وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قوله تعالى في سورة النحل :{ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)}
قبل أن أعرضَ كلامَ أهلِ السنة من المُفسرين ,لنقف مع الآيات وقفةَ مُتدبر مُنصف ......
أولا : قبل هذه الآية يقولُ تعالى :{ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)} فدل على أن السياقَ كله مرتبطٌ بالقرآن العظيم .
ثانيا : بعد هاتين الآيتين يقول تعالى :{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)} فالحديثُ عن القرآنِ لا مَحالة ...
ثالثا : قوله تعالى :{ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} لا يمكن حملُها أبدا على غير الآية الشرعية بدليل السباق والسياق واللحاق في الآيات .. وبدليل قوله تعالى :{ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } فالإنزال واضح في هذه الدلالة ... وبدليل :{ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ } فهل الافتراء يُطلق على تبديل الآية الحسية يا عُقلاء المسلمين ..!! وقوله :{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ } فهذا إنزال واضح .
رابعا : في سورة البقرة :{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } وفي النحل :{ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ } فالآيتان دلالتهما واضحة في كون الناسخ والمنسوخ آية شرعية أولاً ..
وفي ختام الآيات يقول تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)}
أليس هذا الختام أوضحَ دلالة على المعنى المُراد .
وإلينا جميعا ما تتابعت عليه تفاسير أهل العلم :
قال ابن عطية رحمه الله في محرره :
وقوله { وإذا بدلنا آية مكان آية } كان كفار مكة إذا نسخ الله لفظ آية بلفظ أخرى ومعناها وإن بقي لفظها ، لأن هذا كله يقع عليه التبديل ، يقولون : لو كان هذا من عند الله لم يتبدل ، وإنما هو من افتراء محمد ، فهو يرجع من خطأ يبدلونه إلى صواب يراه بعد ، فأخبر الله عز وجل أنه أعلم بما يصلح للعباد برهة من الدهر ، ثم ما يصلح لهم بعد ذلك ، وأنهم لا يعلمون هذا.
قال القرطبي رحمه الله :
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) قِيلَ: الْمَعْنَى بَدَّلْنَا شَرِيعَةً مُتَقَدِّمَةً بِشَرِيعَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ، قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. مُجَاهِدٌ: أَيْ رَفَعْنَا آيَةً وَجَعَلْنَا مَوْضِعَهَا غَيْرَهَا. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: نَسَخْنَا آيَةً بِآيَةٍ أَشَدَّ مِنْهَا عَلَيْهِمْ. وَالنَّسْخُ وَالتَّبْدِيلُ رَفْعُ الشَّيْءِ مع وضع غير مَكَانَهُ. وقوله: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) يَعْنِي جِبْرِيلَ، نَزَلَ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ.
قال ابن كثير رحمه الله :
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ ضَعْفِ عُقُولِ الْمُشْرِكِينَ وَقِلَّةِ ثَبَاتِهِمْ وَإِيقَانِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَتَصَوَّرُ مِنْهُمُ الْإِيمَانَ وَقَدْ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاوَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا تَغْيِيرَ الْأَحْكَامِ نَاسِخِهَا بِمَنْسُوخِهَا قَالُوا لِلرَّسُولِ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} أَيْ: كَذَّابٌ وَإِنَّمَا هُوَ الرَّبُّ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} أَيْ: رَفَعْنَاهَا وَأَثْبَتْنَا غَيْرَهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [الْبَقَرَةِ:106] .
فَقَالَ تَعَالَى مُجِيبًا لَهُمْ: {قُلْ نزلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ} أَيْ: جِبْرِيلُ، {مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} أَيْ: بِالصِّدْقِ وَالْعَدْلِ، {لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} فَيُصَدِّقُوا بِمَا أَنْزَلَ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَتُخْبِتُ لَهُ قُلُوبُهُمْ، {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} أَيْ: وَجَعَلَهُ هَادِيًا [مُهْدِيًا] وَبِشَارَةٍ للمسلمين الذين آمنوا بالله ورسله.
