مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
تنزيل آية في الكفار على حال بعض المؤمنين
كنت قد وقفت عند الوقفة الرابعة ، وطال الأمر بين هذه الوقفة وتلك ، وهاأنذا أعاود الوقفات ، ولعل الله ييسر لي إتمامها ، إنه كريم سميع مجيب .
قوله تعالى : ((وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (يونس : 12) )) .
قال الإمام ابن عطية : ((و { الضر } لفظ لجميع الأمراض والرزايا في النفس والمال والأحبة هذا قول اللغويين ، وقيل هو مختص برازيا البدن ، الهزال والمرض .
وقوله { مرَّ } يقتضي أن نزولها في الكفار ، ثم هي بعد تتناول كل من دخل تحت معناها من كافر أو عاص .
فمعنى الآية { مر } في إشراكه بالله وقلة توكله عليه )) .
قلت : هذا من فقه الإمام الذي تكرر في كتابه في غيرما من موطن ، وهو حمل بعض الآيات التي نزلت في الكفار على من يصلح أن يخاطَب بها من أهل الإيمان .
وقد قال في السورة نفسها في تفسير قوله تعالى : ((وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (يونس : 21) )) ، قال : (( وقوله : ( وإذا أذقنا الناس ) الآية ، المراد بالناس في هذه الآية الكفار وهي بعد تتناول من العاصين من لا يؤدي شكر الله تعالى عند زوال المكروه عنه ولا يرتدع بذلك عن معاصيه ، وذلك في الناس كثير )) .
وقال في قوله تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) )) : ((وقوله تعالى { إن الذين يكتمون } الآية ، المراد بالذين أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، قال الطبري : « وقد روي أن معينين منهم سألهم قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عما في كتبهم من أمره فكتموا فنزلت ، وتتناول الآية بعد كل من كتم علماً من دين الله يحتاج إلى بثه ، وذلك مفسر في قول النبي صلى الله عليه وسلم : » من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار « ، وهذا إذا كان لا يخاف ولا ضرر عليه في بثه .
وهذه الآية أراد أبو هريرة رضي الله عنه في قوله : (( لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم حديثاً )) . وقد ترك أبو هريرة ذلك حين خاف فقال : (( حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين : أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم )) .
وهذه الآية أراد عثمان رضي الله عنه في قوله : (( لأحدثنكم حديثاً لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه )) ، ومن روى في كلام عثمان : (( لولا أنه في كتاب الله )) ، فالمعنى غير هذا )) .
وقال في قوله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) : (( وقوله تعالى : { إن الذين يكتمون } الآية ، قال ابن عباس وقتادة والربيع والسدي : المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، و { الكتاب } : التوراة والإنجيل : والضمير في { به } عائد على { الكتاب } ، ويحتمل أن يعود على { ما } وهو جزء من الكتاب ، فيه أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيه وقع الكتم لا في جميع الكتاب ، ويحتمل أن يعود على الكتمان ، والثمن القليل : الدنيا والمكاسب ، ووصف بالقلة لانقضائه ونفاده ، وهذه الآية وإن كانت نزلت في الأحبار فإنها تتناول من علماء المسلمين من كتم الحق مختاراً لذلك لسبب دنيا يصيبها )) .
قلت : وهذا الفقه قد درج عليه علماء الأمة من لدن الصحابة رضوان الله عليهم ، ولم يقع منهم اعتراض على هذا المنهج ( تناول الآيات التي نزلت في الكفار على حال من يتلبس بها من المؤمنين ) سوى ما ذكر البخاري ـ معلقًا ـ عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر ، قال : (( وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ وَقَالَ إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِى الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )) .
وهذا العمل الذي انتقده أبو عبد الرحمن ـ فيما يبدو ـ أنهم جعلوا الأوصاف التي يحتمل وقوعها من المؤمنين كفرًا مخرجًا من الملة ، لما رأوها نزلت في سياق الكفار ، ولم يُحكموا القياس في التنزيل ، والفرق بين المؤمن والكافر في اعتبار الأصل فيهما ، بل جعلوا مطلق الفعل كفرًا .
ولهذا تراهم عمِلوا بما تأوله ، وقاتلوا المسلمين على ذلك ، وهذا كافٍ في ثبوت فساد قولهم كما نبَّه له ابن عمر .
أما ما ذكره الإمام من جواز تنزيل الآيات التي نزلت في الكفار على حال بعض المؤمنين ، فهو بمعزل عن هذا ؛ لأن هذا التنزيل لا يُخرج المسلم من إسلامه ، كما أن الوصف الذي جاء في سياق الكفار ليس وصفًا كفريًّا محضًا بحيث يُحكم على من تلبَّس به بأنه كافر ، بل هو وصف يلحق الإنسان من حيث هو إنسان .
ولو تأمَّلت كثيرًا من النصوص التي نزَّلها الصحابة على أنفسهم أو على غيرهم لوجدتها من هذا القبيل ، ومثال ذلك :
ما رُوي من أوجهٍ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، قال الإمام مالك : ((عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ ، فَقَالَ : مَا هَذَا فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ أَوْ ابْنِ عَمِّهِ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) )) ، والله أعلم وأحكم .
