وقفة مع قول الإمام البخاري رحمه الله تعالى: "{ كل شيء هالك إلا وجهه }: إلا ملكه"

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1

[FONT=&quot]وقفة مع قول الإمام البخاري رحمه الله تعالى:" { كل شيء هالك إلا وجهه }[/FONT]
[FONT=&quot] إلا ملكه":[/FONT]

[FONT=&quot]قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب التفسير من صحيحه:[/FONT]
[FONT=&quot]سورة القصص { كل شيء هالك إلا وجهه } إلا ملكه ويقال إلا ما أريد به وجه الله. اهـــ[/FONT]
[FONT=&quot]ففسر الوجه بالملك ثم عقب بصيغة التمريض:" و يقال ما أريد به وجهه"، مما يدل على جزمه بالأول، خلافا لما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى حيث قال عند تفسيره للآية:"..[/FONT][FONT=&quot]وقال مجاهد والثوري في قوله: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } أي: إلا ما أريد به وجهه،وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له." اهــ[/FONT][FONT=&quot]و كذلك هذا خلاف ما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري حيث علق على قول البخاري:" وكذا نقله الطبري عن بعض أهل العربية وكذا ذكره الفراء" اهــ[/FONT]
[FONT=&quot] حيث أنه بالرجوع إلى تفسير الطبري و تفسير الفراء يظهر أنهما لم يفسرا بهذا التفسير، فالإمام الطبري قال في تفسيره:" واختلف في معنى قوله:( إِلا وَجْهَهُ ) فقال بعضهم: معناه: كلّ شيء هالك إلا هو.[/FONT][FONT=&quot]وقال آخرون: معنى ذلك: إلا ما أريد به وجهه" اهــ[/FONT][FONT=&quot]أما الفراء فقد اكتفى بقوله:" "كل شيء هالك إلا وجهه": إلا هو." اهــ[/FONT]
[FONT=&quot]فهل هذا يعني أن الإمام أبا عبد الله البخاري رحمه الله تعالى لا يثبت صفة الوجه كصفة خبرية دل عليها الكتاب و السنة و أجمع عليها سلف الأمة؟[/FONT]
[FONT=&quot]لا ريب أن هذا الإمام من كبار الأئمة الذين كانوا على مذهب السلف في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه و سلم في سنته و الناظر إلى كتاب التوحيد من صحيحه يعلم علم اليقين أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى كان على منهج السلف في كل الصفات.[/FONT]
[FONT=&quot]فتفسيره للوجه بالملك لا يعني نفيه صفة الوجه عن الله تعالى، و يكف للرد على من يتهم الإمام البخاري بهذه التهمة روايته لأحاديث في إثبات صفة الوجه لله تعالى، من ذالك ما رواه بسنده عن عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن –ح .4878[/FONT]
[FONT=&quot]فلا نشك طرفة عين في أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى كان على منهج السلف و أنه أثبت صفة الوجه لله تعالى، و لا يظن به أنه سلك مسلك التأويل في صفة الوجه عند قوله :إلا وجه: إلا ملكه.[/FONT]
[FONT=&quot]لكن يشكل هذا التفسير منه، فمعلوم أن العلماء اختلفوا في تفسيرها على قولين:[/FONT]
[FONT=&quot]إلا ذاته، أو إلا ما أريد به وجهه، و لا تعارض بين القولين ، فكما تفنى كل الذوات إلا ذاته سبحانه، فكذلك تفنى كل الأعمال و تضمحل إلا ما ابتغي به وجهه و كان خالصا له جل في علاه.[/FONT]
[FONT=&quot]قال الشيخ الغنيمان في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري- باب قول الله تعالى:" كل شيء هالك إلا وجهه:" و أما قوله: " إلا ملكه" فهذا تأويل بعيد، وهو مخالف لصنعه هنا - يقصد البخاري رحمه الله تعالى-، حيث ذكر الآية ثم أتبعها بحديث جابر، وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم-: " أعوذ بوجهك". فهذا ظاهر جداً في أنه أراد إثبات الوجه صفة لله -تعالى-. ومما يدل على بطلان ذلك: أن الأشياء كلها ملك لله -تعالى-، فهل يجوز أن يقال: كل شيء هالك إلا كل شيء؟ بخلاف قوله: إلا ما أريد به وجهه، فإن هذا مما تدل عليه الآية عن طريق المفهوم - مع بقائها نصاً - في إثبات الوجه لله -تعالى- والله أعلم.. اهــ.[/FONT]
[FONT=&quot] فهل هذا التفسير من الإمام البخاري كان سبق قلم أو سهوا منه؟ [/FONT]

[FONT=&quot] أرجو الفائدة.[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]​
 
أوليس حمل المعنى على أنه ما أريد به وجهه تعالى هو أيضا وجه من وجوه التأويل عند من يرى أنها من آيات إثبات صفة الوجه لله سبحانه ؟
وإثبات صفة لله سبحانه يكفي فيه دليل واحد صحيح صريح من القرآن أو السنة ، فهل يلزم حمل اﻵيات جميعها على إثبات الصفة لله سبحانه وبعضها قد لا يحتمل ؟
 
الشيخ عبدالمحسن العباد وجه له سؤالٌ متعلق بهذه المسألة، وأجاب فيه إجابة بديعة:

وجه تفسير ابن كثير لقوله تعالى: (إلا وجهه) بالذات.
السؤال
قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88]، فسرها ابن كثير رحمه الله: إلا ذاته، وقد ذكر أهل العلم ومنهم الشيخ ابن عثيمين والفوزان أن الإمام إذا كان من أهل السنة ومعروف بإثبات الصفات، فإن كلامه في تفسير هذه الآية يرد إلى المحكم من كلامه في إثبات صفة الوجه، وأنه هنا فسر اللازم بالملزوم، فهل هذا صحيح؟
الجواب: (( من جاء عنه من أهل السنة مثل هذا الكلام مع أنه يثبت الصفة لله عز وجل لا يقال إنه مؤول؛ لأنه يثبت الذات ويثبت الوجه الذي هو من صفة الذات.
وعلى كل فالإمام البخاري نفسه في الصحيح عند قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] في سورة القصص أتى كعادته يفسر بعض الكلمات، ثم قال: (وجهه) وعبر عنه بقوله: مَلِكَه، فبعض الناس يقول: إنها تفنى إلا مُلْكه، وهذا لا يستقيم؛ لأن كل شيء هو مُلكه، فيكون معناه: كل شيء هالك إلا كل شيء، وهذا لا يستقيم، ولكن المقصود بها المَلِك، كل شيء هالك إلا مَلِكَه، وهذا جاء عنه في التفسير؛ ولكن جاء عنه في كتاب التوحيد ذكر الوجه وذكر الآيات والأحاديث التي في صفة الوجه.
والحافظ ابن حجر ذكر ذلك كما في الشرح: فقال: إن هذا تفسير أبي عبيدة معمر بن المثنى، وقال: إلا هو، يعني: ملِكَه.
ومعنى ذلك أن البقاء لله عز وجل في ذاته وصفاته، فالبقاء للذات والصفات وليس للصفات وحدها، فقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] يعني: إلا صفة الوجه وغير الوجه يغنى هذا لا يستقيم؛ ولكن المقصود إثبات الذات المتصفة بالصفات ومنها صفة الوجه، فالكلام الذي نقل عن الشيخ ابن عثيمين مستقيم ولا شك أن كلام ابن كثير يرد فيه المتشابه إلى المحكم، ولا يقال: إن هذا تأويل؛ لأنه فصل وأثبت الوجه في مكان آخر، لكن الجواب الصحيح في هذا أن يقال: إثبات الذات والصفات ومنها صفة الوجه.
أما الآية التي في سورة الرحمن فكما هو معلوم أن الوصف جاء للوجه، ولهذا قال: ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو)) ما قال: (ذي) يعني: بحيث يصير وصفاً للمضاف إليه الذي هو الرب، وإنما هو وصف لـ (ذو) الذي هو الوجه، ففيه إثبات الصفة وإثبات الذات المتصفة بالصفات، ومنها صفة الوجه، وفي آخر سورة الرحمن جاء الوصف يرجع إلى المضاف إليه، قال عز وجل: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:78] فصار الوصف بـ (ذي) يرجع إلى المضاف إليه الذي هو الرب)). شرح سنن أبي داود للعباد (573/ 28).

وهنا رابط لمدارسة تمت حول هذا الموضوع:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1863900
 
الآية الواردة في سورة الرحمن صريحة في إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتكفي دليلا على ذلك .
فهل يلزمنا حمل كل آية وردت فيها لفظة ( وجه ) على أنها دليل على إثبات صفة الوجه لله تعالى ؟!
 
صحيح أنه يكفي دليل واحد صحيح لإثبات صفة من صفات رب البرية، لكن الإشكال المطروح يتعلق بتفسير الإمام البخاري رحمه الله تعالى للوجه في آية القصص بالملك، فهل هذا التفسير يصح لغة؟ ثم ما النكتة في هذا التفسير، علما أن الإمام البخاري كما أسلفت أثبت صفة الوجه بأحاديث في صحيحه؟
 
أخشى أن يحصل في بعض ماورد من نقولات خلط بين الحكم على صاحب قول في تأويل لفظ ( الوجه ) في موضع وقد أثبت صفة الوجه لله سبحانة في مواضع أخرى ، فهنا يصح القول بالنظر في جملة كلامه في الصفة ، فإن أثبتها في مواضع أخرى فهو مثبت لصفات الله التي أثبتها لنفسه سبحانه ، وبين تفسير لفظ في إحدى اﻵيات !
والبحث هنا محدد في هذا الموضع عن تأويل البخاري للفظ (وجهه ) بملكه ، فهو رضي الله عنه لا يرى هذه اﻵية من أدلة إثبات صفة الوجه لله سبحانه وفسرها بملكه ، فلا محل لورود أي استشكال على قوله ! والله أعلم .
 
صحيح أنه يكفي دليل واحد صحيح لإثبات صفة من صفات رب البرية، لكن الإشكال المطروح يتعلق بتفسير الإمام البخاري رحمه الله تعالى للوجه في آية القصص بالملك، فهل هذا التفسير يصح لغة؟ ثم ما النكتة في هذا التفسير، علما أن الإمام البخاري كما أسلفت أثبت صفة الوجه بأحاديث في صحيحه؟[/QUOTEإن إثبات ما أثبته الله لنفسه من صفات ليس بالضرورة أن يكون في كل آية فيها مفردة تشابه هذه الصفة والحق أن البخاري عندما قرر أن (وجهه) في القصص بمعنى (ملكه) أي (جاهه) فهذا ليس له علاقة بمذهبه في الصفات لأنه نظر نظرة موضوعية للسورة فسياق الآيات في سورة القصص تتحدث موازين الحياة وتقرر حقائق، و القصص نزلت في مكة والمسلمون قلة قليلة مستضعفة فنزلت تقويهم بتقرير أن هناك قوة واحدة هي قوة الله فذكرت قصة فرعون قوة المُلك والسلطان والحكم وقصة قارون وهي قوة المِلك والمال وفيه عاجل بشرى للقلة القليلة بأنهم منصورون بإذن الله ودليله رأي البخاري في قوله :(لرادك إلى معاد) أي إلى مكة ويقال أن الآية نزلت في الجحفة عندما استبد الشوق بالحبيب المصطفى للوطن، والرأي الذي ذكره البخاري بقوله: "ويقال ما أريد به وجهه" فالسورة لا تتحدث عن الإخلاص ولا عن أعمال المسلمين ولا أحكامهم وإنما عن أن الدنيا دول، والله يداول الأيام بين الناس بحكمه وعدله ويكتب لرسله وعباده الغلبة وقت يشاء بالسنن الربانية والعدل والحكمة، هذه النظرة الموضوعية عند البخاري جعلته يقول(وجهه) هي (مِلكه) و(مُلكه) أي (جاهه) والنسخة التي بين يدي مضبوطة بالشكل بضم ميم(ملكه) والله تعالى أعلم.
 