قال في فتح القدير :
وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ فِي حِكَايَةٍ شِبْهُ كُفْرِيَّةٍ وَدَفْعِهَا، وَمَعْنَى التَّبْدِيلِ: رَفْعُ الشَّيْءِ مَعَ وَضْعِ غَيْرِهِ مَكَانَهُ، وَتَبْدِيلُ الْآيَةِ رَفْعُهَا بِأُخْرَى غَيْرِهَا، وَهُوَ نَسْخُهَا بِآيَةٍ سِوَاهَا.
قال في التحرير والتنوير :
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ إِذَا نَزَلَتْ آيَةٌ فِيهَا شِدَّةٌ ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةٌ أَلْيَنُ مِنْهَا يَقُولُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: وَاللَّهِ مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا يَسْخَرُ بِأَصْحَابِهِ، الْيَوْمَ يَأْمُرُ بِأَمْرٍ وَغَدًا يَنْهَى عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يَقُولُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِلَّا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ» اه.
وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ أَحْسَنُ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي حَاصِلِ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ. فَالْمُرَادُ مِنَ التَّبْدِيلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَدَّلْنا مُطْلَقُ التَّغَايُرِ بَيْنَ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَامَاتِ، أَوِ التَّغَايُرُ فِي الْمَعَانِي وَاخْتِلَافُهَا بِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ وَالْمَقَامَاتِ مَعَ وُضُوحِ الْجَمْعِ بَين محاملها.
وَذُكِرَتْ عِلَّةٌ مِنْ عِلَلِ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، أَيْ تَبْدِيلُ آيَةٍ مَكَانَ آيَةٍ، بِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَثْبِيتًا لِلَّذِينِ آمَنُوا إِذْ يَفْهَمُونَ مَحْمَلَ كل آيَة ويهدون بِذَلِكَ وَتَكُونُ آيَاتُ الْبُشْرَى بِشَارَةً لَهُمْ وَآيَاتُ الْإِنْذَارِ مَحْمُولَةً عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ.
فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ إِبْطَالٌ لِقَوْلِهِمْ: إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ [سُورَة النَّحْل: 101] ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى بِالْحَقِّ إِيقَاظٌ لِلنَّاسِ بِأَنْ يَنْظُرُوا فِي حِكْمَةِ اخْتِلَافِ أَغْرَاضِهِ وَأَنَّهَا حَقٌّ.
وَفِي التَّعْلِيلِ بِحِكْمَةِ التَّثْبِيتِ وَالْهُدَى وَالْبُشْرَى بَيَانٌ لِرُسُوخِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَدَادِ آرَائِهِمْ فِي فَهْمِ الْكَلَامِ السَّامِي، وَأَنَّهُ تَثْبِيتٌ لِقُلُوبِهِمْ بِصِحَّةِ الْيَقِينِ وَهُدًى وَبُشْرَى لَهُمْ. وَالْمُرَادُ بِالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ آمَنُوا، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: وَهُدًى وَبُشْرَى لَهُمْ، فَعَدَلَ إِلَى الْإِظْهَارِ لِزِيَادَةِ مَدْحِهِمْ بِوَصْفٍ آخَرَ شَرِيفٍ.
قال أبو السعود رحمه الله :
{ وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ } أي إذا أنزلنا آيةً من القرآن مكان آية منه وجعلناها بدلاً منها بأن نسخناها بها { والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ } أولاً وآخِراً وبأن كلاًّ من ذلك ما نزلت حيثما نزلت إلا حسبما تقتضيه الحِكمةُ والمصلحة ، فإن كل وقت له مقتضًى غيرُ مقتضى الآخَر ، فكم من مصلحة في وقت تنقلب في وقت آخرَ مفسدةً وبالعكس. { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يعلمون شيئاً أصلاً أو لا يعلمون أن في النسخ حِكَماً بالغةً ، وإسنادُ هذا الحكمِ إلى الأكثر لما أن منهم مَنْ يعلم ذلك وإنما ينكره عِناداً .
