عيسى السعدي
New member
بسم1
لقد عني المسلمون عنايةً قصوى بإحصاء أسماء الله الحسنى ؛ لأنّ العلم بها أشرف العلوم على الإطلاق ؛ لدلالتها على ذات الربّ ، وصفاته ، وأفعاله ، وإلهيّته ؛ وذلك هو أصل الإيمان وغايته ؛ ولهذا وعد الله تعالى من أحصاها بالجنّة ، روى البخاريّ ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا : { إِنَّ لِلهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ([1]) ، مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ } ([2]) ؛ والمراد بإحصائها عدّها حفظًا ، وفهمها معنًى ، وإلزام النّفس بحقوقها قولاً وعملاً ، يقول ابن القيّم : ( بيان مراتب إحصاء أسمائه الَّتي من أحصاها دخل الجنّة ... ؛ المرتبة الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها . المرتبة الثّانية : فهم معانيها ومدلولها . المرتبة الثالثة : دعاؤه بها ، كما قال تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] ؛ وهو مرتبتان : إحداهما : دعاء ثناء وعبادة ([3]) ، والثّاني : دعاء طلب ومسألة )([4]) . وأورد ابن حجر نقلاً عن أبي نعيم الأصبهاني قوله : ( الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التّعداد ، وإنّما هو العمل والتعقّل بمعاني الأسماء ، والإيمان بها )([5]) .
وذهب كثير من أهل العلم إلى أنّ المراد بإحصاء الأسماء الحسنى عدّها ، واستيفاء ألفاظها حفظًا ؛ لما ثبت في بعض طرق الحديث بلفظ (مَنْ حَفِظَهَا)([6]) بدل ( مَنْ أَحْصَاهَا ) ؛ ففسّر الإحصاء باستيفاء ألفاظها حفظًا([7]) .
وهذا القول غير مسلّم ؛ لأنّ حمل الحفظ على السّرد غير متعيّن ، يقول ابن حجر : ( لا يلزم من مجيئه بلفظ حفظها تعيّن السّرد عن ظهر قلب ، بل يحتمل الحفظ المعنويّ )([8]) ، ويؤيّده أنّ الإحصاء لغة يستعمل بمعنى العقل والفهم ، كما يستعمل بمعنى العدّ والحفظ ([9]) ، وأنّ العدّ اللّفظي قد يحصل من الفاجر مع أنّ دخول الجنّة مشروط في كثير من الآيات بتحقيق الإيمان قولاً وعملاً ؛ فيكون من أحصاها سردًا دون عمل بها كمن حفظ القرآن ولم يعمل به ؛ فكما أنّه غير نافع في تحقّق الوعد وانتفاء الوعيد فكذلك حفظ أسماء الله الحسنى دون عمل بمقتضاها ([10]) .
وقد ذكر الخطّابي أنّ المراد بالإحصاء يحتمل مع الحفظ وجهين آخرين : ـ
أحدهما : أن المراد الإحاطة بمعاني الأسماء الحسنى ، من قول العرب : فلان ذو حصاة ؛ أي ذو عقل وفهم ومعرفة . واستحصى اشتدّ عقله ، وهو حصي كغني ؛ أي وافر العقل ، ويقال : ماله حصاة ، ولا أصاة ، أي رأي يرجع إليه ([11]) .
والثّاني : أن المراد بالإحصاء الإطاقة ، كقوله تعالى : { عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ }[ المزمّل : 20 ] ؛ أي لن تطيقوا عدّه وضبطه ([12]) ، وكقوله صلى الله عليه وسلم : (اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا )([13]) ؛ أي لن تطيقوا الاستقامة ([14]) ، والمعنى : من أطاق القيام بحقوق أسماء الله الحسنى قولاً وعملاً دخل الجنّة . وهذا اختيار أبي الوفاء بن عقيل ، والأصيلي ، وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهم ([15]) .
