أبو مالك العوضي
فريق إشراف الملتقى المفتوح
كلام رائع جدا للعلامة أبي يعقوب يوسف السكاكي في كتابه ( مفتاح العلوم )
قال في أثناء حديثه عن الالتفات:
(( .... ولأمر ما وقع التباين الخارج عن الحد بين مفسر لكلام رب العزة ومفسر، وبين غواص في بحر فرائده وغواص، وكل التفات وارد في القرآن متى صرت من سامعيه عرفك ما موقعه، وإذا أحببت أن تصير من سامعيه فأصخ ثم ليتل عليك قوله تعالى "إياك نعبد وإياك نستعين"، فلعلك ممن يشهد له الوجدان بحيث يغنيه عن شهادة ما سواه، أليس أن المرء إذا أخذ في استحضار جنايات جان متنقلا فيها عن الإجمال على التفصيل وجد من نفسه تفاوتا في الحال؟ بينا لا يكاد يشبه آخر حاله هناك أولها، أو ما تراك إذا كنت في حديث مع إنسان وقد حضر مجلسكما من له جنايات في حقك كيف تصنع؟ تحول عن الجاني وجهك وتأخذ في الشكاية عنه على صاحبك، تثبته الشكوى معددا جناياته واحدة فواحدة، وأنت فيما بين ذلك واجد مزاجك يحمى على تزايد يحرك حالة لك غضبية تدعوك على أن تواثب ذلك الجاني وتشافهه بكل سوء، وأنت لا تجيب على أن تغلب فتقطع الحديث مع الصاحب ومباثتك إياه وترجع على الجاني مشافها له: "بالله قل لي هل عامل أحد مثل هذه المعاملة؟ هل يتصور معاملة أسوأ مما فعلت؟ أما كان لك حياء يمنعك؟ أما كانت لك مروءة تردعك عن هذا"، وإذا كان الحاضر لمجلسكما ذا نعم عليك كثيرة فإذا أخذت في تعديد نعمه عند صاحبك مستحضرا لتفاصيلها أحسست من نفسك بحالة كأنها تطالبك بالإقبال على منعمك وتزين لك ذلك، ولا تزال تتزايد ما دمت في تعديد نعمه حتى تحملك من حيث لا تدري على أن تجدك وأنت معه في الكلام تثني عليه وتدعو له وتقول: "بأي لسان أشكر صنائعك الروائع، وبأية عبارة أحصر عوارفك الذوارف"، وما جرى ذلك المجرى، وإذا وعيت ما قصصته عليك وتأملت الالتفات في "إياك نعبد وإياك نستعين" بعد تلاوتك لما قبله من قوله "الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين" على الوجه الذي يجب -وهو التأمل القلبي- علمت ما موقعه، وكيف أصاب المحز، وطبق مفصل البلاغة؛ لكونه منبها على أن العبد المنعم عليه بتلك النعم العظام الفائتة للحصر، إذا قدر أنه ماثل بين يدي مولاه، من حقه إذا أخذ في القراءة أن تكون قراءته على وجه يجد معها من نفسه شبه محرك على الإقبال على من يحمد، صائر في أثناء القراءة على حالة شبيهة بإيجاب ذلك عند ختم الصفات، مستدعية انطباقها على المنزل على ما هو عليه، وإلا لم تكن قارئا، والوجه هو إذا افتتح التحميد أن يكون افتتاحه عن قلب حاضر ونفس ذاكرة يعقل فيم هو؟ وعند من هو؟ فإذا انتقل من التحميد على الصفات أن يكون انتقاله محذوا به حذو الافتتاح، فإنه متى افتتح على الوجه الذي عرفت مجريا على لسانه الحمد لله، أفلا يجد محركا للإقبال على من يحمد من معبود عظيم الشأن حقيق بالثناء والشكر مستحق للعبادة؟ ثم إذا انتقل على نحو الافتتاح على قوله "رب العالمين" واصفا له بكونه ربا مالكا للخلق، لا يخرج شيء من ملكوته وربوبيته، أفترى ذلك المحرك لا يقوى؟ ثم إذا قال "الرحمن الرحيم" فوصفه بما ينبئ عن كونه منعما على الخلق بأنواع النعم جلائلها ودقائقها مصيبا إياهم بكل معروف، أفلا تتضاعف قوة ذلك المحرك عند هذا؟ ثم إذا آل الأمر على خاتمة هذه الصفات وهي "مالك يوم الدين" المنادية على كونه مالكا للأمر كله في العاقبة يوم الحشر للثواب والعقاب، فما ظنك بذلك المحرك؟ أيسع ذهنك أن لا يصير على حد يوجب عليك الإقبال على مولى شأن نفسك معه منذ افتتحت التحميد ما تصورت؟ فتستطيع أن لا تقول: إياك يا من هذه صفاته نعبد ونستعين لا غيرك ... )).