{ قُلْ نَزَّلَهُ } أي القرآنَ المدولَ عليه بالآية { رُوحُ القدس } يعني جبريلُ عليه السلام أي الروحُ المطهّر من الأدناس البشرية ، وإضافةُ الروحِ إلى القدس وهو الطُهْرُ كإضافة حاتم إلى الجود حيث قيل : حاتمُ الجودِ للمبالغة في ذلك الوصفِ كأنه طبعٌ منه ، وفي صيغة التفعيلِ في الموضعين إشعارٌ بأن التدريجَ في الإنزال مما تقتضيه الحِكَمُ البالغة { مِن رَبّكَ } في إضافة الربِّ إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من الدلالة على تحقيق إفاضةِ آثارِ الربوبية عليه صلى الله عليه وسلم ما ليس في إضافته إلى ياء المتكلم المبنيةِ على التلقين المحض { بالحق } أي ملتبساً بالحق الثابتِ الموافقِ للحكمة المقتضيةِ له بحيث لا يفارقها إنشاءً ونسخاً ، وفيه دَلالةٌ على أن النسخ حق { لِيُثَبّتَ الذين ءامَنُواْ } على الإيمان بأنه كلامُه تعالى فإنهم إذا سمعوا الناسخَ وتدبّروا ما فيه من رعاية المصالحِ اللائقة بالحال رسَخت عقائدُهم واطمأنت قلوبُهم .
{ وَهُدًى وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ } المنقادين لحُكمه تعالى وهما معطوفان على محل ليثبت أي تثبيتاً وهدايةً وبشارةً ، وفيه تعريضٌ بحصول أضدادِ الأمورِ المذكورة لمن سواهم من الكفار .
وختاما : أنا أعلم كما يعلمُ غيري أن هذا النقلَ للذين يؤمنون بآيات الله إعلاما ... ولغيرهم إعلانا وحجة عليهم ... مع أنني أعتقد أنهم لا يريدون أن يصلوا إلى الحقيقة ..بل مرادُهم هو بقاء الموضوع في الهواء مُعلقا حتى حين ... وحينهم معروف .
فلو قام رجل وأنكر وجود المتنبي كشاعر أو أنكر وجود البطالمة كفترة من التاريخ القديم , لاستدعى من أراد أن ُيبرهن أولا- على هذه الحقيقة - الحسَ البيئي- وتتابع الأجيال على تناقل هذه الحقائق في الأمصار والأعصار .. فكيف ينكر رجلٌ له عقل أن المتنبي أو البطالمة أو بقية الحقائق التاريخية والجغرافية ليسوا من الواقع؟
وبالمثل فكل جيل من أجيال المسلمين وُلدَ ومات على حقيقة وجود النسخ في كتابات كل العلماء في كل الأعصار والأمصار . ولم يخالف في هذا إلا من هو معروفٌ بالمخالفة كابن بحر !
ولي سؤال ...لماذا هذه المساحة الكبيرة المتروكة للمخالف ..دون بيان أو تعليق ؟؟؟
ولنتبع كلامه عليه الصلاة والسلام « اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ».رواه مسلم
 
قوله تعالى :{ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) }
وهذه آية الإجماع ..........
ولنقف عند قوله تعالى { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} بهذه الإفراد ...ولها دلالة قوية جدا لا محالة في إفراد الرسول بالتشريع والمتابعة والتسليم بعد القرآن بالطبع ....
قال السعدي رحمه الله :
أي: ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى } بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية.
{ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ } وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى } أي: نتركه وما اختاره لنفسه، ونخذله فلا نوفقه للخير، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه، فجزاؤه من الله عدلا أن يبقيه في ضلاله حائرا ويزداد ضلالا إلى ضلاله.
كما قال تعالى: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } وقال تعالى: { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } .
