وقفة تدبر مع قوله تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }:

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم الله الرحمن الرحيم


وقفة تدبر مع قوله تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }:


يقول الله تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }

قد يقول قائل: لماذا خاطب الله تعالى في هذه الآية بني آدم، مع أن فيهم المؤمن والكافر، وأن الأولى توجيه الأمر لأهل الإيمان دون غيرهم من الكفرة الذين لا صلاة عندهم بل ولا إيمان؟

والجواب من وجوه:

1- المقصود بأخذ الزينة ستر العورة، وناسب لفظ (بني آدم) تذكيرا بأبيهم آدم عليه السلام وما حدث له بسبب وسوسة الشيطان وتزيينه، كما قال تعالى:

" فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ"-الأعراف:22-، وقال تعالى بعدها:" يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)".

فالمراد بأخذ الزينة ستر العورة وهذا قول كثير من المفسرين، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كانت المراة تطوف في الجاهلية وهي عريانة وعلى فرجها خرقة وهي تقول: اليوم يبدو كله أو بعضه فما بدا منه فلا احله. فنزلت : خذوا زينتكم عند كل مسجد."-صحيح مسلم-.

وإن كانت الآية سببية فإن العبرة كما هو معلوم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيعم الحكم كل من قصد مسجدا للصلاة.

يقول العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى:"وابتُدىء الخطاب بالنّداء ليقع إقبالهم على ما بعده بشراشر قلوبهم ، وكان لاختيار استحضارهم عند الخطاب بعنوان بني آدم مرّتين وقْع عجيب ، بعد الفراغ من ذكر قصّة خلق آدم وما لقيه من وسوسة الشّيطان : وذلك أنّ شأن الذرّية أن تثأر لآبائها ، وتعادي عدوّهم ، وتحترس من الوقوع في شَرَكه .

ولمّا كان إلهام الله آدمَ أن يَستر نفسه بوَرق الجنّة مِنَّةٌ عليه ، وقد تقلّدها بنوه ، خوطب النّاس بشمول هذه المنّة لهم بعنوان يدلّ على أنّها منّةٌ موروثة ، وهي أوقع وأدعى للشّكر."-التحرير والتنوير:8-73.



2- قد يرد اللفظ عاما ويراد به الخصوص كما هو معلوم، ومن مخصصات العام السياق.

قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد، في "شرح الإلمام": نص بعض الأكابر من الأصوليين أن العموم يخص بالقرائن القاضية بالتخصيص، قال: ويشهد له مخاطبات الناس بعضهم بعضًا، حيث يقطعون في بعض المخاطبات بعدم العموم، بناء على القرينة، والشرع يخاطب الناس بحسب تعارفهم."

قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى بعد نقله لكلام الإمام ابن دقيق رحمه الله تعالى:"والحق أن دلالة السياق إن قامت مقام القرائن القوية المقتضية لتعيين المراد كان المخصص هو ما اشتملت عليه من ذلك ، وإن لم يكن السياق بهذه المنزلة ولا أفاد هذا المفاد فليس بمخصص.".-إرشاد الفحول:1/397-398-.

فلفظ (بني آدم) لا ريب في عمومه، لكن قوله سبحانه (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قرينة تخصص هذا العموم ليراد المؤمنين منهم دون غيرهم. والله أعلم.



3- في الخطاب ببني آدم تذكير بأبيهم آدم عليه السلام وما كان عليه من الإيمان بل إنه عليه السلام كان (نبيا مكلما) كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام.

فالأصل أنهم على نهج أبيهم من الإيمان وامتثال أمر الديان ومن ذلك إقامة الصلاة في بيوت الرحمن.



4- قوله تعالى (يا بني آدم) خطاب بفطرهم، فإن كل الناس مفطورون على الإسلام، كما قال تعالى:{ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا }، وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة".

ففيه نوع من التلطف في الخطاب، بدعوتهم بما هم عليه من الفطرة التي لولا فسادها بأنواع المفسدات لكانوا كلهم على الإيمان.


تنبيه:


من قواعد التفسير: " إذا اختلف السلف في تفسير الآية على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول يخرج عن قولهم".

والمقصود بهذه القاعدة التي ذكرها الدكتور خالد السبت حفظه الله تعالى في كتابه القيم (قواعد التفسير) أنه لا يجوز إنشاء قول آخر يعارض قول السلف ويحكم عليه بالبطلان لأن هذا بمثابة خرق الإجماع وهذا لا يجوز، أما إذا كان القول الجديد ليس فيه أدنى معارضة لقولهم فلا يدخل في النهي.

وإنما نبهت على هذه القاعدة حتى لا يظن بعض الأعضاء أنها تنطبق على موضوعي، لأنني لم أحدث أي قول مخالف لقول السلف، فالذي قال به معظم المفسيرين وكثير من السلف بل فيه إجماع على ما قاله بعض أهل العلم أن المقصود بأخذ الزينة في الآية ستر العورة. يقول الإمام الرازي رحمه الله تعالى:"فقد أجمع المفسرون على أن المراد بالزينة ههنا لبس الثوب الذي يستر العورة"-مفاتيح الغيب:14/51-.

وموضوعي ليس فيه إحداث تفسير جديد وإنما محاولة الوقوف على الحكمة من توجيه النداء لبني آدم مع ذكر التوجه للمساجد.

هذا والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
 
عودة
أعلى