ فَقَالَ: { فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } الذي مَهَّدَ لعبَادِهَ مَا اقْتَضَتهُ حِكُمَتُه وَرَحْمَتُه وَإِحْسَانُه.
قَالَ فِي مَحَاسِنِ التَّأْوِيِلِ .....
{ وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } أيْ : رَفَعنَاهَا بِقُوةٍ { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } أيْ : لَقَادِرونَ عَلَى الإيسَاعِ ، كَمَا أَوْسَعْنَا بِنَاءَهَا .
{ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا } أيْ : مَهَّدنَاهَا لِيتَمَتعُوا بِهَا { فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } أيْ : لَهُم . وفي إيثَارِ صِيغَةِ فَاعِل مِنْ : مَهد عَلَى فُرش ، إِشَارةٌ إلى أنَّ مِنْ المَوَاد ما تَختَلِفُ صيغتُه في النَّظمِ فِعلاً وَاسماً ، فَيَكونُ فِي أحَدِهِمَا أرقَّ وألطف وأفصح ، فَيُؤثر عَلَى غَيرِهِ فِي ظَرفٍ ، وَيُؤثِّر عَلَيه غَيرُه فِي آخَر ، والمَرجِعُ الذَّوْقُ ، كَمَا بَسَطه ابنُ خُلدون وابنُ الأَثِيرِ .
قَالَ الشَّعْرَوِايُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ .......................
وفي قوله { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } إشارةٌ إلى خلق هذا الكون المَرئي وغير المرئي؛ لأن هناك الكثيرَ من الأجْرام والمَجموعات الشَّمسيَّة ، وما وراء ذلك من اتساعِ ذلك الكون ما لا يدركه العقلُ ولا يمكنه تحديدُه ، وهذه السِّعةُ المُذهلةُ هي من قُدرة اللهِ سُبحَانَه وَتَعَالَى . { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } .
ولو علمتَ أن في الفضاء وفي كون الله الواسع مليون مجموعة مثل مجموعتنا الشمسية في ( سكة التبَّانة ) ، وهذا كله في المجرة التي نعرفها - لو علمت ذلك لتبيَّن لك عظَم هذا الكون الذي لا نعرف عنه إلا القليل؛ لذلك حين تقرأ : { والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [ الذاريات : 47 ] فاعلم أنها مَسْألةٌ لا نهايةَ لها ولا حدودَ في علمنا وفي عُقولنا ، لكن لها نهايةٌ عندَ اللهِ .
قَالَ العُثَيمِينُ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ...... ..................
{ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } أيْ: لَمُوسِعُونَ لأرجائها، لأنها وَاسِعةٌ عظيمةٌ، وَلهَذَا كانت السماواتُ أكبرَ بكَثيرٍ مِن الأَرضِ، وَهِي مُحيطةٌ بِالأَرضِ مِن كُلِّ جانبٍ، وعلى هَذَا فتكونُ أوسعَ مِن الأرضِ، وليسَت الأرضُ بالنسبة للسماء إلا شيئاً يسيراً، { وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا } أي: فَرَشْنَاهَا لأهلها، جَعَلنَاهَا لهم كالفِراش يأوونَ إليها وَيَتَمتَعونَ بها، لم يَجْعلها اللهُ تَعَالَى صَعبَةً ولا سَهلةً، بل هي مُتوسطةٌ لو كَانَتْ لينةً رخوةً مًا تَمكَّنَ أحدٌ من البقاء عليها، ولو كانت صعبةً ما تمكن أحدٌ من الانتفاع بها، ولكنها كانت كما وَصَفها اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } .
{ فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلكَ، لأنَّه أهلٌ للثَّنَاء، وَقَدْ جعَلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الأَرْضَ عَلَى مُستَوى نَافِعٍ لِلعِبَادِ، ليست بِالقَاسيَةِ الَّتِي يَعْجزُ الناسُ عَن الانتفَاعِ بِهَا، وَليست بالَّلينَةِ التي لا يَستقرونَ عَليهَا، بَل هي مُناسبَةٌ تَمَاماً لَهم، على أن فيها اختلافاً في الليونة وفي الصَّلابةِ، لَكن هَذَا لا يَمنعُ الانتِفِاعُ بِهَا.
قَالَ ابْنُ كَثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ................
يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى خَلْقِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} أَيْ: جَعَلْنَاهَا سَقْفًا مَحْفُوظًا رَفِيعًا {بِأَيْدٍ} أَيْ: بِقُوَّةٍ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} ، أَيْ: قَدْ وَسَّعْنَا أَرْجَاءَهَا وَرَفَعْنَاهَا بِغَيْرِ عَمِدٍ، حَتَّى اسْتَقَلَّتْ كَمَا هِيَ.
قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................
