(ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء)

روضة

New member
إنضم
06/01/2006
المشاركات
205
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الأردن
(ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً) [النساء:22]

حرّم الله عز وجل نكاح زوجات الآباء؛ تكرمة واحتراماً لهم، وهذا النهي يتناول العقد والوطء، فلا يجوز للابن أن يتزوج امرأةً عقد عليها أبوه أو وطئها؛ لورود اللفظ على المعنيين معاً، وهذا أمر مجمع عليه كما ذكر ابن كثير(1).

وقد دار خلاف بين المفسرين حول معنى (ما) في قوله: (ما نكح)، فذهبت جماعة منهم إلى أن (ما) موصولة، وتكون بمعنى (الذي) و(مَن)، والمراد: ولا تنكحوا النساء اللاتي نكح آباؤكم(2).

وذهبت جماعة إلى أن (ما) مصدرية، والمعنى: ولا تنكحوا نكاحَ آبائكم، أي: مثلَ نكاح آبائكم الفاسد أو الحرام الذي كانوا يتعاطونه في الجاهلية كالشغار وغيره من الأنكحة المخالفة لدين الله؛ إذ إن الله عز وجل قد أحكم وجه النكاح وفصّل شروطه، ويدخل في هذا التحريم نكاحُ حلائل الآباء، واختار هذا القول الإمام الطبري، وقال: لو كان معناه: ولا تنكحوا النساء التي نكح آباؤكم لوجب أن يكون موضع (ما): (مَن)؛ لأن (ما) يُخبر بها عما لا يعقل(3).

والوجه الأول أجود، واستدل عليه أصحابُه بأمور، منها: أن الصحابة إنما تلقت الآية على هذا المفهوم من إطلاق (ما) على منكوحات الآباء، واستدلوا بها على تحريم نكاح الأبناء حلائل الآباء(4).

ومنها أن قوله: (إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً) تعقّب النهي بالذم البالغ المتتابع، وهذا دليل على انه انتهاء من القُبح إلى الغاية، وذلك هو خُلف الأبناء على حلائل الآباء؛ إذ كانوا في الجاهلية يستقبحونه ويستهجنون فاعلَه ويسمونه (المَقتي)، نسبوه إلى المقت، أما النكاح الفاسد فلم يكن عندهم، ولا يبلغ إلى هذا الحد(5).

أما اعتراض الفريق الآخر، وهو أنه يلزم من القول بأن (ما) موصولة أن يؤتى بـ(مَن) بدلاً منها، فأجابوا عنه بأنه "قد تقرر في علم العربية أن (ما) تقع على أنواع مَن يعقل، وهذا على مذهب من يمنع وقوعها على آحاد مَن يعقل"(6)، قال الشيخ زادة: "ليس المراد بـ(ما نكح آباؤكم) خصوصية ذات المرأة حتى يجب أن يعبر عنها بـ(مَن)، بل المراد وصف كونها منكوحة الأب، وقد تقرر أن كلمة (ما) يعبّر بها عن صفة من يعقل"(7).

**********************************
(1) ينظر: تفسير ابن كثير، (479:1).
(2) ينظر: تفسير القرطبي، (103:4)، البحر المحيط، أبو حيان، (575،574:3)، تفسير أبي السعود، (159:2).
(3) ينظر: تفسير الطبري، (395:4)، وممن ذهب إلى هذا القول القمي النيسابوري، في غرائب القرآن ورغائب الفرقان، (379:2).
(4) ينظر: البحر المحيط، (575:3).
(5) أحكام القرآن، ابن العربي، (417:1).
(6) البحر المحيط، (575:3).
(7) حاشية شيخ زادة، (288:3).
 
تابع من فضلك....

تابع من فضلك....

تابع........

اسم (الآباء) ينتظم الأجداد؛ لأن المراد بالآباء الأصول، وقوله: (إلا ما قد سلف) استثناء من (ما نكح)، قال الزمخشري، فإن قلتَ: كيف استثنى ما قد سلف من (ما نكح آباؤكم)؟ قلتُ: كما استثنى (غير أن سيوفهم) من قوله: (ولا عيب فيهم)، يعني: إنْ أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه، فلا يحلّ لكم غيره؛ وذلك غير ممكن، والغرض المبالغة في تحريمه وسدُّ الطريق إلى إباحته، فأخرج الكلام مخرج التعليق بالمحال، نحو قوله تعالى: (حتى يلج الجمل في سمّ الخياط) [الأعراف:40](1).

