وقفات مع تفسير ابن كثير رحمه الله

إنضم
07/03/2012
المشاركات
71
مستوى التفاعل
1
النقاط
8
الإقامة
مكة المكرمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات مع تفسير ابن كثير رحمه الله
الحمد لله رب العالمين ، الذي أنعم علينا بإنزال هذا الكتاب الكريم، فكان حياة ومنهجا لعباده المؤمنين ،والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أزواجه وصحبه أجمعين ،وبعد،
فقد بدأت شرح تفسير ابن كثير رحمه الله في المسجد الحرام في شهر ربيع الأول من عام1435هــ،وهذه من أكبر منن الله عليَّ بعد منة الجوار ،فقد كانا أعظم مما كنت أؤمله، لا حرمني الله إياهما ، وأتم نعمته عليَّ بالقبول والهداية.
وعندما طلب مني درس الحرم احترتُ ماذا اختار من كتب التفسير ،وأحببت أن لو أشرح تفسير ابن جرير الطبري رحمه الله ولكن لطوله وصعوبة توضيحه وخاصة للعامة ممن كان سيكون هو غالبية الحضور في دروس المسجد الحرام، لذا اخترت شرح تفسير ابن كثير رحمه، وقد كانت لي قراءات كثيرة سابقة فيه وفي غيره، فآثرته لأمور عدة ولعل من أهمها تفسيره للقرآن بالقرآن ومن ثم السنة والأثر، وكذا سهولة أسلوبه ،ويسر عبارته .
ثم إني الآن في يوم أربع وعشرين من ذي الحجة من العام نفسه ،وبعد هذه المدة وقد وصلت إلى بداية سورة النساء، ولله الحمد والمنة ،أحببت أن أذكر بعض وقفاتي اليسيرة على تفسيره في هذا الملتقى ،وأما الشرح فهو مسجل في موضع آخر، وكان العزم أن أُخرج هذه الوقفات بعد الانتهاء من شرح الكتاب كاملًا، لكن خشيت أن يدركني الأجل قبل ذلك، والملتقى هو كالدار لي فأحب أن أضع فيه ما أرجو به نفعا لي و لأهل الدار ،وقد أُخرج هذه الوقفات عامة على مرات حسب ما يتيسر لي ،ثم إذا انتهيت من شرح الكتاب سأعود بإذن الله وعونه لترتيبها وتبويبها وتصنيفها.
والله أسأل التوفيق والهداية والسداد.
ما اعتمدته في الشرح هو اختصار تفسير ابن كثير
اختصار وتحقيق الأساتذة (صلاح عرفات رحمه الله ومحمد عبدالله الشنقيطي وخالد فوزي عبد الحميد) بإشراف (الشيخ صالح بن عبد الله بن الحميد) حفظهم الله .
1-ولد ابن كثير في حدود سنة سبعمائة من الهجرة ،عاش 74 سنة تقريبا ،ومات أبوه وهو صغير، كان بيته بيت علم ودين، ولي هنا ثلاث وقفات :عاش عمرا كما يعيش كثير من الناس، لكنه أدرك بمدة عمره هذا ما لا يدركه غيره في عمر أطول وفي أحوال أيسر، وهكذا العلماء ممن هم مثله يدركون بهذا العمر بل وأقل منه ما لا يدركه غيرهم ممن تضيع أعمارهم ليس فيما لا ينفع غيرهم فحسب ،بل فيما يخسرون به دنياهم وآخرتهم.
مات أبوه وهو صغير وهذا الأمر كان كثيرا في علماء آخرين كالشافعي والبخاري وأحمد بن حنبل ..، مما يعني أن على من كان راعيا لهؤلاء الأيتام سواء أكانت أمهم وقد كانت هي المربي الأول غالبا لهؤلاء ،أو من يتولى تربيتهم أن يحسن الرعاية والولاية.
بيوت العلم والدين غالبا ما يتخرج منها العلماء ، ولو مات الآباء ، فتلك رعاية الله وفضله، ولا شك أن للصدق والصلاح والإخلاص في ذلك أثره.
2-كان حسن المفاكهة مع عظيم علمه ، وهذا أمر طيب أن تكون أنيسا مؤنسا، وكم يحتاج العبد إلى مرافقة أمثال هؤلاء من الصالحين.
3-جمع علوما كثيرة رحمه الله، وهكذا كان كثير من علماء الأمة الذين بارك الله علمهم.
4-ذكر عنه أنه وصى بأن يدفن في تربة شيخه ابن تيمية رحمه الله، وهذا يدل على عظيم المحبة والتقدير، ونحن في زمان أصبح فيه كثير من الناس ، لا يفقه أسمى معاني الحب في الله والتقدير ،كما كان يشعر بها أولئك السابقون ، ولست أعني قضية الدفن بخصوصها، ولكن تلك المعاني بعمومها.
5-ومشهد آخر للحب والصفاء هو ذاك الثناء المتبادل بين صفوف العلماء ،سواء أكان من ابن كثير رحمه الله لغيره ،أو من غيره عليه.
6- مقدمة ابن كثير لتفسيره مقدمة جميلة افتتحها بالحمد كما افتتح الله كتابه بالحمد ،وافتتح خلقه بالحمد، واختتمه بالحمد، فلله الحمد في الأولى والآخرة.
7-قوله (فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله ،وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه ..)
تقف هنا على سبب تأليفه لتفسيره ،ومنهجه في تفسيره.
8-قوله (فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله المنزل إليهم ،وإقبالهم على الدنيا وجمعها ،واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله .فعلينا أيها المسلمون أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به، وأن نأتمر بم أمرنا به، من تعلم كتاب الله المنزل إلينا و تعليمه، وتفهمه وتفهيمه ).
