وقفات علمية مع كتاب "استدراكات السلف في التفسير"

إنضم
25/10/2008
المشاركات
13
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
الرياض
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته:
قرأت قبل أسابيع كتاباً بعنوان "استدراكات السلف في التفسير في القرون الثلاثة الأُولى لمؤلفه/نايف الزهراني -وفقه الله-, وكان لي مع الكتاب وقفات علمية لبعض الاستدراكات, رأيت من المناسب نشرها في هذا الملتقى المبارك تتميماً للفائدة ورغبة في اطلاع أهل التخصص عليها والنظر فيها بميزان النقد العلمي, وسوف أعرض هذه الوقفات على شكل حلقات.
أسأل أن ينفع بها كاتبها وقارئها, والله الموفق والمعين.
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرحباً بك د مبارك، والشيخ نايف الزهراني من أعمدة الملتقى وشيوخه، وسيبقى على اطلاع ومتابعة لما تكتب باذن الله.
 
الوقفة الأولى مع كتاب استدراكات السلف

الوقفة الأولى مع كتاب استدراكات السلف

بسم1
الوقفة الأولى: القول بأنَّ الخيانة في قوله تعالى"فخانتاهما" هي خيانة عِرض:
الحلقة الأولى
ذكر المؤلف(1)الخلاف في معنى الخيانة في الآية العاشرة من سورة التحريم عند قوله تعالى:"فخانتاهما".
ونقل القول بأنَّ الخيانة في هذه الآية هي خيانة عرض عن بعض السلف, وهم: (عبيد بن عمير, والشعبي, ومجاهد, والحسن, وابن سيرين, وأبي جعفر الباقر, وابن جريج) وعزى المؤلف هذه الأقوال إلى كتاب جامع البيان للطبري ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج وزاد المسير لابن الجوزي وتفسير ابن كثير.
وإنَّ الناظر في تصرف المؤلف يكاد يجزم بقوة هذا القول ووجاهته؛ ولكنَّ واقع الحال خلاف ذلك؛ فهذا القول مكذوبٌ (2) ولا يصح عند المفسرين في تفسير آية التحريم, فقد راجعتُ أكثر كتب التفسير, من مأثورٍ وغيره عند هذه الآية فلم أجد من نقل هذا القول؛ إلا ما نقله ابن عطية في تفسيره"المحرر الوجيز"(3) عن الحسن فقط, وعبارته:"واختلف الناس في خيانة هاتين المرأتين، فقال ابن عباس وغيره: خانتا في الكفر، وفي أن امرأة نوح كانت تقول للناس: إنه مجنون، وأنَّ امرأة لوط كانت تنم إلى قومه متى ورده ضيف فتخبر به، وقال ابن عباس: وما بغت زوجة نبي قط، ولا ابتلي الأنبياء في نسائهم بهذا، وقال الحسن في كتاب النقاش: خانتاهما بالكفر والزنا وغيره,...".
وقول الحسن هذا لا يصح؛ نقله أبو بكر النقاش وهو: محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي البغدادي, شيخ القراء, وقد اتهم بالكذب, وهو في القراءات أقوى منه في الرواية, ألف في التفسير كتابه"شفاء الصدور" توفي سنة 351ه(4).
والنقاش كما يقول الذهبي(5):"يأتي بالعجائب دائماً".
وقال أيضاً عنه(6):"هو مصنف كتاب شفاء الصدور في التفسير, وقد أتى فيه بالعجائب والموضوعات".
والغريب بأنَّ المؤلف ترجم لأبي بكر النقاش في (ص184) وعزا للسير؛ ولكنه لم ينقل تضعيف الذهبي له, وهذا تقصير من المؤلف؛ وإلا كان الواجب عليه أن ينقل كلام الذهبي كاملاً ثم يستدرك عليه بما يراه صحيحاً عنده.
وهذا النقل عن الحسن ربما يتوهم الناظر من أول وهلة أنَّ في المسألة خلافاً, بينما الواقع أنَّه ليس في المسألة خلاف أصلاً؛ ويُردُّ هذا القول من أوجه:
1- ما ورد عن بعض السلف كابن عباس(7) رضي الله عنهما من نفي الزنا عنهما, بل ونفى أيضاً البغي عن نساء الأنبياء عموماً, فقال:": ما بغت امرأة نبيّ قط (فَخَانَتَاهُمَا) قال: في الدين خانتاهما", وهو قول عكرمة والضحاك أيضاً, وجزم مقاتل بن سليمان(8) بأنَّ الخيانة ليست في الفرج, فقال:"«فَخانَتاهُما» يعني فخالفتاهما في الدين, ولم يكن في الفرج".
وتبعهم كثير من المفسرين في نفي خيانة العرض في هذه الآية, كالفخر الرازي(9), وعلَّلَ الزمخشري(10) هذا بقوله:"ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور؛ لأنه سمج في الطباع, نقيصة عند كل أحد، بخلاف الكفر؛ فإنَّ الكفار لا يستسمجونه؛ بل يستحسنونه ويسمونه حقاً".
2- أجمع المفسرون على نفي خيانة الزنا عنهما في هذه الآية, وهذا الإجماع هو إجماع عملي في إثبات خيانة الدين, ونفي خيانة العرض, بل ونقل بعضهم هذا الإجماع صراحة, كالقرطبي(11), وتبعه المفسرون من بعده, كأبي حيان (12) والشوكاني(13) والشنقيطي(14) ومحمد صديق خان(15) وغيرهم.
3- أنَّ كتب التفاسير التي تجمع الغث والسمين لم تذكر هذه النقولات, كتفسير الثعالبي والواحدي وغيرهما, مما يدل على نكارتها وعدم صحتها.

