ولله الأسماء الحسنى .

إنضم
01/05/2010
المشاركات
172
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الطائف / حي السداد
بسم1

لقد عني المسلمون عنايةً قصوى بإحصاء أسماء الله الحسنى ؛ لأنّ العلم بها أشرف العلوم على الإطلاق ؛ لدلالتها على ذات الربّ ، وصفاته ، وأفعاله ، وإلهيّته ؛ وذلك هو أصل الإيمان وغايته ؛ ولهذا وعد الله تعالى من أحصاها بالجنّة ، روى البخاريّ ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا : { إِنَّ لِلهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ([1]) ، مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ } ([2]) ؛ والمراد بإحصائها عدّها حفظًا ، وفهمها معنًى ، وإلزام النّفس بحقوقها قولاً وعملاً ، يقول ابن القيّم : ( بيان مراتب إحصاء أسمائه الَّتي من أحصاها دخل الجنّة ... ؛ المرتبة الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها . المرتبة الثّانية : فهم معانيها ومدلولها . المرتبة الثالثة : دعاؤه بها ، كما قال تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] ؛ وهو مرتبتان : إحداهما : دعاء ثناء وعبادة ([3]) ، والثّاني : دعاء طلب ومسألة )([4]) . وأورد ابن حجر نقلاً عن أبي نعيم الأصبهاني قوله : ( الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التّعداد ، وإنّما هو العمل والتعقّل بمعاني الأسماء ، والإيمان بها )([5]) .
وذهب كثير من أهل العلم إلى أنّ المراد بإحصاء الأسماء الحسنى عدّها ، واستيفاء ألفاظها حفظًا ؛ لما ثبت في بعض طرق الحديث بلفظ (مَنْ حَفِظَهَا)([6]) بدل ( مَنْ أَحْصَاهَا ) ؛ ففسّر الإحصاء باستيفاء ألفاظها حفظًا([7]) .
وهذا القول غير مسلّم ؛ لأنّ حمل الحفظ على السّرد غير متعيّن ، يقول ابن حجر : ( لا يلزم من مجيئه بلفظ حفظها تعيّن السّرد عن ظهر قلب ، بل يحتمل الحفظ المعنويّ )([8]) ، ويؤيّده أنّ الإحصاء لغة يستعمل بمعنى العقل والفهم ، كما يستعمل بمعنى العدّ والحفظ ([9]) ، وأنّ العدّ اللّفظي قد يحصل من الفاجر مع أنّ دخول الجنّة مشروط في كثير من الآيات بتحقيق الإيمان قولاً وعملاً ؛ فيكون من أحصاها سردًا دون عمل بها كمن حفظ القرآن ولم يعمل به ؛ فكما أنّه غير نافع في تحقّق الوعد وانتفاء الوعيد فكذلك حفظ أسماء الله الحسنى دون عمل بمقتضاها ([10]) .
وقد ذكر الخطّابي أنّ المراد بالإحصاء يحتمل مع الحفظ وجهين آخرين : ـ
أحدهما : أن المراد الإحاطة بمعاني الأسماء الحسنى ، من قول العرب : فلان ذو حصاة ؛ أي ذو عقل وفهم ومعرفة . واستحصى اشتدّ عقله ، وهو حصي كغني ؛ أي وافر العقل ، ويقال : ماله حصاة ، ولا أصاة ، أي رأي يرجع إليه ([11]) .
والثّاني : أن المراد بالإحصاء الإطاقة ، كقوله تعالى : { عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ }[ المزمّل : 20 ] ؛ أي لن تطيقوا عدّه وضبطه ([12]) ، وكقوله صلى الله عليه وسلم : (اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا )([13]) ؛ أي لن تطيقوا الاستقامة ([14]) ، والمعنى : من أطاق القيام بحقوق أسماء الله الحسنى قولاً وعملاً دخل الجنّة . وهذا اختيار أبي الوفاء بن عقيل ، والأصيلي ، وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهم ([15]) .
وهناك أقوال أخرى في بيان المراد بالإحصاء سوى هذه الأقوال الثلاثة ؛ كالقول بأنّ المراد بإحصائها معرفتها ، أو عدّها مع اعتقاد مدلولها ، أو حفظ القرآن لكونه مشتملاً عليها ، مستوفيًا لها (6) . وهي عند التّحقيق لا تخرج عمّا ذكر من أقوال ؛ فهي إمّا أن ترجع إلى تفسير الإحصاء بالحفظ ، أو بالفهم ، أوبالعمل ، أو بمجموع ما ذكر ، أو أكثره . والأظهر أنّ إحصاء أسماء الله الحسنى يعمّ جميع هذه المعاني ؛ فمن استوفاها عدًّا وحفظًا ، وأحاط بها فهمًا وعلمًا ، وقام بحقّها قولاً وعملاً دخل الجنّة . وهذا هو المتّسق مع أصول الشّريعة وقواعدها الكلية ؛ فإنّ الله رتّب الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار على تحقيق الإيمان قولاً وعملاً ، قال تعالى : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } [ البقرة : 25 ] ، وقال : { الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } [ الرّعد : 29 ] ، وقال : { وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا }[ طه : 75 ] ، يقول الآجري : ( قد تصفّحت القرآن فوجدت فيه .. في ستّة وخمسين موضعًا من كتاب اللهU أن الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يدخل المؤمنين الجنّة بالإيمان وحده ، بل أدخلهم الجنّة برحمته إيّاهم ، وبما وفّقهم له من الإيمان والعمل الصّالح . وهذا ردّ على من قال : الإيمان المعرفة ، وردّ على من قال : المعرفة والقول وإن لم يعمل . نعوذ بالله من قائل هذا )([16]) . ثُمَّ سرد الأدلّة على هذا الأصل ابتداءً من سورة البقرة حتَّى آخر سورة العصر ([17]) .