ويدل مفهومها على أن من لم يشاقق الرسول، ويتبع سبيل المؤمنين، بأن كان قصده وجه الله واتباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين، ثم صدر منه من الذنوب أو الهّم بها ما هو من مقتضيات النفوس، وغلبات الطباع، فإن الله لا يوليه نفسه وشيطانه بل يتداركه بلطفه، ويمن عليه بحفظه ويعصمه من السوء، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام: { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } أي: بسبب إخلاصه صرفنا عنه السوء، وكذلك كل مخلص، كما يدل عليه عموم التعليل.
وقوله: { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ } أي: نعذبه فيها عذابا عظيما. { وَسَاءَتْ مَصِيرًا } أي: مرجعا له ومآلا.
وهذا الوعيد المرتب على الشقاق ومخالفة المؤمنين مراتب لا يحصيها إلا الله بحسب حالة الذنب صغرا وكبرا، فمنه ما يخلد في النار ويوجب جميع الخذلان. ومنه ما هو دون ذلك، فلعل الآية الثانية كالتفصيل لهذا المطلق.
وهو: أن الشرك لا يغفره الله تعالى لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته وتسوية المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بمن هو مالك النفع والضر، الذي ما من نعمة إلا منه، ولا يدفع النقم إلا هو، الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، والغنى التام بجميع وجوه الاعتبارات.
فمن أعظم الظلم وأبعد الضلال عدم إخلاص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته، وصرف شيء منها للمخلوق الذي ليس له من صفات الكمال شيء، ولا له من صفات الغنى شيء بل ليس له إلا العدم. عدم الوجود وعدم الكمال وعدم الغنى، والفقر من جميع الوجوه.
وأما ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي فهو تحت المشيئة، إن شاء الله غفره برحمته وحكمته، وإن شاء عذب عليه وعاقب بعدله وحكمته.
وقد استدل بهذه الآية الكريمة على أن إجماع هذه الأمة حجة وأنها معصومة من الخطأ.
ووجه ذلك: أن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار، و { سبيل المؤمنين } مفرد مضاف يشمل سائر ما المؤمنون عليه من العقائد والأعمال. فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه، أو تحريمه أو كراهته، أو إباحته - فهذا سبيلهم، فمن خالفهم في شيء من ذلك بعد انعقاد إجماعهم عليه، فقد اتبع غير سبيلهم. ويدل على ذلك قوله تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } .
ووجه الدلالة منها: أن الله تعالى أخبر أن المؤمنين من هذه الأمة لا يأمرون إلا بالمعروف، فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه فهو مما أمروا به، فيتعين بنص الآية أن يكون معروفا ولا شيء بعد المعروف غير المنكر، وكذلك إذا اتفقوا على النهي عن شيء فهو مما نهوا عنه فلا يكون إلا منكرا، ومثل ذلك قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس } فأخبر تعالى أن هذه الأمة جعلها الله وسطا أي: عدلا خيارا ليكونوا شهداء على الناس أي: في كل شيء، فإذا شهدوا على حكم بأن الله أمر به أو نهى عنه أو أباحه، فإن شهادتهم معصومة لكونهم عالمين بما شهدوا به عادلين في شهادتهم، فلو كان الأمر بخلاف ذلك لم يكونوا عادلين في شهادتهم ولا عالمين بها.
ومثل ذلك قوله تعالى: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } يفهم منها أن ما لم يتنازعوا فيه بل اتفقوا عليه أنهم غير مأمورين برده إلى الكتاب والسنة، وذلك لا يكون إلا موافقا للكتاب والسنة فلا يكون مخالفا.
فهذه الأدلة ونحوها تفيد القطع أن إجماع هذه الأمة حجة قاطعة .
وكما يقول المتنبي :
وليس يصح في الأفهام شَيْءٌ ... إذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلِ
 
بسم الله الرحمن الرحيم ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
« اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ».