وعلى كل فالإمام البخاري نفسه في الصحيح عند قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] في سورة القصص أتى كعادته يفسر بعض الكلمات، ثم قال: (وجهه) وعبر عنه بقوله: مَلِكَه، فبعض الناس يقول: إنها تفنى إلا مُلْكه، وهذا لا يستقيم؛ لأن كل شيء هو مُلكه، فيكون معناه: كل شيء هالك إلا كل شيء، وهذا لا يستقيم،
بل يستقيم إذا حملنا كلمة (هالك) على الهلاك المخصوص في الدنيا مثل هلاك فرعون وهلاك قارون وجنوده، ولم نحمله على الهلاك المقرون بآخر الدنيا والفناء بعد النفخة، ومعلوم أن السياق يخصص العام وسياق السورة يخصص قوله تعالى (كل شيء هالك ..) بتداول الأيام، ولما كان الباقي هو وجهه أي جاهه فهو يورث الملك في الدنيا من يشاء من عباده الصالحين.
 
حفظكم الله ورعاكم د/ سهاد قنبر.. استفدت من طرحكم كثيرًا.

وقد تأملت في قولكم إن اختيار البخاري "ليس له علاقة بمذهبه في الصفات لأنه نظر نظرة موضوعية للسورة" فوجدته جديراً بالنظر والدراسة؛ لأن هذا سيكون من منهجه العام في التفسير، فهل اختيار البخاري للمعنى ناتجٌ عن نظره الموضوعي للسورة؟ وهل النظر الموضوعي للسورة عنده يقتضي تخصيص المعنى في الآية بغض النظر عن مرجحات العموم في سياقها أو سياق الآيات حولها؟.

وحين قرأت قولك:
بل يستقيم إذا حملنا كلمة (هالك) على الهلاك المخصوص في الدنيا مثل هلاك فرعون وهلاك قارون وجنوده، ولم نحمله على الهلاك المقرون بآخر الدنيا والفناء بعد النفخة، ومعلوم أن السياق يخصص العام وسياق السورة يخصص قوله تعالى (كل شيء هالك ..) بتداول الأيام، ولما كان الباقي هو وجهه أي جاهه فهو يورث الملك في الدنيا من يشاء من عباده الصالحين.
تساءلت: لِمَ نحملُ اللفظ على التخصيص والقول بالعموم أولى؟!. لأنه لا يخفاك – سددك المولى- أنه" متى ما أمكن حمل الآية على معنى عام يشمل جميع التفسيرات الجزيئة التي جاءت في تفسيرها - مثل التفسير بالمثال، أو بالجزء، أو بالثمرة، أو نحو ذلك - وليس هناك معارض له، وهناك أدلة تشهد لصحته، فهو أولى بتفسير الآية حملاً لها على العموم ألفاظها، ولا داعي لتخصيصها بواحد من المعاني الجزئية.." قواعد الترجيح(2/166).
وأجد أن من مرجحات العموم في الآية:
- لفظ "كل".
- نظائر الآية: كقوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) سورة (الرحمن/ 26- 27). قال القاسمي :" (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) أي: من على ظهر الأرض هالك (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) أي ذاته الكريمة ... وهذه الآية كآية (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص: 88]". محاسن التأويل (9/ 106).
- سياق الآية - والآيات حولها - دائرٌ في إثبات ألوهيته وقدرته سبحانه، وإبطال إنكار المشركين بالبعث، فقد قال تعالى قبلها: ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)، (.. وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) ثم:(كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) وقال بعدها: ( لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
ففي هذه الآيات دلالة على أن المقصود تحقيق العبودية لله وإفراده بالعبادة؛ لأنه ليس بعد فناء وهلاك كل شيء إلا البعث والنشور والرجوع إليه سبحانه، ولذا فتخصيص معنى الهلاك لا دليل عليه حتى في السياق.
والقول بأن كل ما سوى الله باطلا وهالكا، أولى من تخصيص ذلك بهلاك فرعون وقارون وقومهما، كما أن تعميم اللفظ لبيان عظيم قدرته في إفناء كل شيء، وبقاء ملكه سبحانه في الدنيا والآخرة، أولى من تخصيص ذلك بقدرته على تداول الأيام وتغير الأحوال وتوريث الملك لمن يشاء من عباده في الدنيا. والله تعالى أعلم.

واسمحي لي أن أنتظر تعليقكم لتتم استفادتي، فالنقاش معكم ثريٌ جداً.

زادكم الله من فضله وعلمه وكرمه.
 
حفظكم الله ورعاكم د/ سهاد قنبر.. استفدت من طرحكم كثيرًا.

وقد تأملت في قولكم إن اختيار البخاري "ليس له علاقة بمذهبه في الصفات لأنه نظر نظرة موضوعية للسورة" فوجدته جديراً بالنظر والدراسة؛ لأن هذا سيكون من منهجه العام في التفسير، فهل اختيار البخاري للمعنى ناتجٌ عن نظره الموضوعي للسورة؟ وهل النظر الموضوعي للسورة عنده يقتضي تخصيص المعنى في الآية بغض النظر عن مرجحات العموم في سياقها أو سياق الآيات حولها؟.