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref1([1])استدراكات السلف(ص183).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref2([2])كما قاله محمد صالح سليمان في كتابه "اختلاف السلف في التفسير بين التنظير والتطبيق" (ص161).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref3([3])(5/335).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref4([4])سير أعلام النبلاء(15/573) ومعرفة القراء الكبار(1/126و295) كلاهما للذهبي.

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref5([5])معرفة القراء الكبار(1/126).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref6([6])معرفة القراء الكبار(1/295).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref7([7]) تفسير الطبري(23/111).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref8([8]) تفسير مقاتل بن سليمان(2/109).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref9([9]) مفاتيح الغيب(30/44).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref10([10]) الكشاف(4/576).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref11([11]) الجامع لأحكام القرآن(18/201).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref12([12]) البحر المحيط(10/215).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref13([13]) فتح القدير(5/339).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref14([14]) أضواء الييان(8/224).

http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref15([15]) فتح البيان في مقاصد القرآن(14/222).
 
الحلقة الثانية

الحلقة الثانية

1- أنَّ المعهود في الخطاب القرآني هو إطلاق الخيانة على خيانة الدين(1), ولهذا قال عكرمة(2):"الخيانة في كل شيء؛ ليس في الزنى", وأصل الخيانة والخون هو أنَّها ضد الأمانة وضد الوفاء، وذلك تفريط المرء ما أوتمن عليه وما عهد به إليه(3), وقد جمعها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [لأنفال:27].
2- انحصر معنى الخيانة في الآية على خيانة الدين, وهي على أحد المعاني التالية(4):
القول الأول: أَنه الْخِيَانَة بالْكفْر.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه الْخِيَانَة بالنفاق، كَانَتَا تظهران الْإِيمَان وتسران الْكفْر.
وَالْقَوْل الثَّالِث: بالنميمة.
وَالْقَوْل الرَّابِع: بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجُنُون لنوح، وَالدّلَالَة على الأضياف للوط، فَكَانَت امْرَأَة نوح تَقول لمن يقْصد نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام، ليسمع كَلَامه: إِنَّه مَجْنُون، وَامْرَأَة لوط كَانَت تدل قَومهَا على أضياف لوط لقصد الْفَاحِشَة, وكَانَت ترسل بِالنَّهَار، وبالليل تدخن وتوقد نَارا ليعلموا بهم.
وإحداث قولٍ يخالف هذه المعاني يجب رده على قائله, فالقول بأنَّ الخيانة هي خيانة النسب والفراش يخالف كل هذه الأقوال؛ فإنه ما بغت امرأة نبي قط، وما كان الله ليجعل امرأة أحد من أنبيائه بغيًا(5).
3- تعقب الألوسي(6)ابنَ عطية في نقله لهذا القول واشتد نكيره له؛ فقال:"نقل ابن عطية عن بعضٍ تفسيرها بالكفر والزنا وغيره؛ ولعمري لا يكاد يقول بذلك إلا ابن زنا؛ فالحق عندي: أنَّ عهر الزوجات كعهر الأمهات من المنفرات,..".
4- مما يقوي نكارة هذا القول هو أنَّ الله سبحانه قد حرَّمَ التزوج من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وعلَّلَ ذلك بأنَّه يؤذيه صلى الله عليه وسلم، كما في سورة الأحزاب, فإذا كان هذا النكاح وهو حلال يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بغيره من الحرام في حقه وفي حق سائر الأنبياء فهو أشد جرماً وأكثر أذية, ومكان الأنبياء عند الله أعظم من ذلك(7).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188710#_ftnref1([1]) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني(1/334).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188710#_ftnref2([2]) تفسير السمرقندي-بحر العلوم-(3/471).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188710#_ftnref3([3]) التحرير والتنوير(28/337).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188710#_ftnref4([4]) الجامع للقرطبي(18/201) وزاد المسير لابن الجوزي(8/315) وتفسير السمعاني(5/478) وتفسير ابن كثير(8/171).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188710#_ftnref5([5]) تفسير السعدي(ص874).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188710#_ftnref6([6]) روح المعاني(14/357).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188710#_ftnref7([7]) أضواء البيان للشنقيطي(8/224).
 