وقد ورد في تعيين الأسماء الحسنى عدّة روايات ([18]) أشهرها ما رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة t مرفوعًا : ( إِنَّ للهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ؛ هُوَ اللَّهُ ، الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ، الرَّحْمَنُ ، الرَّحِيمُ ، الْمَلِكُ ، الْقُدُّوسُ ، السَّلامُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُهَيْمِنُ ، الْعَزِيزُ ، الْجَبَّارُ ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْخَالِقُ ، الْبَارِئُ ، الْمُصَوِّرُ ، الْغَفَّارُ ، الْقَهَّارُ ، الْوَهَّابُ ، الرَّزَّاقُ ، الْفَتَّاحُ ، الْعَلِيمُ ، الْقَابِضُ ، الْبَاسِطُ ، الْخَافِضُ ، الرَّافِعُ ، الْمُعِزُّ ، الْمُذِلُّ ، السَّمِيعُ ، الْبَصِيرُ ، الْحَكَمُ ، الْعَدْلُ ، اللَّطِيفُ ، الْخَبِيرُ ، الْحَلِيمُ ، الْعَظِيمُ ، الْغَفُورُ ، الشَّكُورُ ، الْعَلِيُّ ، الْكَبِيرُ ، الْحَفِيظُ ، الْمُقِيتُ ، الْحَسِيبُ ، الْجَلِيلُ ، الْكَرِيمُ ، الرَّقِيبُ ، الْمُجِيبُ ، الْوَاسِعُ ، الْحَكِيمُ ، الْوَدُودُ ، الْمَجِيدُ ، الْبَاعِثُ ، الشَّهِيدُ ، الْحَقُّ ، الْوَكِيلُ ، الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ، الْوَلِيُّ ، الْحَمِيدُ ، الْمُحْصِي ، الْمُبْدِئُ ، الْمُعِيدُ ، الْمُحْيِي ، الْمُمِيتُ ، الْحَيُّ ، الْقَيُّومُ ، الْوَاجِدُ ، الْمَاجِدُ ، الْوَاحِدُ ، الصَّمَدُ ، الْقَادِرُ ، الْمُقْتَدِرُ ، الْمُقَدِّمُ ، الْمُؤَخِّرُ ، الأَوَّلُ ، الآخِرُ ، الظَّاهِرُ ، الْبَاطِنُ ، الْوَالِيَ ، الْمُتَعَالِي ، الْبَرُّ ، التَّوَّابُ ، الْمُنْتَقِمُ ، الْعَفُوُّ ، الرَّءُوفُ ، مَالِكُ الْمُلْكِ ، ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ، الْمُقْسِطُ ، الْجَامِعُ ، الْغَنِيُّ ، الْمُغْنِي ، الْمَانِعُ ، الضَّارُّ ، النَّافِعُ ، النُّورُ ، الْهَادِي ، الْبَدِيعُ ، الْبَاقِي ، الْوَارِثُ ، الرَّشِيدُ ، الصَّبُورُ)([19]) ،
يقول البوصيري : ( طريق الترمذي أصحّ شيء في هذا الباب )([20]) ؛ ولهذا عوّل عليها غالب من شرح الأسماء الحسنى ([21]) . وقد اختلف العلماء في سرد الأسماء الحسنى ، هل هو مرفوع ، أو مدرج في الخبر من بعض الرّواة ؟ مشى كثير من العلماء على الأوّل ([22]) ، وذهب ابن تَيْمِيَّة ، وابن كثير ، وابن حجر وغيرهم إلى أنّ التّعيين مدرج ؛ لتفرّد الوليد بن مسلم به ، وخلوّ أكثر الروايات عن ذكر أعيان الأسماء ، ولما وقع من اختلاف شديد بين الرّواة في سرد الأسماء ، والزّيادة والنّقصان ، ممّا يقوّي احتمال الإدراج ، وأنّ التّعيين وقع من بعض الرّواة ([23]) ، يقول ابن تَيْمِيَّة : ( حفّاظ أهل الحديث يقولون : هذه الزّيادة ممّا جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث )([24]) ، ويقول الصنعاني : ( اتّفق الحفّاظ من أئمّة الحديث أنَّ سردها إدراج من بَعْض الرّواة )([25]) .
ونظرًا لعدم ثبوت الخبر في سرد الأسماء عند فريق من أهل العلم فقد اعتنى بعضهم بتتبّع الأسماء إمّا من القرآن وحده ؛ لما وقع في بعض روايات الحديث ، بلفظ (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وهي في القرآن ) أو (وكلّها في القرآن )([26]) ، وإمّا من القرآن وصحيح الأخبار ، فممّن تتبّعها وجمعها من القرآن محمَّد بن يحيى الذّهلي ، وجعفر بن محمَّد ، وأبو زيد اللّغويّ ، وابن حجر العسقلاني ([27]) ، وممّن تتبّعها من القرآن وصحيح الأخبار عليّ بن أحمد ابن حزم ، فبلغ بها ثمانيةً وستّين اسمًا ([28]) . قال ابن حجر : ( اقتصر على ما ورد فيه بصورة الاسم لا ما يؤخذ من الاشتقاق كالباقي من قوله تعالى : { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ } [ الرّحمن : 26 ] ، ولا ما ورد مضافًا كالبديع من قوله : { بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } [ البقرة : 117 ]))([29]) .
وممّن تتبّعها من المعاصرين الشّيخ محمَّد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ ، فقد تتبّعها من القرآن والسنّة فبلغ بها تسعةً وتسعين اسمًا ([31]) .
ولو ذهبنا نذكر ما توصّل إليه كلّ عالم من إحصاء لأسماء الله الحسنى لطال بنا المقام ، ولكن سأكتفي بذكر أنموذجين لهذه الجهود المشكورة ، أنموذجًا لتتبّعها من القرآن وحده ، وآخر لتتبّعها من القرآن والسنّة .
الأوّل : إحصاء ابن حجر .

