وقفات مع الآيات من سورة الجمعة

أحمد الحمد

New member
إنضم
04/07/2004
المشاركات
1
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادى له.
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمد عبده و رسوله.
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))[ آل عمران: 102 ].
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) [ النساء: 1 ].
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا • يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) [ الأحزاب: 70 - 70 ].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم، و شر الأمور محدثاتها، و كل محدثة بدعة، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة في النار.
و بعد:
فهذه كلماتٌ نافعة جامعة، جمعتها في تفسير خمس آيات من أول سورة الجمعة، ذكرت فيها ما تيسر لي من المأثور عن سلف الأمة الكرام، و ما ورد فيها من القراءات؛ سواءاً كانت قراءة سبعية أم من القراءات الأربعة عشر، و بينت فيها شيئاً من وجوه الإعراب و غريب الألفاظ، ذاكراً مع ذلك ما أورده علماء الإسلام عند هذه الآيات من أحكامٍ فقهية - إن وجد -، و ما ورد فيها من أسباب نزولٍ - إن وجد -.
و بعد: فهذا جهد مقل و قدرة مفلس كتبه لنفع نفسه ثم لإخوانه المسلمين، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، و ما كان من خطأ فمني و من الشيطان، و الله و رسوله بريء من ذلك و الله الموفق و المعين و صلى الله على محمد و آله و صحبه و سلم.

[color=0000FF]بين يدي السورة:[/color]
قبل الشروع في الكلام على الآيات المراد الحديث عنها، نحب أن نذكر هنا مقدمة؛ يُستحسن ذكرها لما يترتب عليها من الفائدة العظيمة.
فنقول - مستمدين العون من الله -:
[color=000099]1- الكلام على مكية السورة أو مدنيتها:[/color]
قال القرطبي - رحمه الله -: " مديِنّةٌ في قول الجميع " [ الجامع لأحكام القرآن: 18 / 81].
و أخرج ابن الضريس و النحاس و ابن مردويه و البيهقي في " الدلائل " عن ابن عباس قال: نزلت سورة الجمعة بالمدينة [ الدر المنثور: 8 / 151 ].
[color=000099]2- ذكر شيءٍ مما ورد في فضل سورة الجمعة:[/color]قال الإمام مسلم - رحمه الله -: وَ حَدَّثَـنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبِ: حَدَّثَـنَا سُلَيْمَانُ - وَ ْهَو ابْنُ بِلَالٍ - عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعِ قَالَ: اسْتَخْلَف َمَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَرأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ: (( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ )) قَالَ: فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيَْرَة حِينَ انْصَرَفَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَاِ بْاُلكَوِفة، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَى الله عليه وَ سَلم يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ [ صحيح مسلم 2 / 17 برقم ( 2026 ) ].
و بعد هذه المقدمة اليسيرة هذا أوان الشروع في المقصود:

[color=000099]الآيات:[/color]
قال الله تعالى: (( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ • هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ • وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ • ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ • مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )) [ الجمعة: 1 - 5 ].

