عبدالرحيم الشريف
Member
إن كان المرء ليعجب من أخطاء الكتاب الحداثيين في فهم بدهيات معاني القرآن الكريم، فإنه سيزول عجبه إن علم أن معلميهم وقعوا في اخطاء أشنع.
وليس لأولئك الحداثيين من سلف طالح سوى المستشرقين
وإليكم أمثلة تضحك لها الثكلى تدل على سوء فهم معاني كلمات القرآن الكريم
فإن وقع المعلمون في تلك الأخطاء،،، فتلاميذهم من باب أولى!
المثال الأول:
قال تعالى: " صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ " [البقرة: 138].
ترجمها أحد المستشرقين فكان معنى ترجمته: " صباغة (تلوين) من الله، لكن من ذا الذي يمكنه أن يصبغ (يلوِّن) أفضل من الله، عندما نعبده؟ ". [1]
والصحيح أن معنى " صِبغة " في الآية الكريمة: الدين، وسمي بذلك؛ لظهور أثر الدين على صاحبه كأثر الصباغ على الثوب، ولأنه يلزمه ولا يفارقه كالصبغ في الثوب. أو لأن الداخل في الإسلام يصبغ نفسه بالماء (يغتسل) بدلاً من المعمودية (الاغتسال) عند النصارى. [2]
المثال الثاني:
قال تعالى: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ ". [الأعراف: 157].
قام أحد المستشرقين بترجمة الآية الكريمة بحيث صار معنى: " الأمِّيَّ ": الوثني [3]
والصواب: أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، ثم صار هذا الوصف علماً على المنسوب إلى أمة العرب؛ لأن الغالب عليهم ذلك. [4]
وورد في الحديث النبوي الشريف: " إنا نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب ". [5] فلا يعقل أنه يقصد: " نحن أمة وثنية "؛ بل إن جلَّ رسالة الإسلام في محاربة الوثنية وأسبابها وآثارها..
المثال الثالث:
قال تعالى: " وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [التوبة: 102].
ترجمها أحد المستشرقين بحيث صار معناها: " عسى الله أن يندم لصالحهم ". [6]
والصحيح أن كلمة (عسى) تدل على الشك في حق الناس، ولكنها في حق الله تعالى واجب، والدليل عليه قوله تعالى: " فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ " [المائدة: 52] وفعلَ ذلك، وتحقيق القول فيه: أن القرآن نزل على عرف الناس في الكلام، والسلطان العظيم إذا التمس المحتاج منه شيئاً فإنه لا يجيب إليه إلا على سبيل الترجي مع كلمة " عسى "، أو " لعل "، تنبيهاً على أنه ليس لأحد أن يلزمني شيئاً، وأن يكلفني بشيء، بل كل ما أفعله فإنما أفعله على سبيل التفضل والتطول.. كما أن على المكلف أن يلازم الطمع والإشفاق والتذلل إلى خالقه؛ لأنه أبعد من الأنكار والإهمال. [7]
المثال الرابع:
قال تعالى: " وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ". [هود: 69 و 70].
مع أن من الواضح عودة الضمير في جملة " لا تَصِلُ إِلَيْهِ " إلى العجل، إلا أن أحد المستشرقين ظن أن الضمير يعود إلى إبراهيم ـ عليه السلام ـ، فتخيل المشهد بأن إبراهيم ـ عليه السلام ـ مد يده ليصافح الضيوف، ولكنهم حين لم يمدوا أيديهم ليصافحوهُ علِمَ أنهم غرباء فأوجس خيفة منهم. [8]
وهذا الخطأ منشأه من جهل المستشرق بعادات العرب، قال قتادة: " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه [أي: الطعام] نكَرَهم وأوجس منهم خيفة، وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم، ظنوا أنه لم يجئ بخير، وأنه يحدِّث نفسه بشرٍّ ". [9]
المثال الخامس:
قال تعالى: " وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ " [الإسراء: 13 ]
أغرب أحد المترجمين من المستشرقين فزعم أن القرآن يقول إن الكافر يأتي وفي رقبته حمامة يوم القيامة. [10]
والصواب أن الآية الكريمة تتحدث عن ما يراه الناس يوم القيامة في صحائف أعمالهم من نتيجة العمل الدنيوي، إن عمل خيراً فسيرى خيراً، وإن عمل شراً فسيرى شراً. وقد جاءت الآية الكريمة بحسب عادة تعرفها العرب، حين كان العربي إن أراد القيام بعمل كبير ـ كالسفر ـ طيَّر طائراً و " عادة العرب في الطائر الذي يجيء من ذات اليمين فيتبرك به، والطائر الذي يجيء من ذات الشمال فيتشاءم به. فجعل الطائر اسماً للخير والشر جميعاً، فاقتصر على ذكره [في الآية الكريمة] دون ذكر كل واحد منهما على حياله؛ لدلالته على المعنيين ". [11]
المثال السادس:
قال تعالى: " أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ " [الكهف: 26].