كنت قد وقفت عند الوقفة الرابعة ، وطال الأمر بين هذه الوقفة وتلك ، وهاأنذا أعاود الوقفات ، ولعل الله ييسر لي إتمامها ، إنه كريم سميع مجيب .
قوله تعالى : ((وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (يونس : 12) )) .
قال الإمام ابن عطية : ((و { الضر } لفظ لجميع الأمراض والرزايا في النفس والمال والأحبة هذا قول اللغويين ، وقيل هو مختص برازيا البدن ، الهزال والمرض .
وقوله { مرَّ } يقتضي أن نزولها في الكفار ، ثم هي بعد تتناول كل من دخل تحت معناها من كافر أو عاص .
فمعنى الآية { مر } في إشراكه بالله وقلة توكله عليه )) .
قلت : هذا من فقه الإمام الذي تكرر في كتابه في غيرما من موطن ، وهو حمل بعض الآيات التي نزلت في الكفار على من يصلح أن يخاطَب بها من أهل الإيمان .
وقد قال في السورة نفسها في تفسير قوله تعالى : ((وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (يونس : 21) )) ، قال : (( وقوله : ( وإذا أذقنا الناس ) الآية ، المراد بالناس في هذه الآية الكفار وهي بعد تتناول من العاصين من لا يؤدي شكر الله تعالى عند زوال المكروه عنه ولا يرتدع بذلك عن معاصيه ، وذلك في الناس كثير )) .
وقال في قوله تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) )) : ((وقوله تعالى { إن الذين يكتمون } الآية ، المراد بالذين أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، قال الطبري : « وقد روي أن معينين منهم سألهم قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عما في كتبهم من أمره فكتموا فنزلت ، وتتناول الآية بعد كل من كتم علماً من دين الله يحتاج إلى بثه ، وذلك مفسر في قول النبي صلى الله عليه وسلم : » من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار « ، وهذا إذا كان لا يخاف ولا ضرر عليه في بثه .
وهذه الآية أراد أبو هريرة رضي الله عنه في قوله : (( لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم حديثاً )) . وقد ترك أبو هريرة ذلك حين خاف فقال : (( حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين : أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم )) .
وهذه الآية أراد عثمان رضي الله عنه في قوله : (( لأحدثنكم حديثاً لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه )) ، ومن روى في كلام عثمان : (( لولا أنه في كتاب الله )) ، فالمعنى غير هذا )) .
وقال في قوله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) : (( وقوله تعالى : { إن الذين يكتمون } الآية ، قال ابن عباس وقتادة والربيع والسدي : المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، و { الكتاب } : التوراة والإنجيل : والضمير في { به } عائد على { الكتاب } ، ويحتمل أن يعود على { ما } وهو جزء من الكتاب ، فيه أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيه وقع الكتم لا في جميع الكتاب ، ويحتمل أن يعود على الكتمان ، والثمن القليل : الدنيا والمكاسب ، ووصف بالقلة لانقضائه ونفاده ، وهذه الآية وإن كانت نزلت في الأحبار فإنها تتناول من علماء المسلمين من كتم الحق مختاراً لذلك لسبب دنيا يصيبها )) .
قلت : وهذا الفقه قد درج عليه علماء الأمة من لدن الصحابة رضوان الله عليهم ، ولم يقع منهم اعتراض على هذا المنهج ( تناول الآيات التي نزلت في الكفار على حال من يتلبس بها من المؤمنين ) سوى ما ذكر البخاري ـ معلقًا ـ عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر ، قال : (( وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ وَقَالَ إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِى الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )) .
وهذا العمل الذي انتقده أبو عبد الرحمن ـ فيما يبدو ـ أنهم جعلوا الأوصاف التي يحتمل وقوعها من المؤمنين كفرًا مخرجًا من الملة ، لما رأوها نزلت في سياق الكفار ، ولم يُحكموا القياس في التنزيل ، والفرق بين المؤمن والكافر في اعتبار الأصل فيهما ، بل جعلوا مطلق الفعل كفرًا .
ولهذا تراهم عمِلوا بما تأوله ، وقاتلوا المسلمين على ذلك ، وهذا كافٍ في ثبوت فساد قولهم كما نبَّه له ابن عمر .
أما ما ذكره الإمام من جواز تنزيل الآيات التي نزلت في الكفار على حال بعض المؤمنين ، فهو بمعزل عن هذا ؛ لأن هذا التنزيل لا يُخرج المسلم من إسلامه ، كما أن الوصف الذي جاء في سياق الكفار ليس وصفًا كفريًّا محضًا بحيث يُحكم على من تلبَّس به بأنه كافر ، بل هو وصف يلحق الإنسان من حيث هو إنسان .
ولو تأمَّلت كثيرًا من النصوص التي نزَّلها الصحابة على أنفسهم أو على غيرهم لوجدتها من هذا القبيل ، ومثال ذلك :
ما رُوي من أوجهٍ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، قال الإمام مالك : ((عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ ، فَقَالَ : مَا هَذَا فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ أَوْ ابْنِ عَمِّهِ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) )) ، والله أعلم وأحكم .