ولقد كرمنا بني آدم . للقشيري رحمه الله

إنضم
26/11/2008
المشاركات
117
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
قفار - حائل
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ (70) الإسراء

المراد من قوله: { بَنِى آدَمَ } هنا المؤمنون لأنه قال في صفة الكفار : { وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِّن مُّكْرِمٍ } [ الحج : 18 ]
والتكريم التكثير من الإكرام ، فإذا حَرَمَ الكافرَ الإكرامَ . . . فمتى يكون له التكريم؟
ويقال إنما قال: { كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ } ولم يقل المؤمنين أو العابدين أو أصحاب الاجتهاد،
توضيحاً بأن التكريم لا يكون مقابلَ فِعْلِ ، أو مُعَلَّلاً بِعِلةٍ ، أو مُسَبّباً باستحقاقٍ يوجب ذلك التكريم .
ومن التكريم أنهم متى شاءوا وقفوا معه على بساط المناجاة .
ومن التكريم أنه على أي وصف كان من الطهارة وغيرها إذا أراد أن يخاطبه خَاطَبَه ، وإذا أراد أن يسأل شيئاً سأله .
ومن التكريم أنه إذا تاب ثم نقض توبته ثم تاب يقبل توبته ، فلو تكرر منه جُرْمُه ثم توبته يضاعف له قبولَه التوبة وعفوَه .
ومن التكريم أنه إذا شَرَعَ في التوبة أَخَذَ بيده ، وإذا قال : لا أعود - يقبل قولَه وإِنْ عَلِمَ أنه ينقض توبته .
ومن التكريم أنه زَيَّنَ ظاهرَهم بتوفيق المجاهدة ، وحَسَّنَ باطنَهم بتحقيق المشاهدة .
ومن التكريم أنه أعطاهم قبل سؤالهم ، وغفر لهم قبل استغفارهم ، كذا في الأثر : « أعطيكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني » .
ومن تكريم جملتهم أنه قال لهم : { فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] ولم يقل ذلك للملائكة ولا للجن .
وكما خَصّ بني آدم بالتكريم خصَّ أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - منهم بتكريم مخصوص ، فمن ذلك قوله تعالى : { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] و { رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } [ المائدة : 119 ] وقوله { وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ } [ البقرة : 165 ] .
ومن التكريم قوله :{ ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً } [ النساء : 110 ]
ومن التكريم ما ألقى عليهم من محبة الخالق حتى أحبوه .
ومن التكريم لقوم توفيقُ صِدْق القَدَم ، ولقوم تحقيقُ علوِّ الهِمَم .

تفسير القشيري رحمه الله .


من له إضافة أو تعقيب أو فائدة حول هذه الآية فلا يبخل علينا . زادكم الله توفيقاً وعلما نافعا وعملا صالحا .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليق على كلام القشيري
المراد من قوله: { بَنِى آدَمَ } هنا المؤمنون لأنه قال في صفة الكفار : { وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِّن مُّكْرِمٍ } [ الحج : 18 ]
والتكريم التكثير من الإكرام ، فإذا حَرَمَ الكافرَ الإكرامَ . . . فمتى يكون له التكريم
لو أكلمنا الآية لعرفنا من المقصود بها قال الله تعالى
(( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ))
فقد عطف على التكريم العام تكريمين خاصين
التكريم الأول : الحمل في البر والبحر وهو يكون للبر والفاجر
التكريم الثاني : الرزق من الطيبات وهو كذلك للبر والفاجر
ولعل هذين التكريمين يشكلان قرينة متصلة على أن التكريم السابق والتفضيل اللاحق لا علاقة لهما بالإيمان وإنما هما للإنسان بما هو إنسان وبهذا الفهم يرتفع المرجح الذي ذكره القشيري أو يرتفع باختلاف وقتيهما إلم نقل باختلاف نوعيهما كما في الجواب الأول لارتفاع المقتضي لذلك وهو الفطرة الإيمانية عند بني آدم فيكون كقوله تعالى (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ*ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ )) بعد كفره ومعصيته فكان مكرما في وقت ومهان في وقت آخر والله العالم
 
التعديل الأخير:
عامة المفسرين سلفا وخلفا على أن الآية عامة في بني آدم برهم وفاجرهم، فالتكريم المذكور حاصل لجنس البشر وسياق الآية دال عليه، وهو الامتنان والتذكير بما يجب أن يكون عليه هذا الإنسان.

وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله كلاما يشير فيه إلى هذا القول والجواب عنه إذ قال:
" فإن قيل: كيف أطلق ذكر الكرامة على الكل، وفيهم الكافر المُهان؟
فالجواب من وجهين. أحدهما: أنه عامل الكل معاملة المكرَم بالنعم الوافرة. والثاني: أنه لما كان فيهم من هو بهذه الصفة، أجرى الصِّفة على جماعتهم، كقوله: (كنتم خير أُمة أُخرجت للناس) "ا.ه. زاد المسير
 
يقول د. أحمد رجب الأسمر في كتابه ( النبي المربي) :
(وهذا التكريم يحمل معاني : العزة والمنعة .. والحصانة والحماية والرفعة والتقدير لهذا المخلوق .. الأمر الذي يعني صيانة حقوقه وكرامته وانسانيته .. فلا يجوز لأحد من الخلق أن يعتدي عليه أو أن يسبب له أذي ماديا كان أو معنويا ليقطع رحلة الحياة آمنا مطمئنا عزيزا كريما .
وحكمة تكريم الإنسان هي أن يتمتع بالأمن الذاتي الذي يمكنه من النهوض بمهام الإستخلاف في الأرض بكفاية وقدرة ووعي وفاعلية)
مماسبق – وكما ذكر أخي الفاضل محمد العبادي – يتضح أن التكريم المذكور حاصل لجنس البشر .
قلت : ومن صور التكريم أيضا تفضيل الإنسان بالعقل والمواهب والملكات .. وتمييزه بحرية الإرادة والإختيار بما منح من عقل وإرادة وذلك في الأمور التي جُعل له فيها مجال الإختيار
 
الله يجزاكم خير جميعاً على إضافاتكم وتعقيباتكم واستدراكاتكم المفيدة
رحم الله علماء الإسلام وجزاهم الله عنا وعن المسلمين خيراً
 
عودة
أعلى