وهناك أقوال أخرى في بيان المراد بالإحصاء سوى هذه الأقوال الثلاثة ؛ كالقول بأنّ المراد بإحصائها معرفتها ، أو عدّها مع اعتقاد مدلولها ، أو حفظ القرآن لكونه مشتملاً عليها ، مستوفيًا لها (6) . وهي عند التّحقيق لا تخرج عمّا ذكر من أقوال ؛ فهي إمّا أن ترجع إلى تفسير الإحصاء بالحفظ ، أو بالفهم ، أوبالعمل ، أو بمجموع ما ذكر ، أو أكثره . والأظهر أنّ إحصاء أسماء الله الحسنى يعمّ جميع هذه المعاني ؛ فمن استوفاها عدًّا وحفظًا ، وأحاط بها فهمًا وعلمًا ، وقام بحقّها قولاً وعملاً دخل الجنّة . وهذا هو المتّسق مع أصول الشّريعة وقواعدها الكلية ؛ فإنّ الله رتّب الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار على تحقيق الإيمان قولاً وعملاً ، قال تعالى : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } [ البقرة : 25 ] ، وقال : { الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } [ الرّعد : 29 ] ، وقال : { وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا }[ طه : 75 ] ، يقول الآجري : ( قد تصفّحت القرآن فوجدت فيه .. في ستّة وخمسين موضعًا من كتاب اللهU أن الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يدخل المؤمنين الجنّة بالإيمان وحده ، بل أدخلهم الجنّة برحمته إيّاهم ، وبما وفّقهم له من الإيمان والعمل الصّالح . وهذا ردّ على من قال : الإيمان المعرفة ، وردّ على من قال : المعرفة والقول وإن لم يعمل . نعوذ بالله من قائل هذا )([16]) . ثُمَّ سرد الأدلّة على هذا الأصل ابتداءً من سورة البقرة حتَّى آخر سورة العصر ([17]) .
وقد ورد في تعيين الأسماء الحسنى عدّة روايات ([18]) أشهرها ما رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة t مرفوعًا : ( إِنَّ للهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ؛ هُوَ اللَّهُ ، الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ، الرَّحْمَنُ ، الرَّحِيمُ ، الْمَلِكُ ، الْقُدُّوسُ ، السَّلامُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُهَيْمِنُ ، الْعَزِيزُ ، الْجَبَّارُ ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْخَالِقُ ، الْبَارِئُ ، الْمُصَوِّرُ ، الْغَفَّارُ ، الْقَهَّارُ ، الْوَهَّابُ ، الرَّزَّاقُ ، الْفَتَّاحُ ، الْعَلِيمُ ، الْقَابِضُ ، الْبَاسِطُ ، الْخَافِضُ ، الرَّافِعُ ، الْمُعِزُّ ، الْمُذِلُّ ، السَّمِيعُ ، الْبَصِيرُ ، الْحَكَمُ ، الْعَدْلُ ، اللَّطِيفُ ، الْخَبِيرُ ، الْحَلِيمُ ، الْعَظِيمُ ، الْغَفُورُ ، الشَّكُورُ ، الْعَلِيُّ ، الْكَبِيرُ ، الْحَفِيظُ ، الْمُقِيتُ ، الْحَسِيبُ ، الْجَلِيلُ ، الْكَرِيمُ ، الرَّقِيبُ ، الْمُجِيبُ ، الْوَاسِعُ ، الْحَكِيمُ ، الْوَدُودُ ، الْمَجِيدُ ، الْبَاعِثُ ، الشَّهِيدُ ، الْحَقُّ ، الْوَكِيلُ ، الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ، الْوَلِيُّ ، الْحَمِيدُ ، الْمُحْصِي ، الْمُبْدِئُ ، الْمُعِيدُ ، الْمُحْيِي ، الْمُمِيتُ ، الْحَيُّ ، الْقَيُّومُ ، الْوَاجِدُ ، الْمَاجِدُ ، الْوَاحِدُ ، الصَّمَدُ ، الْقَادِرُ ، الْمُقْتَدِرُ ، الْمُقَدِّمُ ، الْمُؤَخِّرُ ، الأَوَّلُ ، الآخِرُ ، الظَّاهِرُ ، الْبَاطِنُ ، الْوَالِيَ ، الْمُتَعَالِي ، الْبَرُّ ، التَّوَّابُ ، الْمُنْتَقِمُ ، الْعَفُوُّ ، الرَّءُوفُ ، مَالِكُ الْمُلْكِ ، ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ، الْمُقْسِطُ ، الْجَامِعُ ، الْغَنِيُّ ، الْمُغْنِي ، الْمَانِعُ ، الضَّارُّ ، النَّافِعُ ، النُّورُ ، الْهَادِي ، الْبَدِيعُ ، الْبَاقِي ، الْوَارِثُ ، الرَّشِيدُ ، الصَّبُورُ)([19]) ،
يقول البوصيري : ( طريق الترمذي أصحّ شيء في هذا الباب )([20]) ؛ ولهذا عوّل عليها غالب من شرح الأسماء الحسنى ([21]) . وقد اختلف العلماء في سرد الأسماء الحسنى ، هل هو مرفوع ، أو مدرج في الخبر من بعض الرّواة ؟ مشى كثير من العلماء على الأوّل ([22]) ، وذهب ابن تَيْمِيَّة ، وابن كثير ، وابن حجر وغيرهم إلى أنّ التّعيين مدرج ؛ لتفرّد الوليد بن مسلم به ، وخلوّ أكثر الروايات عن ذكر أعيان الأسماء ، ولما وقع من اختلاف شديد بين الرّواة في سرد الأسماء ، والزّيادة والنّقصان ، ممّا يقوّي احتمال الإدراج ، وأنّ التّعيين وقع من بعض الرّواة ([23]) ، يقول ابن تَيْمِيَّة : ( حفّاظ أهل الحديث يقولون : هذه الزّيادة ممّا جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث )([24]) ، ويقول الصنعاني : ( اتّفق الحفّاظ من أئمّة الحديث أنَّ سردها إدراج من بَعْض الرّواة )([25]) .
ونظرًا لعدم ثبوت الخبر في سرد الأسماء عند فريق من أهل العلم فقد اعتنى بعضهم بتتبّع الأسماء إمّا من القرآن وحده ؛ لما وقع في بعض روايات الحديث ، بلفظ (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وهي في القرآن ) أو (وكلّها في القرآن )([26]) ، وإمّا من القرآن وصحيح الأخبار ، فممّن تتبّعها وجمعها من القرآن محمَّد بن يحيى الذّهلي ، وجعفر بن محمَّد ، وأبو زيد اللّغويّ ، وابن حجر العسقلاني ([27]) ، وممّن تتبّعها من القرآن وصحيح الأخبار عليّ بن أحمد ابن حزم ، فبلغ بها ثمانيةً وستّين اسمًا ([28]) . قال ابن حجر : ( اقتصر على ما ورد فيه بصورة الاسم لا ما يؤخذ من الاشتقاق كالباقي من قوله تعالى : { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ } [ الرّحمن : 26 ] ، ولا ما ورد مضافًا كالبديع من قوله : { بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } [ البقرة : 117 ]))([29]) .
وممّن تتبّعها من المعاصرين الشّيخ محمَّد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ ، فقد تتبّعها من القرآن والسنّة فبلغ بها تسعةً وتسعين اسمًا ([31]) .
ولو ذهبنا نذكر ما توصّل إليه كلّ عالم من إحصاء لأسماء الله الحسنى لطال بنا المقام ، ولكن سأكتفي بذكر أنموذجين لهذه الجهود المشكورة ، أنموذجًا لتتبّعها من القرآن وحده ، وآخر لتتبّعها من القرآن والسنّة .
الأوّل : إحصاء ابن حجر .