ورد في ترجمة أحد المستشرقين أن معناه: " انظر أنت واستمع ". [12]
والصواب أن الآية الكريمة وردت في صيغة التعجب بهدف إثبات عظمة الخالق سبحانه وتعالى و " اختصاصه بما غاب في السموات والأرض وخفِيَ فيها من أحوال أهلها ومن غيرها، وأنه هو وحده العالم به، وجاء بما دل على التعجب من إدراكه المسموعات والمبصرات؛ للدلالة على أن أمره في الإدراك خارج عن حدّ ما عليه إدراك السامعين والمبصرين ". [13]
المثال السابع:
قال تعالى: " إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ " [الأنبياء: 98].
تدخل أحد المستشرقين لتصحيح كلمة " حَصَبُ " ـ بزعمه ـ فقال: " إنه ينبغي أن تكون الكلمة هنا "حطب"، فهي الكلمة التي تعني الخشب للنار.. وإنه لسهل جداً التصور كيف حصل هذا الخطأ عند كتابة " الحطب " نسي الناسخ وضْع الخط العمودي للطاء فأصبحت الطاء صاداً ". [14]
أما الصواب في ترجمة معنى الآية الكريمة فإن الآية تتحدث عن عملية التحصيب (الرمي والإلقاء) ولا تتحدث عن الوقود. فـ " الحصب: اسم بمعنى المحصوب به، أي المرمي به. ومنه سميت الحصباء؛ لأنها حجارة يرمى بها، أي يُرمَون في جهنم ". [15]
المثال الثامن:
قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النِّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيْم ". [الحج: 1]
فقد جعل كثير من المستشرقين مقابلها في الفرنسية: (Heure) ومقابلها في الإنجليزية: (The hour) [16] بمعنى الساعة التي تشتمل على ستين دقيقة.
والصحيح أن الساعة في هذا السياق ـ ونظائره ـ تطلق " على الوقت الذي ينقضي به أجل هذه الحياة ويخرب هذا العالم ـ وإنما يكون ذلك في زمن قصير ـ وعلى ما يلي ذلك من البعث والحساب وهو يوم القيامة. فإن كان إطلاقه عليه بالتبع لإطلاقه على ساعة خراب العالم فذاك، وإلا كان وجه تسميته ساعة باعتبار سرعة الحساب فيه ". [17]
المثال التاسع:
قال تعالى: " وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ " [النور: 31].
ترجم أحد المستشرقين الآية الكريمة فصار معناها: تحريم إظهار زينة المرأة الموجودة في فخذها حين تضع رجلاً على رجل. [18]
وهذا التفسير مغلوط يخالف اللغة وسبب النزول، قال ابن كثير: " كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت ـ لا يُسمع صوته ـ ضربَت برجلها الأرض، فيعلم الرجال طنينه، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك. وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورًا، فتحركت بحركة لتظهِر ما هو خفي، دخل في هذا النهي ". [19]
المثال العاشر:
قال تعالى: " وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِحُوْنَ بِحَمْدِ رَبِهِم ". [الزمر: 75]
زعم أحد المستشرقين أن الآية تخبرنا بأن الملائكة " حفاة الأقدام ". [20]
والصواب أن معنى " حَافِّيْنَ " أي: " مُحيطين مُحدِقين به، يقال : حفّ القوم بفلان إذا أطافوا به ". [21]
المثال الحادي عشر:
قال تعالى: " كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ " [الصافات: 49].