وهذا كلام يدل على غاية الامتثال للأمر، ومخافة التقصير في الاتباع.
9-قوله (قال الله تعالى (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ..)سورة الحديد16-17 ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحي الأرض بعد موتها ،كذلك يلين القلوب بالإيمان بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي ،والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك ،إنه جواد كريم ).
وليس لي تعليق هنا إلا سؤال ما سأله (رحمة الله عليه) فالله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك ،إنه جواد كريم.
10-قوله ( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا)( أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ،ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب .فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام وان تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل وتذكر فائدة الخلاف وثمرته ؛لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته ، فتنشغل به عن الأهم فالأهم).
وماذا عسى أن أكتب هنا :أفي منهجية حكاية الخلاف أكتب، أم في مراعاة الأدب، أم مراعاة الزمن ومدة العمر ؛هكذا تسع نظرة أهل العلم للجملة من الأمور توفيقا من الله.
11-قوله (فإذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة رضي الله عنهم ، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين.......فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا ، وليس كذلك ،فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو نظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه ،والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن فليتفطن اللبيب لذلك ،والله الهادي ،وإذ اجتمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة ،فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ،ولا على من بعدهم ويرجع إلى لغة القرآن...).
قوله هذا منهج وأصل من أصول التفسير، ينبغي للمفسر التفطن إليه، وعلى الناس عامة مراعاة اللفظ وفقه الكلمة فعامة ما يقع من اختلاف بين الناس بسبب عدم فقه اللفظة والكلمة، أو تفسيرها وتعبيرها على غير وجهها.
12-قوله (فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام...فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم له به).
وهذا أصل آخر من أصول التفسير، فلا اعتداد بمجرد الرأي، فكيف لوكان المعول عليه هو الهوى المجرد أو نحوه، فعلى المرء الحذر من القول على الله بغير علم ،فمن فسر القرآن الكريم فقد ارتقى مرقى عاليا فليتق الله ،ومع فتح باب التفسير والتدبر والاجتهاد لا بد من التأكيد على هذا الجانب تورعا وحذرا من الخطأ والزلل، والله نسأل المغفرة والهداية.
13-قوله ( من لم يتغن بالقرآن...) ذكره لهذا الجانب وهو جانب التغني والتلاوة والترتيل ،وختمه هذا الجانب بقول( سفيان بن عيينة: إن المراد بالتغني :يستغني به، فالتغني بالقرآن :تحسين الصوت به أو الاستغناء به عما عداه من أمور الدنيا) .
في هذا دلالة على فقهه رحمه الله لمعنى التغني والترتيل ،وأثر ذلك في فهم القرآن الكريم والتأثر به ،ولا شك أن الترتيل أمر مطلوب(ورتل القرآن ترتيلا)،كما أن صاحب القرآن هو من كان القرآن أنيسه وأليفه، فهو يدندن به ويتغنى ويأنس به ويستغني به عن أمور الدنيا. رزقنا الله حسن صحبته وأهليته وشفاعته .
14-قوله( والغرض أن المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد والطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي ،فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم ...).
وهذا فاصل مهم في هذا الجانب، فليس التغني مطلوب لغير هذا، ولا بغير صورة صحيحة، والأمر الآخر هنا إذا كان المطلوب من التغني والترتيل حصول هذا الأثر وهو الخشوع والخضوع والتدبر والطاعة ،فكيف هو الأمر فيما يخص التفسير نفسه ؟ فكم يلزم منه من الخشوع والخضوع والفقه والانقياد والطاعة، ففقه العبد لكلام ربه لا بد أن يوقفه على حسن الاستجابة والانقياد والطاعة.