[color=000099]أولاً: التفسير بالمأثور:[/color]
و غالب ما فيه من الآثار فقد سقتها من تفسير الطبري بسنده - رحمه الله -، و ما عدى ذلك أُصدر النقل بذكر المنقول عنه:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ )) قال: العرب [ 28 / 106 ].
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ )) قال: كان هذا الحي من العرب أمة أمِّيَّة، ليس فيها كتاب يقرؤونه، فبعث الله نبيه محمد صلى الله عليه و سلم رحمة وهدى يهديهم به [ 28 / 106 - 107 ].
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ )) قال: إنما سميت أمة محمد صلى الله عليه و سلم الأميين، لأنه لم ينزل عليهم كتابا [ 28 / 107 ].
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: (( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ )) قال: هم الأعاجم [ 28 / 108 ].
قال البخاري - رحمه الله -: حدَثني عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قالَ: حَدَّثَني سُلَيمانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الغَيثِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ – رضي الله عنه - قالَ: كُنَّا جُلُوساً عَنْدَ النَّبِيِّ صَلَى الله عليه وَ سَلم فَأُنْزِلَتْ عَلَيهِ سُورَةُ الجُمُعَةِ: (( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ )). قالَ: قُلتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَلَمْ يْرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلاثَاً، وَ فِينَا سَلمَانُ الفَارِسِيُّ، وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَى الله عليه وَ سَلم يَدَهُ عَلَى سَلمَانَ، ثُمَّ قالَ: " لَوْ كانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَنَالَهُ رِجالُ، أَوْ رَجُلٌ، مِنْ هؤُلَاءِ " [ صحيح البخاري 3 / 352 برقم ( 4897، 4898 )، و صحيح مسلم 4 / 166 برقم ( 6498 ) ].
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ )) قال: من ردف الإسلام من الناس كلهم [ 28 / 109 ].
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل: (( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ )) قال: هؤلاء كل من كان بعد النبي صلى الله عليه و سلم إلى يوم القيامة، كل من دخل في الإسلام من العرب والعجم [ 28 / 109 ].
قال ابن جرير - رحمه الله -: ( وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عني بذلك كل لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبي صلى الله عليه و سلم في إسلامهم من أي الأجناس؛ لأن الله عز وجل عم بقوله: (( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ )) كل لاحق بهم من آخرين، ولم يخصص منهم نوعا دون نوع، فكل لاحق بهم فهو من الآخرين الذي لم يكونوا في عداد الأولين الذين كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتلو عليهم آيات الله.و قوله: (( لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ )) يقول: لم يجيئوا بعد وسيجيئون.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل... حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (( لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ )) يقول: لم يأتوا بعد ) [ 28 / 109 ].
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، في قوله: (( يَحْمِلُ أَسْفَارًا )) قال: يحمل كتبا لا يدري ما فيها، ولا يعقلها [ 28 / 110 ].
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا )) قال: يحمل كتابا لا يدري ماذا عليه، ولا ماذا فيه [ 28 / 110 ].
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي عن ابن عباس في قوله (( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا )) يقول: كتبا. و الأسفار: جمع سفر، وهي الكتاب العظام [ 28 / 111 ].

[color=0000CC]ثانياً: القراءات:[/color]
قال الإمام ابن مجاهد - رحمه الله -: ( لم يختلفوا في سورة الجمعة ) [ كتاب السبعة في القراءات: 636 ].
قال الإمام أبو عمرو الداني - رحمه الله -: ( و ليس في الجمعة خلف إلا ما تقدّم من الإمالة و غيرها ) [ التيسير في القراءات السبع: 211 ].
قلت: كلام ابن مجاهد و أبو عمرو - رحمهما الله - محمولٌ على القراءات السبع؛ كما هو بينٌ من عنوان الكتابين، قال أبو عمرو - رحمه الله - في مقدمة كتابه: ( فإنكم سألتموني أحسن الله إرشادكم، أن أُصنّف لكم كتاباً مختصراً في مذاهب القرّاء السبعة بالأمصار - رحمهم الله -، يقرب عليكم تناوله، و يسهل عليكم حفظه، و يخفّ عليكم درسه، و يتضّمن من الروايات و الطرق ما اشتهر و انتشر عند التالين، و صحّ و ثبت عند المتصّدرين، من الأئمة المتقدمين، فأجبتكم إلى ما سألتموه... ) [ ص: 2 ]. و قد ثبت الاختلافُ في الفرش عن غير السبعة - و الله المستعان -.
قال تعالى: (( الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ )) [ آية: 1 ].
قرأ الجمهور ( الملكِ القدوسِ العزيزِ الحكيمِ )، و قرأ أبو وائل شقيق بن سلمة، و مسلمة بن محارب، و رؤبة، و أبو الدينار الأعرابي، و يعقوب، و أبو العالية، و نصر بن عاصم( الملكُ القدوسُ العزيزُ الحكيمُ ) [ البحر المحيط: 8 / 266، و الجامع لأحكام القرآن: 18 / 81، و إملاء ما من به الرحمن: 557 ].
و قرأ الجمهور بضم القاف من ( القُدُّوسِ )، و قرأ أبو الدّينار، و زيد بن علي ( القَدُّوس ) [ البحر المحيط: 8 / 266، و إملاء ما من به الرحمن: 557 ].
قال تعالى: (( وَيُزَكِّيهِمْ )) [ آية: 2 ].
قرأ يعقوب بضم الهاء من ( يزكيهُمْ ) [ إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر: 2 / 538 ].
قال تعالى: (( حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ )) [ آية: 5 ].
قرأ الجمهور ( حُمِّلُوا ) مشدداً مبنياً للمفعول، و قرأ يحيى بن يعمر، و زيد بن علي مخففاً مبنياً للفاعل ( حَمَلُوا ) [ الكشاف: 4 / 103، و البحر المحيط: 8 / 266 ].
قال تعالى: (( الْحِمَارِ )) [ آية: 5 ].
قرأ عبد الله بن مسعودٍ ( حِمارٍ ) منكراً [ البحر المحيط: 8 / 266 ].
قال تعالى: (( يَحْمِلُ )) [ آية: 5 ].
قرأ المأمون بن هارون ( يُحَمَّلُ ) [ البحر المحيط: 8 / 266 ].
قال تعالى: (( أَسْفَارًا )) [ آية: 5 ].
قال الزمخشري: ( و قُرىء " يحمل الأسفار " ) [ الكشاف: 4 / 103 ].

