الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد:
ففي هذا الشهر الكريم ستكون لي وقفات مع آيات من كتاب الله بدءا من أول القرآن إلى آخره،ولن
أجعلها مرتبة حسب سور القرآن،بل كلما عنت لي خاطرة وفائدة وكنت قريبا من جهاز الكمبيوتر فبإذن
الله سأدونها،ولن تكون شاملة لجميع الآيات،وقد وضعتها على هيئة نقاط ورقمتها.
1-في قوله تعالى:"ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين"فائدة جليلة، وهي أن التقوى سبب للهداية،
وكلما ازداد الإنسان تقوى لله تعالى زاده الله بصيرة وتوفيقا في جميع ما يأتي ومايذر،وقد جاء تصديق هذه
الآية في آخر السورة ،قال تعالى:"واتقوا الله ويعلمكم الله" فالاستزادة من العلم النافع والعمل الصالح،
ومعرفة المزيد من أسرار القرآن الذي يدفع إلى قوة الإيقان يتحقق بالتقوى،وقال بعض السلف:(إن من
ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن ثواب السيئة السيئة بعدها).
2-في قوله تعالى:"وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم
من دون الله إن كنتم صادقين"هذه الآية حجتها ماضية باقية إلى يومنا هذا بل إلى قيام الساعة،فنحن
نقول لمن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم -وحاشاه-كاذب،وأن هذا القرآن من عنده،ائتنا
بكتاب اشتمل على فصاحة وتشريع يضاهي سورة من القرآن،وأنى له ذلك.وهذه القوانين الوضعية
التي سنتها دول الشرق والغرب وقد اجتمع على وضعها وصياغتها أكاديميون وأصحاب عقول
ضخمة لايمكن أن ترتقي إلى شيء من تشريع القرآن.أما فصاحة القرآن فقد أعيا فصحاء العرب
في القديم والحديث،وأنت يا أخي القاريء الكريم تقرأ آية من كتاب الله فتنهال لك معان كثيرة
لاتجد مثلها في كلام البشر ولا في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى:"يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم
وإياي فارهبون.وءامنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولاتكونوا أول كافر به ولاتشتروا بآياتي
ثمنا قليلا وإياي فاتقون.ولاتلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"
مجيء هذه الآيات الكريمات بعد قصة آدم عليه السلام مع إبليس إشارة لبني إسرائيل
والله أعلم ألا يحملهم الحسد على إنكار اصطفاء الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم
كما أنكر إبليس اصطفاء الله لأبينا وأبيهم آدم عليه السلام فيكفروا كما كفر إبليس،وفيها
إشارة والله أعلم إلى أن الله سبحانه نزع منهم الاصطفاء كما نزع من إبليس الاصطفاء
لفساد طويتهم كحال إبليس،كما أن فيها إيماء لهم بأنهم إن لبسوا الحق بالباطل فهم
يسيرون على خطى الشيطان في تلبيسه على أبينا آدم عليه السلام أمر الشجرة.
4-قال تعالى:"إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح
أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين"
هذه الآية الكريمة تذكرني بحال من يحارب تحكيم الشريعة لتثبيت ملكه أو مكانته ومصالحه،
فحاله كحال فرعون حينما قتل أطفال بني إسرائيل مخافة أن يزول حكمه على يد أحدهم،
فكانت النتيجة أن الله سبحانه مكر به ،وأزال حكمه على يد رضيع تربى في قصره.
فليحذر من استمرأ هذا السلوك المعوج من مكر الله وغضبه وزوال مايرتجيه من هذه الدنيا
من ملك أو وزارة أو أي منفعة من حيث لايحتسب،معاملة له بنقيض قصده.
5-قال تعالى:"إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص"
ما أحوج إخواننا المجاهدين في بلاد الشام وغيرها إلى أن تكون هذه الآية عالقة في أذهانهم،
فهم يتعرضون لمكر كبار لتفريق صفوفهم وتمزيق شملهم،حتى يكونوا فريسة سهلة لأعدائهم،
ولتمرير مخططات اليهود ومن أعانهم،فلتقطعوا يا إخواني الطريق عليهم طلبا لمحبة الله،فهي
أعظم مرغوب،وغاية ما شمر إليه عباد الله الصالحون،ولتحقيق النصر بإذن الله.
6-قال تعالى :"ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"
أهل الكتاب متدينوهم وعلمانيوهم لن يرضوا عنا مهما قدمنا لهم من مال وتنازلات ،حتى نتنازل
عن عقيدتنا، ونتبعهم في ثقافتهم-إن صحت التسمية.هذه حقيقة قرآنية يجب أن تكون نصب
أعيننا،مع العلم أن العقيدة اليهودية في هذه الأزمان لايسعى أربابها في نشر ديانتهم واتباعهم،
بل رضوا منا أن نكون لادينيين.