15-قوله ( القراءة عن ظهر قلب...فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا يعطل المصحف فلا يقرأ منه، ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيتذكر منه، أو تحريف كلمة ..فالاستثبات أولى ،والرجوع إلى المصحف أولى أثبت من أفواه الرجال ،فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن ،لأن الكتابة لا تدل على كمال الآداء...).
هنا رحمه الله ذكر عدة أمور: قضية القراءة من المصحف أو عن ظهر قلب وأهمية ذلك، وقضية أهمية المشافهة في تعلم القرآن، و اختلاف الحكم بحسب حال المرء عند الرفاهية أو الضرورة، واختلاف الحكم بحسب ما يحدثه من الأثر .
16-ذكره لمبحث استذكار القرآن وتعاهده ،وقراءة القرآن على الدابة يدلان على ما ينبغي أن يكون عليه حال المفسر بصورة خاصة من تعاهد القرآن ودوام قراءته واستذكاره، مما يعينه في فهم القرآن وتفهيمه، والعمل به.
17- قوله (تعليم الصبيان القرآن..) وقد أتم رحمه الله حفظ القرآن وهو في العاشرة، وهكذا ينبغي أن يكون أول ما يتعلمه العبد في طريق طلب العلم هو كتاب الله، وليس آخر ما يلتفت إليه.
18- (البكاء في القراءة ،من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به أو فخر به، اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم)هي قواعد ثلاث مهمة منها ما هو ما ينبغي من الأثر وهو الأول، ومنها ما هو الأصل وهو الثاني فدون الاخلاص لا ينتفع المفسر بتفسيره إلا ما قد يتحصله من دنياه من شهرة او منصب أو مال، وأما أمر الآخرة فلا يبلغه إلا من صدق، ومنها ما يجب أن يحذره وهو أن يُجعل القرآن مائدة للاختلاف والخلاف المذموم.
19-عنايته كذلك بعلوم القرآن فقد اشتمل تفسيره على ذكر كثير من العلوم المرتبطة به، مثل ما يتعلق بالمكي والمدني وخصائص كل منهما ...وغير ذلك .
20-قوله(في تفسير الآية الأولى من سورة الفاتحة بعد ذكره لمعنى الحمد والشكر .هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين والله أعلم).
هذا جمع منه لأقوال السلف والخلف ،والمتقدمين والمتأخرين...
21-قوله (في تفسير سورة الفاتحة (ملك يوم الدين) قرأ بعض القراء (ملك يوم الدين) وقرأ آخرون (مالك) وكلاهما صحيح متواتر في السبع...)
وهذا توجيه سديد في القراءات.
22- قوله (في تفسير سورة الفاتحة والهداية ههنا الإرشاد والتوفيق ، وقد تعدى الهداية بنفسها ...وقد تعدى بإلى ...وقد تعدى باللام ).
وهذا من تفسيره للقرآن بالقرآن ،واستحضاره للشواهد والأدلة وحسن التوجيه في المعاني ودقتها.
23-قوله (في تفسير سورة الفاتحة وأما الصراط المستقيم فقال الامام أبو جعفر بن جرير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا..) تفسير بالإجماع.
24-قوله قبل أن يبدأ في تفسير سورة البقرة (قال بعض العلماء وهي مشتملة على ألف خبر وألف أمر وألف نهي ) استوقفني كثيرا ، كيف استطاعوا حصر ذلك العلم الجم من هذه السورة، وهل منا من يستطيعه؟ هم أدركوه بإيمانهم فالذين اهتدوا يزيدهم الله هدى ويعلمهم تأويله، و كلما قَصُرَ إيمان العبد قلَّ فقهه وقصر عن فهم كلام ربه.
25-قوله( في تفسير آية 1سورة البقرة (الم)ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته وهذا معلوم بالاستقراء وهو الواقع في تسع وعشرين سورة؛ ...وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله أعلم. وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم فقد ادعى ما ليس له، وطار في غير مطاره، والله أعلم)
تفسير القرآن بالقرآن ،واستحضار لجميع المواضع، ورد لقول ضعيف ، وختم بالله أعلم بعد ترجيح قوله وتضعيف قول غيره، وهذا من رد العلم لله سبحانه وتعالى فالله أعلم .
26-قوله( في تفسير آية 2سورة البقرة(ذلك الكتاب) أن ذلك بمعنى هذا والعرب تقارض بين هذين الاسمين من أسماء الإشارة فيستعملون كلا منهما مكان الآخر وهذا معروف في كلامهم).
وهذا استشهاد منه بكلام العرب في التفسير.
27-قوله( في تفسير آية 3سورة البقرة (يؤمنون بالغيب)..فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا.. أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص..).
وهذه من المسائل العقدية المهمة .
28-قوله( في تفسير آية 3سورة البقرة (يؤمنون بالغيب) بعد ذكره لجملة من أقوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله فكل هذه الأقوال متقاربة في معنى واحد لأن جميع المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به).
هكذا كان رحمه الله يجمع بين الأقوال، فيفيد ذلك في زيادة المعاني وتنوعها، ومن ثم زيادة العمل.
