وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ

محمد يزيد

Active member
إنضم
24/01/2012
المشاركات
534
مستوى التفاعل
26
النقاط
28
العمر
44
الإقامة
الجزائر
بسم الله الرحمن الرحيم​

يقول تعالى في سورة التكوير: { "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ" } (التكوير: 8-9)، وقُرِئ: سألَتْ أيْ: طلبت بدمائها، وفي اختلاف القراءة استغراق أحوال المشهد القرآنيّ باللفظ الواحد، فالمشهد نصب محكمة القضاء بين الخصوم أمام الملك الجبار سبحانه، والأحوالُ في حديث أطراف المحاكمة حَكَمًا ومحكومًا.

ذلك أنّك تعرف بقراءةٍ تظلُّمَ الموءودة حين "سألَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ".
وفي القراءة الأخرى سماع الربّ العليم واستعلامه إيّاها وهو العدلُ سبحانه، يسألها هو بنفسه الشريفة أو عن طريق ملائكته عن الجريمة لينطق بالحكم ويقتصّ من الظالم وذلك حينَ {"سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}"، إقامة للحجة على الظالمين الذين لم يرد لهم مقالةٌ هاهنا، وهم داخلون في عموم من وصف الله: "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ" (إبراهيم:42-43).

لقد دكَّ القرآن في السور المكيّة الأولى معاقلَ الوثنية وأُسُسها الاجتماعيّة الهشة بتناوله لمسائل تقرها الفطرة، كإنكاره الطغيان ومنع الصلاة في سورة العلق، وتعنيفه من اتّسمَ بجملةٍ من الأخلاق السيئة الفاسدة ومنع الصدقة في سورة القلم، وحضه على إطعام المسكين في المدّثّر ثم الماعون أين توعّد الله من يدعُّون اليتامى، وكان من ذلك تناول السورة السابعة في النزول سورةِ التكوير لقضيّة غايةٍ في الخطورة تهدد النظام القائم لحفظ الجنس البشريّ؛ وهي قضيّة وأد البنات.

وكان وأد العرب لبناتهم حيّاتٍ أيام الجاهليّة أمرا مألوفا، حتى أن الطبري روى في تفسيره عن قتادة قال: جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبيّ صلـى الله علــيه وسلمصلى الله عليه وسلم فقال: إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية، قال: " فأعْتِقْ عَنْ كُلّ وَاحِدَةٍ بَدَنَةً".

والحقّ أن هناك نقاطا أساسيّة على قارئ هاتين الآيتين في صدر سورة التكوير استحضارها.
الأولى: أنّ الوأد كان في أمم أخرى غير العرب، وفي الصين خاصة على مدار آلاف السنين، وظلت ظاهرة إغراق الصينيّين للبنات حديثات الولادة في الأنهار شائعةً حتى القرن التاسع عشر، وكانت في الهند كذلك.

الثانية: أن الوأد الحديث أشد وأخطر وهو يذهب بالبنات قبل أن يولَدن من خلال الإجهاض بعد تبيّن جنس الجنين، والأرقام والإحصاءات مرعبةٌ، ناتجةٌ عن عمليّاتٍ ممنهجةٍ وسياسات دولٍ تتخير الذكر على اعتبار أنه العنصر المنتج وأن من محاسنه أنّه لا يلد!.

الثالثة: أنّ سياق آيتي الوأد في سورة التكوير جاء ضمن آيات اضطراب حفظ السموات والأرض وما فيهما من حياة، ولا غرو أنّ التخلّص من الأنثى قضاء على شطر الحياة الولود، وينضاف إلى انتشار الرذائل ومحاربة أشكال الزواج الفطرية وسبل العفة والتعدد ليصنع تهديدًا لحياة البشرية كلّها، ففي كلّ أمة آفةٌ شيطانيّةٌ منكرة، وقد تجتمع في بعضها آفاتٌ حفظنا الله وسلّمنا من كل فتنة.

ترى استفحال الفيمنيست وتوسّع آثار واحدة من أفجر الاتفاقيات الهادمة للأسرة والدّين "اتفاقية سيداو في 1979"، وتسمع في الجهة المقابلة من الدنيا تقديرات أن تلك الانتقائية للجنس وإجهاض البنات تسببا بدءًا من عام 2020 بأكثر من 35 مليون شاب "فائض ذكور" في الصين و 25 مليون في الهند، ولو كانوا كفارًا مستهدفين بتلك المشاريع لحزنّا لحرمة النفس البشريّة؛ لكنّ الأمر أشدّ إذا علم أن المستهدفين مسلمون في كثير من الأحيان.

والله أعلم.
 
عودة
أعلى