فقد تتبّع ابن حجر ما ورد في القرآن بصيغة الاسم ممّا لم يذكر في رواية الترمذيّ ، وهي سبعة وعشرون اسمًا ، وضمّ إليها الأسماء الَّتي وقعت في رواية الترمذيّ ممّا ورد في القرآن بصيغة الاسم فصارت تسعة وتسعين اسمًا وكلّها في القرآن ([32]) وهي : (اللَّهُ ، الرَّحْمَنُ ، الرَّحِيمُ ، الْمَلِكُ ، الْقُدُّوسُ ، السَّلامُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُهَيْمِنُ ، الْعَزِيزُ ، الْجَبَّارُ ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْخَالِقُ ، الْبَارِئُ ، الْمُصَوِّرُ ، الْغَفَّارُ ، الْقَهَّارُ ، التَّوَّابُ ، الْوَهَّابُ ، الخلاّقُ ، الرَّزَّاقُ ، الْفَتَّاحُ ، الْعَلِيمُ ، الْحَلِيمُ ، الْعَظِيمُ ، الْوَاسِعُ ، الْحَكِيمُ ، الْحَيُّ ، الْقَيُّومُ ، السَّمِيعُ ، الْبَصِيرُ ، اللَّطِيفُ ، الْخَبِيرُ ، الْعَلِيُّ ، الْكَبِيرُ ، المحيطُ ، القديرُ ، المولى ، النّصيرُ ، الْكَرِيمُ ، الرَّقِيبُ ، القريبُ ، الْمُجِيبُ ، الْوَكِيلُ ، الْحَسِيبُ ، الْحَفِيظُ ، الْمُقِيتُ ، الْوَدُودُ ، الْمَجِيدُ ، الْوَارِثُ ، الشَّهِيدُ ، الْوَلِيُّ ، الْحَمِيدُ ، الْحَقُّ ، المبينُ ، الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ، الْغَنِيُّ ، المالكُ ، الشّديدُ ، الْقَادِرُ ، الْمُقْتَدِرُ ، القاهرُ ، الكافي ، الشّاكرُ ، المستعانُ ، الفاطرُ ، الْبَدِيعُ ، الغافرُ ، الأَوَّلُ ، الآخِرُ ، الظَّاهِرُ ، الْبَاطِنُ ، الكفيلُ ، الغالبُ ، الْحَكَمُ ، العالِمُ ، الرّفيعُ ، الحافظُ ، الْمُنْتَقِمُ ، القائمُ ، الْمُحْيِي ، الْجَامِعُ ، المليكُ ، الْمُتَعَالِي ، النُّورُ ، الْهَادِي ، الْغَفُورُ ، الشَّكُورُ ، الْعَفُوُّ ، الرَّءُوفُ ، الأكرمُ ، الأعلى ، الْبَرُّ ، الحفيُّ ، الربُّ ، الإلهُ ، الْوَاحِدُ ، الأحدُ ، الصَّمَدُ الَّذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)([33]) .


+++

الثّاني : إحصاء ابن عثيمين .

تتبّع ابن عثيمين ما ورد في القرآن والسنّة من أسماء الله الحسنى فبلغ بها تسعة وتسعين اسمًا ؛ واحد وثمانون اسمًا في كتاب الله تعالى ، وثمانية عشر اسمًا في سنّة رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، فمن كتاب الله : (اللَّهُ ، الأحدُ ، الأعلى ، الأكرم ، الإله ، الأَوَّلُ ، الآخِرُ ، الظَّاهِرُ ، الْبَاطِنُ ، الْبَارِئُ ، الْبَرُّ ، الْبَصِيرُ ، التَّوَّابُ ، الْجَبَّارُ ، الحافظُ ، الْحَسِيبُ ، الْحَفِيظُ ، الحفيُّ ، الْحَقُّ ، المبينُ ، الْحَكِيمُ ، الْحَلِيمُ ، الْحَمِيدُ ، الْحَيُّ ، الْقَيُّومُ ، الْخَبِيرُ ، الْخَالِقُ ، الخلاّقُ ، الرّؤوفُ ، الرَّحْمَنُ ، الرَّحِيمُ ، الرَّزَّاقُ ، الرَّقِيبُ ، السَّلامُ ، السَّمِيعُ ، الشّاكرُ ، الشَّكُورُ ، الشَّهِيدُ ، الصَّمَدُ ، العالمُ ، الْعَزِيزُ ، الْعَظِيمُ ، الْعَفُوُّ ، الْعَلِيمُ ، الْعَلِيُّ ، الْغَفَّارُ ، الْغَفُورُ ، الْغَنِيُّ ، الْفَتَّاحُ ، الْقَادِرُ ، القاهر ، الْقُدُّوسُ ، القدير ، القريب ، الْقَوِيُّ ، الْقَهَّارُ ، الْكَبِيرُ ، الْكَرِيمُ ، اللَّطِيفُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُتَعَالِي ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْمَتِينُ ، الْمُجِيبُ ، الْمَجِيدُ ، المحيط ، الْمُصَوِّرُ ، الْمُقْتَدِرُ ، الْمُقِيتُ ، الْمَلِكُ ، المليك ، المولى ، الْمُهَيْمِنُ ، النّصير ، الْوَاحِدُ ، الْوَارِثُ ، الْوَاسِعُ ، الْوَدُودُ ، الْوَكِيلُ ، الْوَلِيُّ ، الْوَهَّابُ)([34]) .
ومن سنّة رسول اللهe : (الجميل ، الجواد ، الْحَكَمُ ، الحيي ، الربّ ، الرّفيق ، السبوّح ، السيّد ، الشّافي ، الطيّب ، الْقَابِضُ ، الْبَاسِطُ ، الْمُقَدِّمُ ، الْمُؤَخِّرُ ، المحسن ، المعطي ، المنّان ، الوتر)([35]) .