29-قوله ( في تفسير آية 17-18سورة البقرة وزعم ابن جرير أن المضروب لهم المثل ههنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات، ولم يستحضر ابن جرير رحمه الله هذه الآية ههنا وهي قوله تعالى( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ..)المنافقون 3 قال :وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد ،كما قال (رايتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت)الأحزاب 19..قلت:وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع.. وهذا أفصح في الكلام ،وأبلغ في النظام).
وفي كلامه هذا أولا أدب في مراعاة الخلاف مع ابن جرير رحمهما الله، وحسن توجيه لقوله، ثم فيه تنبيه للالتفات في القرآن الكريم وحكمته.
30-قوله (في تفسير آية24 سورة البقرة ...(أعدت للكافرين) الأظهر أن الضمير عائد إلى النار التي وقودها الناس والحجارة ،ويحتمل عوده إلى الحجارة ..ولا منافاة بين القولين في المعنى لأنهما متلازمان ..وقد استدل كثير من علماء السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله أعدت أي: أرصدت وهيئت وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك.. وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذا).
وهذا رد قوي منه على المخالف بجهله، وهكذا كان لابن كثير رحمه الله وقفات كثيرة فيها تقرير لكثير من المسائل العقدية المهمة قد أقف على بعضها بعون الله وتأييده.
31-قوله ( في تفسير آية 41سورة البقرة (وآمنوا به) واختار ابن جرير أن الضمير في قوله به عائد على القرآن الذي تقدم ذكره في قوله (بما أنزلت) وكلا القولين صحيح ؛لأنهما متلازمان ،لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر بالقرآن).
وهذا أصل من أصول التفسير في الجمع بين الأقوال.
32-قوله(في تفسير آية 43 سورة البقرة قوله (واركعوا مع الراكعين) وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة).
وهذا تنبيه منه على مسألة فقهية بطريقة مختصرة .
33-قوله (في تفسير آية44 سورة البقرة (أتأمرون الناس بالبر..) فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة... فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف ،وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها وهذا ضعيف ،وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها .والصحيح :أن العالم يأمر بالمعروف ،وإن لم يفعله ، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه...لكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرة ، فليس من يعلم كمن لا يعلم).
وهذا الاستشهاد منه بقول علماء السلف والخلف منهج في التفسير معتبر، وأيضا ما ذكره في تحرير هذه المسالة وقفة مهمة ينبغي أن يقف عليها العلماء والدعاة والصالحون.
34- قوله وقد كرر مثيله في عدة مواضع(وسيأتي تفسير ذلك في أول سورة القصص إن شاء الله تعالى، به الثقة والمعونة والتأييد).
عبارة مؤثرة وقد أتم تفسيره رحمه الله بعون الله وتأييده ،مع حسن الثقة والظن بالله. وبورك له في تفسيره.
35- قوله (في تفسير 57 سورة البقرة (وظللنا عليهم الغمام...)فهذا هو الأكمل في الاتباع: المشي مع قدر الله مع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ).
وفي هذا نبه ابن تيمية رحمه الله إلى أن هذا هو السر في كون العجائب والخوارق لم تكثر في أمة الإسلام كثرتها في بني إسرائيل، فإن بني إسرائيل لضعف إيمانهم ..كانوا يطالبون بالخوارق والامدادات ،أما أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام فاكتفوا بكمال يقينهم وتمام تصديقهم على كثير من الخوارق وما أيدوا به من ذلك في المواقف التي احتاجوا فيها إلى التأييد لنصرة الدين لا لنفعهم وتفكهم كما هو الحال في بني إسرائيل.. .
36-عنايته بأقوال المفسرين ؛وكذا عنايته بدلالة السياق، وذلك كثير منها قوله (في تفسير آية 59 سورة البقرة قوله(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل...).
37-في تفسيره آية 60سورة البقرة قال (وهذه القصة شبيهة بالقصة المذكورة في سورة الأعراف ،ولكن تلك مكية ،فلذلك كان الإخبار عنهم بضمير الغائب؛ لأن الله تعالى يقص على رسوله عليه الصلاة والسلام عما فعل بهم. وأما في هذه السورة وهي البقرة فهي مدنية ؛فلهذا كان الخطاب فيها متوجها إليهم. وأخبر هناك بقوله (فانبجست منه اثنتا عشرة عينا)الأعراف 160وهو أول الانفجار، وأخبر ههنا بما آل إليه الأمر آخرا وهو الانفجار فناسب ذكر الانفجار ههنا ،وذاك هناك، والله أعلم).