[color=000099]ثالثاً: الإعراب:[/color]
قال تعالى:(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ )) [ آية: 3 ].
قال الزجاج:( " وَآخَرِينَ " في موضع جرٍ، و المعنى هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم و بعث في الذين لم يلحقوا بهم، أي في آخرين منهم لما يلحقوا بهم، فالنبي عليه السلام مبعوث إلى من شاهده و إلى من كان بعدهم من العرب و العجم. و يجوز أن يكون " وَآخَرِينَ " في موضع نصب على معنى يعلمهم الكتاب و الحكمة يُعلم آخرين منهم لما يلحقوا بهم ) [ معاني القرآن و إعرابه: 5 / 169 - 170، و انظر الكشاف: 4 / 102، و البحر المحيط: 8 / 266، و إملاء ما من به الرحمن: 557 ].
قال تعالى: (( مَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ )) [ آية: 5 ].
قال أبو حيان: ( و " يَحْمِلُ " في موضع نصب على الحال، قال الزمخشري: أو الجر على الوصف لأن الحمار كاللئيم في قوله: و لقد أمر على اللئيم يسبني. انتهى. و هذا الذي قاله قد ذهب إليه بعض النحويين و هو أن مثل هذا من المعارف يوصف بالجمل و حملوا عليه: (( وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ )) [ يس: 37 ]. و هذا و أمثاله عند المحققين في موضع الحال لا في موضع الصفة و وصفه بالمعرفة ذي اللام دليل على تعريفه. مع ما في ذلك المذهب من هدم ما كره المتقدمون من أن المعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة و الجمل نكرات ) [ البحر المحيط: 8 / 266 - 267، و انظر الكشاف: 4 / 103، و إملاء ما من به الرحمن: 557 ].
قال تعالى: (( بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ )) [ آية: 5 ].
قال العُكبري: ( قوله تعالى: (( بِئْسَ مَثَلُ )) مثل هذا فاعل بئس، و في (( الَّذِينَ )) وجهان: أحدهما هو في موضع جر نعتاً للقوم و المخصوص بالذم محذوف: أي هذا المثل. و الثاني في موضع رفع تقديره: بئس مثل القوم الذين، فمثل المحذوف هو المخصوص بالذم، و قد حذف، و أقيم المضاف إليه مقامه ) [ إملاء ما من به الرحمن: 557، و انظر الكشاف: 4 / 103، و البحر المحيط: 8 / 267 ].

[color=000099]رابعاً: الأحكام:[/color]
المراجع التي وقفت عليها في أحكام القرآن لم تتعرض لأية أحكامٍ فقهية. [ انظر أحكام القرآن للشافعي، و أحكام القرآن للجصاص: 5 / 335 - 344، و أحام القرآن للكيا الهراس: 2 / 415 – 416، و أحكام القرآن لابن العربي: 4 / 1802 - 1810، و زاد المسير لابن الجوزي: 8 / 257 – 270، و الجامع لأحكام القرآن: 18 / 81 – 108 ].

