محمد بن إبراهيم الحمد
New member
[align=center][وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ][/align]
[align=justify]هذا العنوان _كما لا يخفى_ جزء من آية من سورة الأعراف، وتمامها [وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ].
وقبلها قوله _تعالى_: [خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ].
فهاتان الآيتان وصية ربانية عظمى للتعامل مع الأعداء من الإنس والجن.
ولهما نظير في موضعين من القرآن الكريم، أحدهما: في سورة المؤمنون وهو قوله: [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)].
والثاني: في سورة فصلت، وهو قوله _تعالى_: [وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ(34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(36)].
والمقصود بيانه ههنا قوله _تعالى_ في سورة الأعراف: [وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ...] الآية.
ولقد تكلم المفسرون _رحمهم الله_ عن هذه الآية كغيرها، فأوضحوا معناها بياناً شافياً.
ومما قيل في ذلك: إن النزغ، والنغز بمعنىً واحدٍ، ومعناه: النخس.
فجاء تعبير القرآن البليغ بكلمة النزغ لما فيها من معنى النغز، والنخس، فكأن الشيطان يأتي بشيءٍ مُحَدَّدٍ ينخسه في الإنسان، ويغرزه فيه؛ ليثيره إلى ما لا يرضي الله _عز وجل_.
فذلك هو شعور الإنسان بالوسوسة والتثبيط عن الخير، أو الحث والإزعاج إلى الشر؛ فَأُمر _إذا وَجَدَ في نفسه تلك الخواطر_ أن يستعيذ بالله؛ فقد ضمن _جلا وعلا_ له أن يعيذه إذا استعاذ؛ لأنه هو الذي أمر بهذا، فبذلك تسلم نفسه من أن تغشاها غواشي السوء؛ فهذا معنى الآية.
وفي ذلك إشارة إلى أن نزغات الشيطان قد تزداد ثورتها في بعض الأحيان إذا صادف من الإنسان غفلة، أو شهوة، أو غضباً، أو فراغاً، أو أيَّ نوع من المثيرات التي تحرك فيه نوازع الشر.
ولهذا يجد الإنسان ذلك من نفسه؛ حيث تتحرك فيه تلك الدواعي، وتزيد في بعض الأوقات والأحوال؛ فجدير به إذا شعر بتلك النزغات أن يفزع إلى الاستعاذة بالله، وألا يستسلم ويسترسل مع تلك الخواطر.
وكلما اشتدت وطأة تلك الخواطر فليلجأ إلى الله طالباً منه العوذ، والنجاة.
وليعلم أن اشتداد الوطأة من الشيطان لا يلبث إلا فترة ثم يزول بإذن الله؛ فليبادر إلى الاستعاذة، وليتئد ويتريث؛ فلا يُقْدِمُ على ما زيَّنه له الشيطان.
وإذا هممت بأمر سوء فاتئد *** وإذا هممت بأمر خير فاعجل
ثم إذا ما أغواه الشيطان، وأزله، وأصاب منه _ فليستغفر، وليستدرك ما فَرُط منه بالتوبة، والحسنات الماحية.
وهذا ما أشار إليه قوله _عز وجل_: [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ].
فهذا علاج رباني لنزغات الشيطان إذا ثارت ثوائرها.
ثم إنه يجدر بالإنسان أن يتقي تلك النزغات قبل حلولها، وذلك بالبعد عن المثيرات التي ينفذ منها الشيطان سواء مثيرات الغضب، أو الشهوة، أو نحوها؛ فإن مَثَلَ النفوس _بما جُبلت عليه من ميل إلى الشهوات، وما أودع فيها من غرائز تميل مع الهوى حيث مال_ كمثل البارود، والوقود، وسائر المواد القابلة للإشتعال؛ فإن هذه المواد وما جرى مجراها متى كانت بعيدةً عما يُشعل فتيلها، ويُذكي أوارها _ بقيت ساكنة لا يُخشى خطرُها، والعكس.
وكذلك النفوس؛ فإنها تظل ساكنة وادعة هادئة، فإذا اقتربت مما يثيرها، ويحرك نوازعها إلى الشرور من مسموع، أو مشموم أو منظور _ ثارت كوامنها، وهاجت شرورها، وتحرك داؤها، وطغت أهواؤها.
كما يجمل بالإنسان أن يبتعد عن المثيرات والنوازع التي تحرك شروره فكذلك يجمل به أن يصلح خواطره، وأفكاره، وذلك بتصحيح مسارها، وتوجيهها إلى ما ينفع، والبعد بها عن كل ما يضر.
وللإمام ابن القيم في كتابه الفوائد ص249_251، كلام جميل في هذا الشأن، يقول -رحمه الله-: "مبدأ كل علم نظري، وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار؛ فإنها توجب التصوراتِ، والتصوراتُ تدعو إلى الإراداتِ، والإراداتُ تقتضي وقوعَ الفعل، وكثرةُ تكراره تعطي العادةَ؛ فصلاحُ هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادُها بفسادها؛ فصلاح الخواطر بأن تكون مراقبة لوليها وإلهها، صاعدةً إليه، دائرةً على مرضاته ومحابِّه؛ فإنه _سبحانه_ به كل صلاح، ومن عنده كل هدى، ومن توفيقه كل رشد، ومن تولِّيه لعبده كل حفظ، ومن تولِّيه وإعراضه عنه كل ضلال وشقاء".