يقول ابن القيم رحمه الله في إعلام المُوقعين :
قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} [النساء: 59]
أَمَرَ الله تَعَالَى بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَأَعَادَ الْفِعْلَ إعْلَامًا بِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ تَجِبُ اسْتِقْلَالًا مِنْ غَيْرِ عَرْضِ مَا أَمَرَ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ، بَلْ إذَا أَمَرَ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَا أَمَرَ بِهِ فِي الْكِتَابِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَإِنَّهُ أُوتِيَ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ .
ويقول رحمه الله :
وقَوْلُهُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ كُلَّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ مَسَائِلِ الدِّينِ دِقِّهِ وَجِلِّهِ، جَلِيِّهِ وَخَفِيِّهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَيَانُ حُكْمِ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ كَافِيًا لَمْ يَأْمُرْ بِالرَّدِّ إلَيْهِ؛ إذْ مِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَأْمُرَ تَعَالَى بِالرَّدِّ عِنْدَ النِّزَاعِ إلَى مَنْ لَا يُوجَدُ عِنْدَهُ فَضْلُ النِّزَاعِ.
وأَنَّ النَّاسَ أَجْمَعُوا أَنَّ الرَّدَّ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ هُوَ الرَّدُّ إلَى كِتَابِهِ، وَالرَّدَّ إلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الرَّدُّ إلَيْهِ نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِلَى سُنَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.


ويقول رحمه الله عن جيوب المعتزلة :
........ وَحَرَّفُوا لِأَجْلِهَا النُّصُوصَ عَنْ مَوَاضِعِهَا، وَأَخْرَجُوهَا عَنْ مَعَانِيهَا وَحَقَائِقِهَا بِالرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ الَّذِي حَقِيقَتُهُ أَنَّهُ ذُبَالَةُ الْأَذْهَانِ وَنُخَالَةُ الْأَفْكَارِ وَعُفَارَةُ الْآرَاءِ وَوَسَاوِسُ الصُّدُورِ، فَمَلَئُوا بِهِ الْأَوْرَاقَ سَوَادًا، وَالْقُلُوبَ شُكُوكًا، وَالْعَالَمَ فَسَادًا، وَكُلُّ مَنْ لَهُ مَسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ يَعْلَمُ أَنَّ فَسَادَ الْعَالَمِ وَخَرَابِهِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ تَقْدِيمِ الرَّأْيِ عَلَى الْوَحْيِ، وَالْهَوَى عَلَى الْعَقْلِ، وَمَا اسْتَحْكَمَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ الْفَاسِدَانِ فِي قَلْبٍ إلَّا اسْتَحْكَمَ هَلَاكُهُ، وَفِي أُمَّةٍ إلَّا فَسَدَ أَمْرُهَا أَتَمَّ فَسَادٍ، فَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَمْ نُفِيَ بِهَذِهِ الْآرَاءِ مِنْ حَقٍّ، وَأُثْبِتَ بِهَا مِنْ بَاطِلٍ، وَأُمِيتَ بِهَا مِنْ هُدًى، وَأُحْيِيَ بِهَا مِنْ ضَلَالَةٍ؟ وَكَمْ هُدِمَ بِهَا مِنْ مَعْقِلِ الْإِيمَانِ، وَعُمِّرَ بِهَا مِنْ دِينِ الشَّيْطَانِ؟ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ هُمْ أَهْلُ هَذِهِ الْآرَاءِ الَّذِينَ لَا سَمْعَ لَهُمْ وَلَا عَقْلَ، بَلْ هُمْ شَرٌّ مِنْ الْحُمُرِ، وَهُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: فَأَخْبِرْنِي أَصْلَحَك اللَّهُ بِرَأْيِك، فَقَالَ: لَا، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إنِّي أَرْضَى بِرَأْيِك، فَقَالَ سَالِمٌ: إنِّي لَعَلِيُّ إنْ أَخْبَرْتُك بِرَأْيِي ثُمَّ تَذْهَبُ فَأَرَى بَعْدَ ذَلِكَ رَأْيًا غَيْرَهُ فَلَا أَجِدُك.