الحلقة الثالثة

الحلقة الثالثة

1- نقل المؤلف هذا القول من كتاب النحاس وهو معاني القرآن وإعرابه, والنحاس في سورة التحريم أنكر هذا القول, ولم ينسبه لأحد؛ فقال(1):"وجاء في التفسير أنَّ خيانتهما لم تكن في بغاء؛ لأنَّ الأنبياءَ لا يبتليهم اللَّه في نِسائِهم بفسادٍ، وقيل إن خيانة امرأة لوط أنها كانت تدل على الضيف، وخيانة امرأة نوح أنها كانت تقول: إنه مجنون - صلى الله عليه وسلم - وعلى أَنبيائه أجمعين, فأما من زعم غير ذلك فمخطئ؛ لأنَّ بعض من تأول قوله: (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) ذهب إلى جنس من الفسَادِ, والقراءة في هذا (عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ)، و (عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) وهما يرجعان إلى معنى وَاحدٍ, وذلك أن تأويل (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) إِنَّهُ ذو عمل غيرِ صالح, وكل من كفر فقد انقطع نسبه من أَهله المؤمنين، لا يرثهم ولا يرثونه".
وأمَّا في سورة هود فقد ذكر النحاس(2) بأنَّ مذهب الحسن وابن سيرين بأنَّه ليس بابن لنوح, ولم يولد من صلبه, وقرأ الآية "عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ", واستدل الحسن بقوله تعالى:"إن ابني من أهلي" فنسب الولد إلى أهله ولم ينسبه إليه, فلم يقل مني، وهذه إشارة إلى أنه كان ابن امرأته من زوج آخر(3)؛ ولكن هذا النقل ليس فيه الجزم بالخيانة في العرض, فيحتمل على قولهما بأنَّه كان ربيبه, وإنما نسب إليه مجازاً, كما أشار لذلك ابن كثير(4) وأبو حيان(5), ويعضده قراءة علي وعروة "ونادى نوح ابنها" وهي قراءة شاذة, كما ذكر ذلك القرطبي(6), وعلى هذا يحمل قول كل من قال: بأنَّه ليس بابنه.
وجزم ابن عباس وابن مسعود بأنه ابنه، ولم يبتل اللَّه نبِياً في أهْلِه بمثلِ هَذِه البَلْوَى, وأمَّا معنى الآية على قراءة من قرأ: (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) فيجوز أن يكون يعني به أنه ذو عمل غير صالح؛ ولكن الأجودَ في التفسير أن يكون: إنه ليس من أهلك الذين وَعَدْتكَ أن أنَجِّيَهُمْ، ويجوز أن يكون (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) إنَّه لَيْسَ من أهلِ دينِك, كما قال النحاس(7).
ومن هنا يظهر من تصرف المؤلف أنَّه عزا القول بالخيانة في العرض لبعض السلف, وهو محتمل في آية هود, بينما لم يقل أحد منهم في آية التحريم هذا المعنى, وليس من المناسب أن يجعل لازم قول المفسر في آية سابقة هو نفس المعنى في آية لاحقة, فقد يكون المفسر نظر في الآية الأولى إلى السياق, بعكس الآية الثانية فلم يذكر هذا المعنى فيها, وهذا وارد في مثل هذا المثال, وهنا لابد من التوقي في مثل هذه الحالة خشية أن ينسب قول لغير صاحبه.