7-قال تعالى :"وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه...."
من فوائد هذه الآية أن العجلة في قطف الثمرة،وتحقيق المراد،مفض إلى لحاق الضيق والشدة
بنا،فاستحضار أهمية البعد الزمني في دعواتنا وجهادنا مهم جدا،وإلا فسنقع في حرج وتجاوزات
لم يأمرنا الله بها،وما أحداث التفجير والتخريب وآثارهما عنا ببعيد.
8-قال تعالى : "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة
فينبئكم بما كنتم تعملون"
تأمل يا أخي الكريم إيراد هذه الآية في سورة الجمعة،ولعل السر -والله أعلم-هو أن مبعث الناس
ومردهم إلى الله سيكون في يوم الجمعة.
9-قال تعالى :"وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم"يؤخذ من هذه الآية مشروعية
دعاء الأعزب لنفسه بأن يهبه الله ذرية طيبة شريطة أن يكون في نيته الرغبة في الزواج،أما من
لايريد الزواج طيلة عمره فلا يجوز لأنه من قبيل الاعتداء في الدعاء لمخالفته سنة الله الكونية.
10-قال تعالى:"إن الله لايحب كل مختال فخور"
إذا نازعتك نفسك في الإعجاب بما آتاك الله فتذكر هذه الآية،فإنها دواء لداء الكبر والعجب
بالنفس،ويؤخذ من هذه الآية حرمة الثناء على النفس إذا كان على وجه الافتخار،والشيء بالشيء
يذكر، ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة أجاز الثناء على النفس للحاجة كأن يتقدم شخص
للخطبة من أناس فيمدح ذاته بما يعرف فيها من خير،ثم قال والأولى أن لايباشر هذا بنفسه بل يثتي
عليه غيره.
11-قال تعالى:"وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان.....وكذلك مكنا ليوسف في الأرض
يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولانضيع أجر المحسنين"
أخبرنا الله جل وعلا أن الملك عين يوسف عليه السلام على خزائن الأرض بعد أن علم عقله
وحسن تدبيره،ويؤخذ من هذه القصة أن من أسباب تمكين الحاكم أو من يقوم مقامه في الأرض
حسن تصريفه لمعايش الناس،وإيصاله لهم مايغنيهم ويكفيهم،وأنتم تعلمون أن الثورات التي اجتاحت
بعض البلدان العربية كان من أعظم أسباب شررها الفقر والفساد المالي ومضايقة الناس في معاشهم.
12-لما أخبرت الملائكة إبراهيم عليه السلام بعزمهم على إهلاك قوم لوط عليه السلام لقبح
صنيعهم أخذ يجادل في شأنهم،فأثنى الله عليه فقال:"إن إبراهيم لحليم أواه منيب" نعم
والله حليم وأي حليم،ورحيم وأي رحيم،ورفيق وأي رفيق،كان يطمع في هدايتهم،ويحدب
عليهم،ويسأل دفع العذاب عنهم،مع علمه بشركهم وقطعهم الطريق وإتيانهم الفاحشة النكراء
التي تتقزز منها النفوس السوية نهارا جهارا بكل وقاحة وصفاقة وجه.الله أكبر ما أحوج من
ينبري للإحتساب أن يحمل في قلبه هذه الرحمة والشفقة بالخلق ،وألا يكون همه مجرد
إزالة المنكر دون نظر وطمع في هداية الخلق،فإن هذا مجانب لهدي إبراهيم عليه السلام
حسبما يتضح من هذه الآية،والله تعالى يقول:"قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين
معه"،كما أنه مخالف لهدي نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم،قال تعالى:"لقد جاءكم
رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم".
وفقني الله وإياكم للاقتداء بالخليلين الكريمين عليهما السلام ولسائر الأنبياء والمرسلين.
13-هناك تغير ملموس في واقع الشعوب الإسلامية،وهذا التغير سيجر إلى تحول المشهد في
واقعنا،قال تعالى:"إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"،وهو بإذن الله إلى الأفضل،
لكن العزة المنشودة تحتاج إلى قدر كبير من التضحيات والصبر،مما يستدعي تهيئة النفوس
عليهما،والتربية على معالي الأمور وعزائمها.
15-قال تعالى :"هو الذي بعث في الأميين منهم يتلوا عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.وءاخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم.