وحين قرأت قولك:

تساءلت: لِمَ نحملُ اللفظ على التخصيص والقول بالعموم أولى؟!. لأنه لا يخفاك – سددك المولى- أنه" متى ما أمكن حمل الآية على معنى عام يشمل جميع التفسيرات الجزيئة التي جاءت في تفسيرها - مثل التفسير بالمثال، أو بالجزء، أو بالثمرة، أو نحو ذلك - وليس هناك معارض له، وهناك أدلة تشهد لصحته، فهو أولى بتفسير الآية حملاً لها على العموم ألفاظها، ولا داعي لتخصيصها بواحد من المعاني الجزئية.." قواعد الترجيح(2/166).
وأجد أن من مرجحات العموم في الآية:
- لفظ "كل".
- نظائر الآية: كقوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) سورة (الرحمن/ 26- 27). قال القاسمي :" (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) أي: من على ظهر الأرض هالك (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) أي ذاته الكريمة ... وهذه الآية كآية (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص: 88]". محاسن التأويل (9/ 106).
- سياق الآية - والآيات حولها - دائرٌ في إثبات ألوهيته وقدرته سبحانه، وإبطال إنكار المشركين بالبعث، فقد قال تعالى قبلها: ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)، (.. وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) ثم:(كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) وقال بعدها: ( لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
ففي هذه الآيات دلالة على أن المقصود تحقيق العبودية لله وإفراده بالعبادة؛ لأنه ليس بعد فناء وهلاك كل شيء إلا البعث والنشور والرجوع إليه سبحانه، ولذا فتخصيص معنى الهلاك لا دليل عليه حتى في السياق.
والقول بأن كل ما سوى الله باطلا وهالكا، أولى من تخصيص ذلك بهلاك فرعون وقارون وقومهما، كما أن تعميم اللفظ لبيان عظيم قدرته في إفناء كل شيء، وبقاء ملكه سبحانه في الدنيا والآخرة، أولى من تخصيص ذلك بقدرته على تداول الأيام وتغير الأحوال وتوريث الملك لمن يشاء من عباده في الدنيا. والله تعالى أعلم.

واسمحي لي أن أنتظر تعليقكم لتتم استفادتي، فالنقاش معكم ثريٌ جداً.

زادكم الله من فضله وعلمه وكرمه.
الحديث أختي عن قول البخاري رحمه الله في آية القصص (وجهه) يعني (ملكه) وأنا ارتأيت أن السبب النظرة الموضوعية للسورة وليس بالضرورة تخصيص العام لنقول باستقامة معنى (كل شيء هالك إلا ملكه أي جاهه). على أية حال مقصود الشارع تكثير المعاني وكل معنى لا يخالف اللغة وتحتمله الآية فهو مقصود للشارع وهذه القاعدة جعلت الكثير من المفسرين يتركون الترجيح بين المعاني المعتبرة وعليه لا مانع من القول أن وجهه (ذاته) ووجهه(ملكه) والسياق يحتمل وترجيح البخاري له أسبابه لا سيما إن صح الحديث في آية (لرادك إلى معاد) وأن المقصود بها لرادك إلى مكة، وعليه يكون المعنى لا تنظروا لملك الكفار وغلبتهم ولا تتمنوا ما هم عليه فالدنيا دول وكل ملك زائل وهالك إلا ملك الله يورثه من يشاء، أو يكون المعنى ترغيب في إيمان المشركين بعد قولهم (إن نتبع الهدى نتخطف من أرضنا) فالآية أوضحت أن الجاه والملك والقوة ليست تدوم على إنسان بسبب موت وفناء أو تداول الملك والسلطة بين البشر ولا يدوم إلا ملك الله وجاهه فهو من يحفظ عليكم ما أنتم به من نعم وهو من ينزعها فالأولى أن تؤمنوا به إن أردتم أن تبقوا على ما أنتم فيه من أمن ورزق، والله أعلم.
 
يوجد رسالة جامعية عن منهج البخاري في التفسير ولم أطلع عليها لعل من اطلع عليها يفيدنا.
 
كل شيء هالك إلا ماقدر الله وقضى ببقائه في ملكه كالجنة والنار والعرش ..
والمراد من الآية والله أعلم بمراده : كل شيء هالك إلا ما حكم الله وقضى ببقائه في ملكه .
ولو قيل هل يحتمل المعنى ( كل شيء قابل للزوال والفناء ) يقال : كل شيء قابل للهلاك لأنه لم يوجد ذاته بذاته وإنما أوجده الله سبحانه، لكن الله قدر وقضى بعظيم سلطانه بقاء الجنة والنار ... فالإستثناء يقع عليها لتقدير الله وحكمه ببقائها في ملكه وعدم هلاكها.
هذا والله أعلم .
 
