وقفات قرآنية .. وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ

إنضم
16/10/2016
المشاركات
124
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مصر
قال تعالى:
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ} [الملك:25-27]

{فلما رَأَوه} أي: العذاب الموعود. والفاء فصيحة مُعربة عن تقدير جملة، كأنه قيل: قد أتاهم الموعود فلما رأوه ... الخ، نزّل ما سيقع بمنزلة الواقع لتحقق وقوعه، و {زُلفةً}: حال من مفعول «رَأَوه» أي: قريباً منهم، وهو مصدر، أي: ذا زلفة، {سِيئَتْ} أي: تغيرت {وجوهُ الذين كفروا} بأن غشيها الكآبة ورهقها القَترُ والذلة. ووضع الموصول موضع ضميرهم؛ لذمهم بالكفر، وتعليل المساءة به. {وقيل} توبيخاً لهم، وتشديداً لعذابهم: {هذا الذي كنتم به تَدَّعون}؛ تطلبونه في الدنيا وتستعجلونه إنكاراً واستهزاءً، وهو «تفتعلون» من الدعاء، وقيل: من الدعوى، أي: تدعون ألاَّ بعث ولا حشر. (1)
{وَقِيلَ هَاذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ} أي: هذا الذي كنتم به تكذِّبون، إذ كنتم بسببه أو في موضوعه تدعون الأباطيل والأكاذيب. (2)
{وَقِيلَ هَاذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ} أي تطلبُونَهُ في الدُّنيا وتستعجلونَهُ إنكاراً واستهزاءً على أنَّه تفتعلونَ من الدعاءِ، وقيلَ هو من الدَّعْوَى أي تدَّعُونَ أنْ لا بعثَ ولا حشرَ. (3)
في قوله: {تَدَّعُونَ} وجوه: أحدها: قال الفراء: يريد تدعون من الدعاء أي تطلبون وتستعجلون به، وتدعون وتدعون واحد في اللغة مثل تذكرون وتذكرون وتدخرون وتدخرون وثانيها: أنه من الدعوى معناه: هذا الذي كنتم تبطلونه أي تدعون أنه باطل لا يأتيكم أو هذا الذي كنتم بسببه وتدعون أنكم لا تبعثون وثالثها: أن يكون هذا استفهاماً على سبيل الإنكار، والمعنى أهذا الذي تدعون، لا بل كنتم تدعون عدمه. (4)
وفي قوله {كنتم به تدّعون} أربعة أوجه:
أحدها: تمترون فيه وتختلفون، قاله مقاتل .
الثاني: تشكّون في الدنيا وتزعمون أنه لا يكون، قاله الكلبي.
الثالث: تستعجلون من العذاب، قاله زيد بن أسلم .
الرابع: أنه دعاؤهم بذلك على أنفسهم، وهو افتعال من الدعاء، قاله ابن قتيبة. (5)
وقراءة العامّة: {تدّعون} بتشديد الدال يفتعلون من الدعاء عن أكثر العلماء أي يتمنّون ويتسلّون، وقال الحسن: معناه يدّعون أن لا جنّة ولا نار، وقرأ الضحاك وقتادة ويعقوب بتخفيف الدال، أي تدعون الله أن يأتكم به وهو قوله: {وإذ قالوا اللّهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك}. (6)
{فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ}. "لما" حرف توقيت، أي سيئت وجوههم في وقت رؤيتهم الوعد.
والفاء فصيحة لأنها اقتضت جملة محذوفة تقديرها: فحل بهم الوعد فلما رأوه الخ، أي رأوا الموعد به. وفعل {رَأَوْهُ} مستعمل في المستقبل، وجيء به بصيغة الماضي لشبهه بالماضي في تحقق الوقوع مثل {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] لأنه صادر عمن لا إخلاف في أخباره فإن هذا الوعد لم يكن قد حصل حين نزول الآية بمكة سواء أريد بالوعد الوعد بالبعث كما هو مقتضى السياق أم أريد به وعد النصر، بقرينة قوله: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الملك:25] فإنه يقتضي أنهم يقولونه في الحال وأن الوعد غير حاصل حين قولهم لأنهم يسألون عنه ب {مَتَى}.
ونظير هذا الاستعمال قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} في [النساء:41]. وقوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ} في [النحل: 89]، إذ جمع في الآيتين بين فعل {نَبْعَثُ} مضارعا وفعل {وَجِئْنَا} ماضيا.
وأصل المعنى: فإذا يرونه تساء وجوه الذين كفروا الخ، فعدل عن ذلك إلى صوغ الوعيد في صورة الإخبار عن أمر وقع فجيء بالأفعال الماضية.
وضمير {رَأَوْهُ} عائد إلى {الْوَعْدُ} [الملك: 25] بمعنى: رأوا الموعود به.
والزلفة بضم الزاي: اسم مصدر زلف إذا قرب وهو من باب تعب. وهذا إخبار بالمصدر للمبالغة، أي رأوه شديد القرب منهم، أي أخذ ينالهم.
و {سِيئَتْ} بني للنائب، أي ساء وجوههم ذلك الوعد بمعنى الموعد. وأسند حصول السوء إلى الوجوه لتضمينه معنى كلحت، أي سوء شديد تظهر آثار الانفعال منه على الوجوه، كما أسند الخوف إلى الأعين في قول الأعشى:
وأقدم إذا ما أعين الناس تفرق
{وَقِيلَ} أي لهم. و {تَدَّعُونَ} بتشديد الدال مضارع ادعى. وقد حذف مفعوله لظهوره من قوله: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الملك:25]، أي تدعون أنه لا يكون. (7)
الهوامش

  1. تفسير ابن عجيبة، البحر المديد: 6/378
  2. صراع مع الملاحدة حتى العظم:1/447
  3. تفسير أبي السعود: 6/357
  4. تفسير الفخر الرازي: 1/4507
  5. النكت والعيون، للماوردي: 4/303
  6. الكشف والبيان، النيسابوري: 9/361
  7. التحرير والتنوير:29/48

[h=2]د/ خالد سعد النجار[/h][email protected]
 
عودة
أعلى