2- نقل المؤلف عن أبي جعفر الباقر أنَّه يقول بأنَّ الخيانة هي خيانة عرض؛ والمنقول عنه كما عند الطبري(8) هو قوله:" بأنَّه ابن امرأته", ولهذا قرأ علي بن الحسين, وابنه أبو جعفر الباقر, وابنه جعفر"ابنهَ" بفتح الهاء من غير ألف أي: ابنها مضافاً لضمير امرأته(9), وليس في هذا الجزم بالخيانة في العرض؛ لاحتمال أن يكون ربيبه كما تقدَّم في قول الحسن وابن سيرين.
3- نقل المؤلف عن مجاهد أنَّه يقول بأنَّ الخيانة هي خيانة عرض؛ والمنقول عنه كما عند الطبري(10) هو قوله:"بيَّنَ الله لنوح أنه ليس بابنه", وليس في هذا الجزم بالخيانة في العرض؛ لاحتمال أن يكون ربيبه كما تقدَّم في قول الحسن وابن سيرين, أو يكون قد تبناه وسماه بابنه ثم بيَّنَ الله له بأنَّه ليس من أهله, وقد ورد عن مجاهد خلاف هذا, فنقل الطبري(11) عنه أنَّه قال:"هو ابنه", ويمكن أن يجمع بينهما بأنَّه ليس بابنه؛ لأنَّ الكافر ليس بابنٍ للمؤمن, وأثبته هنا لمنادة نوح لربه بصيغة "إنَّ ابني من أهلي" فأزال الله التوهم الموجود لدى نوح بقطع العلاقة بينهما بسبب الكفر, والله أعلم.
4- نقل المؤلف عن ابن جريج أنَّه يقول بأنَّ الخيانة هي خيانة عرض؛ والمنقول عنه كما عند الطبري(12) هو قوله:" ناداه وهو يحسبه أنه ابنه, وكان وُلد على فراشه", وليس في هذا الجزم بالخيانة في العرض؛ لاحتمال أن يكون ولد على فراشه منه, ثم كفر الابن فأصبح ليس من أهله, فنادى نوح ربه وهو يحسبه أنَّه ما زال ابنه رغم وجود الكفر, فقطع الله العلاقة بينهما ونفى أن يكون هذا الابن الكافر هو في الحقيقة ابن للنبي المرسل وهو نوح عليه السلام, قال الطبري(13): "وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم؛ لأنه كان لدينك مخالفًا، وبي كافرًا وكان ابنه؛ لأنَّ الله تعالى ذكره قد أخبر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه ابنه فقال: (ونادى نوح ابنه) وغير جائز أن يخبر أنه ابنه فيكون بخلاف ما أخبر, وليس في قوله: (إنه ليس من أهلك) دلالةٌ على أنه ليس بابنه، إذ كان قوله: (ليس من أهلك) محتملاً من المعنى ما ذكرنا، ومحتملاً أنه ليس من أهل دينك، ثم يحذف "الدين" فيقال: (إنه ليس من أهلك)كما قيل: (واسأل القرية التي كنا فيها) ، [سورة يوسف: 82]".
ويمكن أنَّه نسب إلى أمه وأضيف إليها ولم يضف إلى أبيه؛ لأنه كان كافراً مثلها، ولم يضف إليه استبعاداً له ورعياً أن لا يضاف إليه كافر، وإنما ناداه ظناً منه أنه مؤمن، ولولا ذلك ما أحب نجاته, أو ظناً منه أنه يؤمن إن ْكان كافراً لما شاهد من الأهوال العظيمة وأنه يقبل الإيمان(14).
5- نقل المؤلف عن عبيد بن عمير أنَّه يقول بأنَّ الخيانة هي خيانة عرض؛ والمنقول عنه كما عند الطبري(15) هو قوله:" نرى أنَّ ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش"، من أجل ابن نوح", وليس في هذا الجزم بالخيانة في العرض, كما تقدَّم الجواب عن هذا في قول ابن جريج, والله أعلم.