حمل الأخت سهاد قنبر لآية القصص يجعل الاستثناء فيها منفصلا،فتفسير الآية على حسب ما فهمت من كلامها "كل شيء هالك إلا وجهه": أي كل شيء من ملك البشر كفرعون و غيره هالك-في الدنيا- إلا ملك الله تعالى فهو باق في الآخرة.
فما الداعي لجعل الاستثناء منفصلا و العموم خاصا مع إمكان إبقاء هذا العموم على عمومه و الاستثناء متصلا، خاصة و أنه كما ذكرت الأخت الفجر الباسم كل المرجحات ترجح الحمل على العموم؟
و سؤالي لا زال مطروحا: هل من معاني الوجه في اللغة الملك؟
و أما فيما يتعلق بمنهج الإمام البخاري رحمه الله تعالى في التفسير و هل يعتمد النظرة الموضوعية لتفسير المعاني، فيمكن القول من خلال إطلالة على كتاب التفسير من صحيحه أنه لا يمكن الجزم بذلك، حيث أنه كثيرا ما يفسر تفسيرا لفظيا، و هذه نماذج من ذلك:
يقول رحمه الله تعالى:"1- باب تفسيرسورة المائدة:{ حرم } واحدها حرام { فبما نقضهم } بنقضهم { التي كتب الله } جعل الله تبوء تحمل { دائرة } دولة ...{ أجورهن } مهورهن...
2-سورة النمل:الخبء ما خبأت { لا قبل } لا طاقة الصرح كل ملاط اتخذ من القوارير والصرح القصر وجماعته صروح وقال ابن عباس { ولها عرش } سرير كريم حسن الصنعة وغلاء الثمن { يأتوني مسلمين } طائعين { ردف } اقترب { جامدة } قائمة { أوزعني } اجعلني وقال مجاهد { نكروا } غيروا { وأوتينا العلم } يقوله سليمان الصرح بركة ماء ضرب عليها سليمان { قوارير } ألبسها إياه.
3- سورة الكهف: وقال مجاهد { تقرضهم } تتركهم { وكان له ثمر } ذهب وفضة وقال غيره جماعة الثمر { باخع } مهلك { أسفا } ندما الكهف الفتح في الجبل والرقيم الكتاب { مرقوم } مكتوب من الرقم { ربطنا على قلوبهم } ألهمناهم صبرا { لولا أن ربطنا على قلبها } { شططا } إفراطا الوصيد الفناء جمعه وصائد ووصد ويقال الوصيد الباب { مؤصدة } مطبقة آصد الباب وأوصد { بعثناهم } أحييناهم { أزكى } أكثر ويقال أحل ويقال أكثر ريعا قال ابن عباس { أكلها ولم تظلم } لم تنقص وقال سعيد عن ابن عباس الرقيم اللوح من رصاص كتب عاملهم أسماءهم ثم طرحه في خزانته فضرب الله على آذانهم فناموا وقال غيره وألت تئل تنجو وقال مجاهد { موئلا } محرزا { لا يستطيعون سمعا } لا يعقلون. اهــ.
ثم ظهر لي فيما يتعلق بتفسير الإمام البخاري للوجه بالملك أن لهذا التفسبر وجا في اللغة، ففي المعجم الوسيط:
( وجه ) فلان ( يوجه ) وجاهة صار ذا قدر ورتبة فهو وجيه ...و ( الوجه ) سيد القوم وشريفهم..
فلعل من هذه المعاني يستشف معنى الشرف و الملك.
و الله أعلم و أحكم.
 
حمل الأخت سهاد قنبر لآية القصص يجعل الاستثناء فيها منفصلا،فتفسير الآية على حسب ما فهمت من كلامها "كل شيء هالك إلا وجهه": أي كل شيء من ملك البشر كفرعون و غيره هالك-في الدنيا- إلا ملك الله تعالى فهو باق في الآخرة.
فما الداعي لجعل الاستثناء منفصلا و العموم خاصا مع إمكان إبقاء هذا العموم على عمومه و الاستثناء متصلا، خاصة و أنه كما ذكرت الأخت الفجر الباسم كل المرجحات ترجح الحمل على العموم؟
.
أولاً:لقد زدت الأمر تعقيداً كيف يكون الاستثناء متصلاً على رأي الأخت الفجر الباسم؟ أتريد أن تجعل (وجهه) مستثنى من (كل شيء) حاشا لله، وكذلك الاستثناء منفصل على قول البخاري إلا (ملكه) وإلا لفسد المعنى إذ لا يستثنى الأعم من الأخص وملك الله أعم من هذه الدنيا ومن ملك فرعون ومن ملك قارون، فالاستثناء منفصل على جميع المعاني المحتملة.
وقد وقع في نفسي أن (وجهه) جاءت بقراءة النصب وليس فيها قراءة متواترة بالرفع لوجوب النصب في الاستثناء المنفصل، بمعنى أن المنفصل والمتصل لا علاقة له بما نتحدث عنه.
ثانياً: ما أوردته من أمثلة لا يسمى تفسيراً لفظياً أي الدلالة المعجمية للفظة فعلى سبيل المثال(ثمر) يحتمل أن يكون كل ما هو مثمر ويحتمل أن تكون عائدة على ما ذكر من شجر أو الذهب والفضة لكن البخاري رحمه الله اختار الذهب والفضة لأسباب ومرجحات يغلب على ظني أنها سياقية.
كذلك(ردف) فيها أقوال واختار البخاري منها(اقترب) .
(مسلمين) اختار البخاري رحمه الله اختار (طائعين) مع أن معناها يحتمل كما قال المفسرون أنه أراد عرشها قبل أن تسلم وقومها بالله فيعصموا منه أموالهم وأنفسهم، جميع هذه الاختيارات أو الترجيحات لها أسبابها عند البخاري ولما كان المرجح ليس اللغة قطعاً لأنها تحتمل المعاني كلها كان المحتم البحث عن مرجحات أخرى منها السياق والنظرة الموضوعية في السورة والسياق التاريخي وغيرها.
ثالثاً: نعم المعنى الذي أتى به البخاري رحمه الله تحتمله اللغة بل قال به المفسرون.
رابعاً: ما زلت أقول إن الآية تحتمل المعنيين فما الوجه في تضييق المعنى ومقصد الشارع تكثير المعاني لم لا نحملها على جميع معانيها المحتملة (وجهه) ذاته، و(وجهه) ملكه، و(وجهه) الأعمال التي أريد بها وجهه.
 