+++

وهناك فريق آخر من أهل العلم لم يلتزم بالعدد المخصوص في الحديث ، فأوصله استقراؤه إلى ما يزيد على تسعةٍ وتسعين اسمًا بكثير ؛ فابن الوزير مثلاً قسّم الأسماء الحسنى إلى ثلاثة أقسام : ـ
الأوّل : قسم ورد في النّصوص صريحًا دون اشتقاق ، كالصّمد ، والرّحمن، والملك . وقد بلغ بهذا النّوع قرابة مائة وستّين اسمًا .
الثّاني : قسم مشتقّ من الأفعال الربّانيّة ؛ كالمطعم ، والمجير ، والمرجوّ . وهذا النّوع لا يحصى . يقول ابن الوزير : ( وقد جمع بعضهم منها ألف اسم)([36]) .
الثّالث : قسم من أنواع الثّناء من غير اشتقاق من ألفاظ القرآن ، مثل قديم الإحسان ، دائم المعروف ، المستغاث ، المأمول . وهذا النّوع لا يحصى أيضًا ([37]) .

+++


ولا شكّ أنّه من الطبيعي أن تختلف أنظار المجتهدين في هذا الموضع الَّذي ليس فيه نصّ مسلّم بصحّته ، ولكن هناك قواعد وضوابط تعين على تحديد المنهج الصّحيح في استقراء الأسماء الحسنى ، وعلى الحكم على أعيان الأسماء بالاعتبار أو عدمه ، ومنها : ـ
1 ـ أسماء الله ـ تبارك وتعالى ـ غير محصورة بعدد معيّن ؛ لما رواه الإمام أحمد بسنده عن ابن مسعود t مرفوعًا : (( أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ([38]) ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ العَظيمَ رَبِيعَ قَلْبِي )([39]) ، وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن أحدًا حصره ، ولا الأحاطة به ([40]) . وهذا قول جمهور العلماء . وحكى النّوويّ وابن القيّم اتّفاق العلماء عليه ([41]) . وفي حكاية الإجماع نظر ؛ لأنّ هناك من ذهب إلى أنّ أسماء الله محصورة في تسعة وتسعين اسمًا كابن حزم الأندلسيّ ، محتجًّا بالتأكيد في قوله e : ( مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا )([42]) ، فلو جاز أن يكون له اسم زائد على العدد المذكور للزم أن يكون له مائة اسم فيبطل الاستثناء ، ولأنّ الأسماء الحسنى الواردة نصًّا إذا استقرئت في القرآن وصحيح السنّة لم تزد عن العدد المذكور في الحديث ، وما يتخيّل زائدًا عليه لعلّه مكرّر معنًى وإن تغاير لفظًا ؛ كالغافر ، والغفّار ، والغفور ، فيكون المعدود من ذلك واحدًا فقط ([43]) .
2 ـ والحديث الَّذي استُدلّ به على الحصر لا حجّة فيه ؛ لأنّ المراد الإخبار عن دخول الجنّة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء ؛ أي أنّ الحصر في الحديث باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها فلا يلزم من ذلك ألاّ يكون هناك أسماء زائدة . وعلى هذا فيكون الحديث جملة واحدة ، وقوله : (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) صفة لا خبر مستقلّ . ونظير هذا أن تقول : عندي مائة درهم للصّدقة ، فلا يلزم من ذلك ألاّ يكون عندك دراهم أخرى للنّفقة ، والقنية ، والتجارة ، وغير ذلك ([44]) .
3 ـ أسماء الله تعالى لا تنحصر في الأسماء المفردة ؛ لأنّ هناك أسماء أخرى مضافة ، وردت في القرآن الكريم ، والسنّة النّبويّة الصّحيحة ، وثبت الدّعاء بها بإجماع المسلمين ؛ مثل : مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، أرحم الرّاحمين ، وخير الغافرين ، وربّ العالمين ، ومالك يوم الدِّين ، وأحسن الخالقين ، وجامع النّاس ليوم لا ريب فيه ، بديع السّموات والأرض ، ومقلّب القلوب ([45]) .
4 ـ ضرورة الالتزام بما ورد في القرآن والسنّة الصّحيحة من الأسماء ؛ لأنّ أسماء الله توقيفيّة ؛ فلا يسمّى الله إلاّ بما سمّى به نفسه ، أو سمّاه رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يجوز أن يدعى بما لم يرد من الأسماء ؛ سواء أكانت من أسماء المواضعة البشريّة المحضة ؛ كالجوهر ، والعقل ، والقائم بنفسه ، والموجب بالذات ، أم كانت مرادفة في الظّاهر لما ثبت من أسماء الله الحسنى ؛ كالعاقل ، والشّفوق ، والشّريف ، والسّخيّ ، أم كانت من أسماء الثّناء من غير اشتقاق من ألفاظ القرآن ؛ كقديم الإحسان ، ودائم المعروف ، والمأمول ([46]) .
5 ـ ما يطلق على الله تعالى من الأسماء لا بُدّ أن يكون في غاية الحسن ؛ لأنّ الله تعالى له أحسن الأسماء وأعلاها ؛ فلا يجوز أن يكون من أسمائه أعلام جامدة ؛ كاسم الدّهر ، لأنّه لا دلالة فيه على شيء من الحسن أصلاً ؛ ولا يجوز أن يعتبر منها ما ينقسم مدلوله إلى كامل وناقص ، وخير وشرّ ، كالموجود ، والذات ، والمريد ، والفاعل ، والصّانع ، وكذلك لا يجوز أن يعدّ منها ما لا يحمل معنى الكمال المطلق ؛ كالمنتقم ؛ فإنّه لا يدلّ على الكمال إلاّ إذا كان مخصوصًا مقيّدًا ([47]) .
6 ـ لا يجوز أن يشتقّ للربّ من كلّ فعل اسمًا ؛ لأنّ باب الأفعال والأخبار أوسع من باب الأسماء ؛ ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالاً ولم يتسم منها باسم الفاعل ؛ كأراد ، وشاء ، وأحدث ، ولم يسم بالمريد ، والشّائي ، والمحدث ، وكذلك أخبر عن نفسه بأفعال مقيّدة ، ولم يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيّدًا أن يشتقّ له منه اسم مطلق ؛ فأخبر أن يستهزيء ، ويمكر ، ويكيد ، ولا يجوز أن يسمّى بالمستهزئ ، ولا الماكر ، ولا الكائد ؛ ولهذا قال ابن القيّم : ( وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتقّ له من كلّ فعل اسمًا ، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف ؛ فسمّاه الماكر ، والمخادع ، والفاتن ، والكائد ، ونحو ذلك ))([48]) . والله أعلم ، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين


+++++




([1]) الحكمة في الاقتصار على هذا العدد المخصوص أنّ الأسماء ولو كثرت إلاّ أنّ معانيها موجودة في التّسعة والتّسعين المذكورة ، أو لكون هذا العدد أكثر الأسماء وأبينها معاني ، وذهب كثير من أهل العلم إلى أنّه تعبّد لا يعقل معناه ، كما يقال في عدد الصّلوات ونظائرها . وقيل غير ذلك ، والله أعلم . انظر : فتح الباري لابن حجر 11/220 ، 221 .

([2]) صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب التّوحيد ، باب ان لله مائة اسم إلاّ واحدة 13/377 ، صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب الذّكر والدّعاء ، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها 17/5 ، 6 .

([3]) دعاء العبادة هو القيام بأمر الله قولاً وعملاً ، وهذا القيام من حقوق أسماء الله الحسنى الَّتي يشملها معنى إحصائها . انظر : حاشية كتاب التّوحيد لابن قاسم ص114 ، القول المفيد لابن عثيمين 1/264 .

([4]) بدائع الفوائد لابن القيّم 1/164 ، وانظر : فتح الباري لابن حجر 11/225 ـ 227 ، 13/378 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص14 .

([5]) فتح الباري 11/226 .

([6]) صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب الذّكر والدّعاء ، باب في اسماء الله تعالى ، وفضل من أحصاها 17/5 ، وانظر : صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب الدّعوات ، باب لله مائة اسم غير واحدة 11/214 .

([7]) انظر : شرح صحيح مسلم للنّوويّ 17/5 ، فتح الباري لابن حجر 11/225 ، 226 .

([8]) فتح الباري 11/226 .

([9]) انظر : القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/319 .


([10]) انظر : فتح الباري 11/226 ، 227 .

([11]) انظر : القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/319 ، المعجم الوسيط ص180 .

([12]) انظر : النّهاية لابن الأثير 1/398 .

([13]) المسند للإمام أحمد ، باقي مسند الأنصار ، ح ( 1873 ، 21930 ) ، سنن ابن ماجه : كتاب الطّهارة ، باب المحافظة على الوضوء ، ح ( 277 ، 278 ) ، سنن الدارمي : كتاب الطّهارة ح ( 655 ) . يقول عبد القادر الأرنؤوط : هو حديث صحيح بطرقه . انظر : تخريج أحاديث جامع الأصول 9/395 .

([14]) انظر : النّهاية لابن الأثير 1/398 ، فتح الباري لابن حجر 11/225 .

([15]) انظر : فتح الباري لابن حجر 11/225 ، 226 .

([16]) الشّريعة ص122 .

([17]) المرجع السّابق ص122 ـ 129 .

([18]) انظر : سنن ابن ماجه : كتاب الدّعاء ، ح ( 3861 ) ؛ فتح الباري 11/215 ، 216 ، ضعيف الجامع الصّغير للألباني 2/177 ـ 181 .

([19]) سنن الترمذيّ ، كتاب الدّعوات ، ح ( 3507 ) ، وسيذكر الكلام على إسناده في صلب البحث .

([20]) مصباح الزّجاجة 3/207 .

([21]) انظر : فتح الباري لابن حجر 11/216 .

([22]) المرجع السّابق 11/215 .

([23]) انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 8/96 ، 97 ، 22/482 ، تفسير ابن كثير 2/269 ، فتح الباري لابن حجر 11/217 .

([24]) مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 22/482 .

([25]) سبل السّلام 4/166 .

([26]) انظر : فتح الباري 11/227 .
وهاتان الروايتان ذكرهما الحافظ ابن حجر ، وسكت عنهما . انظر : فتح الباري 11/227 . والأولى أخرجها أبو نُعيم عن ابن عَبَّاس وابن عمر . انظر : الدر المنثور للسّيوطي 3/148 ، ولم أقف على إِسناد هذه الرِّواية ، لأنّ الظّاهر أَنَّهَا في كتاب أفرده في الأسماء والصّفات لم أتمكّن من الاطّلاع عليه .
أمّا الثّانية فرواها الدارمي . انظر : الردّ على المريسي ( ضمن عقائد السّلف ) ص369 ، 370 ، وفي إسنادها الوليد بن مسلم فيحتمل أن يكون أدرج هذه الزِّيادة مع تعيين الأسماء ، والله أعلم .
وقد وجدت في تَفْسِير الطّبري رواية بلفظ : ( إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا كلّهنّ في القرآن ، مَنْ أَحْصَاهُن دَخَلَ الْجَنَّةَ ) . انظر : تَفْسِير الطّبري 15/183 . ولكن في إسنادها حمّاد بْن عيسى الجهني ، وهو ضعيف ، بل وصفه بعض علماء الجرح والتّعديل بالدجّال . انظر : الجرح والتّعديل 3/145 ، الضّعفاء لأبي نُعيم 1/74 ، الضّعفاء لابن الجوزي 1/234 ، تقريب التّهذيب 1/197 .