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref1([1]) (5/195).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref2([2]) معاني القرآن وإعرابه(3/55).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref3([3]) تفسير القرطبي(9/45).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref4([4]) (4/1794).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref5([5]) البحر المحيط(5/27).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref6([6]) الجامع لأحكام القرآن(9/31-33).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref7([7]) معاني القرآن وإعرابه(3/55).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref8([8]) (15/340).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref9([9]) البحر المحيط(6/157).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref10([10]) (15/341).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref11([11]) (15/345).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref12([12]) (15/342).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref13([13]) (15/346).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref14([14]) البحر المحيط(6/158).

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=188712#_ftnref15([15]) (15/342).
 
الحلقة الرابعة

الحلقة الرابعة

1- نقل المؤلف عن الشعبي أنَّه يقول بأنَّ الخيانة هي خيانة عرض؛ والمنقول عنه كما في زاد المسير لابن الجوزي(1) هو قوله:" لم يكن ابنه, إنَّ امرأته خانته" وهذا يمكن أن يحمل على أنَّ ابنه وامرأته خاناه في الدين, فلم يكونا من أهله؛ لأنهما كانا كافرين, على أنّي لم أقف على نص قول الشعبي, وإنما نقله ابن الجوزي, وقد يكون مما لم يصح عنه, والله أعلم.
2- جزم المؤلف(2) بأنَّ الأئمة الذين قالوا بالخيانة في العرض ليس في قولهم طعن في مقام النبوة ولا غضٌّ من الرسالة؛ وهذا لا يقوله مسلم في عرض مسلم فكيف يقال في عرض الأنبياء, سبحانك هذا بهتان عظيم.
3- هذا القول يخالف قاعدة من قواعد الترجيح بين أقوال المفسرين(3), وهي قاعدة: أنَّ كل تفسير خالف القرآن والسنة أو إجماع الأمة فهو ردٌّ على قائله, كما أنَّ كل تفسير يطعن في عصمة النبوة ومقام الرسالة فهو ردٌّ على قائله كذلك.
4- اشتبه على المؤلف قول من قال:"بأنَّه ليس بابنه" وجعله وصفاً لامرأة نوح بالزنا؛ وهذا ليس بلازم, فمن نفى أن يكون ابنه أخذ بظاهر لفظ القرآن في قوله تعالى:"ليس من أهلك" وهذا له أجوبة عند أهل العلم, وليس في أقوالهم التصريح بالزنا في حقها, والله أعلم.
5- يظهر لي-والله أعلم- بأنَّ السبب الذي دعى المؤلف لإبراز هذا القول وعرضه للمسألة بأنَّ فيها خلافاً هو إثبات الاستدراك في كلام ابن عباس عند قوله:"لم يكن بالزنا"؛ ولهذا كان إنكار هذا القول ورده مما يُضعِّفُ وجه الاستدراك في البحث كاملاً, بل قد يكون ليس في المسألة إستدراكاً أصلاً, وإنما نفى ابن عباس ما يتوهم من اللفظ؛ بخلاف صنيع المؤلف الذي في إبرازه للخلاف في المسألة, وبيان وجه الاستدراك فيها.
النتيجة العامة:
أنَّ الخيانة في الآية هي خيانة الدين, وليست بخيانة العرض, وقد أجمع المفسرون على هذا المعنى, وما نُقِلَ عن بعض السلف من إثبات ذلك فهو قول شاذٌ, ولا يصح عنهم(4) فهو إمَّا غلطٌ بيَّن أو متأوَّلٌ على معنى صحيح, وليس في المسألة استدراك, والله أعلم.
وقد أشار لهذه القضية الباحث/محمد صالح محمد سليمان في كتابه "اختلاف السلف في التفسير بين التنظير والتطبيق" (ص161) وقدَّم له الدكتور/ مساعد الطيار والدكتور/ أحمد الخطيب, وتعرض للمسألة في مبحث ما يوهم الخلاف بين المفسرين, ثم أشار إلى المسألة في نصف صفحة تقريباً؛ فكانت هي نواة هذه الوقفة, ورجعت لكتب التفاسير عموماً فحرَّرت القول فيها, أسأل الله التوفيق والسداد في القول والعمل.