زعم أحد المستشرقين أن القرآن الكريم يشبِّه عيون الحور العين بالبيض. [22]
والصواب: " شبههنَّ ببيض النعام تكُنُّها النعامة بالريش من الريح والغبار.. وتقول العرب إذا وصفت الشيء بالحسن والنظافة: كأنه بيض النعام المغطى بالريش ". [23]
وعلى هذا فالتشبيه لجسم الحور العين وليس لعيونهن!
المثال الثاني عشر:
قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا " [المجادلة: 11].
ورد في ترجمة أحد المستشرقين أن المسلمين أمِروا بالقيام عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجالسهم.[24]
والصواب أن المقصود به هنا " القيام للتوسعة على المقبلين " [25] لحضور الدرس، " فإذا طُلِب من بعض الجالسين في المجلس أن ينهضوا من أماكنهم، ليجلس فيها أهل الفضل في الدين، وأهل العلم بشرع الله، فليقوموا ". [26]
الحواشي:
--------------------
1) هو المستشرق (جاك بيرك)، انظر: مناهج المستشرقين في ترجمات معاني القرآن الكريم، د. عبدالراضي بن محمد عبدالمحسن، ص17.
2) انظر: تفسير حدائق الروح والريحان، الهرري، 2/325
3) هو المستشرق (فنسنك)، انظر: دفاع عن القرآن ضد منتقديه، د. عبدالرحمن بدوي، ص 15.
4) روح المعاني، الآلوسي 6/388.
5) رواه البخاري (1913) ومسلم (1080) كلاهما عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.
6) هو المستشرق (جاك بيرك)، انظر: إعادة قراءة القرآن، د. محمد رجب، ص236.
7) انظر: مفاتيح الغيب، الرازي 16/140.
8) هي ترجمة المستشرق (سافاري)، انظر: المستشرقون والقرآن، د. إبراهيم عوض، ص19.
9) تفسير الطبري 7/ 92.
10) انظر: اللغة الشاعرة، عباس العقاد، ص 75، ولم يُسمِّ ذلك المستشرق.
11) أحكام القرآن، الجصاص 5/17.
12) هي ترجمة المستشرق (رودويل)، انظر: دراسة نقدية لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية للمستشرق ج. م. رودويل، د. عبد الله الخطيب، ص31.
13) الكشاف، الزمخشري 2/670.
14) هو زعم المستشرق (بيلامي)، ضمن سلسلة من المقالات في "مجلة الجمعية الاستشراقية الأمريكية" (Journal of the American Oriental Society) انظر: الفهم الاستشراقي لتفسير القرآن الكريم، عادل ماجد، ص65.
15) التحرير والتنوير، ابن عاشور 17/153.
16) المستشرقون وترجمة القرآن الكريم، د. محمد البنداق، ص120.
17) تفسير المنار، محمد رشيد رضا 7/300.
18) هو المستشرق (أكنلادي)، انظر: المستشرق إيليجا كولا أكنلادي ومنهجه في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة اليوربا، د. عبدالغني أكوريدي عبدالحميد، ص77.
19) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير 6/49.
20) هي ترجمة المستشرق (سافاري) انظر: الاستشراق والقرآن العظيم، د. محمد خليفة، ص 134.
21) فتح القدير، الشوكاني 6/308.
22) هي ترجمة المستشرق الفرنسي (مونتيه)، زاعماً أن الشعر الشرقي يمدح تشبيه العيون بالبَيض، دون أن يذكر أدلة زعمه المخالف للتاريخ والعقل والفطرة. انظر: المستشرقون والقرآن، د. إبراهيم عوض، ص 40.
23) فتح القدير، الشوكاني 4/394.
24) هي ترجمة المستشرق (ريزفان)، انظر: كتاب القرآن وعالمه للمستشرق الروسي يفيم ريزفان ومزاعمه حول كتاب الله ، د. إلمير رفائيل كولييف، ص19.