([27]) انظر : تفسير ابن كثير 2/269 ، فتح الباري لابن حجر 11/217 ، 218 ، 219 .

([28]) انظر : فتح الباري 11/217 . وقد عزا ما ذكره عن ابن حزم إلى المحلّى ، فرجعت إليه فوجدته يذكر أنّه تقصّى الأسماء الحسنى في كتاب الاتصال . انظر : المحلّى 1/30 . والظّاهر أنّه من كتب ابن حزم المفقودة . انظر : ابن حزم وموقفه من الإلهيّات للدّكتور أحمد الحمد ص71 ، والقسم الأوّل من كتاب الدرّة ، الدِّراسة ص85 ، للدّكتور أحمد الحمد .

([29]) فتح الباري 11/217 .



([31]) انظر : القواعد المثلى لابن عثيمين ص15 ، 16 .

([32]) انظر : فتح الباري 11/218 ، 219 .

([33]) فتح الباري 11/219 .

([34]) القواعد المثلى لابن عثيمين ص15 .

([35]) المرجع السّابق .

([36]) إيثار الحقّ على الخلق ص163 . وقد ذكر ابن القيّم وغيره أنّ من اشتق له من كلّ فعل اسمًا بلغ بأسمائه زيادة على الألف . انظر : مدارج السّالكين 3/415 ، فتح الباري 11/220 .

([37]) انظر : إيثار الحقّ على الخلق ص159 ، 160 ، 163 .

([38]) في الرّواية إشكال ، فإنّه جعل ما أنزله في كتابه ، أو علّمه أحدًا من خلقه ، أو استأثر به في علم الغيب عنده قسيمًا لما سمّى به نفسه ، ومعلوم أنّ هذا تقسيم وتفصيل لما سمّى به نفسه ، فوجه الكلام أن يقال : سمّيت به نفسك ، فأنزلته في كتابك ، أو علّمته أحدًا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك . وجواب هذا الإشكال أن ( أو ) حرف عطف ، والمعطوف بها أخصّ ممّا قبله ، فيكون من باب عطف الخاصّ على العامّ ، فإنّ ما سمّى به نفسه يتناول جميع الأنواع المذكورة بعده ، فيكون عطف كلّ جملة منها من باب عطف الخاص على العامّ . وعطف بـ ( أو ) دون ( الواو ) مع أنّه المعهود في عطف الخاص على العام؛ لبناء الكلام على التّقسيم والتّنويع ؛ والمعنى : سمّيت به نفسك فإما أنزلته في كتابك ، وإمّا علّمته أحدًا من خلقك ، وإمّا استأثرت به في علم الغيب عندك . انظر : شفاء العليل لابن القيّم ص457 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/166 .

([39]) المسند ، مسند المكثرين من الصّحابة ، ح ( 4306 ) . قال الألباني : حديث صحيح . انظر : سلسلة الأحاديث الصّحيحة 1/336 ـ 342 ح ( 199 ) .

([40]) انظر : القواعد المثلى لابن عثيمين ص13 ، 14 .

([41]) انظر : شرح صحيح مسلم للنّوويّ 17/5 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/167 ، فتح الباري لابن حجر 11/220 .

([42]) تقدّم تخريجه أول البحث .

([43]) انظر : المحلّى لابن حزم 1/30 ، الدرّة لابن حزم ص239 ـ 243 ، فتح الباري لابن حجر 11/221 .

([44]) انظر : شرح صحيح مسلم للنّوويّ 17/5 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/167 ، فتح الباري لابن حجر 11/220 ، 221 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص14 .

([45]) انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 22/485 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص16 ، المنهاج الأسنى لزين شحاته 1/66 ، 67 .

([46]) انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 ، 168 ، 169 .

([47]) انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 8/96 ، مدارج السّالكين لابن القيّم 3/415 ، 416 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/116 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص9 .

([48]) مدارج السّالكين 3/415 ، وانظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 ، فتح الباري لابن حجر 11/223 .
 
بارك الله فيك على هذا الموضوع الماتع وجعله في ميزان حسناتك ، وقد استطعت مؤخرا الحصول على كتاب محمود عبد الرازق الرضواني في الموضوع نفسه ، وقمت برفع نسخة ألكترونية منه في هذا المنتدى ، لعل الاطلاع عليه يثري موضوعك .

راجع هنا : http://vb.tafsir.net/tafsir28637/#post160224
 
فتح الله عليكم ووفقكم يا أبا عبدالله ، وزادكم بسطة في العلم .
لقد استفدت كثيراً من قراءة كتابكم (دلالة الأسماء الحسنى على التنزيه) الذي صدر مؤخراً . وأوصي الزملاء بقراءته .
 
وبارك الله فيكم وفتح عليكم وأرجو أن أتمكن من الاطلاع على الكتاب المذكور في أقرب فرصة إن شاء الله تعالى
 