أشار بهذا الزمخشري إلى بيت النابغة:

ولا عيبَ فيهم غير أن سيوفهم،،،،،،،،،بهنّ فلولٌ من قراع الكتائب

"واستثناء (غير أن سيوفهم بهن فلول) من (العيب) للمبالغة في النفي، فإن معنى (أن سيوفهم بهن فلول) هو الشجاعة، واستثناء الشجاعة من العيب لا بدّ أن يكون على تقدير كونها عيباً، فيكون وجود العيب فيهم لا يكون إلا على تقدير أن تكون الشجاعة عيباً، لكن هذا محال، وما لا يثبت إلا على تقدير محال يكون محالاً، فوجود العيب فيهم محال، فهذا الطريق أبلغ من نفي العيب عنهم من أن يقال: لا عيب فيهم بدون استثناء"(2).

وذكر التفتازاني هذه الآية في (المطول) أثناء حديثه عن (المحسنات المعنوية) تحت عنوان: (تأكيد المدح بما يشبه الذم)، وقال: إن النظر في هذه التسمية على الأعم الأغلب، وإلا فقد يكون ذلك في غير المدح والذم(3)، والمقصود (تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه)، وعلى هذا فالاستثناء متصل(4).

وذهب قوم إلى أن الاستثناء في قوله: (إلا ما قد سلف) منقطع؛ ووجه الانقطاع أن الماضي لا يجامع المستقبل، والنهي يتعلق بالمستقبل، "فالفعل المضارع مع النهي مدلوله إيجاد الحدث في المستقبل"، و(ما قد سلف) ماضٍ، فكيف يُستثنى الماضي من المستقبل؟ والمعنى: أنه لما حرم عليهم نكاحَ ما نكح آباؤهم، دلّ على أن متعاطي ذلك بعد التحريم آثم، وتطرّق الوهم إلى ما صدر منهم قبل النهي، ما حكمه؟ فقيل: (إلا ما قد سلف)، أي: لكن ما قد سلف، فلم يكن يتعلق به النهي فلا إثم فيه.

فمعنى الاستثناء هنا أن النكاح الواقع في الماضي من النكاح المنهي عنه لا مؤاخذة عليه، لا أن مقرر، لأنه صلى الله عليه وسلم ما أقرّ أحداً على نكاح امرأة أبيه، وإنْ كان واقعاً فيما مضى من زمن الجاهلية.

وهذا المذهب "يأباه قوله تعالى: (إنه كان فاحشة ومقتاً)، فإنه تعليل للنهي، وبيان لكون المنهي عنه في غاية القبح مبغوضاً أشدّ البغض، وأنه لم يزل في حكم الله تعالى وعلمه موصوفاً بذلك ما رخّص فيه لأمة من الأمم، فلا يلائم أن يوسّط بينهما ما يهوّن أمره من ترك المؤاخذة على ما سلف منه"(5).

(إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً): إن نكاح حلائل الآباء كان ولا يزال أمراً فاحشاً متجاوزاً الحدّ في قبحه، وممقوتاً شديد البغض والاحتقار، حتى إن العرب كانت تسمي الولد منه مقيتاً ومقتياً، أي: مبغوضاً محتقراً، (وساء سبيلاً) أي: وبئس طريقاً طريق ذلك النكاح الذي اعتادته الجاهلية.



يتبع ......
(وقفات مع نظم الآية)

*****************************
(1) ينظر: الكشاف، (483:1).
(2) حاشية شيخ زادة، (289:3).
(3) ينظر: المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم، التفتازاني، ص672 .
(4) ينظر: حاشية الشهاب، (235:3)، والدر المصون، السمين الحلبي، (339:2).
(5) تفسير أبي السعود، (159:2).
 
