بسم1
الحمد لله, والصّلاة والسلام على رسول الله, وآله وصحبه أجمعين ... وبعد:
فأشكر الأخ الباحث الكريم على ما تفضّل به من الاطلاع على الكتاب, وكنت أودّ لو تكرّم الفاضلُ بوضع صورةِ موضعِ التعليق من الكتاب في سياقه من المقالة, فالكتاب متوفر مصوّراً في الملتقى.
وتعليقي على التعليق الكريم ينحصر فيما يأتي:
أقامَ الباحثُ تعليقَه على: أنّ الخلافَ في تفسير الآية ليس ثابتاً عن السّلفِ, ومِن ثَمَّ فلا استدراك.
والجوابُ من وجهين:
أوّلهما: أنّ أئمّة المفسّرين أثبتوا هذا الخلاف عمّن نقلوه عنه من السّلف, وفهموا منه المعنى الذي نفاه عنهم الباحثُ الكريم؛ وممّن أثبت ذلك من المُفسّرين: ابن جرير 12/425, والزّجّاجُ 3/55, والثّعلبي 5/172 (وقد نفى الباحثُ ذكرَه له), والماوردي 2/475, وابنُ الجوزي ص:656, وابنُ كثير4/794, وغيرُهم.
ثانيهما: أنَّ ذلك لو لم يثبت عن السّلف لكان في ذكرِ ابن عبّاس رضي الله عنه له كفاية لدخولِه في شرط الكتاب؛ فإنَّ المهمَّ في الاستدراك وجودُ قولَيْن لا قائلَين. كما نصَّ عليه المؤلِّفُ في أوّل الكتابِ, وهذا ممّا غفلَ عنه الباحثُ الفاضل.
أمّا الملاحظات المنهجيّة على البحث فأبرزها:
1- التّأويلُ المُتكلَّفُ لأقوالِ السّلفِ, وصرفُ معاني أقوالِهم الظّاهرة إلى غيرِها, وسببُ ذلك: الحُكمُ ثُمّ الاستدلال. فالاعتقادُ السّابقُ بعدمِ صوابِ هذا المعنى حملَ الباحث الكريمَ على ردِّ أقوالِ من قالَ بذلك من السّلفِ من جِهةِ الإسنادِ, وإن ثبتَت فمن جهةِ المعنى, ومن العجيب قولُ الباحثِ: (إنّ قول الحسن هذا لا يصحّ)؛ لأنَّ النقّاشَ ذكرَه عنه! وهل ذِكرُ النّقّاشِ لقولٍ كافٍ لردِّ ما نقلَه أئِمّةُ المفسّرين, مع ثبوتِ ذلك عن الحسنِ بإسنادٍ كالشَّمسِ أخرجَه عبدُ الرزاق عن معمر عن قتادة قالَ: كنتُ عند الحسنِ فقال .. . ينظر: تفسير عبد الرزاق 2/190.
2- الاجتزاء في النّقلِ, والخللُ في الفَهمِ والقَصدِ, إذ إنّ المؤلّف -غفرَ الله له- قالَ صراحةً في آخر المبحث: ومن ثمَّ فإنَّ القولَ الثّاني هو الصّوابُ في هذه الآية؛ وهو: أنَّ الخيانةَ كانت في الدّين, ولك تكُن بالزّنا..وثبتَ ايضاً بما سبقَ ضعفُ القَولِ الأوّلِ وشذوذِه. ص189.
والباحث الكريم يقول: (وإنَّ الناظر في تصرف المؤلف يكاد يجزم بقوة هذا القول ووجاهته) أي أنّه ابنُ زنا.
والتّصرفُ الذي لا يُقبلُ بحالٍ من الأخِ الباحث هو: أخذُه لردودِ المؤلّفِ على القولِ الثّاني -أنّه ابنُ زنا-, وجَعلَها ردوداً على المؤلّفِ نفسِه في القولِ الذي نصَّ هو على شذوذِه وضَعفِه! وهذا أكبرُ ما يؤخذُ على الموضوعِ مِن أصلِه؛ لأنّ تلك الردودَ كتبَها المؤلّفُ ردّاً على القولِ بأنّه كانَ ابن زناً, فكيف تُجعلُ ردوداً عليه, وفي قولٍ لم يَختَرْه!
وسبب ذلك كما سلفَ: التسرّع والاجتزاءُ في النّفلِ وعدم التحقّق من الكلامِ, أو غيرَ ذلك.
3- نفيُ الخلافِ مع ثبوتِه عند أهلِ العلمِ, والاستدلالُ بإجماعٍ مُتأخّرٍ على خلافٍ سابقٍ ثابتٍ عن أهلِ العلمِ, قال ابنُ جرير: (
واختلفَ أهلُ التأويل في معنى قولِه {ليس من أهلك}, فقال بعضهم: ليس من ولدك, هو من غيرِك, وقالوا: كانَ ذلك من حِنثٍ) أي ولد زنى. تفسيرُه 12/425, وهذا يُرشدُ إلى الخللِ في قولِ الباحثِ الكريم: (وهذا النقل عن الحسن ربما يتوهم الناظر من أول وهلة أنَّ في المسألة خلافاً, بينما الواقع أنَّه ليس في المسألة خلاف أصلاً).
وأمّا الملاحظاتُ التفصيلية فلا حاجة لذكرِها؛ لأنَّ الغرضَ مِن هذه التعليقةِ الإفادةُ في قضايا المنهجِ.
والله الموفق.