أرجو تدبر الكلام وتكرار قراءته.
قال في أثناء حديثه عن الالتفات:
(( .... ولأمر ما وقع التباين الخارج عن الحد بين مفسر لكلام رب العزة ومفسر، وبين غواص في بحر فرائده وغواص، وكل التفات وارد في القرآن متى صرت من سامعيه عرفك ما موقعه، وإذا أحببت أن تصير من سامعيه فأصخ ثم ليتل عليك قوله تعالى "إياك نعبد وإياك نستعين"، فلعلك ممن يشهد له الوجدان بحيث يغنيه عن شهادة ما سواه، أليس أن المرء إذا أخذ في استحضار جنايات جان متنقلا فيها عن الإجمال على التفصيل وجد من نفسه تفاوتا في الحال؟ بينا لا يكاد يشبه آخر حاله هناك أولها، أو ما تراك إذا كنت في حديث مع إنسان وقد حضر مجلسكما من له جنايات في حقك كيف تصنع؟ تحول عن الجاني وجهك وتأخذ في الشكاية عنه على صاحبك، تثبته الشكوى معددا جناياته واحدة فواحدة، وأنت فيما بين ذلك واجد مزاجك يحمى على تزايد يحرك حالة لك غضبية تدعوك على أن تواثب ذلك الجاني وتشافهه بكل سوء، وأنت لا تجيب على أن تغلب فتقطع الحديث مع الصاحب ومباثتك إياه وترجع على الجاني مشافها له: "بالله قل لي هل عامل أحد مثل هذه المعاملة؟ هل يتصور معاملة أسوأ مما فعلت؟ أما كان لك حياء يمنعك؟ أما كانت لك مروءة تردعك عن هذا"، وإذا كان الحاضر لمجلسكما ذا نعم عليك كثيرة فإذا أخذت في تعديد نعمه عند صاحبك مستحضرا لتفاصيلها أحسست من نفسك بحالة كأنها تطالبك بالإقبال على منعمك وتزين لك ذلك، ولا تزال تتزايد ما دمت في تعديد نعمه حتى تحملك من حيث لا تدري على أن تجدك وأنت معه في الكلام تثني عليه وتدعو له وتقول: "بأي لسان أشكر صنائعك الروائع، وبأية عبارة أحصر عوارفك الذوارف"، وما جرى ذلك المجرى، وإذا وعيت ما قصصته عليك وتأملت الالتفات في "إياك نعبد وإياك نستعين" بعد تلاوتك لما قبله من قوله "الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين" على الوجه الذي يجب -وهو التأمل القلبي- علمت ما موقعه، وكيف أصاب المحز، وطبق مفصل البلاغة؛ لكونه منبها على أن العبد المنعم عليه بتلك النعم العظام الفائتة للحصر، إذا قدر أنه ماثل بين يدي مولاه، من حقه إذا أخذ في القراءة أن تكون قراءته على وجه يجد معها من نفسه شبه محرك على الإقبال على من يحمد، صائر في أثناء القراءة على حالة شبيهة بإيجاب ذلك عند ختم الصفات، مستدعية انطباقها على المنزل على ما هو عليه، وإلا لم تكن قارئا، والوجه هو إذا افتتح التحميد أن يكون افتتاحه عن قلب حاضر ونفس ذاكرة يعقل فيم هو؟ وعند من هو؟ فإذا انتقل من التحميد على الصفات أن يكون انتقاله محذوا به حذو الافتتاح، فإنه متى افتتح على الوجه الذي عرفت مجريا على لسانه الحمد لله، أفلا يجد محركا للإقبال على من يحمد من معبود عظيم الشأن حقيق بالثناء والشكر مستحق للعبادة؟ ثم إذا انتقل على نحو الافتتاح على قوله "رب العالمين" واصفا له بكونه ربا مالكا للخلق، لا يخرج شيء من ملكوته وربوبيته، أفترى ذلك المحرك لا يقوى؟ ثم إذا قال "الرحمن الرحيم" فوصفه بما ينبئ عن كونه منعما على الخلق بأنواع النعم جلائلها ودقائقها مصيبا إياهم بكل معروف، أفلا تتضاعف قوة ذلك المحرك عند هذا؟ ثم إذا آل الأمر على خاتمة هذه الصفات وهي "مالك يوم الدين" المنادية على كونه مالكا للأمر كله في العاقبة يوم الحشر للثواب والعقاب، فما ظنك بذلك المحرك؟ أيسع ذهنك أن لا يصير على حد يوجب عليك الإقبال على مولى شأن نفسك معه منذ افتتحت التحميد ما تصورت؟ فتستطيع أن لا تقول: إياك يا من هذه صفاته نعبد ونستعين لا غيرك ... )).
أرجو تدبر الكلام وتكرار قراءته.