بارك الله فيكم ... شكراً على مروركم الكريم
 
فائدة

فائدة

[align=justify]قال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد في ذكره لأمثلة الاستثناء المنقطع :

( المثال الربع : قوله تعالى: { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } فهذا من الاستثناء السابق زمان المستثنى فيه زمان المستثنى منه ، فهو غير داخل فيه؛ فمن لم يشترط الدخول فلا يقدر شيئا ومن قال لا بد من دخوله قدر دخوله في مضمون الجملة الطلبية بالنهي؛ لأن مضمون قوله تعالى :{ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم} الإثم والمؤاخذة ، أي أن الناكح ما نكح أبوه آثم مؤاخذ إلا ما قد سلف قبل النهي وإقامة الحجة فإنه لا تتعلق به المؤاخذة .
وأحسن من هذا عندي أن يقال لما نهى سبحانه عن نكاح منكوحات الآباء أفاد ذلك أن وطأهن بعد التحريم لا يكون نكاحا البتة، بل لا يكون إلا سفاحاً ، فلا يترتب عليه أحكام النكاح من ثبوت الفراش ولحوق النسب، بل الولد فيه يكون ولد زنية . وليس هذا حكم ما سلف قبل التحريم فإن الفراش كان ثابتا فيه ، والنسب لاحق فأفاد الاستثناء فائدة جليلة عظيمة وهي أن ولد من نكح ما نكح أبوه قبل التحريم ثابت النسب وليس ولد زنا. والله أعلم.) انتهى [/align]
 
وقفات مع نظم الآية

وقفات مع نظم الآية



وًصلت هذه الآية بما قبلها، وللوصل ما يسوّغه ويقتضيه، فالسياق سياق أوامر ونواهٍ، وقوله: (من النساء) تتميم، جيء به زيادةً في البيان، و(قد) في قوله: (إلا ما قد سلف) للتأكيد، وتحقيق معنى المضي.

وفي إيثار (الأب) مفرد (آباء) على (الوالد) دقة عجيبة؛ فبينهما فروق لطيفة، "الأب: الوالد، ويسمّى كلُّ من كان سبباً في إيجاد شيء، أو صلاحه، أو ظهوره أباً"(1)، ولفظ (الأب) لفظ عام يشمل الأب المباشر والجدّ وإنْ علا، قال تعالى: (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين) [الحج:78]، أما الوالد فأصل (و ل د) يدل على "النجل والنسل .. وتولَّد الشيءُ عن الشيء:حَصَلَ عنه"(2)، فالوالد الأب المباشر خاصة، ولم يرد لفظ (الوالد) في القرآن الكريم بمعنى الجدّ(3)، وبناء على ما ذُكر فلفظة (آباؤكم) جاءت للدلالة على أن التحريم لا يقف عند زوجة الأب المباشر، وإنما يتناول زوجات الأجداد وإنْ علوا.

ثم أخبر عن نكاح حلائل الآباء بأنه فاحشة ومقتاً، مؤكِّداً الخبر بحرف (إنّ) مع ما له من رونقٍ وحُسنٍ وجمالِ إيقاع: (إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً)، والفصلُ لأن الجملة تعليل للنهي السابق في قوله: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم).

ولمجيء (كان) هنا غاية تتصل بالمعنى، وليس زائداً، قال أبو حيان: "(كان) يستعمل كثيراً بمعنى (لم يزل)، فالمعنى أن ذلك لم يزل فاحشة، بل هو متصف بالفُحش في الماضي والحال والمستقبل، فالفحش وصف لازم له، وقال المبرِّد: هي زائدة، ورُدَّ عليه بوجود الخبر، إذ الزائدة لا خبر لها، وينبغي أن يُتأول كلامه على أن (كان) لا يُراد بها تقييد الخبر بالزمن الماضي فقط، فجَعَلها زائدة بهذا الاعتبار"(4).

وزيادة في التنفير من هذا الأمر جاء بلفظتي (فاحشة) و(مقتاً) نكرتين؛ للتهويل، مع ما فيهما من معنى التناهي في الفحش والبغض، فالفاحشة "ما عَظُمَ قبحه من الأفعال والأقوال"(5)، والمقت أشدّ من البغض، فهو بغض مقرون باستحقار، فهو أخصّ منه(6)، كما أن (مقتاً) مصدر، فكأنه المقت نفسه، وهذا أبلغ من صيغة المفعول.

