وقفة مع سورة يوسف:

إنضم
12 يناير 2013
المشاركات
686
مستوى التفاعل
20
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
...
بسم الله الرحمن الرحيم


وقفة مع سورة يوسف:



من الآيات التي ذكرها الله تعالى في سورة يوسف:

1- {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) }.

2- {قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) }.

3- {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) }.


تأملت هذه الآيات من قصة يوسف عليه السلام واستوقفتني كلمة (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، حيث استعملها يعقوب عليه السلام مع أبنائه لما طلبوا منه أن يرسل معهم أخوهم الأصغر.

وهي نفسها التي قالها يوسف عليه السلام لإخوته لما اعترفوا بخطئهم.


في حين نجد الأخ الأكبر لم يستعمل هذه الكلمة في خطابه لإخوته حينما عاتبهم على فعلتهم وأنه لن يبرح أرض مصر حتى يأذن له أبوه أو يحكم الله تعالى بما شاء من حكمه، فلم يقل: (أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، بل قال: (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ).


والنكتة في ذلك (والله أعلم) أن يوسف ويعقوب عليهما السلام غلّبا جانب الرحمة، وفتحا باب الرجاء في وجه إخوة يوسف مع عظم زلتهم وقبح فعلتهم وشنيع صنيعهم، وآثرا الرفق على الشدة، والعفو على المؤاخذة، والصفح على المعاتبة، والصبر الجميل على المواجهة بالمثيل.

بخلاف الأخ الأكبر فقد علم قبح صنيعهم فلم يتجرأ على اعتماد الرحمة في وقت يشعر أن فعلهم يستوجب خلافها، فاستعمل الأنسب للمقام والأقرب إلى ما يستحقونه من الملام..فرد الأمر إلى حكمة العلام –سبحانه-.


ولا غرابة فإن يوسف ويعقوب عليهما السلام رسولان كريمان (الكريم بن الكريم...)، وللرسل من الصفات ما قد لا يصل درجته غيرهم من البشر.

فكون يعقوب عليه السلام يفقد أعز أبنائه ويحرم من فلذة كبده منذ صغره ونعومة أظافره بفعل أقرب قريب..ثم يقابل ذلك بقوله (وهو أرحم الراحمين)...

وكذلك أن يتعرض يوسف عليه السلام لكل تلك الابتلاءات ويتحمل كل تلك الشدائد والصعاب بسبب أقرب قريب..ثم يقابل كل ذلك بقوله لمن أجرم في حقه (وهو أرحم الراحمين)، فهذا غاية الإحسان الذي لا يتأتى إلا من خواص الخلق وخيار المصطفين عند الرحمن -سبحانه-....

فهو ليس لكل أحد، بل لمن اصطفاه الله واجتباه، وربط على قلبه وتولاه، ووفقه لما يحبه ويرضاه، وعصمه من شر النفس ووقاه، ومن مكر الشيطان حماه.


فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، وأحسن الأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئ الأخلاق، وسيئ الأعمال فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت.

والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
 
عودة
أعلى