[color=000099]خامساً: غريب القرآن:[/color]
قال تعالى: (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ )) [ آية: 2 ].
قال الراغب الأصفهاني: ( و الأُمِّيُّ هو الذي لا يكتب و لا يقرأ من كتاب و عليه حمل (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ )) قال قطرب: الأُمِّيِّة الغفلة و الجهالة، فالأُمَّيُّ منه و ذلك هو قلة المعرفة و منه قوله تعالى: (( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ )) [ البقرة: 78 ] أي إلا أن يتلى عليهم. قال الفراء: هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب، و (( الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ )) [ الأعراف: 157 ] قيل منسوب إلى الأُمَّة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم كقولك: عامي. لكونه على عادة العامة، و قيل: سُمِّى بذلك لأنه لم يكن يكتب و لا يقرأ من كتاب و ذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه و اعتماده على ضمان الله منه بقوله: (( سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى )) [ الأعلى: 6 ] و قيل: سُمِّى بذلك لنسبته إلى أم القرى... ) [ المفردات في غريب القرآن: 23 - 24، و انظر تفسير غريب القرآن: 158، و الترجمان في غريب القرآن: 348، و مجاز القرآن: 2 / 258، و تذكرة الأريب في تفسير الغريب: 2 / 221 ].
قال تعالى: (( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا )) [ آية: 5 ].
قال الراغب الأصفهاني: ( و السِّفْرُ الكتاب الذي يُسْفِرُ عن الحقائق و جمعه أسفْارٌ، قال تعالى: (( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا )) و خص لفظ الأسْفارِ في هذا المكان تنبيهاً أن التوراة و إن كانت تُحقق ما فيها فالجاهل لا تكاد يستبينها كالحمار الحامل لها،... ) [ المفردات في غريب القرآن: 233 - 234، و انظر العمدة في غريب القرآن: 305، و تفسير غريب القرآن: 158، و الترجمان في غريب القرآن: 348، و مجاز القرآن: 2 / 258، و تذكرة الأريب في تفسير الغريب: 2 / 221 ].
و قال أبو الحسن سعيد بن مسعدة المعروف بالأخفش الأوسط: ( قال: " أسفاراً " و واحدها السِّفْرُ. و قال بعض النحويين: لا يكون للأسفار واحد. كنحو: أَبَابِيل و أَسَاطِير، و نحو قول العرب: ثَوْبٌ أَكْبَاش، و هو الرديءُ الْغَزْلِ، وَ ثَوْبٌ " مِزْقٌ "، للمتمزق ) [ معاني القرآن: 2 / 500 ].

[color=000099]سادساً: أسباب النزول:[/color]
لم أقف فيما أطلعت عليه من كتب أسباب النزول من ذكر عند هذه الآيات سبباً لنزولها، و الله أعلم [ انظر أسباب النزول للواحدي، و لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي، و الصحيح المسند من أسباب النزول لفضيلة الشيخ: مقبل بن هادي الوادعي: 248 ].

و في الختام أسأل الله الكريم بمنه العظيم، أن يجعله مما أريد به وجهه الكريم، و أن يكتب لنا الأجر و المثوبة، و الله تعالى أعلم و نسب العلم إليه أحكم و أسلم. و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

كتبه الفقير إلى الله/ أحمد بن ناصر الحمد.
 