([1]) (4/113).

([2]) (ص184-185).

([3]) مختصر قواعد الترجيح للدكتور حسين الحربي(ص85)و(ص126).

([4]) البحر المحيط لأبي حيان(6/158).
 
الفاضل / د . مبارك القحطاني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فشكر الله لك هذا الجهد ، وجعله في ميزانك .. ولكن هناك ملحظ أريد أن أنبه إليه ، وهو : إذا لم يثبت القول عن المعزو إليه ، فليس لأحد أن يقوَّله إياه ، وليس لنا أن نتكلف له تأويلا .. فيُحفظ العلم والجهد .
فهذه النقول ليست ثايتة عن المعزوة إليه ، فنقول : إذا لم يصح هذا عن فلان ، فكيف يقال أنه قوله .
والملاحظ أن بعض الباحثين ينقلون من كتب المتأخرين بدون إسناد ، وعند البحث نجد لمن نقل عنه قولا مخالفًا مسندًا .. فلا يُعدُّ هذا قولا ثانيًا عنه ، إذ الأول لم يثبت أصلا ، وإنما هو عزو عن نقل دون إسناد ، فيرفض هذا ويثبت المسند .. والعلم عند الله تعالى .
 
شكراً للأخ محمد عطية على المشاركة
وللعلم فإن آثار التابعين لا تعامل معاملة الأحاديث المرفوعة في دراسة أسانيدها ، بل يتسمح علماء التفسير في إيرادها في معاني الآية وخاصة اذا لم يظهر للمفسر نكارة في متونها.
وهذه الآثار المذكورة في الدراسة لها معنى صحيح يمكن ان توجه له بدون نقد لاسانيدها.
 
الفاضل د . مبارك
القول بأن آثار التابعين لا تعامل معاملة الأحاديث المرفوعة في دراسة أسانيدها ، بل يتسمح علماء التفسير في إيرادها في معاني الآية وخاصة اذا لم يظهر للمفسر نكارة في متونها . هكذا على الإطلاق والتخصيص - عند الدراسة - ليس دقيقا ؛ إنما إذا قلنا : بل يتسمح علماء التفسير في إيرادها في معاني الآية اذا لم يظهر للمفسر نكارة في متونها ؛ يكون أدق ، فيما أحسب .. فقد رأينا محققي المفسرين يردون أقوال التابعين عند الترجيح لعدم صحة الإسناد .
وأردت في الملحظ الذي نوهت إليه التنبيه على النسبة لهم دون إسناد ، ومعلوم أن الإسناد إلى التابعين كان معروفًا ، فإذا وجدنا في كتاب تفسير عزو قول إلى تابعي بلا إسناد ... فهل هذا يمكن أن ينسب إلى التابعي ، إذا وجدنا له قولا مسندا يخالفه ؟
 
بسم1​
الحمد لله, والصّلاة والسلام على رسول الله, وآله وصحبه أجمعين ... وبعد:
فأشكر الأخ الباحث الكريم على ما تفضّل به من الاطلاع على الكتاب, وكنت أودّ لو تكرّم الفاضلُ بوضع صورةِ موضعِ التعليق من الكتاب في سياقه من المقالة, فالكتاب متوفر مصوّراً في الملتقى.
وتعليقي على التعليق الكريم ينحصر فيما يأتي:
أقامَ الباحثُ تعليقَه على: أنّ الخلافَ في تفسير الآية ليس ثابتاً عن السّلفِ, ومِن ثَمَّ فلا استدراك.
والجوابُ من وجهين:
أوّلهما: أنّ أئمّة المفسّرين أثبتوا هذا الخلاف عمّن نقلوه عنه من السّلف, وفهموا منه المعنى الذي نفاه عنهم الباحثُ الكريم؛ وممّن أثبت ذلك من المُفسّرين: ابن جرير 12/425, والزّجّاجُ 3/55, والثّعلبي 5/172 (وقد نفى الباحثُ ذكرَه له), والماوردي 2/475, وابنُ الجوزي ص:656, وابنُ كثير4/794, وغيرُهم.
ثانيهما: أنَّ ذلك لو لم يثبت عن السّلف لكان في ذكرِ ابن عبّاس رضي الله عنه له كفاية لدخولِه في شرط الكتاب؛ فإنَّ المهمَّ في الاستدراك وجودُ قولَيْن لا قائلَين. كما نصَّ عليه المؤلِّفُ في أوّل الكتابِ, وهذا ممّا غفلَ عنه الباحثُ الفاضل.

