السلام عليكم وعلى من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته أما بعد: فاني أعظكم وأعظ نفسي أن نكونوا من الجاهلين فما كان لنبي أن يؤته الله الكتاب والحكمة والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا عقلانيين
بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولايأمركم أن تتخذو الملائكة والنبيين أربابا من دون الله أيأمركم بالكفر بعداسلامكم ....
لدي الكثير من التساؤلات سأطرح بعضها وأرجوا من الجميع المشاركة بآرائهم السؤال الاول: هل يجوز أن نتفكر ونتساءل من هو الله الذي نعبده علما انه قال لنا في آخر سورة الحج ان علينا أن نجاهد في الله حق جهاده وبدون أي حرج في الدين ملة ابينا ابراهيم
وذكر في مواضع كثيرة ان علينا ان نتبع ملة ابينا ابراهيم والتي يحددها القران العظيم بعدة نقاط اهمها انه ظل يتفكر ويبحث عن ربه حتى هداه اليه السؤال الثاني :
ما الفرق بين القرآن العظيم والفرقان علما أن القرآن العظيم والتوراة والانجيل فيها هدى ونور بينما لايوجد هدى ونور في الفرقانا انما ضياء وأن الكتب السماوية الثلاثة المعروفة جاءت مصدقتا لما قبلها في حين لم يذكر أن الفرقان مصدق لها وان الفرقان أنزل على موسى وعلى محمد رحمهم الله وأنه بالامكان أن ينزل على المؤمنين حيث
يقول الله سبحانه وتعالى :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48 السؤال الثالث : عندما يذكر في القرآن الكريم جماعة من أصل بني آدم يقال عنهم آل مثل آل ابراهيم وآل عمران ....الخ وحين تذكر جماعة متعلقة باسرائيل يقال عنهم انهم بني اسرائيل
وليس آل اسرائيل علما أنه عندما يذكر يعقوب يقال آل يعقوب وليس بني يعقوب وهذا يدعوني للشك في ان يعقوب رحمه الله ليس هو اسرائيل نفسه .. وكأن بني اسرائيل
جنس يختلف عن جنس بني ادم ولو بقدر بسيط يتعلق بالجينات الوراثية ومما يدعم شكي قوله تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ
نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فلو كان اسرائيل هو يعقوب لكان من ذرية ابينا ابراهيم ولما كان هناك داعي ليقول الله عز وجل من ذرية ابراهيم واسرائيل لانه عندما قال من ذرية ابراهيم فانه شمل
يعقوب وذريته والله اعلم السؤال الرابع : لماذا رتب القرآن العظيم بهذا الشكل والطريق المختلفة جزريا عن طريقة ترتيبه فيما لو رتبت آياته كما نزلة على محمد رحمه الله واذا كان القرآن العظيم كتالبا فلماذا لايقرأ كما تقرأ الكتب من بدايتها الى نهايتها بحيث يكون سلسلة أفكار مترابطة.... وانما يقرآ كأفكار غير مترابطه ويأخذ على شكل أجزاء علما أن الله سبحانه وتعالى يقول : ) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93
السؤال الخامس : من هو الرسول الذي قال يارب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا علما أن قوم محمد رحمه الله لم يتخذو القرآن مهجورا ولو كان يشير الى زمان غير زمانه لقال ان
أمتي اتخذت هذا القران مهجورا وليس قومي اتخذو هذا القرآن مهجورا وما هو تفسير هذه الية .... من هم النبيون ومن هو الرسول . وما الفرق بين النبي والرسول؟ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا
وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ أكتفي بهذا القدر من الأسئلة وأنتظر من حضرتكم أجوبة منطقية على أسئلتي وفي حال عدم وجود أجوبة شافية أدعوكم الى الاعجاب بصفحتي على الفيس بك وهي
(الفرقان روح الكتب السماوية) لنتدبر سويا كتب الله عسى أن يؤتينا فرقانا من عنده يخرج البشرية من الظلمات الى النور وليكن شعارنا : ربنا أدخلنا مدخل صدق وأخرجنا مخرج صدق واجعل لنا من لدنك سلطاناً نصيرا... جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.. والصفحة على الربط التالي:
وآخر الحديث دعائي المفضل وهو ربنا هب لنا من لدنك علماً وحكمةً ورحمةً وفرقاناً انك أنت الوهاب الرحمن...واهدنا الى سراطك المستقيم انك أن الهاد .... وعلمنا تأويل الكتاب والاحاديث... لنا وللخلق أجمعين لنا ولكل العالمين... ربي اغفر لي ولوالدي .. ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا.. وإهدهم سراطكَ المُستقيما... وآتهم من لدنك سلطانا نصيرا... واجعا لهم ضياءً منيرا ... والحمد لله رب العالمين
اخي الكريم ماذكره القرآن عن ملة ابراهيم هو أمر واضح وهو توحيد الله عز وجل ولم يشك إبراهيم أو يبحث عن الله بين الكواكب أو النجوم، وإنما كان يخاطب قوماً -بطريقة التقريب والمثال والبيان- كانوا يعبدون الكواكب والنجوم، ويؤلهون الإحجار التي اضلت كثيرا من الناس كما قال الخليل ابراهيم عليه السلام
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج5:"... ولا كان قوله: {هَـذَا رَبِّي} [الأنعام:77] إنه رب العالمين، ولا اعتقد أحد من بني آدم أن كوكبًا من الكواكب خلق السموات والأرض، وكذلك الشمس والقمر، ولا كان المشركون قوم إبراهيم يعتقدون ذلك، بل كانوا مشركين باللّه يعبدون الكواكب، ويدعونها، ويبنون لها الهياكل، ويعبدون فيها أصنامهم، وهو دين الكلدانيين والكشدانيين والصابئين المشركين، لا الصابئين الحنفاء، وهم الذين صنف صاحب [السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم] كتابه على دينهم.
/وهذا دين كان كثير من أهل الأرض عليه بالشام والجزيرة والعراق وغير ذلك، وكانوا قبل ظهور دين المسيح ـ عليه السلام ـ وكان جامع دمشق وجامع حران وغيرهما موضع بعض هياكلهم؛ هذا هيكل المشتري، وهذا هيكل الزهرة.
وكانوا يصلون إلى القطب الشمالي، وبدمشق محاريب قديمة إلى الشمال. والفلاسفة اليونانيون كانوا من جنس هؤلاء المشركين يعبدون الكواكب والأصنام، ويصنعون السحر، وكذلك أهل مصر وغيرهم. وجمهور المشركين كانوا مقرين برب العالمين، والمنكر له قليل، مثل فرعون ونحوه.
وقوم إبراهيم كانوا مقرين بالصانع، ولهذا قال لهم إبراهيم الخليل: {قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 75-77] فعادى كل ما يعبدونه إلا رب العالمين، وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ} [الممتحنة: 4]، وقال الخليل ـ عليه السلام ـ: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:95 ،96]، وقال تعالى في سورة الأنعام: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام:78-82]، قال اللّه تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:83].
وقال شيخ الاسلام ج17:" وإنما المقصود أن أصل الشرك في العالم كان من عبادة البشر الصالحين، وعبادة تماثيلهم، وهم المقصودون. ومن الشرك ما كان أصله عبادة الكواكب: إما الشمس وإما القمر وإما غيرهما، وصورت الأصنام طلاسم لتلك الكواكب. وشرك قوم إبراهيم ـ والله أعلم ـ كان من هذا، أو كان بعضه من هذا. ومن الشرك ما كان أصله عبادة الملائكة أو الجن، وضعت الأصنام لأجلهم، وإلا فنفس الأصنام/الجمادية لم تعبد لذاتها، بل لأسباب اقتضت ذلك"
وقال في ج16:"إنه ناظر المشركين بعبادة من لا يوصف بصفات الكمال. فقال لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} [مريم: 24]. وقال لأبيه وقومه: {مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} إلى قوله:{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: 70 - 81]، إلى آخر الكلام.