أشكر الأخ الكريم أحمد الحمد حفظه الله على هذه المشاركة الماتعة . وهي خطوة أولى في البحث في التفسير ، وأرجو أن يتكرم بالخطوة الثانية ، وهي الوقوف مع بعض ما نقله ، ومناقشته ، و شرحه لأمثالي ممن لا يكاد يتبين كلام العلماء إلا بصعوبة بالغة ، لم يعد النقل كافياً معها. واضرب لذلك مثالاً :
في نقلكم الكريم لقول أبي حيان رحمه الله :[color=990000]( و " يَحْمِلُ " في موضع نصب على الحال ، قال الزمخشري: أو الجر على الوصف لأن الحمار كاللئيم في قوله:
[align=center] و لقد أمر على اللئيم يسبني [/align]
انتهى. و هذا الذي قاله قد ذهب إليه بعض النحويين و هو أن مثل هذا من المعارف يوصف بالجمل و حملوا عليه: (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ) [يس:37]. و هذا و أمثاله عند المحققين في موضع الحال لا في موضع الصفة و وصفه بالمعرفة ذي اللام دليل على تعريفه. مع ما في ذلك المذهب من هدم ما كره المتقدمون من أن المعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة و الجمل نكرات)[البحر المحيط: 8 / 266 - 267، و انظر الكشاف: 4 / 103، و إملاء ما من به الرحمن: 557 ][/color].
هذا الكلام كلام جميل ، وفي بسطه لأمثالي منفعة ، والذي فهمته من هذا أن أبا حيان يتكلم عن إعراب الجملة الفعلية (يحمل أسفاراً). وهي هنا من الجمل السبع التي لها محل من الإعراب ، لأنها حالية على رأي أبي حيان. لكن رأي الزمخشري له وجاهته . وهو أن تعرب صفةً كذلك.
وهذا يذكرنا بالمقولة التي يقولها النحويون وهو أن الجمل بعد المعارف أحوال ، وبعد النكرات صفات. ويعللون ذلك بأن المعرفة في حاجة إلى معرفة حالها أكثر من الحاجة إلى معرفة صفتها لكونها معرفة ، بخلاف النكرة ، فالحاجة إلى معرفة صفتها أشد. وقد فصل القول في ذلك ابن هشام رحمه الله فبين أن الضابط السابق غير دقيق ، وأن الأفضل أن يقال :
الجمل بعد المعارف [color=0000CC]المحضة[/color] أحوال ، وبعد النكرات [color=0000CC]المحضة[/color] صفات .
وهنا في المثال الذي ذكرته وفقك الله ، وهو قوله تعالى :(كمثل الحمار يحمل أسفاراً). يمكن إعراب جملة (يحمل أسفاراً) :
- حالاً ، لأن لفظة (الحمار) معرفة بـ (ال) من حيث اللفظ ، فتكون الجملة بعدها حالاً.
- صفة ؛ لأن لفظة (الحمار) وإن كانت معرفة بـ (ال) إلا أنها تدل على جنس الحمار ، فهي أشبه ما تكون بالنكرة . ومثلها (الليل) في قوله :(وآية لهم الليل نسلخ منه النهار..). ومثلها لفظة (اللئيم) في الشاهد الشعري الذي ذكره الزمخشري:
[align=center]ولقد أمرُّ على اللئيم يسبني * فمضيت ثمتَ قلت : لا يعنيني[/align]
فلفظة (اللئيم) هنا من حيث اللفظ معرفة لوجود (ال) ، ومن حيث المعنى تدل على جنس اللئيم لا على شخص بعينه فهي أشبه ما تكون بالنكرة .فألفاظ (الحمار) و(الليل) و(اللئيم) ليست معارف محضة على تفصيل ابن هشام ، وبهذا يستقيم كلام الزمخشري في تجويزه إعرابها صفةً.

أرجو أن أرى مناقشتك للأقوال في معنى (الأميين).
في قوله تعالى :(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) كثير من الوقفات التربوية التعليمية ، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم في التربية والتزكية والتعليم ، ليت وقتكم يتسع لبسطها وفقكم الله ونفع بعلمكم .
 
الحمد لله رب العالمين.
جاءت سورة الجمعة بعد سورة الصف ترتيبا في المصحف، وهي سورة افتتحت بالتسبيح (يسبح) ، والتسبيح تنزيه لله عما لا يليق بجلاله ، فما الذي جاء في سورة الصف يستوجب أن يتبعه الله بالتسبيح بعد ختام السورة؟
قبل الدخول في الحديث عما جاء في سورة الصف علينا أن نستحضر قاعدة أساسية وهي أن التكليف جاء ضد هوى النفس ، فالشهوات تهواها النفس ، وتكاليف الدين أتت لتنهى النفس عن الهوى ، وفي ذلك مشقة نفسية تتطلب الصبر، إذن فتكاليف الدين مبنية على الصبر.
فالصبر هو لب قضية الدين وعنوان الإحسان ( واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) ومقياس الشكر، فالصابر هو الأحق بأن يوصف بالشاكر (صبار شكور),
مثلا : يدخل الوالد على ابنه فيجده قد ترك مذاكرة دروسه وألهاه مسلسل تلفزيوني عن الواجب ، فيطفئ الوالد جهاز التلفزيون ويصرخ في ابنه : أدخل غرفتك وراجع دروسك جيدا لكي تنجح...
فيفعل الإبن ما أمره به أبوه ، وقد يعلم هو من نفسه أو تذكره أمه أن :
أباك على حق وأنه (منزه) عن يكون له هوى ضد مصلحتك بدليل أنه هو الذي ينفق على تعليمك ويحضر لك مدرسين إلى البيت لأخذ دروس خصوصية..... ) فحين يتذكر الإبن هذا يطمإن إلى أن أباه (منزه) عن أن يكون له هوى ضد مصلحة ابنه .
كذلك الله العزيز الحكيم يأمر المؤمنين في سورة الصف : يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ؟ ، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ..... إلى آخر السورة.
هذا أمر من الله للمؤمنين بالجهاد في سبيل الله بالمال والنفس يتطلب الصبر ، والصابر يحتاج إلى تطمين بأن ذلك من مصلحته (خير له) ،
والتطمين يكون بالتذكير بأن الآمر (منزه) عن أن يخلف وعده و(منزه )عن الهوى و(منزه ) عن أن تأتي النتائج على عكس ما يريد لأنه (يملك ) زمام الأمور كلها.
فكان من الحكمة أن يطمإن الله المؤمنين بالتنزيه (التسبيح) ليتشبتوا بالصبر فيفعلوا ما يؤمرون به : (( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ),
وكما اطمأن الإبن لنصيحة أبيه حينما راجع نفسه فاستيقن أن أباه لا يريد له إلا الخير بدليل أن أباه (هو) الذي ينفق على تعليمه و(هو) الذي يحضر له مدرسين ليعطوه دروسا خاصة كذلك الله تعالى لا يريد بالمؤمنين إلا الخير بدليل أنه ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ • وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ • ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
الصفة التي يناسبها التنزيه هي الحكمة ، فمن يحكم الأمور بإتقان على أتم وجه هو الذي يكون منزها عن النقد ، أما الذي تنقصه الحكمة فهو معرض لنقد النقاد ، إذن فما يصدر من الحكيم فهو منتهى الصواب وهو الحق المطلق ولذلك يأتي التسبيح في القرآن لإسم الله (العزيز الحكيم).
فالعزيز هو الغالب الذي لا يغلب ، ولا تتحقق الغلبة بالحجة أو بالقوة إلا لمن أتقن الأمور بمنتهى الحكمة ، ولذلك يقترن إسم الله (العزيز) ب (الحكيم) ، فالعزة بنت الحكمة = لا غلبة (عزة) إلا بالحكمة ، فالنصر للعزيز الحكيم,