وهذا من توجيه المتشابهات.
38-قوله في تفسير آية 73 سورة البقرة (فقلنا اضربوه ببعضها...) ، هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة، فالمعجزة حاصلة به ،وخرق العادة به كائن، وقد كان معينا في نفس الأمر ،فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله لنا، ولكنه أبهمه ولم يجيء عن طريق صحيح عن معصوم بيانه..).
وهذا منهج طيب كم نحتاج إلى فقهه، فكثير ممن يخوض فيما لا نفع فيه لو حجم إلى مثيل هذا الفقه لانتفع.
39-تفسيره رحمه الله للقرآن بالقرآن وهو كثير، وأفضل التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن ،ويتحرى في تفسيره جميع المواضع غالبا ومن ذلك في تفسيره 73 سورة البقرة (كذلك يحي الله الموتى) يذكر خمسة مواضع .
40- في تفسيره آية 75 سورة البقرة قال (أي :فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة) .
ولا شك أن مثل هذا من أقبح القبيح، فكيف يخالف العبد ما استبان له صدقه وحقيقته ؟
ثم قال رحمه الله(وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق ،وإن كان قد اختاره لظاهر السياق ،فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه، كما سمعه الكليم موسى ابن عمران عليه الصلاة والسلام).
وهذا أدب منه في مراعاة الخلاف .
41-مما امتاز به تفسيره كثرة المسائل التي يعلق عليها ،والتي تعالج قضايا مهمة تعيشها الأمة في كل عصر ولهذا أمثلة عديدة، قد تم التعليق عليها في شرحي للتفسير في الدروس ، لا تسعها هذه الوقفات اليسيرة.
42- في تفسير كلمة ويل في آية 79 سورة البقرة، تجده يذكر أقوال عدة للنحويين واللغويين، مما يدل على سعة علمه ، وكذا منهج التزمه في تفسيره للقرآن وهو التفسير بلغة العرب.
43-قوله في آية 83 سورة البقرة بعد ذكره لبني إسرائيل وكيف كان حالهم من أوامر الله ثم ختم بقوله (فقامت هذه الأمة من ذلك بما لم تقم به أمة من الأمم قبلها ، ولله الحمد والمنة).
نعم ولله الحمد والمنة أن جعلنا من هذه الأمة.
44-قوله في آية85سورة البقرة ( تقتلون أنفسكم)( فاقتلوا أنفسكم) وذلك أن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة، كما قال عليه الصلاة والسلام مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد..) متفق عليه).
تفسير قيم تفتقر إليه الأمة اليوم، واستشهاد طيب، فتفسير القرآن الكريم بالسنة النبوية منهج امتثله ابن كثير رحمه الله، وهو المرتبة الثانية بعد تفسير القرآن بالقرآن.
45-قوله في تفسير قوله تعالى 95-96سورة البقرة (ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) وسميت المباهلة تمنيا ؛لأن كل محق يود لو أهلك الله المبطل المناظر له ولا سيما إذا كان في ذلك حجة له في بيان حقه وظهوره، وكانت المباهلة بالموت؛ لأن الحياة عندهم عظيمة عزيزة لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت ..وهذا من باب عطف الخاص على العام) .
وفي كلامه هذا فهم للحقيقة والواقع، وأيضا نص لقاعدة تفسيرية.
46-كثيرًا ما يبدأ في تفسيره للآية بذكر تفسير ابن جرير رحمه الله لها مثاله آية 97و102 من سورة البقرة ،وهو عموما كثير الرجوع إليه. فأول ما بدأ في تفسير الآية قال(قال الإمام أبو جعفر بن جرير..) .
47- قوله في جبرائيل وميكائيل وعزرائيل ..وفي كلام غير العرب يقدمون المضاف إليه على المضاف).
وهذا يدل على علم هذا المفسر بكلام غير العرب أيضا.
48-قوله في قوله تعالى(فإن الله عدو للكافرين) (فيه إيقاع المظهر مكان المضمر حيث لم يقل :فإنه عدو للكافرين. وإنما أظهر الله هذا الاسم ههنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره ،وإعلامهم أن من عادى وليًا لله فقد عادى الله، ومن عادى الله فإن الله عدو له، ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والآخرة).
تأمل كيف ينتقل من النحو إلى حسن التوجيه ،رحمه الله.
49-قوله في قوله تعالى(واتبعوا ما تتلوا الشياطين..)(فهذه نبذة من أقوال أئمة السلف في هذا المقام ، ولا يخفى ملخص القصة والجمع بين أطرافها ،وأنه لا تعارض بين السياقات على اللبيب الفهم ، والله الهادي).
نعم كم يحتاج المفسر إلى صحيح الفهم، وسلامة اللب، ليهتدي إلى الصواب، والله نسأل الهداية.