وقال: "واعلم أن الخطراتِ والوساوسَ تؤدي متعلقاتها إلى الفكر، فيأخذها الفكرُ، فيؤديها إلى التذكر، فيأخذها التذكر فيؤديها إلى الإرادة، فتأخذها الإرادة فتؤديها إلى الجوارح والعمل، فتستحكم فتصير عادة؛ فَرَدُّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها.
ومعلوم أنه لم يُعْطَ الإنسانُ إماتةَ الخواطر، ولا القوةَ على قطعها؛ فإنها تهجم عليه هجوم النَّفَس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومساكنته له، وعلى دفع أقبحها، وكراهته له، وأنَفَته منه".
إلى أن قال-رحمه الله-: "وقد خلق الله_سبحانه_النفسَ شبيهةً بالرحى الدائرة التي لا تسكن، ولا بد لها من شيء تطحنه؛ فإن وُضع فيها حبٌّ طَحَنَتْهُ، وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته؛ فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي يوضع في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى مُعَطَّلةً قط، بل لا بد لها من شيء يوضع فيها؛ فمن الناس من تطحن رحاه حَبَّاً يخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصى وتبناً ونحو ذلك؛ فإذا جاء وقت العجن والخبز تبيَّن له حقيقة طحينه".
وقال-رحمه الله-: "فإذا دَفَعْتَ الخاطرَ الواردَ عليك اندفع عنك ما بعده، وإن قَبلْتَهُ صار فكراً جوَّالاً، فاسْتَخْدم الإرادة، فتساعَدَتْ هي والفكر على استخدام الجوارح، فإن تعذر استخدامها رجعا إلى القلب بالتمني والشهوة وتَوجُّهِهِ إلى جهة المراد.
ومن المعلوم أن إصلاح الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار، وإصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإرادات، وإصلاح الإرادات أسهل من تدارك فساد العمل، وتداركه أسهل من قطع العوائد.
فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك؛ فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فَكَّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه".
إلى أن قال: "وإياك أن تُمَكّن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك؛ فإنه يفسدها عليك فساداً يصعب تداركه، ويلقي إليك أنواع الوساوس والأفكار المضرة، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، وأنت الذي أعَنْتَه على نفسك بتمكينه من قلبك، وخواطرك فَمَلَكَها عليك".[/align]
[align=justify]هذا العنوان _كما لا يخفى_ جزء من آية من سورة الأعراف، وتمامها [وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ].
وقبلها قوله _تعالى_: [خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ].
فهاتان الآيتان وصية ربانية عظمى للتعامل مع الأعداء من الإنس والجن.
ولهما نظير في موضعين من القرآن الكريم، أحدهما: في سورة المؤمنون وهو قوله: [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)].
والثاني: في سورة فصلت، وهو قوله _تعالى_: [وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ(34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(36)].
والمقصود بيانه ههنا قوله _تعالى_ في سورة الأعراف: [وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ...] الآية.
ولقد تكلم المفسرون _رحمهم الله_ عن هذه الآية كغيرها، فأوضحوا معناها بياناً شافياً.
ومما قيل في ذلك: إن النزغ، والنغز بمعنىً واحدٍ، ومعناه: النخس.
فجاء تعبير القرآن البليغ بكلمة النزغ لما فيها من معنى النغز، والنخس، فكأن الشيطان يأتي بشيءٍ مُحَدَّدٍ ينخسه في الإنسان، ويغرزه فيه؛ ليثيره إلى ما لا يرضي الله _عز وجل_.
فذلك هو شعور الإنسان بالوسوسة والتثبيط عن الخير، أو الحث والإزعاج إلى الشر؛ فَأُمر _إذا وَجَدَ في نفسه تلك الخواطر_ أن يستعيذ بالله؛ فقد ضمن _جلا وعلا_ له أن يعيذه إذا استعاذ؛ لأنه هو الذي أمر بهذا، فبذلك تسلم نفسه من أن تغشاها غواشي السوء؛ فهذا معنى الآية.
وفي ذلك إشارة إلى أن نزغات الشيطان قد تزداد ثورتها في بعض الأحيان إذا صادف من الإنسان غفلة، أو شهوة، أو غضباً، أو فراغاً، أو أيَّ نوع من المثيرات التي تحرك فيه نوازع الشر.
ولهذا يجد الإنسان ذلك من نفسه؛ حيث تتحرك فيه تلك الدواعي، وتزيد في بعض الأوقات والأحوال؛ فجدير به إذا شعر بتلك النزغات أن يفزع إلى الاستعاذة بالله، وألا يستسلم ويسترسل مع تلك الخواطر.
وكلما اشتدت وطأة تلك الخواطر فليلجأ إلى الله طالباً منه العوذ، والنجاة.