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.......فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض
وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون"
سورة الجمعة أشارت إلى فضل الله وعطيته الدينية والدنيوية،وقدمت ما كان من شأن الدين،في إيماء
صريح إلى تقديم الفضل المتعلق بالدين على الفضل المتعلق بالدنيا.وورود موضوع فضل الله في سورة
الجمعة يعطي دلالة على أن من أعظم نعم الله على هذه الأمة هدايتها ليوم الجمعة بخلاف أهل الكتاب،
فعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أضل الله عن الجمعة من كان
من كان قبلنا،فكان لليهود يوم السبت،وكان للنصارى يوم الأحد،فجاء الله بنا ،فهدانا الله ليوم الجمعة)
رواه مسلم.
16-قال تعالى:"ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل
الله....تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين"
الآيات الكريمات تتحدث عن قصة تولي طالوت الملك على بني إسرائيل بوحي من الله على نبي من
أنبياء بني إسرائيل،وجهاده بالطائفة المؤمنة ضد جالوت وجنوده،وانتصاره عليهم،وفيها فوائد عظيمة منها:
1-أن النصر مع الصبر.
2-أن النصر يمر بمراحل ابتلاء،فمن تجاوزها وفق وهدي ونصر.
3-أن العبرة بنوعية الأتباع لاكثرتهم،وأن على المربين أن ينتقوا طلابهم.
4-أهمية دور العلماء العاملين في مسيرة البلاد والجهاد.
5-أن باجتماع العلماء والأمراء انتظام مصالح العباد،وتحقيق النصرة والتمكين.
6-أن الولايات والمناصب والوظائف توكل إلى الأكفاء دون نظر إلى أنسابهم ومناطقهم
وعلاقاتهم غير أن الإمامة العظمى بعض أهل العلم يشترط فيها أن يكون الإمام قرشيا،
والعبد كما هو معلوم لاولاية له على نفسه فعلى غيره من باب أولى،وإن كان المسألتان
الأخيرتان لاوجود لهما هذه الأزمنة.
18-قال تعالى:"والسماء ذات البروج"
تأمل يا أخي القاريء -بارك الله- براعة الاستهلال في هذه السورة،وذلك لإيماء أولها على مواضيع
جاءت في أثنائها وختامها،حيث إن البروج هي النجوم عند جماعة من المفسرين،ومن فوائد النجوم
حرقها للشياطين حفظا للقرآن الكريم،وهدايتها للسائرين في ظلام الليل ،وقد جاء في ثنايا السورة
الإخبار عن تحريق أصحاب الأخدود في نار جهنم.كما أخبر جل في علاه بأن هذا القرآن محفوظ،
قال تعالى:"بل هو قرآن مجيد.في لوح محفوظ"،ومن المعلوم أن القرآن هداية لجميع السائرين إلى
الله تعالى،فخلص من ذلك اشتمال السورة على موضوع حرق الله لمن عذب أولياءه،وحفظ القرآن
الكريم،ومن لازم ذلك حفظ من تمسك به وهدايته،والإشارة والله أعلم إلى هذه المواضيع في مستهل
السورة،وأصبح أولها بمنزلة المقدمة والتوطئة لما جاء فيها.
19-قال تعالى :"حور مقصورات في الخيام"
دلت هذه الآية على أن من صفات الحور أنهن محبوسات منعمات في الخيام،وإني لأرجو من الله
أن يكون هذا جزاء كل من قرت في بيتها،فلم تكن ولاجة خراجة،استجابة لأمر ربها حينما قال:
"وقرن في بيوتكن"فإن من المعلوم أن الجزاء من جنس العمل.
وأسأل الله أن نكون ممن عتق من النيران وفاز بالجنان ولذة النظر إلى وجه الرحمن.
20-قال تعالى:"إن المتقين في مقام أمين"
ما أعظم هذه الآية ،وما أعمق أثرها في القلب،لاسيما تلك القلوب التي طالما وجلت من الله وخافت
من وعيده،فيطرق مسامعها هذا الوعد،فيحدث فيها حنينا وأنينا،ترجو رحمة الله،وتنتظر تلك اللحظات
التي تأمن فيها ،وتأنس فيها بالقرب من الله،وتأمل أن تكون من جملة الذين يقولون:"إنا كنا قبل في أهلنا
مشفقين .فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم .إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم".كما أن هذه الآية
بلسم على قلب كل خائف مسلوب الراحة،مكدر الخاطر،بأن له وعدا عند ربه إن اتقاه بالأمان من هذا كله
في جنة عرضها السماوات والأرض،فيأمن من كل فعل يؤذيه،ومن كل قول يجرحه،ومن كل مايسلب منه تمام
الحبور.