إذا كان التسبيح في سور أخرى لله (العزيز الحكيم) فإن التسبيح في سورة الجمعة لله (الملك القدوس العزيز الحكيم) ف( الملك القدوس) تتناسب مع سياق الآيات في سورة الصف وبالأخص : ( ..... وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ...) فالأموال (ملك الله) نتصرف فيها وكذلك الأنفس وزمامها وكل الأمور (يملكها) الله. ومن يملك الأمر كله فهو قدوس.
 
( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم)
قد يتسائل أحد : لماذا يقول الله في الآية : تؤمنون بالله ) مع أن الله أثبت لهم الإيمان بخطابه لهم ب ( يا أيها الذين آمنوا ) ؟
الجواب : قد يؤمن المؤمن بالله ورسوله ، وقد يضعف أمام أوامر الإسلام كالجهاد بالمال والنفس لأن النفس تستحضر الشح وتجد في القتال كره ومشقة، فهذه المسائل الشاقة على النفس تحتاج إيمانا يهون عليه ما يجده في نفسه من مشقة وكره للقتال ، كما أن المجاهد بالمال والنفس لا يفعل ذلك إلا لأنه مؤمن بعدالة قضيته وبأنه على الحق ، ولذلك كان من الحكمة أن يؤكد للذين آمنوا بقوله (تؤمنون بالله),
ماهي الغاية من (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم )؟
الغاية من ذلك هي (نصرة) الدين ، هي أن نكون أنصارا لله ، ولذلك أكدها الله بعد ذلك بقوله ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله...).
تأملوا الآيات من قوله تعالى : هل أدلكم ..... إلى آخر السورة.
ماذا يقتضي سياق أمر الله من كلام يستوجب التوضيح؟

مثلا : لو قلت لك يا فلان هل أدلك على تجارة تصبح بها مليونيرا وهي أن تبيع أرضك ودارك وتأتيني بثمنهما لأستثمرها لك.
هل بمجرد أن تسمع كلامي تقوم بتنفيذ ما اقترحته عليك أم أنك تطالب بإثبات يصدق كلامي يجعلك تثق في وتطمإن إليه نفسك؟
بالطبع فإنك لا تقدم على بيع دارك وأرضك إلا بعد أن تستيقن وتتأكد أنها تجارة رابحة ، ولا تطلب البينة التي تطمإن لها نفسك إلا لأنك (خائف) ، والخائف محتاج للإطمئنان,
والتطمين في هذا الأمر يكون بتزكية الآمر وأنه على حق في ما يعرضه عليك في هذه المسألة ، وهذا (تنزيه) عن النصب والاحتيال.
فأعرض عليك وثائق ومعاملات أخرى أثبت من خلالها (نزاهتي) ، وإذا كنت قد تعاملت معك من قبل وكسبت منها أموالا ، فإنني أذكرك بها فأقول : تذكر أنني أنا الذي شاركتك في المشروع الفلاني فكسبت منها أموالا، إذن في التذكير بهذه الأمور زيادة في التطمين.
وحتى آدم عليه السلام لم يأكل من الشجرة بمجرد سماعه اقتراح إبليس ( هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) وإنما بعدما أوهمه إبليس أنه نزيها وأنه يقول الحق وأنه له ناصح أمين وأقسم إبليس على ذلك .