يتبع....
************************
(1) المفردات، الراغب الأصفهاني، مادة (أبا).
(2) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، مادة (ولد).
(3) ينظر: الترادف في القرآن الكريم، محمد المنجد، ص(140-144).
(4) البحر المحيط، أبو حيان، (577،576:3).
(5) المفردات، مادة (فحش).
(6) ينظر: عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، مادة (مقت).
 
تابع

تابع

"في (ساء) قولان:

أحدهما: أنها جارية مجرى (بئس) في الذمّ والعمل، ففيها ضميرٌ مبهمٌ يفسره ما بعده، وهو (سبيلاً)، والمخصوص بالذمّ محذوف تقديره: (وساء سبيلاً سبيلُ هذا النكاح) كقوله: (بئس الشراب)، أي: ذلك الماء"(1). وقال الشهاب: "وذُمُّ الطريق مبالغةٌ في ذمّ سالكها وكناية عنه"(2).

"والثاني: أنها لا تجري مجرى (بئس) في العمل، بل هي كسائر الأفعال، فيكون فيها ضميرٌ يعود على ما يعود عليه الضميرُ في (إنه)، و(سبيلاً) على كلا التقديرين تمييز"(3).

وفي هذه الجملة وجهان: أحدهما: أنها مستأنفة، ويكون الوقف على قوله: (ومقتاً)، ثم يُستأنف: (وساء سبيلاً)، أي: وساء هذا السبيلُ من نكاح مَن نكحهن من الآباء، والثاني: أن تكون معطوفة على خبر (كان)، إما بتقدير قول مضمر هو المعطوفُ على الخبر، والتقدير: ومقولاً فيه: ساء سبيلاً. هكذا قدّره أبو البقاء(4). وإما أن تُعطف على خبر (كان) من غير إضمار قول؛ لأن هذه الجملة في قوة المفرد، ألا ترى أنه يقع خبراً بنفسه، تقول: (زيدٌ ساء رجلاً)، و(كان زيدٌ ساء رجلاً)، فغاية ما في الباب أنك أتيت بأخبار (كان) أحدها مفرد، والآخر جملة، اللهم إلا أن يقال: إن هذه جملة إنشائية، والإنشائية لا تقع خبراً لـ(كان)، فاحتاج إلى إضمار القول، وفيه بحث(5).

وقد جاء في سورة الإسراء قوله تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) [الإسراء:32]، وذكر قوله: (ومقتاً) هنا في سورة النساء، وحذفه في سورة الإسراء؛ لأن نكاح حلائل الآباء يستوي مع الزنى في الفحش وسوء السبيل، ويزيد عليه قبحاً بأن فاعله يُمقت وتستخسه الطباع السليمة، فوُسمت فعلته بالمقت.


انتهى
****************************
(1) الدر المصون، السمين الحلبي، (340:2).
(2) حاشية الشهاب، (236:3).
(3) الدر المصون، (340:2).
(4) إملاء ما منّ به الرحمن، أبو البقاء، (173:1).
(5) ينظر: الدر المصون، (340:2).
 
وأحسن من هذا عندي أن يقال لما نهى سبحانه عن نكاح منكوحات الآباء أفاد ذلك أن وطأهن بعد التحريم لا يكون نكاحا البتة، بل لا يكون إلا سفاحاً ، فلا يترتب عليه أحكام النكاح من ثبوت الفراش ولحوق النسب، بل الولد فيه يكون ولد زنية . وليس هذا حكم ما سلف قبل التحريم فإن الفراش كان ثابتا فيه ، والنسب لاحق فأفاد الاستثناء فائدة جليلة عظيمة وهي أن ولد من نكح ما نكح أبوه قبل التحريم ثابت النسب وليس ولد زنا. والله أعلم.) انتهى
الغريب أن ابن القيم يرى أن ولد الزنا يلحق بالزاني إن ادّعاه دون أن ينازعه أحد في أبوّته له ، كمن زنى بغير متزوجة .

وهنا لا يجعل الولد منسوباً لأبيه !
فمن يخرّج لنا مذهب ابن القيم رحمه الله ويفرّق بين المسألتين ؟؟
 
عودة
أعلى