أولاً:لقد زدت الأمر تعقيداً كيف يكون الاستثناء متصلاً على رأي الأخت الفجر الباسم؟ أتريد أن تجعل (وجهه) مستثنى من (كل شيء) حاشا لله، وكذلك الاستثناء منفصل على قول البخاري إلا (ملكه) وإلا لفسد المعنى إذ لا يستثنى الأعم من الأخص وملك الله أعم من هذه الدنيا ومن ملك فرعون ومن ملك قارون، فالاستثناء منفصل على جميع المعاني المحتملة....
ثالثاً: نعم المعنى الذي أتى به البخاري رحمه الله تحتمله اللغة بل قال به المفسرون.
رابعاً: ما زلت أقول إن الآية تحتمل المعنيين فما الوجه في تضييق المعنى ومقصد الشارع تكثير المعاني لم لا نحملها على جميع معانيها المحتملة (وجهه) ذاته، و(وجهه) ملكه، و(وجهه) الأعمال التي أريد بها وجهه.
أولا: لم أزد الأمر تعقيدا و ربما الذي حملك على هذا الكلام كونك لم تفهمي قصدي جيدا، فالذي أريد قوله هو أن حمل الآية على التفسير الذي ذكرتيه -و ليس الأخت فجر الإسلام- يجعل الاستثناء منفصلا و هذا ما صرحت به و قلت أنه كذلك على جميع المعاني المحتملة. و الصواب -و الله أعلم- أن الاستثناء متصل لأننا إذا أجرينا الكلام على عمومه و هذا هو الأصل خاصة و أن كل المرجحات ترجح -كما أسلفت- الحمل على العموم، فيكون المعنى: كل شيء هالك و فان إلا شيء واحد -مستثنى من هذا العموم- ألا و هو ذاته سبحانه تعالى، و قد أخبر الله عن نفسه أنه شيء كما في قوله تعالى:" قل أي شيء أكبر شهادة، قل الله"، فلا داعي إذن للجزم بأن الاستثناء منفصل على جميع المعاني.
يقول العلامة الألوسي رحمه الله تعالى في تفسيره لآية القصص:" وفي الآية بناءً على ما هو الأصل من اتصال الاستثناء دليل على صحة إطلاق الشيء عليه جل وعلا ." اهـ. -روح المعاني-.
ثانيا: بالنسبة لما أسميته تفسيرا لفظيا فقصدي الأول هو أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى لا يفسر دائما حسب النظرة الموضوعية للسورة، و ما نقلته من كتاب التفسير من صحيحه خير شاهد على ذلك: فمثلا أليس من معاني "كتب" جعل، و من معاني "الأسف" الندم، و العرش أليس هو سرير الملك في اللغة، و الزكاة النماء فيكون "أزكى" بمعنى أكثر...
ثالثا: قلت أن تفسير "الوجه" بالملك هو قول الإمام البخاري و المفسرين:
فقد بحثت بعض الوقت و لم أجد من قال بهذا التفسير إلا ابن كيسان على ما ذكره الثعلبي، أما الإمام البغوي فبعد أن فسره بقوله:"إلا هو" قال بصغة التمريض: "و قيل إلا ملكه" مما يشعر بتضعيفه لهذا القول، فأرجو ذكر بعض المفسيرين الذين فسروا الوجه بالملك في سورة القصص غير هؤلاء.
رابعا: الذي جعلك تأيدين تفسير الوجه في الآية بالملك النظرة الموضوعية للسورة و السياق، لكن أليس إذا نظرنا إلى سياق الكلام في آخر السورة يتضح جليا أن المراد أحد التفسيرين الذين ذكرهما أئمة التفسير: قال تعالى:"وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) "
فبعد أن نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه و سلم- و النهي موجه لكل من صح توجيهه إليه- عن الشرك بين تعالى علة هذا النهي بقوله:" كل شيء هالك إلا وجهه" فبشيء من التدبر يظهر أن الآية لا تحرج عن أحد التفسيرين المشهوريين، و هما ما اكتفى إمام المفسرين بنقلهما عن السلف.
و لو قطع بأنه لم يرد عن السلف إلا هذين التفسيرين، لكان الأولى إعمال القاعدة التفسيرية المعلومة:" إذا اختلف السلف في تفسير آية على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث يخرج عن قولهم"، لكني في الحقيقة غير جازم بأنه لم يرد عن أحد من السلف تفسير الوجه بالملك.
و الله أعلم و أحكم.
 
الذي جعلك تأيدين تفسير الوجه في الآية بالملك النظرة الموضوعية للسورة و السياق، لكن أليس إذا نظرنا إلى سياق الكلام في آخر السورة يتضح جليا أن المراد أحد التفسيرين الذين ذكرهما أئمة التفسير: قال تعالى:"وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) "
أنا لست مؤيدة لتفسير الوجه في الآية بالملك فهذا قول البخاري وأنا هنا أحاول إضاءة ما يمكن أن يكون سبباً لجعله يختار هذا المعنى.
 
قلت أن تفسير "الوجه" بالملك هو قول الإمام البخاري و المفسرين:
نعم قلة من المفسرين الذين قالوا برأي البخاري وإذا عددنا معنى (ملكه) قريباً من( جاهه ) فقد قال به القرطبي ولم يقل بغيره قال:(إلا وجهه) بمعنى (إلا جاهه)، وقاله البغوي وأبو حيان بصيغة (وقيل : ملكه) وقال مكي :" وحكى بعض أهل اللغة أن معناه إلا جاهه".
-وأما قولك أخي:" لو قطع بأنه لم يرد عن السلف إلا هذين التفسيرين، لكان الأولى إعمال القاعدة التفسيرية المعلومة:" إذا اختلف السلف في تفسير آية على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث يخرج عن قولهم"، لكني في الحقيقة غير جازم بأنه لم يرد عن أحد من السلف تفسير الوجه بالملك".
أولاً: لم يقطع بهذا، وثانياً: من هم السلف الذين لم يرد عنهم إلا هذين التفسيرين؟ الطبري نفسه لم ينقل روايات عن معنى (إلا وجهه) مع انه تفسير روائي إن صح التعبير، وثالثاً: القاعدة التفسيرية التي أوردتها قاعدة خلافية شأنها شأن الكثير من قواعد التفسير.
ما أريد قوله أن البخاري اختار أن يكون معنى (إلا وجهه) إلا (ملكه) لأسباب أرى أنها النظرة الموضوعية في السورة إضافة إلى تفسير (لرادك إلى معاد) أي (إلى مكة) لأنه صحح حديث سبب نزول الآية وهذا يعني أنه رحمه الله اختار تفسيره لأسباب: عقلية وهي السياق والنظرة الموضوعية في السورة، ولأسباب نقلية: وهي سبب النزول ، ولأسباب لغوية: وهي أن تفسيره تحتمله اللغة، وكلها أسباب لها وجاهتها، وما زلت أتحدث عن اختيار البخاري ولا علاقة لما أقول برأيي في الآية والله أعلم.
 