25) الكشاف، الزمخشري 4/491.
26) التفسير المنير، د. وهبة الزحيلي 28/41.
وليس لأولئك الحداثيين من سلف طالح سوى المستشرقين
وإليكم أمثلة تضحك لها الثكلى تدل على سوء فهم معاني كلمات القرآن الكريم
فإن وقع المعلمون في تلك الأخطاء،،، فتلاميذهم من باب أولى!
المثال الأول:
قال تعالى: " صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ " [البقرة: 138].
ترجمها أحد المستشرقين فكان معنى ترجمته: " صباغة (تلوين) من الله، لكن من ذا الذي يمكنه أن يصبغ (يلوِّن) أفضل من الله، عندما نعبده؟ ". [1]
والصحيح أن معنى " صِبغة " في الآية الكريمة: الدين، وسمي بذلك؛ لظهور أثر الدين على صاحبه كأثر الصباغ على الثوب، ولأنه يلزمه ولا يفارقه كالصبغ في الثوب. أو لأن الداخل في الإسلام يصبغ نفسه بالماء (يغتسل) بدلاً من المعمودية (الاغتسال) عند النصارى. [2]
المثال الثاني:
قال تعالى: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ ". [الأعراف: 157].
قام أحد المستشرقين بترجمة الآية الكريمة بحيث صار معنى: " الأمِّيَّ ": الوثني [3]
والصواب: أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، ثم صار هذا الوصف علماً على المنسوب إلى أمة العرب؛ لأن الغالب عليهم ذلك. [4]
وورد في الحديث النبوي الشريف: " إنا نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب ". [5] فلا يعقل أنه يقصد: " نحن أمة وثنية "؛ بل إن جلَّ رسالة الإسلام في محاربة الوثنية وأسبابها وآثارها..
المثال الثالث:
قال تعالى: " وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [التوبة: 102].
ترجمها أحد المستشرقين بحيث صار معناها: " عسى الله أن يندم لصالحهم ". [6]
والصحيح أن كلمة (عسى) تدل على الشك في حق الناس، ولكنها في حق الله تعالى واجب، والدليل عليه قوله تعالى: " فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ " [المائدة: 52] وفعلَ ذلك، وتحقيق القول فيه: أن القرآن نزل على عرف الناس في الكلام، والسلطان العظيم إذا التمس المحتاج منه شيئاً فإنه لا يجيب إليه إلا على سبيل الترجي مع كلمة " عسى "، أو " لعل "، تنبيهاً على أنه ليس لأحد أن يلزمني شيئاً، وأن يكلفني بشيء، بل كل ما أفعله فإنما أفعله على سبيل التفضل والتطول.. كما أن على المكلف أن يلازم الطمع والإشفاق والتذلل إلى خالقه؛ لأنه أبعد من الأنكار والإهمال. [7]
المثال الرابع:
قال تعالى: " وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ". [هود: 69 و 70].
مع أن من الواضح عودة الضمير في جملة " لا تَصِلُ إِلَيْهِ " إلى العجل، إلا أن أحد المستشرقين ظن أن الضمير يعود إلى إبراهيم ـ عليه السلام ـ، فتخيل المشهد بأن إبراهيم ـ عليه السلام ـ مد يده ليصافح الضيوف، ولكنهم حين لم يمدوا أيديهم ليصافحوهُ علِمَ أنهم غرباء فأوجس خيفة منهم. [8]
وهذا الخطأ منشأه من جهل المستشرق بعادات العرب، قال قتادة: " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه [أي: الطعام] نكَرَهم وأوجس منهم خيفة، وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم، ظنوا أنه لم يجئ بخير، وأنه يحدِّث نفسه بشرٍّ ". [9]
المثال الخامس:
قال تعالى: " وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ " [الإسراء: 13 ]
أغرب أحد المترجمين من المستشرقين فزعم أن القرآن يقول إن الكافر يأتي وفي رقبته حمامة يوم القيامة. [10]
والصواب أن الآية الكريمة تتحدث عن ما يراه الناس يوم القيامة في صحائف أعمالهم من نتيجة العمل الدنيوي، إن عمل خيراً فسيرى خيراً، وإن عمل شراً فسيرى شراً. وقد جاءت الآية الكريمة بحسب عادة تعرفها العرب، حين كان العربي إن أراد القيام بعمل كبير ـ كالسفر ـ طيَّر طائراً و " عادة العرب في الطائر الذي يجيء من ذات اليمين فيتبرك به، والطائر الذي يجيء من ذات الشمال فيتشاءم به. فجعل الطائر اسماً للخير والشر جميعاً، فاقتصر على ذكره [في الآية الكريمة] دون ذكر كل واحد منهما على حياله؛ لدلالته على المعنيين ". [11]
المثال السادس:
قال تعالى: " أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ " [الكهف: 26].