حياك الله ياأخ نسيم وشكرا لاهتمامك وغيرتك النابعة من حرصك على تحقيق توحيد الألوهية كما يدل لذلك كلامك ولاشك أن كل مسلم غيور يسوؤه مايراه ويسمعه من كثير من المسلمين من تشفع وتوسل شركي ؛ فالشفاعة لاتطلب إلا من الله وحده لامن نبي ولامن ولي ، والله لايقبل الشفاعة إلا من أهل التوحيد وفي أهل التوحيد !
أما ماذكرته فلاشك أنه لم يغب ولم يهمله العلماء وقد أشرت في البحث إلى أن من العلماء من اشتق من الأفعال الربانية أسماء لله عز وجل حتى بلغ الألف وزيادة ؛ كالمطعم والمجير والمرجو ، ولكن هذا المسلك غير مسلم لأن أسماء الله حسنى وليست حسنة فحسب أي بالغة أقصى وأعلى درجات الحسن ومايليق بالله لايعلمه إلا الله ( لاأحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) ولهذا قرر أهل العلم أن أسماء الله توقيفية !
ولأننا لو أجزنا اشتقاق الأسماء من الأفعال للزمنا التسمية بنحو الماكر والكائد ، وهو خطأ قبيح قال ابن القيّم : ( وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتقّ له من كلّ فعل اسمًا ، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف ؛ فسمّاه الماكر ، والمخادع ، والفاتن ، والكائد ، ونحو ذلك ) .
وأود أن أطمئنك وأطمئن الغيورين أمثالك أن عقيدتنا محررة مقررة وإنما ظهر ما أشرتم إليه من خلل في المسلمين بسبب أهل البدع ؛ فمن المعروف تاريخيا أن الدولة العبيدية كان لها الدور الرئيس في نشر كثير من مظاهر الشرك ! ولازال العلماء الصادقون والدعاة الناصحون على مدى القرون يجاهدون في سبيل رد المسلمين إلى التوحيد الذي جاءت به الرسل بريئا عن شوائب الشرك وعلائقه .
 
4 ـ ضرورة الالتزام بما ورد في القرآن والسنّة الصّحيحة من الأسماء ؛ لأنّ أسماء الله توقيفيّة ؛ فلا يسمّى الله إلاّ بما سمّى به نفسه ، أو سمّاه رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يجوز أن يدعى بما لم يرد من الأسماء ؛ سواء أكانت من أسماء المواضعة البشريّة المحضة ؛ كالجوهر ، والعقل ، والقائم بنفسه ، والموجب بالذات ، أم كانت مرادفة في الظّاهر لما ثبت من أسماء الله الحسنى ؛ كالعاقل ، والشّفوق ، والشّريف ، والسّخيّ ، أم كانت من أسماء الثّناء من غير اشتقاق من ألفاظ القرآن ؛ كقديم الإحسان ، ودائم المعروف ، والمأمول ([46]) .

([46]) انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 ، 168 ، 169 .

QUOTE]

إسمح لي أخي الدكتور عيسى بالملاحظة التالية تأييدا لقولك أن أسماء الله توقيفية :

أورد الدكتور الرضواني في كتابه الذي أشرت إليه في مشاركتي السابقة أعلاه مناظرة طريفة بين الإمام أبي الحسن الأشعري وشيخه أبي على الجبائي " حول منهج ( طريقة ) كل منهما في اعتماد أسماء الله الحسنى ، وتمييز ما يصح منها مما لا يصح . يقول الرضواني ممهدا :
..." علماء الأمة اتفقوا على اختلاف مذاهبهم على أنه يجب الوقوف على ما جاء في الكتاب والسنة بذكر أسماء الله U نصا دون زيادة أو نقصان، وأن أسماء الله الحسنى توقيفية على النص لا مجال للعقل فيها، وأن العقل لا يمكنه بمفرده أن يتعرف على أسماء الله U التي تليق بجلاله؛ ولا يمكنه أيضا إدراك ما يستحقه الرب U من صفات الكمال والجمال فتسمية رب العزة والجلال بما لم يسم به نفسه قول على الله بلا علم وهو أمر حرمه الله على عباده كما قال U في كتابه: } قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ { [الأعراف:33]، وقال: } وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا { [الإسراء:36] ."

ثم يقول :
" وقد اشتهرت في ذلك مناظرة بين الإمام أبي الحسن الأشعري وشيخه أبي على الجبائي عندما دخل عليهما رجل يسأل: هل يجوز أن يسمى الله تعالى عاقلا؟ فقال أبو علي الجبائي: لا يجوز؛
لأن العقل مشتق من العقال وهو المانع، والمنع في حق الله محال فامتنع الإطلاق، فقال له أبو الحسن الأشعري: فعلى قياسك لا يسمى الله سبحانه حكيما؛ لأن هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج، ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت t:

فنحكم بالقوافي من هجانا : ونضربُ حين تختلط الدماء .


وقول الآخر:
أبني حنيفة حكموا سفهاءكم : إني أخاف عليكمُ أن أغضبا .
والمعنى نمنع بالقوافي من هجانا، وامنعوا سفهاءكم؛ فإذا كان اللفظ مشتقا من المنع والمنع على الله محال لزمك أن تمنع إطلاق حكيم على الله تعالى، فلم يجب الجبائي إلا أنه قال لأبي الحسن لأشعري: فلم منعت أنت أن يسمى الله عاقلا وأجزت أن يسمى حكيما؟ قال الأشعري: لأن طريقي في مأخذ أسماء الله U الإذن الشرعي دون القياس اللغوي؛ فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه ولو أطلقه الشرع لأطلقته " (1)

1. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/358 .


المرجع المذكور أعلاه للدكتور محمود عبد الرازق الرضواني ، ص 6- 7.
 