فقد تتبّع ابن حجر ما ورد في القرآن بصيغة الاسم ممّا لم يذكر في رواية الترمذيّ ، وهي سبعة وعشرون اسمًا ، وضمّ إليها الأسماء الَّتي وقعت في رواية الترمذيّ ممّا ورد في القرآن بصيغة الاسم فصارت تسعة وتسعين اسمًا وكلّها في القرآن ([32]) وهي : (اللَّهُ ، الرَّحْمَنُ ، الرَّحِيمُ ، الْمَلِكُ ، الْقُدُّوسُ ، السَّلامُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُهَيْمِنُ ، الْعَزِيزُ ، الْجَبَّارُ ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْخَالِقُ ، الْبَارِئُ ، الْمُصَوِّرُ ، الْغَفَّارُ ، الْقَهَّارُ ، التَّوَّابُ ، الْوَهَّابُ ، الخلاّقُ ، الرَّزَّاقُ ، الْفَتَّاحُ ، الْعَلِيمُ ، الْحَلِيمُ ، الْعَظِيمُ ، الْوَاسِعُ ، الْحَكِيمُ ، الْحَيُّ ، الْقَيُّومُ ، السَّمِيعُ ، الْبَصِيرُ ، اللَّطِيفُ ، الْخَبِيرُ ، الْعَلِيُّ ، الْكَبِيرُ ، المحيطُ ، القديرُ ، المولى ، النّصيرُ ، الْكَرِيمُ ، الرَّقِيبُ ، القريبُ ، الْمُجِيبُ ، الْوَكِيلُ ، الْحَسِيبُ ، الْحَفِيظُ ، الْمُقِيتُ ، الْوَدُودُ ، الْمَجِيدُ ، الْوَارِثُ ، الشَّهِيدُ ، الْوَلِيُّ ، الْحَمِيدُ ، الْحَقُّ ، المبينُ ، الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ، الْغَنِيُّ ، المالكُ ، الشّديدُ ، الْقَادِرُ ، الْمُقْتَدِرُ ، القاهرُ ، الكافي ، الشّاكرُ ، المستعانُ ، الفاطرُ ، الْبَدِيعُ ، الغافرُ ، الأَوَّلُ ، الآخِرُ ، الظَّاهِرُ ، الْبَاطِنُ ، الكفيلُ ، الغالبُ ، الْحَكَمُ ، العالِمُ ، الرّفيعُ ، الحافظُ ، الْمُنْتَقِمُ ، القائمُ ، الْمُحْيِي ، الْجَامِعُ ، المليكُ ، الْمُتَعَالِي ، النُّورُ ، الْهَادِي ، الْغَفُورُ ، الشَّكُورُ ، الْعَفُوُّ ، الرَّءُوفُ ، الأكرمُ ، الأعلى ، الْبَرُّ ، الحفيُّ ، الربُّ ، الإلهُ ، الْوَاحِدُ ، الأحدُ ، الصَّمَدُ الَّذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)([33]) .
+++
الثّاني : إحصاء ابن عثيمين .
تتبّع ابن عثيمين ما ورد في القرآن والسنّة من أسماء الله الحسنى فبلغ بها تسعة وتسعين اسمًا ؛ واحد وثمانون اسمًا في كتاب الله تعالى ، وثمانية عشر اسمًا في سنّة رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، فمن كتاب الله : (اللَّهُ ، الأحدُ ، الأعلى ، الأكرم ، الإله ، الأَوَّلُ ، الآخِرُ ، الظَّاهِرُ ، الْبَاطِنُ ، الْبَارِئُ ، الْبَرُّ ، الْبَصِيرُ ، التَّوَّابُ ، الْجَبَّارُ ، الحافظُ ، الْحَسِيبُ ، الْحَفِيظُ ، الحفيُّ ، الْحَقُّ ، المبينُ ، الْحَكِيمُ ، الْحَلِيمُ ، الْحَمِيدُ ، الْحَيُّ ، الْقَيُّومُ ، الْخَبِيرُ ، الْخَالِقُ ، الخلاّقُ ، الرّؤوفُ ، الرَّحْمَنُ ، الرَّحِيمُ ، الرَّزَّاقُ ، الرَّقِيبُ ، السَّلامُ ، السَّمِيعُ ، الشّاكرُ ، الشَّكُورُ ، الشَّهِيدُ ، الصَّمَدُ ، العالمُ ، الْعَزِيزُ ، الْعَظِيمُ ، الْعَفُوُّ ، الْعَلِيمُ ، الْعَلِيُّ ، الْغَفَّارُ ، الْغَفُورُ ، الْغَنِيُّ ، الْفَتَّاحُ ، الْقَادِرُ ، القاهر ، الْقُدُّوسُ ، القدير ، القريب ، الْقَوِيُّ ، الْقَهَّارُ ، الْكَبِيرُ ، الْكَرِيمُ ، اللَّطِيفُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُتَعَالِي ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْمَتِينُ ، الْمُجِيبُ ، الْمَجِيدُ ، المحيط ، الْمُصَوِّرُ ، الْمُقْتَدِرُ ، الْمُقِيتُ ، الْمَلِكُ ، المليك ، المولى ، الْمُهَيْمِنُ ، النّصير ، الْوَاحِدُ ، الْوَارِثُ ، الْوَاسِعُ ، الْوَدُودُ ، الْوَكِيلُ ، الْوَلِيُّ ، الْوَهَّابُ)([34]) .