أمّا الملاحظات المنهجيّة على البحث فأبرزها:
1- التّأويلُ المُتكلَّفُ لأقوالِ السّلفِ, وصرفُ معاني أقوالِهم الظّاهرة إلى غيرِها, وسببُ ذلك: الحُكمُ ثُمّ الاستدلال. فالاعتقادُ السّابقُ بعدمِ صوابِ هذا المعنى حملَ الباحث الكريمَ على ردِّ أقوالِ من قالَ بذلك من السّلفِ من جِهةِ الإسنادِ, وإن ثبتَت فمن جهةِ المعنى, ومن العجيب قولُ الباحثِ: (إنّ قول الحسن هذا لا يصحّ)؛ لأنَّ النقّاشَ ذكرَه عنه! وهل ذِكرُ النّقّاشِ لقولٍ كافٍ لردِّ ما نقلَه أئِمّةُ المفسّرين, مع ثبوتِ ذلك عن الحسنِ بإسنادٍ كالشَّمسِ أخرجَه عبدُ الرزاق عن معمر عن قتادة قالَ: كنتُ عند الحسنِ فقال .. . ينظر: تفسير عبد الرزاق 2/190.

2- الاجتزاء في النّقلِ, والخللُ في الفَهمِ والقَصدِ, إذ إنّ المؤلّف -غفرَ الله له- قالَ صراحةً في آخر المبحث: ومن ثمَّ فإنَّ القولَ الثّاني هو الصّوابُ في هذه الآية؛ وهو: أنَّ الخيانةَ كانت في الدّين, ولك تكُن بالزّنا..وثبتَ ايضاً بما سبقَ ضعفُ القَولِ الأوّلِ وشذوذِه. ص189.
والباحث الكريم يقول: (وإنَّ الناظر في تصرف المؤلف يكاد يجزم بقوة هذا القول ووجاهته) أي أنّه ابنُ زنا.
والتّصرفُ الذي لا يُقبلُ بحالٍ من الأخِ الباحث هو: أخذُه لردودِ المؤلّفِ على القولِ الثّاني -أنّه ابنُ زنا-, وجَعلَها ردوداً على المؤلّفِ نفسِه في القولِ الذي نصَّ هو على شذوذِه وضَعفِه! وهذا أكبرُ ما يؤخذُ على الموضوعِ مِن أصلِه؛ لأنّ تلك الردودَ كتبَها المؤلّفُ ردّاً على القولِ بأنّه كانَ ابن زناً, فكيف تُجعلُ ردوداً عليه, وفي قولٍ لم يَختَرْه!
وسبب ذلك كما سلفَ: التسرّع والاجتزاءُ في النّفلِ وعدم التحقّق من الكلامِ, أو غيرَ ذلك.

3- نفيُ الخلافِ مع ثبوتِه عند أهلِ العلمِ, والاستدلالُ بإجماعٍ مُتأخّرٍ على خلافٍ سابقٍ ثابتٍ عن أهلِ العلمِ, قال ابنُ جرير: (واختلفَ أهلُ التأويل في معنى قولِه {ليس من أهلك}, فقال بعضهم: ليس من ولدك, هو من غيرِك, وقالوا: كانَ ذلك من حِنثٍ) أي ولد زنى. تفسيرُه 12/425, وهذا يُرشدُ إلى الخللِ في قولِ الباحثِ الكريم: (وهذا النقل عن الحسن ربما يتوهم الناظر من أول وهلة أنَّ في المسألة خلافاً, بينما الواقع أنَّه ليس في المسألة خلاف أصلاً).

وأمّا الملاحظاتُ التفصيلية فلا حاجة لذكرِها؛ لأنَّ الغرضَ مِن هذه التعليقةِ الإفادةُ في قضايا المنهجِ.
والله الموفق.
 
عودة
أعلى