وقفة مع آية في سورة النجم ..

فاطمة

New member
إنضم
21/12/2011
المشاركات
28
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
44
الإقامة
منطقة الرياض
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , أما بعد ..
استوقفتني آية في السورة النجم , في قول الحق جل وعلا : :(:{ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ }:): [النجم:32]
"فلا تزكوا أنفسكم ...." هل هذا النهي خاص بذات الإنسان , أم دلالته أعم وفيه إشارة عن تزكية الغير من باب أولى , لأن القلب مناط التقوى , ومحل نظر الرب سبحانه وتعالى ؟!!
ارجو التصويب من أهل التفسير .. وشكر الله لكم ..
 
بارك الله فيكم ، وفهمهم في محله كما ذكر ذلك بعض المفسرين فالآية تحتمل تزكية المرء لنفسه ، وتزكيته لغيره .
فالنهي في الآية يدل على النهي عن تزكية الواحد لنفسه خصوصاً، حيث إن ذلك قد يوحي بالغرور بالعمل، والقعود عن طلب تطهير النفس وتزكيتها، وفيه شهادة للنفس بالكمال، والإنسان يعلم من نفسه من النقص والتقصير في حق الله ما يكفيه للصمت عن تزكيته لنفسه ، ويستثنى من ذلك إذا كان في تزكية المرء لنفسه مصلحة كما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام عندما قال :( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) فزكى نفسه بأنه صاحب خبرة في هذا الشأن ، وهذا لا حرج فيه ، وهو أشبه ما يفعله اليوم من يتقدم لوظيفة معلنة من إرسال سيرته الذاتية وفيها تفصيل قد يكون فيه نوع من تزكية النفس ، فإن كانت مطابقة للواقع فلا حرج فيها لأنها توضح لصاحب الصلاحية إمكانيات هذا المتقدم ، وتجعله يفاضل على بصيرة ، دون تزيد وادعاء بما ليس فيه ، وقد تقدم للعمل أناس كثيرون قابلتهم أثناء سنوات عملي الماضية في الجامعة وخارجها فوجدت الصحيح منها قليل ، وأذكر أن أحدهم ملأ ملفه بالشهادات والتزكيات فلما تحققت منها لم أجد لها أي رصيد في الواقع ، وتعمدت اختباره فيما قدم له شهادات تزكية فوجدته لا يتقن من ذلك شيئاً ، ولذلك أنصح بالموضوعية في كتابة السير الذاتية ، وكتابة حقيقة ما هو في الواقع دون تزيد فالامتحان يكشف مواهب وقدرات الإنسان دون حاجة للثناء على النفس بما ليس فيها .

وتشمل الآية أيضاً النهي عن تزكية الإنسان لغيره مطلقاً تزكية توحي بخلوه من النقص والتقصير الملازم للإنسان حيث إن ذلك قد يصيب من أثني عليه بالغرور والتعالي والتوقف عن طلب التزكية، كما أن في ذلك افتيات على حق الله المطلع على السرائر وما تخفي الصدور . وقد ورد النهي في هذه الآية ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في حديث أم عطية حين مات عثمان بن مظعون في بيتها فأثنت عليه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها : (رحمة الله عليك أبا السائب (وهي كنية ابن مظعون) فشهادتي عليك لقد أكرمك الله) فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم منكراً عليها قولها : (وما يدريك أن الله أكرمه ؟) فقالت : إذا لم يكرمه الله فمن يكرمه الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(أما هو فقد جاءه اليقين وإني لأرجو له الخير ، وإني والله ما أدري وأ،ا رسول الله ما يفعل بي) فقالت أم عطية : فلا أزكي أحداً بعدما سمعتُ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
وهذا الحديث ظاهر الدلالة في شمول النهي عن تزكية المرء لأخيه ثناء يغره .
ولا يدخل في هذا النهي الثناء على المرء بما يعلمه فيه من ظاهر حاله من خلال الخير مع تفويض العلم المطلق بحاله إلى الله على أ، يكون ذلك في حدود تشجيعه وتحفيزه ، ولذلك يقول المزكون من الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة إذا أثنوا على أحدٍ: هكذا نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً ونحو هذه العبارات التي توحي بأن تزكية الإنسان لأخيه بحسب ما يظهر له من حاله ، وأما السرائر فعلمها عند الله سبحانه وتعالى . وقد أخرج مسلم في صحيحه عن محمد بن عمرو بن عطاء قال : سميت بنتي بَرَّة . فقالت لي زينب بنت بن سلمة إن رسول الله صلى الله نهى عن هذا الاسم ، وسُمِّيتُ بَرَّة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزكوا أنفسكم ، إن الله أعلم بأهل البر منكم ، قالوا : بم نسميها ؟ قال : سموها زينب) . ودلالة النهي واضحة .

ولو رجعتم إلى سبب نزول الآية في كتب التفسير كابن كثير وغيره لزاد الأمر لديكم وضوحاً في صحة هذا المعنى إن شاء الله ، وفقكم الله لكل خير.
 
عودة
أعلى