ومن سنّة رسول اللهe : (الجميل ، الجواد ، الْحَكَمُ ، الحيي ، الربّ ، الرّفيق ، السبوّح ، السيّد ، الشّافي ، الطيّب ، الْقَابِضُ ، الْبَاسِطُ ، الْمُقَدِّمُ ، الْمُؤَخِّرُ ، المحسن ، المعطي ، المنّان ، الوتر)([35]) .
+++
وهناك فريق آخر من أهل العلم لم يلتزم بالعدد المخصوص في الحديث ، فأوصله استقراؤه إلى ما يزيد على تسعةٍ وتسعين اسمًا بكثير ؛ فابن الوزير مثلاً قسّم الأسماء الحسنى إلى ثلاثة أقسام : ـ
الأوّل : قسم ورد في النّصوص صريحًا دون اشتقاق ، كالصّمد ، والرّحمن، والملك . وقد بلغ بهذا النّوع قرابة مائة وستّين اسمًا .
الثّاني : قسم مشتقّ من الأفعال الربّانيّة ؛ كالمطعم ، والمجير ، والمرجوّ . وهذا النّوع لا يحصى . يقول ابن الوزير : ( وقد جمع بعضهم منها ألف اسم)([36]) .
الثّالث : قسم من أنواع الثّناء من غير اشتقاق من ألفاظ القرآن ، مثل قديم الإحسان ، دائم المعروف ، المستغاث ، المأمول . وهذا النّوع لا يحصى أيضًا ([37]) .
+++
ولا شكّ أنّه من الطبيعي أن تختلف أنظار المجتهدين في هذا الموضع الَّذي ليس فيه نصّ مسلّم بصحّته ، ولكن هناك قواعد وضوابط تعين على تحديد المنهج الصّحيح في استقراء الأسماء الحسنى ، وعلى الحكم على أعيان الأسماء بالاعتبار أو عدمه ، ومنها : ـ
1 ـ أسماء الله ـ تبارك وتعالى ـ غير محصورة بعدد معيّن ؛ لما رواه الإمام أحمد بسنده عن ابن مسعود t مرفوعًا : (( أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ([38]) ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ العَظيمَ رَبِيعَ قَلْبِي )([39]) ، وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن أحدًا حصره ، ولا الأحاطة به ([40]) . وهذا قول جمهور العلماء . وحكى النّوويّ وابن القيّم اتّفاق العلماء عليه ([41]) . وفي حكاية الإجماع نظر ؛ لأنّ هناك من ذهب إلى أنّ أسماء الله محصورة في تسعة وتسعين اسمًا كابن حزم الأندلسيّ ، محتجًّا بالتأكيد في قوله e : ( مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا )([42]) ، فلو جاز أن يكون له اسم زائد على العدد المذكور للزم أن يكون له مائة اسم فيبطل الاستثناء ، ولأنّ الأسماء الحسنى الواردة نصًّا إذا استقرئت في القرآن وصحيح السنّة لم تزد عن العدد المذكور في الحديث ، وما يتخيّل زائدًا عليه لعلّه مكرّر معنًى وإن تغاير لفظًا ؛ كالغافر ، والغفّار ، والغفور ، فيكون المعدود من ذلك واحدًا فقط ([43]) .
2 ـ والحديث الَّذي استُدلّ به على الحصر لا حجّة فيه ؛ لأنّ المراد الإخبار عن دخول الجنّة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء ؛ أي أنّ الحصر في الحديث باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها فلا يلزم من ذلك ألاّ يكون هناك أسماء زائدة . وعلى هذا فيكون الحديث جملة واحدة ، وقوله : (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) صفة لا خبر مستقلّ . ونظير هذا أن تقول : عندي مائة درهم للصّدقة ، فلا يلزم من ذلك ألاّ يكون عندك دراهم أخرى للنّفقة ، والقنية ، والتجارة ، وغير ذلك ([44]) .
