[FONT="]المقال الثاني
[/FONT]
[/FONT]
[FONT="]
[/FONT]
[/FONT]
[FONT="]{الله نور السموت والأرض}[/FONT]
[FONT="] تناسب جميل بين اسم السورة ومحتوى السورة, هذا التناسب يكشف عن جانب إنساني رفيع في طبيعة المجتمع القرآني, مجتمع النور, هذا الجانب الإنساني لا يوجد بغير مجتمع القرآن, بل ولا ينبغي أن يوجد بغير مجتمع القرآن, وليت المسلمون ينظرون للمجتمع القرآني بهذا المنظار الرائق الجميل .. [/FONT]
[FONT="] إن كلمة النور في سورة النور لتتسع اتساعا بديعا ليشمل النور حالات في المجتمع, وأخلاق في النفس, وآداب في البيت, وإشراقات في القلب والروح, حتى ليخيل إليك حين تتأمل السورة أنها قد سكبت فوق النور نور, فجاء الاسم (سورة النور) على نور محتواها ومضمونها على نور مقاصدها فـكانت بحق نورا على نـور ..[/FONT]
[FONT="] إسم السورة إذن هو النور .. لأنها تتكلم عن النور بمعناه الإنساني الرفيع لا بمعناه الحسي الضيق القريب, تتكلم عن نور الضمير والوجدان, وعن نور الطهر والستر والـعفاف, ونور السلوك والآداب, وتـتكلم فوق هذا وذاك عن نور الله الغامر العظيم .. [/FONT]
[FONT="] إذن تعال نتأمل قطاعات السورة من البدء حتى الختام, لنرى كيف تتسع كلمة النور إلى جوانب أخرى هي في حقيقتها من النور وفي النور وإن بدا أنها لا تمد لاسم النور بصلة ..[/FONT]
[FONT="] أول مقطع في السورة يتكلم عن فرضية الحدود, حدود الله في التعدي على أعراض المسلمين وحرمهم, وكيف أحاط الله هذا الشرف الرفيع بسور من الحدود الغليظة الشديدة, ليبقي أعراض المسلمين داخل هذا الحمى الآمن المنيع, وفي ذلك وقاية للمجتمع المسلم من الانحطاط والابتذال, وفي ذلك حفظه من الفوضوية الأخلاقية والانحلال الجنسي الذي يقوض عرى الأسرة إذا نشب بها, بل يقوض بنيان المجتمع إذا استطار به .. ووقاية المجتمع المسلم من تفشي تلك الأمراض هي نور أو هي معنى من معاني النور ..[/FONT]
[FONT="]* * *[/FONT]
[FONT="] يقول صاحب الظلال في ظلاله .. [/FONT]
[FONT="] "إن ترك الألسنة تلقي التهم على المحصنات –وهن العفيفات الحرائر ثيبات أو أبكارا- بدون دليل قاطع, يترك المجال فسيحا لكل من شاء أن يقذف بريئة أو بريئا بتلك التهمة النكراء, ثم يمضي آمنا! فتصبح الجماعة وتمسي وإذا أعراضها مجرحة, وسمعتها ملوثة, وإذا كل فرد فيها متهم أو مهدد بالاتهام؛ وإذا كل زوج فيها شاك في زوجه, وكل رجل فيها شاك في أصله, وكل بيت فيها مهدد بالانهيار.. وهي حالة من الشك والقلق والريبة لا تطاق"[FONT="][1][/FONT] . [/FONT]
[FONT="]* * *[/FONT]
[FONT="]ويتكلم المقطع أيضا عن غض البصر للمؤمنين والمؤمنات ليجعل منه حجابا على العين فوق حجاب الرأس, وهو بذلك يضيق سبل الغواية في المجتمع المسلم النظيف..[/FONT]
[FONT="] ويتكلم عن أدب النساء في زينتهن ولمن يبدينها .. وهذه الآداب النظيفة لا تكون في مجتمع القرآن إلا نور أو معنى من معاني النور .. [/FONT]
[FONT="]* * *[/FONT]
[FONT="]* * *[/FONT]
[FONT="]{الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم}[/FONT]
[FONT="] لكن برغم هذا النور الغامر للسموات والأرض, الغامر للروح والوجدان, هنالك قلوب مظلمة لا أمن فيها ولا خير, كالبيوت الخربة لا نور فيها ولا ضياء, يضرب الله لها مثلين يقابل بهما مثل القلوب المؤمنة والبيوت المنيرة بالتسبيح وذلك ضرب من التناسق الفني في القرآن .. [/FONT]
[FONT="] ثم يترك الحديث عن القلوب المظلمة وأصحابها في عماءة سوداء حالكة إذا أخرج المرء يده لم يكد يراها, يتركهم ليرجع بنا إلى النور, إلى آيات الله في السماء والأرض, تسبيح الوجود له, وحركة الرياح وتصريف السحاب وتقليب الليل والنهار وخلق الحياة من الماء وكلها تنبه القلب الغافل إلى ذلك النور الغامر, إلى الله تعالى رب العالمين .. وذلك نور أو هو معنى من معاني النور .. [/FONT]
[FONT="]* * *[/FONT]
[FONT="]{إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}[/FONT]
[FONT="]* * *[/FONT]
[FONT="] ويتناول المقطع أيضا آداب الطعام في بيوت الأهل أو بيوت الأقارب ما يصح منها وما لا يصح وما يليق وما لا يليق .. وهذه الآداب نور أو هي معنى من معاني النور .[/FONT]
[FONT="]* * *[/FONT]
[FONT="] وهكذا ترى التناسب الجميل والتناسق البديع بين محتوى السورة وبين اسمها, وترى السورة قد بثت نورها في المجتمع المسلم (مجتمع القرآن) فإذا للكلمة معان كثيرة تختلف ما تختلف ثم تلتقي في النور أو تلتقي بمعنى النور, فإقامة الحدود نور, والطهر والعفة نور, والاستئذان على البيوت أو في البيوت نور, ونظافة المجتمع من أوساخ الانحلال الأخلاقي نور, ومحاربة الفاحشة أو شيوعها في المجتمع نور, ووراء ذلك كله ذاك النور الغامر العظيم, الذي يمد هذه الآداب بمقومات وجودها, ذاك هو نور الله تعالى [/FONT]
[FONT="]{الله نور السموات والأرض}[/FONT]
[FONT="]* * *[/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="][1][/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]هو الشهيد السيد قطب يرحمه الله , ص 2490 سورة النور ج 28 . [/FONT]