وَالْمُوسِعُ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَوْسَعَ، إِذَا كَانَ ذَا وُسْعٍ، أَيْ قُدْرَةٍ. وَتَصَارِيفُهُ جَائِيَّةٌ مِنَ السَّعَةِ، وَهِيَ امْتِدَادُ مِسَاحَةِ الْمَكَانِ ضِدُّ الضِّيقِ، وَاسْتُعِيرَ مَعْنَاهَا لِلْوَفْرَةِ فِي أَشْيَاءَ مِثْلَ الْإِفْرَادِ مِثْلَ عُمُومِهَا فِي وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الْأَعْرَاف: 156] ، وَوَفْرَةُ الْمَالِ مِثْلَ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطَّلَاق: 7] ، وَقَوْلِهِ: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ [الْبَقَرَة: 236] ، وَجَاءَ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْوَاسِعُ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ. وَهُوَ عِنْدَ إِجْرَائِهِ عَلَى الذَّاتِ يُفِيدُ كَمَالَ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ: الْوُجُودِ، وَالْحَيَاةِ، وَالْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْحِكْمَةِ، قَالَ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ } [الْبَقَرَة: 115] وَمِنْهُ قَوْلُهُ هُنَا: وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.
جاءَ فِي أَضْوَاءِ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ .............
تَنْبِيهٌ :
قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :{ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} ، لَيْسَ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ الْمَعْرُوفَةِ بِهَذَا الِاسْمِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : بِأَيْدٍ لَيْسَ جَمْعَ يَدٍ : وَإِنَّمَا الْأَيْدُ الْقُوَّةُ .
أَقُولُ .........
الْأَيْدُ الْقُوَّةُ ................ وَالإيسَاعُ ....عَلَى مَعْنَاهُ الظَّاهِر..
قَالَ السَّعديُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ .....................
يَقُولُ تَعَالَى مُبِينًا لِقُدرَتِهَ العَظيمَةِ: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا } أيْ: خَلَقْنَاهَا وَأَتْقَنَّاهَا، وَجَعَلنَاهَا سَقْفًا لِلأَرْضِ وَمَا عَلَيهَا.
{ بِأَيْدٍ } أيْ: بِقُوةٍ وَقُدرَةٍ عَظِيمَةٍ { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } لأرجَائهَا وَأَنْحَائهَا، وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ أيضا عَلى عِبادِنَا، بِالرزقِ الَّذي مَا تَركَ اللهُ دَابةً فِي مَهَامِه القِفَار، وَلُججِ البِحَارِ، وَأقْطَارِ العَالَمِ العُلويِّ وَالسُفليِّ، إلَّا وَأوصَلَ إليهَا مِنْ الرزقِ، ماِ يكْفيهَا، وَسَاقَ إِليهَا مِنْ الإِحْسَانِ مَا يُغْنيهَا.
فَسُبحَانَ مَنْ عَمَّ بِجُودِهَ جَميعَ المَخْلُوقَاتِ، وَتَبَارَكَ الذَّي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ جَمِيعَ البَرِّيَاتِ.
{ وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا } أيْ: جَعلنَاهَا فِرَاشًا لِلخَلقِ، يَتَمكنونَ فِيهَا مِنْ كُلِّ مَا تَتَعلقُ به مَصَالِحِهِم، مِن مَسَاكِنَ، وغِراسٍ، وَزَرْعٍ، وحَرثٍ وجُلوس، وَسُلوكٍ لِلطُرُقِ المُوَصِّلَةِ إِلَى مَقاصِدِهِم وَمآربهم، ولمَّا كَانَ الفِراشُ، قَدْ يَكُونُ صَالِحَا للانتِفَاع مِنْ كلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ يَكونُ من وَجهٍ دُون وَجهٍ، أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّه مَهَّدَهَا أَحْسَنَ مِهَادٍ، عَلَى أَكْمَلِ الوُجُوهِ وَأَحْسَنَهَا، وَأَثنَى عَلَى نَفْسِهِ بِذَلكَ فَقَالَ: { فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } الذي مَهَّدَ لعبَادِهَ مَا اقْتَضَتهُ حِكُمَتُه وَرَحْمَتُه وَإِحْسَانُه.
قَالَ فِي مَحَاسِنِ التَّأْوِيِلِ .....
{ وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } أيْ : رَفَعنَاهَا بِقُوةٍ { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } أيْ : لَقَادِرونَ عَلَى الإيسَاعِ ، كَمَا أَوْسَعْنَا بِنَاءَهَا .
{ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا } أيْ : مَهَّدنَاهَا لِيتَمَتعُوا بِهَا { فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } أيْ : لَهُم . وفي إيثَارِ صِيغَةِ فَاعِل مِنْ : مَهد عَلَى فُرش ، إِشَارةٌ إلى أنَّ مِنْ المَوَاد ما تَختَلِفُ صيغتُه في النَّظمِ فِعلاً وَاسماً ، فَيَكونُ فِي أحَدِهِمَا أرقَّ وألطف وأفصح ، فَيُؤثر عَلَى غَيرِهِ فِي ظَرفٍ ، وَيُؤثِّر عَلَيه غَيرُه فِي آخَر ، والمَرجِعُ الذَّوْقُ ، كَمَا بَسَطه ابنُ خُلدون وابنُ الأَثِيرِ .