3 ـ أسماء الله تعالى لا تنحصر في الأسماء المفردة ؛ لأنّ هناك أسماء أخرى مضافة ، وردت في القرآن الكريم ، والسنّة النّبويّة الصّحيحة ، وثبت الدّعاء بها بإجماع المسلمين ؛ مثل : مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، أرحم الرّاحمين ، وخير الغافرين ، وربّ العالمين ، ومالك يوم الدِّين ، وأحسن الخالقين ، وجامع النّاس ليوم لا ريب فيه ، بديع السّموات والأرض ، ومقلّب القلوب ([45]) .
4 ـ ضرورة الالتزام بما ورد في القرآن والسنّة الصّحيحة من الأسماء ؛ لأنّ أسماء الله توقيفيّة ؛ فلا يسمّى الله إلاّ بما سمّى به نفسه ، أو سمّاه رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يجوز أن يدعى بما لم يرد من الأسماء ؛ سواء أكانت من أسماء المواضعة البشريّة المحضة ؛ كالجوهر ، والعقل ، والقائم بنفسه ، والموجب بالذات ، أم كانت مرادفة في الظّاهر لما ثبت من أسماء الله الحسنى ؛ كالعاقل ، والشّفوق ، والشّريف ، والسّخيّ ، أم كانت من أسماء الثّناء من غير اشتقاق من ألفاظ القرآن ؛ كقديم الإحسان ، ودائم المعروف ، والمأمول ([46]) .
5 ـ ما يطلق على الله تعالى من الأسماء لا بُدّ أن يكون في غاية الحسن ؛ لأنّ الله تعالى له أحسن الأسماء وأعلاها ؛ فلا يجوز أن يكون من أسمائه أعلام جامدة ؛ كاسم الدّهر ، لأنّه لا دلالة فيه على شيء من الحسن أصلاً ؛ ولا يجوز أن يعتبر منها ما ينقسم مدلوله إلى كامل وناقص ، وخير وشرّ ، كالموجود ، والذات ، والمريد ، والفاعل ، والصّانع ، وكذلك لا يجوز أن يعدّ منها ما لا يحمل معنى الكمال المطلق ؛ كالمنتقم ؛ فإنّه لا يدلّ على الكمال إلاّ إذا كان مخصوصًا مقيّدًا ([47]) .
6 ـ لا يجوز أن يشتقّ للربّ من كلّ فعل اسمًا ؛ لأنّ باب الأفعال والأخبار أوسع من باب الأسماء ؛ ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالاً ولم يتسم منها باسم الفاعل ؛ كأراد ، وشاء ، وأحدث ، ولم يسم بالمريد ، والشّائي ، والمحدث ، وكذلك أخبر عن نفسه بأفعال مقيّدة ، ولم يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيّدًا أن يشتقّ له منه اسم مطلق ؛ فأخبر أن يستهزيء ، ويمكر ، ويكيد ، ولا يجوز أن يسمّى بالمستهزئ ، ولا الماكر ، ولا الكائد ؛ ولهذا قال ابن القيّم : ( وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتقّ له من كلّ فعل اسمًا ، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف ؛ فسمّاه الماكر ، والمخادع ، والفاتن ، والكائد ، ونحو ذلك ))([48]) . والله أعلم ، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين
+++++
([1]) الحكمة في الاقتصار على هذا العدد المخصوص أنّ الأسماء ولو كثرت إلاّ أنّ معانيها موجودة في التّسعة والتّسعين المذكورة ، أو لكون هذا العدد أكثر الأسماء وأبينها معاني ، وذهب كثير من أهل العلم إلى أنّه تعبّد لا يعقل معناه ، كما يقال في عدد الصّلوات ونظائرها . وقيل غير ذلك ، والله أعلم . انظر : فتح الباري لابن حجر 11/220 ، 221 .
([2]) صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب التّوحيد ، باب ان لله مائة اسم إلاّ واحدة 13/377 ، صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب الذّكر والدّعاء ، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها 17/5 ، 6 .