ورد في ترجمة أحد المستشرقين أن معناه: " انظر أنت واستمع ". [12]
والصواب أن الآية الكريمة وردت في صيغة التعجب بهدف إثبات عظمة الخالق سبحانه وتعالى و " اختصاصه بما غاب في السموات والأرض وخفِيَ فيها من أحوال أهلها ومن غيرها، وأنه هو وحده العالم به، وجاء بما دل على التعجب من إدراكه المسموعات والمبصرات؛ للدلالة على أن أمره في الإدراك خارج عن حدّ ما عليه إدراك السامعين والمبصرين ". [13]
المثال السابع:
قال تعالى: " إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ " [الأنبياء: 98].
تدخل أحد المستشرقين لتصحيح كلمة " حَصَبُ " ـ بزعمه ـ فقال: " إنه ينبغي أن تكون الكلمة هنا "حطب"، فهي الكلمة التي تعني الخشب للنار.. وإنه لسهل جداً التصور كيف حصل هذا الخطأ عند كتابة " الحطب " نسي الناسخ وضْع الخط العمودي للطاء فأصبحت الطاء صاداً ". [14]
أما الصواب في ترجمة معنى الآية الكريمة فإن الآية تتحدث عن عملية التحصيب (الرمي والإلقاء) ولا تتحدث عن الوقود. فـ " الحصب: اسم بمعنى المحصوب به، أي المرمي به. ومنه سميت الحصباء؛ لأنها حجارة يرمى بها، أي يُرمَون في جهنم ". [15]
المثال الثامن:
قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النِّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيْم ". [الحج: 1]
فقد جعل كثير من المستشرقين مقابلها في الفرنسية: (Heure) ومقابلها في الإنجليزية: (The hour) [16] بمعنى الساعة التي تشتمل على ستين دقيقة.
والصحيح أن الساعة في هذا السياق ـ ونظائره ـ تطلق " على الوقت الذي ينقضي به أجل هذه الحياة ويخرب هذا العالم ـ وإنما يكون ذلك في زمن قصير ـ وعلى ما يلي ذلك من البعث والحساب وهو يوم القيامة. فإن كان إطلاقه عليه بالتبع لإطلاقه على ساعة خراب العالم فذاك، وإلا كان وجه تسميته ساعة باعتبار سرعة الحساب فيه ". [17]
المثال التاسع:
قال تعالى: " وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ " [النور: 31].
ترجم أحد المستشرقين الآية الكريمة فصار معناها: تحريم إظهار زينة المرأة الموجودة في فخذها حين تضع رجلاً على رجل. [18]
وهذا التفسير مغلوط يخالف اللغة وسبب النزول، قال ابن كثير: " كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت ـ لا يُسمع صوته ـ ضربَت برجلها الأرض، فيعلم الرجال طنينه، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك. وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورًا، فتحركت بحركة لتظهِر ما هو خفي، دخل في هذا النهي ". [19]
المثال العاشر:
قال تعالى: " وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِحُوْنَ بِحَمْدِ رَبِهِم ". [الزمر: 75]
زعم أحد المستشرقين أن الآية تخبرنا بأن الملائكة " حفاة الأقدام ". [20]
والصواب أن معنى " حَافِّيْنَ " أي: " مُحيطين مُحدِقين به، يقال : حفّ القوم بفلان إذا أطافوا به ". [21]
المثال الحادي عشر:
قال تعالى: " كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ " [الصافات: 49].