قَالَ الشَّعْرَوِايُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ .......................
وفي قوله { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } إشارةٌ إلى خلق هذا الكون المَرئي وغير المرئي؛ لأن هناك الكثيرَ من الأجْرام والمَجموعات الشَّمسيَّة ، وما وراء ذلك من اتساعِ ذلك الكون ما لا يدركه العقلُ ولا يمكنه تحديدُه ، وهذه السِّعةُ المُذهلةُ هي من قُدرة اللهِ سُبحَانَه وَتَعَالَى . { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } .
ولو علمتَ أن في الفضاء وفي كون الله الواسع مليون مجموعة مثل مجموعتنا الشمسية في ( سكة التبَّانة ) ، وهذا كله في المجرة التي نعرفها - لو علمت ذلك لتبيَّن لك عظَم هذا الكون الذي لا نعرف عنه إلا القليل؛ لذلك حين تقرأ : { والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [ الذاريات : 47 ] فاعلم أنها مَسْألةٌ لا نهايةَ لها ولا حدودَ في علمنا وفي عُقولنا ، لكن لها نهايةٌ عندَ اللهِ .
قَالَ العُثَيمِينُ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ...... ..................
{ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } أيْ: لَمُوسِعُونَ لأرجائها، لأنها وَاسِعةٌ عظيمةٌ، وَلهَذَا كانت السماواتُ أكبرَ بكَثيرٍ مِن الأَرضِ، وَهِي مُحيطةٌ بِالأَرضِ مِن كُلِّ جانبٍ، وعلى هَذَا فتكونُ أوسعَ مِن الأرضِ، وليسَت الأرضُ بالنسبة للسماء إلا شيئاً يسيراً، { وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا } أي: فَرَشْنَاهَا لأهلها، جَعَلنَاهَا لهم كالفِراش يأوونَ إليها وَيَتَمتَعونَ بها، لم يَجْعلها اللهُ تَعَالَى صَعبَةً ولا سَهلةً، بل هي مُتوسطةٌ لو كَانَتْ لينةً رخوةً مًا تَمكَّنَ أحدٌ من البقاء عليها، ولو كانت صعبةً ما تمكن أحدٌ من الانتفاع بها، ولكنها كانت كما وَصَفها اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } .
{ فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلكَ، لأنَّه أهلٌ للثَّنَاء، وَقَدْ جعَلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الأَرْضَ عَلَى مُستَوى نَافِعٍ لِلعِبَادِ، ليست بِالقَاسيَةِ الَّتِي يَعْجزُ الناسُ عَن الانتفَاعِ بِهَا، وَليست بالَّلينَةِ التي لا يَستقرونَ عَليهَا، بَل هي مُناسبَةٌ تَمَاماً لَهم، على أن فيها اختلافاً في الليونة وفي الصَّلابةِ، لَكن هَذَا لا يَمنعُ الانتِفِاعُ بِهَا.
قَالَ ابْنُ كَثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ................
يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى خَلْقِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} أَيْ: جَعَلْنَاهَا سَقْفًا مَحْفُوظًا رَفِيعًا {بِأَيْدٍ} أَيْ: بِقُوَّةٍ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} ، أَيْ: قَدْ وَسَّعْنَا أَرْجَاءَهَا وَرَفَعْنَاهَا بِغَيْرِ عَمِدٍ، حَتَّى اسْتَقَلَّتْ كَمَا هِيَ.
قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................
وَالْمُوسِعُ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَوْسَعَ، إِذَا كَانَ ذَا وُسْعٍ، أَيْ قُدْرَةٍ. وَتَصَارِيفُهُ جَائِيَّةٌ مِنَ السَّعَةِ، وَهِيَ امْتِدَادُ مِسَاحَةِ الْمَكَانِ ضِدُّ الضِّيقِ، وَاسْتُعِيرَ مَعْنَاهَا لِلْوَفْرَةِ فِي أَشْيَاءَ مِثْلَ الْإِفْرَادِ مِثْلَ عُمُومِهَا فِي وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الْأَعْرَاف: 156] ، وَوَفْرَةُ الْمَالِ مِثْلَ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطَّلَاق: 7] ، وَقَوْلِهِ: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ [الْبَقَرَة: 236] ، وَجَاءَ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْوَاسِعُ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ. وَهُوَ عِنْدَ إِجْرَائِهِ عَلَى الذَّاتِ يُفِيدُ كَمَالَ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ: الْوُجُودِ، وَالْحَيَاةِ، وَالْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْحِكْمَةِ، قَالَ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ } [الْبَقَرَة: 115] وَمِنْهُ قَوْلُهُ هُنَا: وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.