21-من أراد أن يثني عليه ربنا في الملأ الأعلى،وينال رحمته الوسعة،ويزداد إيمانا وهدى وتقوى،
فليصبر عند المصائب،وليقل:إنا لله وإنا إليه راجعون .اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى:"ولنبلونكم بشيء
من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين.الذين إذا أصابتهم مصيبة
قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون"
22-قال تعالى:"يا أيها الذين ءامنوا لاتتخذوا بطانة من دونكم لايألونكم خبالا"
ينهى الله جل وعلا عباده المؤمنين أن يتخذوا الكفرة والمنافقين بطانة مقربة،بحيث تفضى إليها الأسرار.
ومن هذا المنطلق أقول:إنه يجب على كل حاكم مسلم ألا يتخذ الكفرة وأهل النفاق ومن يماثلهم كالرافضة
بطانة،وإلافإنه لن يجني منهم إلا الحنظل والشوك،بل الرصاص الحي الذي ينفذ إلى أفئدة المؤمنين والمؤمنات،
وأحداث مصر خير شاهد على ذلك،فهل من معتبر؟.
23-الإعراض عن الناصحين ومحاربتهم من أسباب حلول العقبات وسقوط الدول،ومن الشواهد على ذلك
ماقصه الله لنا في كتابه عن قوم صالح عليه السلام،قال تعالى:"وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا
الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولاتمسوها
بسوء فيأخذكم عذاب أليم......فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين.
فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين.فتولى عنهم وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالة ونصحت لكم ولكن
لاتحبون الناصحين"
24-يشرع للداعية إذا رأى من المدعوين إعراضا أن يقول:حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو
رب العرش العظيم،يدل على ذلك قوله تعالى:"لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص
عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم.فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم"
والآية وإن كانت خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أننا مأمورون بالاقتداء به ،قال تعالى:"لقد كان لكم
في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"
25-قال تعالى:"إن لك في النهار سبحا طويلا"أي ترددا في حوائجك ومعاشك.ويؤخذ من هذه
الآية الكريمة فائدة جليلة،وهي أن الشريعة الإسلامية شريعة متوازنة،تدعو إلى عمارة الآخرة والدنيا،
ولاتبخس النفس الإنسانية حقها،وأذنت لها أن تتقلب في حوائجها ومنافعها،بل إن العمل لأجل توفير
المتطلبات الضرورية،وترك سؤال الناس،يصل إلى درجة الوجوب.وقد قرن الله عز وجل في آخر سورة
المزمل بين المجاهدين والذين يضربون في الأرض للتكسب وطلب الرزق،قال تعالى:"علم أن سيكون
منكم مرضى وءاخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وءاخرون يقاتلون في سبيل الله".وأمر
سبحانه بالمشي في مناكب الأرض ابتغاء ماعند الله،قال عز وجل:"هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا
فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"،ولكن التوازن مطلب،ويجب علينا ألا تستحوذ على
قلوبنا محبة الدنيا،بحيث تلهينا عن الآخرة والعمل لها،قال تعالى على لسان قوم قارون :"وابتغ فيما
ءاتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا".
وخلاصة القول:أن الآخرة هي التي يجب أن تكون في مقدم اهتماماتنا إلا أنه ينبغي علينا السعي في
عمارة الأرض وطلب الرزق.
26-منازعة الأقدار على وجه الاعتراض والتسخط مفض إلى الكفر والقتل والعديد من الموبقات،
تأمل قول الله تعالى:"قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين.قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته
من صلصال من حمإ مسنون.قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين"فاعتراضه
على رب العالمين كان سببا في كفره وطرده من رحمة الله.وتأمل قصة ابني آدم عليه السلام التي حكاها
الله لنا في كتابه،قال جل وعلا:"واتل عليهم نبأ ابني ءادم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم
يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين....فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح
من الخاسرين"فاعتراض القاتل على القضاء والقدر أشعل جمرة الغضب والحقد في قلبه فنتج عن ذلك
جريمة القتل.فحذار أخي القاريءأن يكون قدوتك إبليس اللعين،وتبتعد عن سنن الأنبياء والمرسلين الذين
ملئت قلوبهم رضا عن الله وقضائه ،فها هو يوسف عليه السلام يباع كما يباع العبيد،ويتهم في عرضه،ويرمى
في السجن سنين عددا،ولم يقل :ماجنايتي يارب حتى يحدث لي كل هذا ،بل كان في غاية الرضا والإحسان
في عبادة الله وإلى عباد الله مع الحرص على الدعوة إلى الله تعالى في شدته ومحنته.والأمثلة عن الأنبياء كثيرة
ولكن أكتفي بما ذكرت عن يوسف عليه السلام،ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
27-قال تعالى:"عم يتساءلون.عن النبأ العظيم.......إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت
يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا"يؤخذ من سورة النبأ فوائد عديدة،ومنها:أن يجاب السائل على
سؤله وإن كان على وجه التعنت والتكلف إذا ترتب على ذلك مصلحة أكبر، كأن ينتفع بالجواب أناس
آخرون غير السائل.ومن الأمثلة التي تؤكد ماذكرت،ما أورده أصحاب العقائد في كتبهم أن الإمام مالكا
رحمه الله سأله رجل عن كيفية الاستواء فقال:الاستواء غير مجهول،والكيف غير معقول،والإيمان به واجب،
والسؤال عنه بدعة،ثم طرده.فأجاب السائل حتى ينتفع الناس،ويعلموا المنهج الصحيح في التعامل مع صفات
الله .ثم طرده حتى يتأدب الناس لاسيما طلبة العلم عن أغلوطات المسائل
28-قال تعالى:"إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة.."