زعم أحد المستشرقين أن القرآن الكريم يشبِّه عيون الحور العين بالبيض. [22]
والصواب: " شبههنَّ ببيض النعام تكُنُّها النعامة بالريش من الريح والغبار.. وتقول العرب إذا وصفت الشيء بالحسن والنظافة: كأنه بيض النعام المغطى بالريش ". [23]
وعلى هذا فالتشبيه لجسم الحور العين وليس لعيونهن!
المثال الثاني عشر:
قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا " [المجادلة: 11].
ورد في ترجمة أحد المستشرقين أن المسلمين أمِروا بالقيام عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجالسهم.[24]
والصواب أن المقصود به هنا " القيام للتوسعة على المقبلين " [25] لحضور الدرس، " فإذا طُلِب من بعض الجالسين في المجلس أن ينهضوا من أماكنهم، ليجلس فيها أهل الفضل في الدين، وأهل العلم بشرع الله، فليقوموا ". [26]
الحواشي:
--------------------
1) هو المستشرق (جاك بيرك)، انظر: مناهج المستشرقين في ترجمات معاني القرآن الكريم، د. عبدالراضي بن محمد عبدالمحسن، ص17.
2) انظر: تفسير حدائق الروح والريحان، الهرري، 2/325
3) هو المستشرق (فنسنك)، انظر: دفاع عن القرآن ضد منتقديه، د. عبدالرحمن بدوي، ص 15.
4) روح المعاني، الآلوسي 6/388.
5) رواه البخاري (1913) ومسلم (1080) كلاهما عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.
6) هو المستشرق (جاك بيرك)، انظر: إعادة قراءة القرآن، د. محمد رجب، ص236.
7) انظر: مفاتيح الغيب، الرازي 16/140.
8) هي ترجمة المستشرق (سافاري)، انظر: المستشرقون والقرآن، د. إبراهيم عوض، ص19.
9) تفسير الطبري 7/ 92.
10) انظر: اللغة الشاعرة، عباس العقاد، ص 75، ولم يُسمِّ ذلك المستشرق.
11) أحكام القرآن، الجصاص 5/17.
12) هي ترجمة المستشرق (رودويل)، انظر: دراسة نقدية لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية للمستشرق ج. م. رودويل، د. عبد الله الخطيب، ص31.
13) الكشاف، الزمخشري 2/670.
14) هو زعم المستشرق (بيلامي)، ضمن سلسلة من المقالات في "مجلة الجمعية الاستشراقية الأمريكية" (Journal of the American Oriental Society) انظر: الفهم الاستشراقي لتفسير القرآن الكريم، عادل ماجد، ص65.
15) التحرير والتنوير، ابن عاشور 17/153.
16) المستشرقون وترجمة القرآن الكريم، د. محمد البنداق، ص120.
17) تفسير المنار، محمد رشيد رضا 7/300.
18) هو المستشرق (أكنلادي)، انظر: المستشرق إيليجا كولا أكنلادي ومنهجه في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة اليوربا، د. عبدالغني أكوريدي عبدالحميد، ص77.
19) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير 6/49.
20) هي ترجمة المستشرق (سافاري) انظر: الاستشراق والقرآن العظيم، د. محمد خليفة، ص 134.
21) فتح القدير، الشوكاني 6/308.
22) هي ترجمة المستشرق الفرنسي (مونتيه)، زاعماً أن الشعر الشرقي يمدح تشبيه العيون بالبَيض، دون أن يذكر أدلة زعمه المخالف للتاريخ والعقل والفطرة. انظر: المستشرقون والقرآن، د. إبراهيم عوض، ص 40.
23) فتح القدير، الشوكاني 4/394.
24) هي ترجمة المستشرق (ريزفان)، انظر: كتاب القرآن وعالمه للمستشرق الروسي يفيم ريزفان ومزاعمه حول كتاب الله ، د. إلمير رفائيل كولييف، ص19.
25) الكشاف، الزمخشري 4/491.
26) التفسير المنير، د. وهبة الزحيلي 28/41.