50-بعد ذكره لقصة هاروت وماروت قال (وظاهر سياق القرآن إجمال هذه القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال ).
وهذه وقفة أصولية مهمة .
51- قوله في قوله تعالى (ما ننسخ من آية..)106 سورة البقرة (قال: نثبت خطها ونبدل حكمها ..وأما علماء الأصول ،فاختلفت عباراتهم في حد النسخ ،والأمر في ذلك قريب ،لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء .ولخص بعضهم أنه رفع الحكم بدليل شرعي متأخر، فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل ،وعكسه، والنسخ لا إلى بدل..).
وهذا يدل على فقه ابن كثير رحمه بالفقه وأصوله، فقوله :نثبت خطها ونبدل حكمها؛ تعريف موجز للنسخ، ثم تفصيله السابق وإدراجه لتعاريف الأصوليين وبيان اندراج التعاريف يدل على فقهه رحمه الله.
52-قد يذكر جميع الأوجه دون تقديم ( قال في قوله (أم تريدون أن تسألوا رسولكم)108 سورة البقرة : بل تريدون، أو هي على بابها في الاستفهام ، وهو إنكاري، وهو يعم المؤمنين والكافرين ،فإنه عليه السلام رسول الله إلى الجميع) .
53- قوله(في آية113 سورة البقرة واختار أبو جعفر بن جرير أنها عامة تصلح للجميع ،وليس ثمَّ دليل قاطع يعين واحدا من هذه الأقوال ، فالحمل على الجميع أولى).
واعتماد ابن كثير على اختيار ابن جرير رحمهما الله كثير.
54- قوله (في قوله تعالى (بديع السماوات والأرض) 117 سورة البقرة وقال ابن جرير مبدعهما ...وهذا من ابن جرير رحمه الله كلام جيد وعبارة صحيحة).
وهذا منه تأدب جم، وخلق فاضل، وشهادة نفيسة.
55-قوله ( في آية 118(وقال الذين لا يعلمون ..) من سورة البقرة قال مجاهد: النصارى تقوله، وهو اختيار ابن جرير، قال: لأن السياق فيهم، وفي ذلك نظر، وحكى القرطبي ..وظاهر السياق أعم ،والله أعلم).
وهذا فيه رجوعه لأقوال من سبقه من المفسرين رحمهم الله كابن جرير خصوصا ، وكالقرطبي ،ثم ترجيحه لقوله بأدب جم ، وختمه بالله أعلم.
56-قوله (في قوله (بكلمات فأتمهن) والذي قاله أولًا من أن الكلمات تشمل جميع ما ذكر ،أقوى من هذا الذي جوزه من قول مجاهد ومن قال مثله؛ لأن السياق يعطي غير ما قالوه، والله أعلم).
وهذا أصل آخر في مراعاة السياق.
57-قوله(وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة ، فقيل الملائكة قبل آدم ،وقيل :آدم وقيل :إن أول من بناه شيث عليه السلام، وغالب من يذكر هذه إنما يأخذه من كتب أهل الكتاب ، وهي مما لا يصدق ولا يكذب ولا يعتمد عليها بمجردها، و أما إذا صح حديث في ذلك فعلى الرأس والعين.).
وهذا أصل مهم آخر اعتمده في تفسيره رحمه الله.
58-(فإذا علم هذا فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدالة على أن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، وبين الأحاديث الدالة على أن إبراهيم عليه السلام حرمها...).
وهذا الجمع ما أمكن مطلوب ،وعدم توهم التعارض وإعماله في كل ما ظاهره الاختلاف ،هو منهج أصولي مطلوب.
59-قوله في تفسير 128 (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) وهذا القدر مرغوب فيه شرعا ، فإن من تمام محبة عبادة الله تعالى أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده..).
وهذه لفتة طيبة منه رحمه الله تعالى في الاهتمام بصلاح الذرية.
60-يذكر رحمه الله جملة من الأقوال في عدة مواضع ثم يقول (ولا منافاة) مثاله آية129 سورة البقرة ،وهذا يدل على أصل من أصول التفسير في الجمع بين الأقوال عند عدم التضاد.
61- تفسيره لقوله (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (أي :أحسنوا في حال الحياة ، والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه. فإن المرء يموت غالبا على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه..).
وهذا من أجمل كلامه رحمه الله، وتلك حقيقة لو أدركها العبد لعلم أن دعواه ابتغاء الموت على طاعة ،لا بد له من دليل، يلزمه في طريقه، حتى إذا أدركه الأجل وجده ثابتا عليه، فمات على طاعة وبعث على طاعة.
62- في تفسيره آية 133 سورة البقرة في قوله إبراهيم وإسماعيل و إسحاق قال( وهذا من باب التغليب، لأن إسماعيل عمه، قال النحاس : والعرب تسمي العم أبا، نقله القرطبي ).
وهذا من أمانة النقل في نسبة القول.
ثم قال (وقد استدل بهذه الآية الكريمة من جعل الجد أبا وحجب به الأخوة).
وهذا يدل على فقهه رحمه الله في مسائل الفرائض ،وقوة استحضاره للدليل.
هذا إلى نهاية الجزء الأول من سورة البقرة وأسأل الله التوفيق و التمام .
 