يؤخذ من هذه الآية فائدة لطيفة،وهي أن كل عاص لله سبحانه فهو جاهل أو كان في لحظة جهل وإن
تدثر بدثار العلم ؛لأن أساس العلم هو العلم بالله جل وعلا.وحري بالمؤمن أن يستزيد من هذا العلم،من
خلال تدبره لكتاب الله تعالى،والعلم بالأسماء الحسنى والصفات العلى،والنظر في أفعال الله تعالى،وفي
آياته الكونية.ولدينا يا معاشر طلبة العلم مشكلة كبيرة،وهي الحرص على العلم بأحكام الله وشرعه أكثر
من العلم بالله،بل إننا ربما صرفنا أوقات كثيرة على مسائل نادرة الوقوع،والفائدة منها محدودة،ولم نكلف
أنفسنا أن نقتطع جزءا من وقتنا للاستزادة من هذا العلم الشريف الذي به نفضل عند الله تعالى،وهو سر
فضل أبي بكر رضي الله عنه على بقية الصحابة وسائر الأمة،يقول بكر المزني:ما سبقكم أبو بكر بكثرة
صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه.
وأختم هذه الفائدة بسؤال الله أن يزيدنا علما به وبأحكامه وشرعه.
29-إذا رأيت اليأس قد تسرب إلى فؤادك من منح الله جل وعلا وعطاياه فتذكر مواهبه السابقة التي
جاد بها عليك،ألم تقرأ قول الله جل وعلا لنبيه عليه الصلاة والسلام يوم أن أحاطت به الشدة إثر
انقطاع الوحي فأحدثت في قلبه أثرا ووجعا:"ألم يجدك يتيما فآوى.ووجدك ضالا فهدى.ووجدك
عائلا فأغنى"؟.
30-مقصود سورة الأحزاب إثبات قول الحق لله سبحانه،وأن شريعته تنطلق من هذا القول،ولذلك حرم
ماهو كذب وزور،كنسبة الرجل إلى غير أبيه،والظهار،والقول بأن فلانا له قلبان،قال تعالى:"ماجعل الله
لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم
ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل"،وكقول المنافقين:"ما وعدنا الله ورسوله
إلا غرورا"،وقولهم:"إن بيوتنا عورة"،بل النفاق في أصله كذب ،إذ هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر.
كما أخبر الله جل وعلا بأنه أخذ على النبيين وأتباعهم الميثاق وهو القيام بدين الله بحق والجهاد في
سبيله،وأنهم سيسألون عن صدقهم في ذلك،قال تعالى:"وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن
نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا.ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد
للكافرين عذابا أليما". وهذه الآية بمنزلة المقدمة لما بعدها،لذا ورد في ثنايا السورة الثناء على من
صدق في عهده مع الله،قال تعالى:"من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو
يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما".كما أثنى الله عز وجل على من قام بواجب الرسالة،وهي الدين
الحق،فقال:"الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولايخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا"؛لذا فقد
بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ماكلف به كالآية التي فيها تزويج الله له بأم المؤمنين زينب رضي الله عنها،
والآية التي فيها أمر المؤمنين بالانتشار من بيته وعدم الحديث بعد تناول الطعام.وأختم مشاركتي
هذه بالتنويه على وعد الله بالمغفرة والأجر العظيم للصادقين،حيث ورد في هذه السورة قوله تعالى:
"إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقنتات والصادقين والصادقات....أعد
الله لهم مغفرة وأجرا عظيما".
وفقني الله وإياكم لسلوك طريق أهل الحق في الأقوال والأفعال وصلى الله وسلم على نبينا محمد.