([3]) دعاء العبادة هو القيام بأمر الله قولاً وعملاً ، وهذا القيام من حقوق أسماء الله الحسنى الَّتي يشملها معنى إحصائها . انظر : حاشية كتاب التّوحيد لابن قاسم ص114 ، القول المفيد لابن عثيمين 1/264 .
([4]) بدائع الفوائد لابن القيّم 1/164 ، وانظر : فتح الباري لابن حجر 11/225 ـ 227 ، 13/378 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص14 .
([5]) فتح الباري 11/226 .
([6]) صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب الذّكر والدّعاء ، باب في اسماء الله تعالى ، وفضل من أحصاها 17/5 ، وانظر : صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب الدّعوات ، باب لله مائة اسم غير واحدة 11/214 .
([7]) انظر : شرح صحيح مسلم للنّوويّ 17/5 ، فتح الباري لابن حجر 11/225 ، 226 .
([8]) فتح الباري 11/226 .
([9]) انظر : القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/319 .
([10]) انظر : فتح الباري 11/226 ، 227 .
([11]) انظر : القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/319 ، المعجم الوسيط ص180 .
([12]) انظر : النّهاية لابن الأثير 1/398 .
([13]) المسند للإمام أحمد ، باقي مسند الأنصار ، ح ( 1873 ، 21930 ) ، سنن ابن ماجه : كتاب الطّهارة ، باب المحافظة على الوضوء ، ح ( 277 ، 278 ) ، سنن الدارمي : كتاب الطّهارة ح ( 655 ) . يقول عبد القادر الأرنؤوط : هو حديث صحيح بطرقه . انظر : تخريج أحاديث جامع الأصول 9/395 .
([14]) انظر : النّهاية لابن الأثير 1/398 ، فتح الباري لابن حجر 11/225 .
([15]) انظر : فتح الباري لابن حجر 11/225 ، 226 .
([16]) الشّريعة ص122 .
([17]) المرجع السّابق ص122 ـ 129 .
([18]) انظر : سنن ابن ماجه : كتاب الدّعاء ، ح ( 3861 ) ؛ فتح الباري 11/215 ، 216 ، ضعيف الجامع الصّغير للألباني 2/177 ـ 181 .
([19]) سنن الترمذيّ ، كتاب الدّعوات ، ح ( 3507 ) ، وسيذكر الكلام على إسناده في صلب البحث .
([20]) مصباح الزّجاجة 3/207 .
([21]) انظر : فتح الباري لابن حجر 11/216 .
([22]) المرجع السّابق 11/215 .
([23]) انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 8/96 ، 97 ، 22/482 ، تفسير ابن كثير 2/269 ، فتح الباري لابن حجر 11/217 .
([24]) مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 22/482 .
([25]) سبل السّلام 4/166 .
([26]) انظر : فتح الباري 11/227 .
وهاتان الروايتان ذكرهما الحافظ ابن حجر ، وسكت عنهما . انظر : فتح الباري 11/227 . والأولى أخرجها أبو نُعيم عن ابن عَبَّاس وابن عمر . انظر : الدر المنثور للسّيوطي 3/148 ، ولم أقف على إِسناد هذه الرِّواية ، لأنّ الظّاهر أَنَّهَا في كتاب أفرده في الأسماء والصّفات لم أتمكّن من الاطّلاع عليه .
أمّا الثّانية فرواها الدارمي . انظر : الردّ على المريسي ( ضمن عقائد السّلف ) ص369 ، 370 ، وفي إسنادها الوليد بن مسلم فيحتمل أن يكون أدرج هذه الزِّيادة مع تعيين الأسماء ، والله أعلم .
وقد وجدت في تَفْسِير الطّبري رواية بلفظ : ( إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا كلّهنّ في القرآن ، مَنْ أَحْصَاهُن دَخَلَ الْجَنَّةَ ) . انظر : تَفْسِير الطّبري 15/183 . ولكن في إسنادها حمّاد بْن عيسى الجهني ، وهو ضعيف ، بل وصفه بعض علماء الجرح والتّعديل بالدجّال . انظر : الجرح والتّعديل 3/145 ، الضّعفاء لأبي نُعيم 1/74 ، الضّعفاء لابن الجوزي 1/234 ، تقريب التّهذيب 1/197 .
