عبدالرحمن شاهين
Moderator
بسم1
ساق الشيخ عبد الله الجديع وفقه الله في معرض حديثه عن تنزلات القرآن أثران عن ابن عباس رضي الله عنهما في نزول القرآن ، يفهم منهما فهما غير دقيق وهو أن القرآن بعد أن أنزل جملة إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، نزل مفرقا من السماء الدنيا على محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل و ليس من الله !!
يقول الشيخ الجديع في المقدمات ص 37: "ولكن ما معنى الإنزال في قوله تعالى : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن [ البقرة : 185 ] ، وقوله : إنا أنزلناه في ليلة مباركة [ الدخان : 3 ] ، وقوله : إنا أنزلناه في ليلة القدر 1 [ القدر : 1 ] ؟ فهذه آيات متوافقة فيما بينها ، أنبأت بأن الله تعالى أنزل القرآن في ليلة مباركة من شهر رمضان هي ليلة القدر . وهي خبر قد يدل ظاهره على نزول جميع القرآن في تلك الليلة . فكيف التوفيق بين هذا الظاهر والحقيقة المقطوع بها في نزوله مفرقا؟ من علماء السلف من ذهب إلى أن ابتداء النزول كان في ليلة القدر لا جميع القرآن ، وهذا القول لا يوجد ما يرده ، وهو وجه في تفسير الآيات الثلاث المذكورة .
لكن صح عن إمام المفسرين عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - ما أفادنا أن للقرآن تنزلين :
الأول : من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، وكان جملة واحدة .
والثاني : من السماء الدنيا إلى الأرض على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا على الوقائع !!!
فعنه قال : أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه ، فهو قوله : إنا أنزلناه في ليلة القدر
وفي لفظ :أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه ، حتى جمعه.
وهذا خبر تلقاه أكثر العلماء بالقبول ، وهو مروي من وجوه متعددة عن ابن عباس ، ومثله إخبار عن أمر غيبي لا يصار إلى مثله إلا بتوقيف ، فله حكم الحديث المرفوع ، والقول به أولى من القول بمجرد النظر . ومن العلماء من يرى أن الحكمة من إنزاله جملة واحدة إلى السماء الدنيا وهو كتاب الله تعالى إلى أهل الأرض ، هي : إعلام الملإ الأعلى بالرسالة الجديدة إلى أهل الأرض ، وبيان فضيلة من يوحى إليه هذا الدستور وفضيلة أتباعه ، خاصة مع حدوث ذلك في أعظم ليلة ، ليلة قال الله فيها : فيها يفرق كل أمر حكيم 4 [ الدخان : 4 ] ، وقال فيها : خير من ألف شهر [ القدر : 3 ] ، فهو تمجيد للقرآن نفسه ، وللرسول الموحى إليه به صلى الله عليه وسلم ، وللأمة التي ستسعد بالاهتداء به .
ولعل من وراء ذلك حكما هي في علم الله أكبر مما ذكر وأجل وأعظم ، والله أعلم .
---------------------------------------
( 1 ) أثران صحيحان . أخرجهما ابن جرير الطبري في تفسيره ( 2 / 145 ) بسند صحيح . " انتهى النقل
حديث نزول القرآن الجملي إلى السماء الدنيا وردت فيه عدة آثار عن ابن عباس بألفاظ متقاربة، ومنها ما روى الطبري : 3/446-448 طبعة شاكر
2812 - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أنزل القرآن جملة من الذكر في ليلة أربع وعشرين من رمضان ، فجعل في بيت العزة - قال أبو كريب : حدثنا أبو بكر ، وقال ذلك السدي .
2813 - عن حسان عن سعيد بن جبير قال : نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في شهر رمضان ، فجعل في سماء الدنيا . [ 2815 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " . أما " أنزل فيه القرآن " ، فإن ابن عباس قال : شهر رمضان ، والليلة المباركة ليلة القدر ، فإن ليلة القدر هي الليلة المباركة ، وهي في رمضان ، نزل القرآن جملة واحدة من الزبر إلى البيت المعمور ، وهو " مواقع النجوم " في السماء الدنيا حيث وقع القرآن ، ثم نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الأمر والنهي وفي الحروب رسلا رسلا .
2816 - عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال : أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه ، فهو قوله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) [ سورة القدر : 1 ] . 2818 - داود عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان ، إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه ، حتى جمعه .
2819 - عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء جملة واحدة ، ثم فرق في السنين بعد . قال : وتلا ابن عباس هذه الآية : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) [ سورة الواقعة : 75 ] ، قال : نزل مفرقا .
2821 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، قرأه ابن جريج في قوله : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، قال : قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة على جبريل في ليلة القدر ، فكان لا ينزل منه إلا بأمر . قال ابن جريج : كان ينزل من القرآن في ليلة القدر كل شيء ينزل من القرآن في تلك السنة . فنزل ذلك من السماء السابعة على جبريل في السماء الدنيا ، فلا ينزل جبريل من ذلك على محمد إلا ما أمره به ربه . ومثل ذلك ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) و ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) [ سورة الدخان : 3 ] .
2822 - عن محمد بن أبي المجالد ، عن مقسم عن ابن عباس قال له رجل : إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، وقوله : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) وقوله ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ، وقد أنزل الله في شوال وذي القعدة وغيره! قال : إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدة ، ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام .
انتهى النقل مع حذف مبادئ بعض الأسانيد و هذه الآثار عن ابن عباس كما قال الشيخ الجديع قد تقبلها العلماء - إجمالا - ، لكن المشكل هو معنى قول ابن عباس في بعض الروايات :
"فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه ، حتى جمعه" "فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه"
الاشكال و الله أعلم هو في مرجع الضمير منه !! هل مرجع الضمير إلى الله أم إلى القرآن الموجود في بيت العزة في السماء الدنيا ؟؟!
إذا قلنا - كما قال الشيخ الجديع - أن الوحي يكون من بيت العزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل ، يلزم منه أن جبريل عليه السلام لم يسمع القرآن من الله في النزول المفرق و إنما أخذه من الموجود في السماء الدنيا أو من السفرة !!!
و هذا ينافي الأدلة في ذلك كقوله تعالى " قل نزّله روح القدس من ربك بالحق" النحل 102 ، وكذلك فيها مدخل لمن ضل من الطوائف بقولهم أن القرآن مخلوق !!
لكن لو قلنا أن مرجع الضمير يعود إلى الله تعالى لانحل الإشكال في ذلك ، فيصير المعنى أن الله أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا لحكم أرادها سبحانه ( راجعها في كتاب نزول القرآن للشيخ محمد الشايع) و هذا نزول منفصل لا علاقة له بما تنزّل بعد ذلك مفرقا من لدن الحكيم الخبير عن طريق الروح الأمين على سيد المرسلين.
للمزيد حول ذلك راجع ما كتبه الشيخ محمد الشايع في كتابه نزول القرآن
وشيخنا الشيخ مساعد الطيار في المحرر ص 73-78