(ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً) [النساء:22]
حرّم الله عز وجل نكاح زوجات الآباء؛ تكرمة واحتراماً لهم، وهذا النهي يتناول العقد والوطء، فلا يجوز للابن أن يتزوج امرأةً عقد عليها أبوه أو وطئها؛ لورود اللفظ على المعنيين معاً، وهذا أمر مجمع عليه كما ذكر ابن كثير(1).
وقد دار خلاف بين المفسرين حول معنى (ما) في قوله: (ما نكح)، فذهبت جماعة منهم إلى أن (ما) موصولة، وتكون بمعنى (الذي) و(مَن)، والمراد: ولا تنكحوا النساء اللاتي نكح آباؤكم(2).
وذهبت جماعة إلى أن (ما) مصدرية، والمعنى: ولا تنكحوا نكاحَ آبائكم، أي: مثلَ نكاح آبائكم الفاسد أو الحرام الذي كانوا يتعاطونه في الجاهلية كالشغار وغيره من الأنكحة المخالفة لدين الله؛ إذ إن الله عز وجل قد أحكم وجه النكاح وفصّل شروطه، ويدخل في هذا التحريم نكاحُ حلائل الآباء، واختار هذا القول الإمام الطبري، وقال: لو كان معناه: ولا تنكحوا النساء التي نكح آباؤكم لوجب أن يكون موضع (ما): (مَن)؛ لأن (ما) يُخبر بها عما لا يعقل(3).
والوجه الأول أجود، واستدل عليه أصحابُه بأمور، منها: أن الصحابة إنما تلقت الآية على هذا المفهوم من إطلاق (ما) على منكوحات الآباء، واستدلوا بها على تحريم نكاح الأبناء حلائل الآباء(4).
ومنها أن قوله: (إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً) تعقّب النهي بالذم البالغ المتتابع، وهذا دليل على انه انتهاء من القُبح إلى الغاية، وذلك هو خُلف الأبناء على حلائل الآباء؛ إذ كانوا في الجاهلية يستقبحونه ويستهجنون فاعلَه ويسمونه (المَقتي)، نسبوه إلى المقت، أما النكاح الفاسد فلم يكن عندهم، ولا يبلغ إلى هذا الحد(5).
أما اعتراض الفريق الآخر، وهو أنه يلزم من القول بأن (ما) موصولة أن يؤتى بـ(مَن) بدلاً منها، فأجابوا عنه بأنه "قد تقرر في علم العربية أن (ما) تقع على أنواع مَن يعقل، وهذا على مذهب من يمنع وقوعها على آحاد مَن يعقل"(6)، قال الشيخ زادة: "ليس المراد بـ(ما نكح آباؤكم) خصوصية ذات المرأة حتى يجب أن يعبر عنها بـ(مَن)، بل المراد وصف كونها منكوحة الأب، وقد تقرر أن كلمة (ما) يعبّر بها عن صفة من يعقل"(7).
**********************************
(1) ينظر: تفسير ابن كثير، (479:1).
(2) ينظر: تفسير القرطبي، (103:4)، البحر المحيط، أبو حيان، (575،574:3)، تفسير أبي السعود، (159:2).
(3) ينظر: تفسير الطبري، (395:4)، وممن ذهب إلى هذا القول القمي النيسابوري، في غرائب القرآن ورغائب الفرقان، (379:2).
(4) ينظر: البحر المحيط، (575:3).
(5) أحكام القرآن، ابن العربي، (417:1).
(6) البحر المحيط، (575:3).
(7) حاشية شيخ زادة، (288:3).
حرّم الله عز وجل نكاح زوجات الآباء؛ تكرمة واحتراماً لهم، وهذا النهي يتناول العقد والوطء، فلا يجوز للابن أن يتزوج امرأةً عقد عليها أبوه أو وطئها؛ لورود اللفظ على المعنيين معاً، وهذا أمر مجمع عليه كما ذكر ابن كثير(1).
وقد دار خلاف بين المفسرين حول معنى (ما) في قوله: (ما نكح)، فذهبت جماعة منهم إلى أن (ما) موصولة، وتكون بمعنى (الذي) و(مَن)، والمراد: ولا تنكحوا النساء اللاتي نكح آباؤكم(2).
وذهبت جماعة إلى أن (ما) مصدرية، والمعنى: ولا تنكحوا نكاحَ آبائكم، أي: مثلَ نكاح آبائكم الفاسد أو الحرام الذي كانوا يتعاطونه في الجاهلية كالشغار وغيره من الأنكحة المخالفة لدين الله؛ إذ إن الله عز وجل قد أحكم وجه النكاح وفصّل شروطه، ويدخل في هذا التحريم نكاحُ حلائل الآباء، واختار هذا القول الإمام الطبري، وقال: لو كان معناه: ولا تنكحوا النساء التي نكح آباؤكم لوجب أن يكون موضع (ما): (مَن)؛ لأن (ما) يُخبر بها عما لا يعقل(3).
والوجه الأول أجود، واستدل عليه أصحابُه بأمور، منها: أن الصحابة إنما تلقت الآية على هذا المفهوم من إطلاق (ما) على منكوحات الآباء، واستدلوا بها على تحريم نكاح الأبناء حلائل الآباء(4).
ومنها أن قوله: (إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً) تعقّب النهي بالذم البالغ المتتابع، وهذا دليل على انه انتهاء من القُبح إلى الغاية، وذلك هو خُلف الأبناء على حلائل الآباء؛ إذ كانوا في الجاهلية يستقبحونه ويستهجنون فاعلَه ويسمونه (المَقتي)، نسبوه إلى المقت، أما النكاح الفاسد فلم يكن عندهم، ولا يبلغ إلى هذا الحد(5).
أما اعتراض الفريق الآخر، وهو أنه يلزم من القول بأن (ما) موصولة أن يؤتى بـ(مَن) بدلاً منها، فأجابوا عنه بأنه "قد تقرر في علم العربية أن (ما) تقع على أنواع مَن يعقل، وهذا على مذهب من يمنع وقوعها على آحاد مَن يعقل"(6)، قال الشيخ زادة: "ليس المراد بـ(ما نكح آباؤكم) خصوصية ذات المرأة حتى يجب أن يعبر عنها بـ(مَن)، بل المراد وصف كونها منكوحة الأب، وقد تقرر أن كلمة (ما) يعبّر بها عن صفة من يعقل"(7).
**********************************
(1) ينظر: تفسير ابن كثير، (479:1).
(2) ينظر: تفسير القرطبي، (103:4)، البحر المحيط، أبو حيان، (575،574:3)، تفسير أبي السعود، (159:2).
(3) ينظر: تفسير الطبري، (395:4)، وممن ذهب إلى هذا القول القمي النيسابوري، في غرائب القرآن ورغائب الفرقان، (379:2).
(4) ينظر: البحر المحيط، (575:3).
(5) أحكام القرآن، ابن العربي، (417:1).
(6) البحر المحيط، (575:3).
(7) حاشية شيخ زادة، (288:3).