([27]) انظر : تفسير ابن كثير 2/269 ، فتح الباري لابن حجر 11/217 ، 218 ، 219 .
([28]) انظر : فتح الباري 11/217 . وقد عزا ما ذكره عن ابن حزم إلى المحلّى ، فرجعت إليه فوجدته يذكر أنّه تقصّى الأسماء الحسنى في كتاب الاتصال . انظر : المحلّى 1/30 . والظّاهر أنّه من كتب ابن حزم المفقودة . انظر : ابن حزم وموقفه من الإلهيّات للدّكتور أحمد الحمد ص71 ، والقسم الأوّل من كتاب الدرّة ، الدِّراسة ص85 ، للدّكتور أحمد الحمد .
([29]) فتح الباري 11/217 .
([31]) انظر : القواعد المثلى لابن عثيمين ص15 ، 16 .
([32]) انظر : فتح الباري 11/218 ، 219 .
([33]) فتح الباري 11/219 .
([34]) القواعد المثلى لابن عثيمين ص15 .
([35]) المرجع السّابق .
([36]) إيثار الحقّ على الخلق ص163 . وقد ذكر ابن القيّم وغيره أنّ من اشتق له من كلّ فعل اسمًا بلغ بأسمائه زيادة على الألف . انظر : مدارج السّالكين 3/415 ، فتح الباري 11/220 .
([37]) انظر : إيثار الحقّ على الخلق ص159 ، 160 ، 163 .
([38]) في الرّواية إشكال ، فإنّه جعل ما أنزله في كتابه ، أو علّمه أحدًا من خلقه ، أو استأثر به في علم الغيب عنده قسيمًا لما سمّى به نفسه ، ومعلوم أنّ هذا تقسيم وتفصيل لما سمّى به نفسه ، فوجه الكلام أن يقال : سمّيت به نفسك ، فأنزلته في كتابك ، أو علّمته أحدًا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك . وجواب هذا الإشكال أن ( أو ) حرف عطف ، والمعطوف بها أخصّ ممّا قبله ، فيكون من باب عطف الخاصّ على العامّ ، فإنّ ما سمّى به نفسه يتناول جميع الأنواع المذكورة بعده ، فيكون عطف كلّ جملة منها من باب عطف الخاص على العامّ . وعطف بـ ( أو ) دون ( الواو ) مع أنّه المعهود في عطف الخاص على العام؛ لبناء الكلام على التّقسيم والتّنويع ؛ والمعنى : سمّيت به نفسك فإما أنزلته في كتابك ، وإمّا علّمته أحدًا من خلقك ، وإمّا استأثرت به في علم الغيب عندك . انظر : شفاء العليل لابن القيّم ص457 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/166 .
([39]) المسند ، مسند المكثرين من الصّحابة ، ح ( 4306 ) . قال الألباني : حديث صحيح . انظر : سلسلة الأحاديث الصّحيحة 1/336 ـ 342 ح ( 199 ) .
([40]) انظر : القواعد المثلى لابن عثيمين ص13 ، 14 .
([41]) انظر : شرح صحيح مسلم للنّوويّ 17/5 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/167 ، فتح الباري لابن حجر 11/220 .
([42]) تقدّم تخريجه أول البحث .
([43]) انظر : المحلّى لابن حزم 1/30 ، الدرّة لابن حزم ص239 ـ 243 ، فتح الباري لابن حجر 11/221 .
([44]) انظر : شرح صحيح مسلم للنّوويّ 17/5 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/167 ، فتح الباري لابن حجر 11/220 ، 221 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص14 .
([45]) انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 22/485 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص16 ، المنهاج الأسنى لزين شحاته 1/66 ، 67 .
([46]) انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 ، 168 ، 169 .
([47]) انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 8/96 ، مدارج السّالكين لابن القيّم 3/415 ، 416 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/116 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص9 .
([48]) مدارج السّالكين 3/415 ، وانظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 ، فتح الباري لابن حجر 11/223 .