قد تختلف القراءة الإيمانية/العقائدية والكلاميّة لآية من الآيات عن القراءات التفسيرية/التأويلية والقراءات الفقهية الحُكمية والقراءات الفكرية والأدبية والقراءات الأخلاقياتية/التصوفية والقراءة اللغوية لإعتبارات تخصصية دون وقوع الإختلاف التعارضي بينها بالضرورة، وإن حدث فإنه كما يحدث داخل القراءة الواحدة: القراءة التفسيرية مثلا. لا حاجة لضرب هذه القراءة بتلك ولا يمكن أن يؤطرها مجموعة ويستخلص منها فائدة عامة إلا عالم موسوعي يجمع بين تلك التخصصات كلها. للقرآن أبعاد لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بجوامع الكلم.
 
[FONT=&quot][/FONT][FONT=&quot]فلا نشك طرفة عين في أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى كان على منهج السلف و أنه أثبت صفة الوجه لله تعالى، و لا يظن به أنه سلك مسلك التأويل في صفة الوجه عند قوله :إلا وجه: إلا ملكه.[/FONT]
شخصيا لا أهتم بمثل هذه الجزئيات العلمية لكن فقط إفادة قد تساعدك:
رد الفوزان على البوطي وكتابه السلفية مرحلة زمنية مباركة:
نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية و غيره أنهم قد يفسرون الوجه بالجهة أو القبلة أو الذات و ظن أن هذا تأويل للوجه الذي هو صفة من صفات الله عز و جل الذاتية، و هذا الظن منه خطأ واضح؛ فهولاء الأئمة لم يقصدوا ما توهمه؛ لأن الوجه لفظ مشترك تارة يراد به الوجه الذي هو الصفة الذاتية و تارة يراد به الدين والقصد و تارة يراد به الجهة و الوجهة، و سياق الكلام هو الذي يحدد المقصود في كل مكان بحسبه، فإذا فسر الوجه في موضع بأحد هذه المعاني لدليل اقتضى ذلك من دلالة السياق أو غيره صح ذلك و لم يكن تأويلا بل هو تفسير لذلك النص و بيان للمراد به‏.
إذا صح قولك أن الإمام البخاري كان على ما تشير إليه بـ "منهج السلف" (الذي أعرف معناه لكن لم أفهم أبدا كيف ينسب الخلف الصفاتيون والمفوضون هذا المنهج للسلف) و أنه أثبت صفة الوجه لله فإنه فسّر ولم يؤول - يعني التأويل كمفهوم كلامي وعقائدي وأيضا كمفهوم في علم التفسير عند المتأخرين.
 
جاء في حاشية طبعة دار الرسالة العالمية لصحيح البخاري والتي اشرف عليها الشيخ شعيب الارنؤوط:
هذا تفسيران لقوله (إلا وجهه) وقد دل على الأول قوله تعالى: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) وهذا يكون بعد فناء وهلاك كل المخلوقات.
ودل على الثاني سياق الآية وأن كل شيء لم يرد به وجه الله تعالى فهو إلى زوال وهلاك, ولذا ختم الآية بقوله: (له الحكم وإليه ترجعون) بعد موتكم للحساب والجزاء وبهذين التفسيرين تجتمع الأدلة ولايضرب بعضها ببعض, ولكن الأسد والأقوى أن يقال: (إلا وجهه) إلا هو, وهذا فيه إثبات بقاء الله تعالى, لانه إذا بقيت صفة من صفات الله الذاتية فإنه عز وجل باق, وخص الوجه هنا إجلالاً وتعظيماً وتشريفاً وفي الأية إثبات الوجه لله بما يليق بجلاله, كما سيأتي عن المصنف في كتاب التوحيد الباب (16) والله أعلم. أهـ
 
اﻷستاذ الكريم ناصر عبدالغفور وفقه الله
أليس هناك فرق بين قوله تعالى ( كل من ..) وقوله ( كل شيء ) ؟
 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
لعلك أخي تقصد الآية السادسة و العشرين من سورة الرحمن و الآية التي نحن بصدد الكلام عنها من سورة القصص.
إن كان الأمر كذلك فقوله تعالى:" كل شيء هالك إلا وجهه" أعم من قوله تعالى:" كل من عليها فان.."، لأن الضمير في الآية الأخيرة يعود على الأرض كما ذكر المفسرون منهم الإمام البغوي حيث قال:"{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا } أي على الأرض من حيوان فإنه هالك { فَانٍ } ."اهــ ، و قال الإمام القرطبي:"الضمير في { عليها } للأرض وقد جرى ذكرها في أول السورة في قوله تعالى { والأرض وضعها للأنام }"اهــ.
أما قوله تعالى:" كل شيء هالك إلا وجهه" فهذه عامة فكل شيء فان زائل إلا رب الأكوان فإنه باق لا يفنى سبحانه و تعالى و لايزول.
و قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:"لما نزلت هذه الآية قالت : الملائكة هلك أهل الأرض فنزلت : { كل شيء هالك إلا وجهه } فأيقنت الملائكة بالهلاك".
و لم أقف على مدى صحة هذا الأثر عنه رضي الله عنه، لأنه إن صح فقد يقال أن له حكم الرفع لأنه إخبار عن أمر غيبي، إلا أن يقال أن ابن عباس رضي الله عنهما كان من أقطاب الرواية الإسرائيلية، و العلماء يشترطون في إعطاء رواية الصحابي في التفسير حكم الرفع -إذا كانت في أمور غيبية- ألا يكون راويها ممن يروي الإسرائليات.
و ممن ذكر هذا الأثر الإمام السيوطي في الإتقان.
و على أي، فإن في الآيتين معا إثبات صفة الوجه لله جل في علاه.
و الله أعلم و أحكم.
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم ناصر
أليس من في سورة الرحمن لذات الذوات وشيء في القصص لغير ذات الذوات ؟
 
عفوا ، لم أفهم قصدك، فالذي يظهر أن في الآييتين إثبات صفة الوجه و أن آية القصص أعم من آية الرحمن، فأرجو توضيح المقصود.
 