بعد هذه المقدمة أقول :
أكثر من التحق بهذا الملتقى السني الذي يقوم عليه علماء الحرمين – تلكم الأرض الطيبة مهبط الوحيين – الكتاب والسنة – والذي يقوم على أمره علماءُ نوابغ من أتباع هذا الدين الخالد مشهود لهم بالعلم والوفاء لدينهم ...نحسبهم كذلك والله حسيبهم ...
كان هدف كل من التحق بهذا الملتقى أن يتعلمَ أولا ما ينفعه في دينه ..وهو على يقين من أن سياسة الملتقى نابعةٌ من عُمق ثوابت الشريعة المُطهرة ..
على أن كل أخ مشارك أو زائر ربما تمنعه الأقدار من الاستمرار أو التواجد بشكل مناسب ... فعندما يدخلُ إلى الملتقى ويرى موضوعا شائكا كموضوع النسخ أو الرجم وغيرهما ... ويرى أن ذئابا جائعة مُستأجرة لا تفارقُ الملتقى وتتناوبُ عليه وتشاركُ في كل موضوع ظاهره أن له حظا من الاختلاف ..
ثم لا يرى يدَ البيان ولا يدَ السلطان متوجهة نحو الذئاب إما تعقيبا أو تحذيرا أو طردا ... فماذا يظنُ وماذا يعتقدُ ...
سيكون مضطرا إلى الخلوص إلى فكرة ما هي :
إما أن العلماءَ راضون عن هذا التوجه المخالف – وهذا محال- أو غيرُ راضين ولا تحضرهم الحجةُ .. وتلكم كارثة - فلم يمت نبينُا صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكملَ الدينَ وأبانَ السبيلَ .... وهما سبيلانِ – سبيلُ المؤمنين ...
قال تعالى :{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
وسبيلُ المُجرمين .. والله تعالى يقولُ :{ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ }.
أو لعله يعتقدُ أن المخالفَ على حق ..أوأن تصلَه رسالةٌ صادمةٌ أن المُلتقى غيرُ مَعنيٍ بحسم القضايا الخِلافية – انتهت هذه النقطة .
ولعلنا نحسنُ الظن ونقولُ أنهم يريدون أدلةً قاطعةً حتى يؤمنوا على بصيرة وبرهان ...
نقول : لقد قام الأخ البهيجي والأخ عبدالله الأحمد والأخ ناصر عبدالغفور والأخ علي سبيع والأخ مسعود والأخ جهاد وغيرهم مستعينين بالله بجمع الأدلة المتعددة من باب طرق الباب على المختبيء والمتربص ..
وكلما وصلنا لنقطة الحسمِ غيروا الموضوعَ وأخذوه بعيدا – ثم يظهر أحدُهما ويستترُ الآخر .. ويستخدما أساليبَ متعددة على حسب الموقف ليكسبوا وقتا ليحصلوا فيه على أي عصفٍ مأكول ليبقى الموضوعُ قيدَ الرؤية لكي يصطادوا من يتمكنون من صيده .. وأنى لهم - والله من ورائهم محيط .
وكما يقول القحطاني رحمه الله :
- لا يصحبُ البدعيُ إلا مثلَه ... تحتَ الدخان تأججُ النيران
أيظن عاقلٌ أن موضوعا كموضوع النسخ قد سقط من هذه القرون العظيمة السابقة ليستقر في أيدي المارقين !!!!!!!!!
هل حارَ علماءُ المسلمين في قضية النسخ ثم خلق اللهُ لها أمثال هؤلاء الثعابين ..!!!!
بفضل الله ومعونته قد جمعتُ ملفا كاملا يحوي أقوالَ علماء السلف والخلف وإجماعهم على وقوع النسخ وجوازه وبقائه وهو ضمن هذا الملتقى بعنوان {أقوال علماء السلف والخلف في وقوع النسخ وجوازه وبقائه }
ولقد أثبتُ والحمد لله بكل دقة وتوفيق وقوعَ النسخ في القرآن من خلال قوله تعالى في سورة النحل :{ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}
وجعلتُه في ملف منفصل بعنوان :{ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ..} وظهر فيه توفيقُ الله – ولقد طلبَ الأخُ علي سبيع منهم الردَ على هذا العرض فتناوموا وعموا وصموا ....