التعديل الأخير:
جزاكي الله خيراً أين رابط دروس التعليق على تفسير ابن كثير من فضلك ؟
 
ياريت تكملي لنا بقية الوقفات للفائدة
وجزاك الله خيراً
 
قال تعالى في سورة الجاثية :{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)}
قال ابن كثير رحمه الله :
قَالَ تَعَالَى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} أَيْ: إِنَّمَا يَأْتَمِرُ بِهَوَاهُ، فَمَهْمَا رَآهُ حَسَنًا فَعَلَهُ، وَمَهْمَا رَآهُ قَبِيحًا تَرَكَهُ: وَهَذَا قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ.
وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ التَّفْسِيرِ: لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا عَبَدَهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} يَحْتَمِلُ قَوْلَيْنِ:
أحدها :وَأَضَلَّهُ اللَّهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ. وَالْآخَرُ: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْعِلْمِ إِلَيْهِ، وَقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ، وَلَا يَنْعَكِسُ.
{وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} أَيْ: فَلَا يَسْمَعُ مَا يَنْفَعُهُ، وَلَا يَعِي شَيْئًا يَهْتَدِي بِهِ، وَلَا يَرَى حُجَّةً يَسْتَضِيءُ بِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} كَقَوْلِهِ: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الْأَعْرَافِ: 186] .
وفي سورة الفرقان :{ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)}
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين أما بعد الاستاذ الفاضل بشير هل لك أن توضح قول ابن كثير (... والثاني يستلزم الاول ولا ينعكس)
وجزاكم الله خيرا.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين اما بعد يبدو أن الأستاذ الكريم بشيرعبد العال غفر الله لي وله مخاصمني من فترة مع العلم أني لم أفعل له شيئاً سيئاً انما تمنيت عليه أن لا يقتصر بمشاركاته على النقل إنما عليه أن يشرح ويوضح ما فيه غموض ويحتاج إلى تفسير
وقد سألته أن يوضح قول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في مشاركته وهو:
( وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ التَّفْسِيرِ: لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا عَبَدَهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} يَحْتَمِلُ قَوْلَيْنِ:
أحدها :وَأَضَلَّهُ اللَّهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ. وَالْآخَرُ: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْعِلْمِ إِلَيْهِ، وَقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ، وَلَا يَنْعَكِسُ).
أن الحافظ ابن كثير يريد أن يوضح معنى (وأضله) وذكر معنيين الأول أن الله علم أنه يستحق ذلك ، والثاني : أن الله أضله بعد أن وصله العلم ثم قال أن الثاني يستلزم الأول والمعنى (أن الله يعلم بحاله سواءً علم أم جهل) ثم قال :(ولا ينعكس) والمعنى: أن الثاني لا يستلزم الأول فهو اذا علم ام جهل فهذا الامر لا يؤثر على الأول وهو علم الله سبحانه فهو يعلم بأحواله جميعها والله تعالى أعلم.