كل شيء في الآية (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) ليست لعموم كل شيء وإنما المراد - والله أعلم بمراده - من كل شيء من أسباب الملك والسلطان !
ومن شيء في الآية ( مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ) ليست مطلقة حيث أنه معلوم بقاء الجبال والحجارة وغيرها دون أن تصبح كالرميم !
وكل شيء في الآية ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) ليست للعموم ولكن المراد والله أعلم كل شيء من النعم !
ومن كل شيء في الآية ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ )
ليست لعموم كل شيء والمراد والله أعلم من أمر الدين!
وكل شيء في الآية ( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) المراد كل شيء مرت به إلا مساكنهم !
والشاهد من هذا أن لفظة كل شيء لا تفيد العموم دائما ، وفي الآية التي نحن بصدد محاولة فهم معناها لا تفيد العموم أيضا ، فالقول بالعموم فيهالا يجوز في حق الله عز وجل لو حملت (إلا وجهه )على أن وجهه هنا دليل على إثبات صفة الوجه لله سبحانه !
إلا أن تقول بأن المراد إلا ذاته فتنفي أن تكون **هذه الآية ** دليلا على إثبات الوجه لله سبحانه !
وحمل البخاري -رضي الله عنه -معنى الوجه هنا على الملك وجيه جدا ، والله أعلم .
 
حقا ما قلت أخي محمد، ف"كل شيء" و إن دلت بظاهرها على العموم، قد يراد بها الخصوص أو يدخلها تخصيص، كما مثلت آنفا،لكن التخصيص كما يكون بالنص يكون بالحس و العقل، فمثال التخصيص بالحس قوله تعالى:" تدمر كل شيء.." فبالحس يعلم أنها لم تدمر الجبال و السموات و غير ذلك، و أمثلة التخصيص بالنص كثيرة لا مجال لذكرها هنا، بقي التخصيص بالعقل و هذه المسألة الأصولية المهمة ترد عند التعارض -الظاهري- بين النقل و العقل، فكثير من الأصوليين يقولون بتخصيص النقل -النص- بالعقل للخروج من هذا التعارض، مثاله قوله جل و علا:" الله خالق كل شيء" فحمل هذا الآية على عمومها يقتضي أن الله تعالى مخلوق لأنه سبحانه شيء كما قال تعالى :" قل أي شيء أكبر شهادة قل الله.."، و قوله تعالى:" كل نفس ذائقة الموت" حملها على عمومها يلزم منه دخوله سبحانه في هذا العموم لأنه سبحانه وصف ذاته بالنفس كما في قوله تعالى:" كتب ربكم على نفسه الرحمة.."...
و مثاله الآية التي بين أيدينا:"كل شيء هالك إلا وجهه"، فحملها على العموم يقتضي أن الله تعالى يجوز على ذاته سبحانه الهلاك...
فحمل هذه الآيات و نحوها على العموم يلزم منه معارضة العقل الذي يقطع بنفي كل ذلك عنه سبحانه فهو الحي الذي لا يفنى و هو الخالق الذي لم يخلق -بضم الياء- سبحانه...مما يوجب كما يقول العلماء تخصيص هذه الآيات، فقوله تعالى:" كل نفس ذائقة الموت" أي كل نفس إلا هو سبحانه، و قوله " الله خالق كل شيء" أي كل شيء إلا هو -ذاتا و صفاتا- سبحانه، و قوله:" كل شيء هالك إلا وجهه" أي كل شيء إلا ذاته سبحانه.
و هذا يسميه جمهور العماء تخصيص: قال الفخر الرازي في "المحصول": إن التخصيص بالعقل قد يكون بضرورته كقوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فإنا نعلم بالضرورة أنه ليس خالقًا لنفسه...-و قال- الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "اللمع":"...{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء} فقلنا: المراد ما خلا الصفات، لدلالة العقل على ذلك" اهـ، و قد نقل هذا الكلام الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في إرشاد الفحول ثم قال:"وليس التخصيص بالعقل من الترجيح لدليل العقل على دليل الشرع، بل من الجمع بينهما لعدم إمكان استعمال الدليل الشرعي على عمومه لمانع قطعي، وهو دليل العقل."انتهى.
إلا الإمام الشافعي و من نحا نحوه، لا يسمونه تخصيصا، لأن ذاته العلية جل في علاه لم تدخل في عموم هذه الآيات ابتداء، فكيف تخرج من هذا العموم الذي لم تدخل فيه، بيان ذلك أن قوله تعالى:" كل شي هالك إلا وجهه" ذات الله العلية لم تدخل في عموم هذه الآية ابتداء فلا داعي للقول بالتخصيص.
و سواء سمي ذاك تخصيصا أو لم يسمى فلعل الاختلاف لفظي لا غير، و على كلا الحالتين فحمل الآية على الوجه كصفة من صفاته سبحانه قول قوي.
و العلم عند الله.
 
قال ابن تيمية رحمه الله : وإذا كان المقصود هنا الكلام في تفسير الآية فنقول : تفسير الآية بما هو مأثور ومنقول عن من قاله من السلف والمفسرين من أن المعنى : كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه فإنه ذكر ذلك بعد نهيه عن الإشراك وأن يدعو معه إلها آخر ..
روي عن أبي العالية قوله : إلا ما أريد به وجهه ، وعن جعفر الصادق : إلا دينه ، ومعناهما واحد ..
وعن مجاهد :إلا هو ، وعن الضحاك : كل شيء هالك إلا الله والجنة والنار والعرش . وعن ابن كيسان : إلا ملكه .
إلى أن قال رحمه الله : وقد جاء الوجه في صفات الله في مواضع من الكتاب والسنة ، ليس هذا موضعها .
انتهى كلامه .
فترى هنا أن شيخ الإسلام رحمه الله لا يرى في هذه الآية إثبات صفة الوجه لله سبحانه !
 
عودة
أعلى