كذلك فإن أمر الله للمؤمنين في سورة الصف اقتضى أن يتبعه بالتنزيه
الذي يطمئن الأنفس : يسبح لله ما في السموات والأرض الملك القدوس العزيز الحكيم).
واقتضى التذكير بفضل الله على المؤمنين : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) ، وحيث أن أمره تعالى ( هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) موجه إلى كل المؤمنين إلى أن تقوم الساعة ، فإن من الحكمة ألا يقتصر التذكير بفضل الله على الأولين فقط وإنما يشمل التذكير كل من يعنيه الأمر إلى أن تقوم الساعة فقال تعالى : وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم) هذا هو فضل الله الجدير بالتذكير لكل المعنيين بالأمر (الأميين والآخرين اللاحقين بهم)
: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
وإذا كان للأب ابن لم يسمع كلامه ولم يلتف إلى نصائح أبيه فإن الأب يحذر أبناءه الآخرين من الحدو حدوه لكي لا يرسبوا مثله في الامتحان ، فلو كان هذا الابن صادقا في ادعاءه أنه لا يحتاج إلى مذاكرة دروسه لتمنى الامتحان اليوم قبل الغد ، لكن الكسلاء لا يتمنون الامتحان لأنهم سيفشلون في اجتيازه ، فكان من الحكمة أن يضرب الله
المثل بعد ذلك باليهود : مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار.....
يتبع إن شاء الله
 
وبعد الانتهاء مما يتطلبه مقتضى الكلام من تطمين للمأمور وتذكيره بفضله وتحذيره من الاقتداء بأخيه الذي ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن العمل ، بعد هذا كله يدخل في الموضوع ويبين للذين آمنوا تلك التجارة التي تنجيهم من عذاب أليم ، فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون),
لا يقول الله (ذروا البيع) إلا لأن صلاة الجمعة خير من تجارة الدنيا (البيع ) فهي التجارة التي تنجي من عذاب أليم.
ما علاقة قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) بالإيمان بالله والجهاد في سبيله بالأموال والأنفس في قوله تعالى : : يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) ؟
الآية في سورة الصف آية دلالة والأية في سورة الجمعة آية بيان الكيفية ، مثلا :
خبير اقتضادي يقترح على أحد معارفه أن يسلك طريق البورصة وسوق المال للوصول إلى عالم الثراء، فإذا اقتنع بكلامه فإنه لا يأخذه مباشرة إلى بورصة نيويورك وإنما يأخذه إلى مدرسة خاصة بتعليم التجار كيفية المضاربة في البورصة وشراء الأسهم.
كذلك أمر الله للذين آمنوا لابد لهم من حضور الدروس والمحاضرات التي تتضمنها خطب الجمعة فتزيدهم مواعظ الجمعة إيمانا يحبب إليهم الجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس لما يسمعونه من فضائل وحسن الثواب تزيل الشح وتحبب القتال إلى الأنفس.
وكذلك لأن الله لم يخاطب المؤمنين فرادى ،فالجهاد في سبيل الله يفرض لزوم الجماعة ، وصلاة الجمعة هي وسيلة الإعلام الأولى في الإسلام .
 
الحمد لله رب العالمين
أليست صلاة الجمعة مدرسة يتعلم فيها المسلمون أمور دينهم تذكر الغافلين بقضايا الدين وواجباته فيخرج بانطباع إيماني عن علم بفضل الجهاد بالمال والنفس؟
إن كنت أضرب الأمثال لفهم سياق الآيات فلأنه كتاب حكيم ، والحكمة تتبين بالأمثال .
والسلام عليكم ورحمة الله.
 
عودة
أعلى