 
قوله تعالى :{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}

قال ابن كثير رحمه الله :

فَأَوَّلُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَاتُ الْمُبَارَكَاتُ وهُنَّ أَوَّلُ رَحْمَةٍ رَحم اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَ، وَأَوَّلُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِمْ.


وَفِيهَا التَّنْبِيهُ عَلَى ابْتِدَاءِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ عَلَقَةٍ، وَأَنَّ مِنْ كَرَمه تَعَالَى أَنْ عَلّم الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، فَشَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ بِالْعِلْمِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي امْتَازَ بِهِ أَبُو الْبَرِيَّةِ آدَمُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَالْعِلْمُ تَارَةً يَكُونُ فِي الْأَذْهَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي اللِّسَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي الْكِتَابَةِ بِالْبَنَانِ، ذِهْنِيٌّ وَلَفْظِيٌّ وَرَسْمِيٌّ، وَالرَّسْمِيُّ يَسْتَلْزِمُهُمَا مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، فَلِهَذَا قَالَ: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وَفِي الْأَثَرِ: قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابَةِ . وَفِيهِ أَيْضًا: "مَنْ عَمِلِ بِمَا عَلِمَ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمْ.

تأمل ..هذه الروحانية التفسيرية ..

وهُنَّ أَوَّلُ رَحْمَةٍ رَحم اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَ، وَأَوَّلُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِمْ.

فأي رجل كان ابن كثير رحمه الله ........

{أَوَّلُ رَحْمَةٍ رَحم اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَ }........{ وَأَوَّلُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِمْ.}

فهنيئا لمن تعرض لهذه الرحمة ولهذه النعمة ......القرآن الكريم .
 
الأخ الكريم / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .............
أقول ما أعتقد فيكم والله حسيبكم .... وهو أن مثلك لا يُخاصم لأنني شخصيا أعتبرك من حرَّاس الحق على هذا الملتقى ...
ولم أر لكم مشاركة على ما رأيت فيها زيف أو زهو ...
أما عدم الرد فيكون طبقا للصوارف والشواغل التي هي كالظل تماما.
والله تعالى يتولى إصلاحنا أجمعين وبقية المسلمين في كل مكان .
 
قوله تعالى :{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)}
قال ابن كثير رحمه الله :
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أَيْ: قَالُوا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ: لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا هَؤُلَاءِ إِلَيْهِ . يَعْنُونَ بِلَالًا وَعَمَّارًا وصُهَيبا وَخَبَّابًا وَأَشْبَاهَهُمْ وَأَقْرَانَهُمْ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَجَاهَةً وَلَهُ بِهِمْ عِنَايَةً. وَقَدْ غَلِطُوا فِي ذَلِكَ غَلَطًا فَاحِشًا، وَأَخْطَئُوا خَطَأً بَيِّنًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الْأَنْعَامِ: 53] أَيْ: يَتَعَجَّبُونَ: كَيْفَ اهْتَدَى هَؤُلَاءِ دُونَنَا؛ وَلِهَذَا قَالُوا: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَيَقُولُونَ فِي كُلِّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الصَّحَابَةِ: هُوَ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَيْرًا لسبقونا إليه، لأنهم لَمْ يَتْرُكُوا خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ إِلَّا وَقَدْ بَادَرُوا إِلَيْهَا.

تأمل قوله رحمه الله :
وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَيَقُولُونَ فِي كُلِّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الصَّحَابَةِ: هُوَ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَيْرًا لسبقونا إليه، لأنهم لَمْ يَتْرُكُوا خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ إِلَّا وَقَدْ بَادَرُوا إِلَيْهَا.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين أما بعد جزاكم الله تعالى خيرا الاستاذ الفاضل بشير ورفع مقامكم في الدنيا والآخرة رفعتني إلى درجة لا أستحقها إنما أنا طويلب علم وفقنا الله تعالى واياكم.
 
عودة
أعلى