وقال:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79]، وقال: {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 26 - 28].
فإبراهيم دعا إلى الفطرة.وهو عبادة اللّه وحده لا شريك له.وهو الإسلام العام، والإقرار بصفات الكمال للّه، والرد على من عبد من سلبها.
فلما عابهم بعبادة من لا علم له ولا يسمع ولا يبصر قال: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفي عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} [إبراهيم: 38، 39].
/ ولما عابهم بعبادة من لا يغنى شيئًا فلا ينفع ولا يضر قال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 78 - 82].
فإن الإنسان يحتاج إلى جلب المنفعة لقلبه وجسمه، ودفع المضرة عن ذلك. وهو أمر الدين والدنيا.
فمنفعة الدين الهدى، ومضرته الذنوب، ودفع المضرة المغفرة؛ ولهذا جمع بين التوحيد والاستغفار في مواضع متعددة"
وقال ج16:"وقد أمـره الله بالبراءة من كل معبود سواه. وهذه ملة إبراهيم الخليل، وهو مبعوث بملته. قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 26 ،28].
وقال الخليل أيضًا: {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 78 ،79]، وقال: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
وقال لنبيه: {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس: 41]. فقد أمره الله أن يتبرأ من عمل كل من كذبه، وتبريه هذا يتناول المشركين وأهل الكتاب"
وقال ج16:"فاليهود والنصارى ليسوا على ملة إبراهيم، وإذا لم يكونوا على ملته، لم يكونوا يعبدون إله إبراهيم. فإن من عبد إله إبراهيم كان على ملته، قال تعالى: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ـ إلى قوله ـ: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 135 ،137]، فقوله: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيم}، يبين أن ما عليه اليهود والنصارى ينافي ملة إبراهيم.
وهذا بعد مبعث محمد مما لا ريب فيه، فإنه هو الذي بعث بملة إبراهيم. والطائفتان كانتا خارجتين عنها بما وقع منهم من التبديل. قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} [آل عمران: 68]، وقال: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ّ} الآية [الأنعام: 161].
وقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123].
وقوله: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ}، يبين / أن كل من رغب عنها فقد سفه نفسه" .
.
وقال في ج16:" فإن إبراهيم صاحب الملة وإمام الأمة. قال اللّه تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123]، وقال: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: 125] وقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا} [النحل: 120]، وقال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124].
وقال ج15:" وذلك أن نوحًا أول رسول بعث إلى المشركين، وكان مبدأ شركهم من تعظيم الموتى الصالحين. وقوم إبراهيم مبدأه من عبادة الكواكب، ذاك الشرك الأرضى، وهذا السماوى؛ ولهذا سد صلى الله عليه وسلم ذريعة هذا وهذا"
وقال ج6:"ولكن إبراهيم ـ عليه السلام ـ لم يقصد بقوله: {هَـذَا رَبِّي} أنه رب العالمين، ولا كان أحد من قومه يقولون: إنه رب العالمين، من تجويز ذلك عليهم، بل كانوا مشركين، مقرين بالصانع، وكانوا يتخذون الكواكب والشمس والقمر أربابًا يدعونها من دون الله ويبنون لها الهياكل، وقد صنفت في مثل مذهبهم كتب: مثل كتاب السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم وغيره من الكتب.
ولهذا قال الخليل: {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:75 ـ77]، وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4]؛ ولهذا قال الخليل في تمام الكلام: {إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:78، 79].
بين أنه إنما يعبد الله وحده فله يوجه وجهه، إذا توجه قصده إليه: يتبع قصده وجهه، فالوجه توجه حيث توجه القلب، فصار قلبه وقصده ووجهه متوجهًا إلى الله ـ تعالى ـ ولهذا قال: {وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} لم يذكر أنه أقر بوجود الصانع فإن هذا كان معلومًا عند قومه، لم يكونوا ينازعونه في وجود فاطر السموات والأرض، وإنما كان النزاع في عبادة غير الله، واتخاذه ربا، فكانوا يعبدون الكواكب السماوية ويتخذون لها أصنامًا أرضية.