أكرمَك الله أستاذ عيسى وبُورِك فيكَ على إنصافِك...
ما استوقفني أستاذ عيسى كَون اسم "الشَّفيع" ليس مُشتقا كَما تفضّلت من إيراد اسم "المُطعِم" و "الكائد"؛ بل هُو واضِح في كتاب الله تعالى وُضوحَ النَّهار؛ ومَع ذَلك تَجدُه غائبا على الأقل عَن قائمة التسع والتسعين المَعرُوفَة! وإلصاقه برسول الله صلى الله عليه وسلَّم في أكثَر مِن مَوطن وبأكثَر من اعتبار؛ بل حتّى بغيره من الأولياء والوالِدين والله المُستَعان! وكذا اسم "المُنذر" الوارِد بوُضوح في سورة الدخان في قوله تعالى: (إنا كُنَّا مُنذِرين) لا تَسمَع لَه رِكزا؛ في المُقابِل تَسمَع عَن "الرَّشيد" و "الصَّبُور" ولَم يَردا (حسب علمي) في كتاب الله تعالى منسوبَين للباري!
هذا ما تعجَّبتُ مِنه واستيقنت أكثَر وأكثَر من تأثير الرِّوايات الرَّهيب على الفِكر الإسلامي والعَقيدَة الإسلاميَّة. وكيف أنَّ حُلولَها محلَّ البيِّنات القُرآنيَّة؛ أو على الأقل وَضعها جَنبا إلى جَنب مَعه طمَس كثيرا مِن المعالِم الصَّافيَة لما يَنبَغي أن يكُون عليه المُؤمن الحق.
دَوما أقُول وبقُوَّة أنِّي لستُ أدعُو إلى إلغاء الموروث الروائي أو التَّفسيري أو حتَّى التَّاريخي جُملَة وتفصيلا كما يدعُو البَعض بجَهل! ولَكن أقُول فقَط أن تُحفظ مقاماتُها المَنهجيَّة فلا تُساوَى بِحال مِن الأَحوال مَع قطعيَّات كتاب الله تعالى الذي هُو الفيصل والحَكم والمَوئل في الأولى والآخِرَة! والله أعلَم وأحكَم
ذَكَرت أستاذ "عيسى" تقسيما من ألف اسم لله تعالى منسوبا لابن الوَزير؛ في أيِّ مَصدر ورَد ذَلك حتَّى نستفيدَ منه؟ وجزاك الله وبلَّغك نيَّتك.

الأخ الكريم نسيم حفظك الله ورعاك
أرجو منك رجاء مؤدبا أن تشرح لنا أكثر، كيف يكون الشفيع من أسماء الله تعالى، فإن ذلك لم يتضح لي فعلا.
 
أستاذي الدكتور محيي الدين سلام الله عليك؛ حيَّاك الله وبيَّاك وجَعل الجنَّة مثواك...
وبعد؛ فهنالِك آيات واضِحة مُحكمَة في كتاب الله تسِمُ الباري عزَّ وجل ب "الشَّفيع" منها:
قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) [يونس : 3].
وقوله: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ) [السجدة : 4].
وقوله في سورة الأنعام: (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام : 51].
وفي نفس السُّورة نقرأ قوله تعالى: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ) [الأنعام : 70].
فالشَّفيع أصالَة هُو الله تَعالى؛ والشَّفاعَة تتضمَّن مَعنى التّدخُّل للإنقاذ مِن ضُر دُنيَوي أو أُخرَوي؛ وأمَّا شَفاعَة غير الله تَعالى (من الملائِكة حَصرا كما هو استقراء القُرآن) فلا تكُون إلا بعد شفاعة الباري سُبحانَه ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)[الأنبياء : 28]. وهي استئذانُهم من الخالِق سبحانه في مُرافقة السَّعداء (وهُم المتَّقين التَّائبين حصرا كذلك) في أرض المَحشر؛ بعد تبشيرِهم وإطماعهم بدخول الجنَّة جعلنا الله من أهلها جميعا.
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) [فصلت : 30].
وعلى كُلّ فلي بحث خاص في موضوع الشَّفاعة حاولت أن أقف على جميع آيات الشفاعة في القرآن سأرسله لك في رسالة خاصة أرجو أن يفيدَك؛ وجزيت خيرا.

أخي الكريم نسيم سلمك الله وعافاك
لقد قرأت مقالك حول الشفاعة في القرآن الكريم، وأشكرك على إتحافي بذلك المقال الرائع، وأوافقك في كثير من النقاط، إلا أن قولك بأن الشفيع من أسماء الله الحسنى، مازال يحتاج إلى مزيد من البحث ومراجعة النظر، فإن الآيات التي ذكرتها مثل قوله تعالى: لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ [الأنعام : 70]، ليست في معرض إثبات الشفاعة لله، وإنما في معرض نفي الشفاعة عن الذين نسب إليهم الشفاعة، ولتقرير أن عذاب الله إذا حق على أحد، فلا يمكن لأحد أن يقف دون الله ليمنع الله عزوجل من تنفيذه قراره. وذلك يتبين أكثر إذا نظرنا إلى الآيات الأخرى التي جاءت بتعبيرات أخرى لتؤدي نفس هذا المعنى، يقول الله تعالى: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا [نوح:25] ويقول: وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ[الشورى:31] ويقول: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18] ويوضح ذلك أكثر قوله تعالى: لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ [النجم:58]. فإن كلمات الولي والحميم والنصير والشفيع والكاشف في سياق عذاب الله تؤدي معنى واحدا وهو استحالة نجاة من حق عليهم العذاب سواء كان عن طريق ولي أو حميم أو نصير أو شفيع أو كاشفة.
وإذا نظرنا ثانيا في الاستخدام القرآني وجدنا أن الله عزوجل نسب بعض هذه إلى نفسه صراحة، فقال تعالى: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الأنفال:40]، وقال تعالى: فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ [الشورى:9] ولكن لم ينسب إلى نفسه في القرآن الكريم وصف الشفيع ولا وصف الحميم، وكذلك لم ينسب إلى نفسه وصف الكاشف في سياق عذاب الآخرة، وأما قوله تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا[الزمر:44]، فهو مثل قوله تعالى: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا[الرعد:31]. أي أن الله هو الذي يملك أمر الشفاعة كما يملك كل الأمور.
ومازلت في بحث بنفسي وانتظار من قبلك لأجد تعبيرا قرآنيا واحدا غير محتمل يثبت أن الشفيع من أسماء الله عزوجل. وبالله التوفيق.
 
عودة
أعلى