وليعلم أن اشتداد الوطأة من الشيطان لا يلبث إلا فترة ثم يزول بإذن الله؛ فليبادر إلى الاستعاذة، وليتئد ويتريث؛ فلا يُقْدِمُ على ما زيَّنه له الشيطان.
وإذا هممت بأمر سوء فاتئد *** وإذا هممت بأمر خير فاعجل
ثم إذا ما أغواه الشيطان، وأزله، وأصاب منه _ فليستغفر، وليستدرك ما فَرُط منه بالتوبة، والحسنات الماحية.
وهذا ما أشار إليه قوله _عز وجل_: [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ].
فهذا علاج رباني لنزغات الشيطان إذا ثارت ثوائرها.
ثم إنه يجدر بالإنسان أن يتقي تلك النزغات قبل حلولها، وذلك بالبعد عن المثيرات التي ينفذ منها الشيطان سواء مثيرات الغضب، أو الشهوة، أو نحوها؛ فإن مَثَلَ النفوس _بما جُبلت عليه من ميل إلى الشهوات، وما أودع فيها من غرائز تميل مع الهوى حيث مال_ كمثل البارود، والوقود، وسائر المواد القابلة للإشتعال؛ فإن هذه المواد وما جرى مجراها متى كانت بعيدةً عما يُشعل فتيلها، ويُذكي أوارها _ بقيت ساكنة لا يُخشى خطرُها، والعكس.
وكذلك النفوس؛ فإنها تظل ساكنة وادعة هادئة، فإذا اقتربت مما يثيرها، ويحرك نوازعها إلى الشرور من مسموع، أو مشموم أو منظور _ ثارت كوامنها، وهاجت شرورها، وتحرك داؤها، وطغت أهواؤها.
كما يجمل بالإنسان أن يبتعد عن المثيرات والنوازع التي تحرك شروره فكذلك يجمل به أن يصلح خواطره، وأفكاره، وذلك بتصحيح مسارها، وتوجيهها إلى ما ينفع، والبعد بها عن كل ما يضر.
وللإمام ابن القيم في كتابه الفوائد ص249_251، كلام جميل في هذا الشأن، يقول -رحمه الله-: "مبدأ كل علم نظري، وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار؛ فإنها توجب التصوراتِ، والتصوراتُ تدعو إلى الإراداتِ، والإراداتُ تقتضي وقوعَ الفعل، وكثرةُ تكراره تعطي العادةَ؛ فصلاحُ هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادُها بفسادها؛ فصلاح الخواطر بأن تكون مراقبة لوليها وإلهها، صاعدةً إليه، دائرةً على مرضاته ومحابِّه؛ فإنه _سبحانه_ به كل صلاح، ومن عنده كل هدى، ومن توفيقه كل رشد، ومن تولِّيه لعبده كل حفظ، ومن تولِّيه وإعراضه عنه كل ضلال وشقاء".
وقال: "واعلم أن الخطراتِ والوساوسَ تؤدي متعلقاتها إلى الفكر، فيأخذها الفكرُ، فيؤديها إلى التذكر، فيأخذها التذكر فيؤديها إلى الإرادة، فتأخذها الإرادة فتؤديها إلى الجوارح والعمل، فتستحكم فتصير عادة؛ فَرَدُّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها.
ومعلوم أنه لم يُعْطَ الإنسانُ إماتةَ الخواطر، ولا القوةَ على قطعها؛ فإنها تهجم عليه هجوم النَّفَس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومساكنته له، وعلى دفع أقبحها، وكراهته له، وأنَفَته منه".
إلى أن قال-رحمه الله-: "وقد خلق الله_سبحانه_النفسَ شبيهةً بالرحى الدائرة التي لا تسكن، ولا بد لها من شيء تطحنه؛ فإن وُضع فيها حبٌّ طَحَنَتْهُ، وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته؛ فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي يوضع في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى مُعَطَّلةً قط، بل لا بد لها من شيء يوضع فيها؛ فمن الناس من تطحن رحاه حَبَّاً يخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصى وتبناً ونحو ذلك؛ فإذا جاء وقت العجن والخبز تبيَّن له حقيقة طحينه".
وقال-رحمه الله-: "فإذا دَفَعْتَ الخاطرَ الواردَ عليك اندفع عنك ما بعده، وإن قَبلْتَهُ صار فكراً جوَّالاً، فاسْتَخْدم الإرادة، فتساعَدَتْ هي والفكر على استخدام الجوارح، فإن تعذر استخدامها رجعا إلى القلب بالتمني والشهوة وتَوجُّهِهِ إلى جهة المراد.
ومن المعلوم أن إصلاح الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار، وإصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإرادات، وإصلاح الإرادات أسهل من تدارك فساد العمل، وتداركه أسهل من قطع العوائد.
فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك؛ فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فَكَّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه".
إلى أن قال: "وإياك أن تُمَكّن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك؛ فإنه يفسدها عليك فساداً يصعب تداركه، ويلقي إليك أنواع الوساوس والأفكار المضرة، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، وأنت الذي أعَنْتَه على نفسك بتمكينه من قلبك، وخواطرك فَمَلَكَها عليك".[/align]