وأقول لإخواني – لقد جمعتم بفضل الله أدلة عظيمة لم أرها جُمعت من قبل- ودافعتم بقلوبكم قبل ألسنتكم عن قدسية النصوص والحمد لله رب العالمين .. ولم يبق عليكم شيء إن شاء الله غير أن تدعوا الله أن يتقبلَ منكم وأن يهدي المُعتدي ...وإن لم يُحسم الخلاف- فالعاقبة في رقاب الذين أوتوا الكتاب من أهل العلم من المسلمين من وُلاة هذا الملتقى .
في سورة الرحمن يقول تعالى :{ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)}
فلدينا كفة فيها القرآن والسنة وإجماع المُسلمين– وكفة فيها معتزلي ومُنجم إن لم يكونا أبعدَ من ذلك ...فأنى يذهبون ....
لقد قلتُ من قبل أن التغليبَ في اللغة العربية يقع على المُثنى في الغالب – فكيف والفارق بعيد جدا بين الكفتين ..
قال تعالى :{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ }
والحسنةُ الوحيدة لهؤلاء أنهم كانوا سببا في أن نجمعَ بفضل الله ملفا متكاملا مدعوما بشتى الأدلة على حقيقة النسخ في القرآن والسنة .
-هم يريدون أن يتجمد الملتقى على موضوع واحد – وأنى لهم ذلك !!
وهناك نقطة غاية في الأهمية – وهي أن موضوعَ النسخ بحمد الله ثابت قرآنا وسنة وإجماعا لا يحتاجُ إلى كثرة استدلال ... لكن الأخطرَ في هذا الأمر أن هذه الذئابَ الجائعةَ المُستأجرة المُرابطة الساهرة على التلبيس يريدون أن ينقلوكم من الهجوم إلى الدفاع – وهذا مكر بعيد الجذور.
فيترتب على المُدافعة مع مرور الوقت وتتابع الأجيال الشك فيما يُدافع عنه.
فلقد كان المسلمون وشريعتُهم يوما ما في الصدارة في كل شيء فتغير الحالُ وأصبح أكثرُ العلم والعمل هو الدفاع – وتوقف الهجوم والتقدم .
وكما يقول المُتنبي :
وليس يصح في الأفهام شَيْءٌ ... إذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلِ
وكما يقول القحطاني رحمه الله :
-لا تلتمس علمَ الكلام فإنه ... يدعو إلى التعطيل والهيمانِ
- لا يصحبُ البدعيُ إلا مثلَه ... تحتَ الدخان تأججُ النيران
-علمُ الكلام وعلمُ شرعِ محمدٍ ... يتغايرانِ وليس يشتبهان
- أخذوا الكلامَ عن الفلاسفة الأولى ... جحدوا الشرائعَ غُرةً وأمانِ
- حَملوا الأمورَ على قياسِ عُقولهم ... فتبلدوا كتبلدِ الحيران
لحجاجهم شبهٌ تخالُ ورونق ... مثل السراب يلوح للظمآن
- كلٌ يقيسُ بعقله سبلَ الهدى ... ويتيه تيهَ الواله الهيمانِ
ونقول للمُنجم وصاحبه في مثل حالتهما - كما قال القائل :
قَالَ الْمُنَجِّمُ وَالطَّبِيبُ كِلَاهُمَا ... لَا تُبْعَثُ الْأَمْوَاتُ قُلْتُ إِلَيْكُمَا
إِنْ صَحَّ قَوْلُكُمَا فَلَسْتُ بِخَاسِرٍ ... أَوْ صَحَّ قَوْلِي فَالْخَسَارُ عَلَيْكُمَا.
................................
على أنه مازال في المطوية بقية إذا أطلت برأسها من جُحرها الحَيةُ ...
 
عودة
أعلى