وهذا النوع الثاني من الشرك،فإن الشرك في قوم نوح كان أصله من عبادة الصالحين ـ أهل القبور ـ ثم صوروا تماثيلهم، فكان شركهم بأهل الأرض؛إذ كان الشيطان إنما يضل الناس بحسب الإمكان فكان ترتيبه، أولا الشرك بالصالحين أيسر عليه.
ثم قوم إبراهيم انتقلوا إلى الشرك بالسماويات، بالكواكب، وصنعوا لها الأصنام بحسب ما رأوه من طبائعها، يصنعون لكل كوكب طعامًا وخاتمًا وبخورًا وأموالاً تناسبه، وهذا كان قد اشتهر على عهد إبراهيم إمام الحنفاء؛ ولهذا قال الخليل: {مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:85-87]، وقال لهم: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 95، 96]، وقصة إبراهيم قد ذكرت في غير موضع من القرآن مع قومه، إنما فيها نهيهم عن الشرك، خلاف قصة موسى مع فرعون، فإنها ظاهرة في أن فرعون كان مظهرًا الإنكار للخالق، وجحوده.
وقد ذكر الله عن إبراهيم أنه حاج الذي حاجه في ربه في قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:258]، فهذا قد يقال: إنه كان جاحدًا للصانع، ومع هذا فالقصة ليست صريحة في ذلك، بل يدعو الإنسان إلى عبادة نفسه وإن كان لا يصرح بإنكار الخالق، مثل إنكار فرعون.
وبكل حال، فقصة إبراهيم إلى أن تكون حجة عليهم، أقرب منها إلى أن تكون حجة لهم، وهذا بين ـ ولله الحمد ـ بل ما ذكره الله عن إبراهيم يدل على أنه كان يثبت ما ينفونه عن الله، فإن إبراهيم قال:{إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} [إبراهيم: 39]، والمراد به: أنه يستجيب الدعاء، كما يقول المصلى: سمع الله لمن حمده، وإنما يسمع الدعاء ويستجيبه بعد وجوده؛ لا قبل وجوده، كما قال الله تعالى:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1].
فهي تجادل وتشتكي حال سمع الله تحاورهما، وهذا يدل على أن سمعه كرؤيته المذكورة في قوله:{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] وقال:{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس:14] فهذه رؤية مستقلة ونظر مستقل، وقد تقدم أن المعدوم لا يرى ولا يسمع منفصلاً عن الرائي السامع باتفاق العقلاء، فإذا وجدت الأقوال والأعمال سمعها ورآها"
وقال ج7:"فإن جحود الصانع لم يكن دينًا غالبًا على أمة من الأمم قط، وإنما كان دين الكفار الخارجين عن الرسالة هو الإشراك، وإنما كان يجحد الصانع بعض الناس، وأولئك كان علماؤهم من الفلاسفة الصابئة المشركين، الذين يعظمون الهياكل والكواكب والأصنام، والأخبار المروية من نقل أخبارهم وسيرهم كلها تدل على ذلك، ولكن فرعون موسى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54] وهو الذي قال لهم ـ دون الفراعنة المتقدمين ـ: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38]، ثم قال لهم بعد ذلك:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات: 24، 25] نكال الكلمة الأولى، ونكال الكلمة الأخيرة، وكان فرعون في الباطن عارفًا بوجود الصانع وإنما استكبر كإبليس وأنكر وجوده، ولهذا قال له موسى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ} [الإسراء: 102] فلما أنكر الصانع، وكانت له آلهة يعبدها بقى على عبادتها ولم يصفه الله ـ تعالى ـ بالشرك، وإنما وصفه بجحود الصانع وعبادة آلهة أخرى"