وقفات بلاغية مع آية الدعاء في آيات الصيام

إنضم
19 مايو 2006
المشاركات
28
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
الرياض
هذا هو الجزء الثاني من مشاركتي في هذه الآية، فقد كان الجزء الأول حديثاً عن علاقة الدعاء بآيات الصيام، وقد كشفتُ عن تلك العلاقة، وبينتُ سبب ورودها في ثنايا آيات الصيام، وقد كان ذلك لحكمة بالغة، أما هذه المشاركة فهي حديث عن بلاغة آية الدعاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأقول وبالله التوفيق:
لم يكن سرُّ هذه الآية يقف عند الحكمة من مجيئها بين آيات الصيام، بل ثمت سرٌّ آخر يتمثل في بلاغتها، وفي لطف وقعها، وهدوء إيقاعها، فالآية كلها ناطقة بسحر إعجازها، وروعة إيحائها، وحسن جرسها، وقد أشار سيد قطب إلى هذه الخاصية، ووقف عند هذه الروعة مشدوهاً فأطلق لقلمه العنان، وأرخى له الزمام، فأتى بالعجب العجاب، يقول عن هذه الآية: (( نجد لفتة عجيبة إلى أعماق النفس وخفاياها السريرة، نجد الغوص الكامل الحبيب المرغوب عن مشقة الصوم، والجزاء المعجل على الاستجابة لله، نجد ذلك الغوص، وهذا الجزاء في القرب من الله، وفي استجابته للدعاء تصوره ألفاظ شفافة تكاد تنير﴿ فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ﴾ أية رقة! وأي انعطاف! وأي شفافية! وأي إيناس! وأين تقع مشقة الصوم، ومشقة أي تكليف في ظل هذا الود، وظل هذا القرب، وظل هذا الإيناس؟ وفي كل لفظ في التعبير في الآية كلها تلك النداوة الحبيبة... إنها آية عجيبة، تسكب في قلب المؤمن النداوة والحلوة، والود المؤنس، والرضى المطمئن، والثقة واليقين، ويعيش فيها المؤمن في جناب رضيّ، وقربى ندية، وملاذ أمين، وقرار مكين )). ( 1)
السرُّ البلاغي بأداة الشرط "إذا"
افتُتحتْ الآية بأداة الشرط "إذا"، وفي افتتاحها بهذه الأداة غرض بلاغي يراد تحقيقه في هذا المقام؛ لارتباطه بحث المؤمنين على الدعاء، وترغيبهم فيه، يتجلى ذلك من خلال دلالة الأداة "إذا"؛ ذلك أنها تأتي في الأمور المحقق وقوعها، المتيقن بحدوثها، بخلاف أداة الشرط الأخرى (إنْ)، ولا شك أن مقام الدعاء والترغيب فيه مستلزم هذه الأداة، ومتطلب لها، كما أن في ذلك إشارة إلى تحقق الإجابة، فقد وعد – سبحانه – بذلك، ووعده الحق، ومن أصدق من الله قيلا.
الالتفات في الآية وبلاغته:
وفي توجيه الخطاب في هذه الآية إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله ﴿ وإذا سألك عبادي عني﴾ في هذا التفات، فقد انتقل الخطاب من مخاطبة المؤمنين في قوله ﴿ ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون﴾ إلى مخاطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله ﴿ وإذا سألك عبادي عني ﴾، فهو التفات من الغيبة إلى الخطاب، وقد تضمن هذا الالتفات أسراراً بلاغية، تتجلى هذه الأسرار من خلال طريق الالتفات إلى أسلوب المخاطبة، ومن خلال مخاطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المقام، ففي هذا الالتفات تشريف لرسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وإعلاء من قدره( 2)، ورفع لشأنه ومقامه، فلعلو قدره، وارتفاع شأنه توجه الخطاب إليه إشارة إلى هذا المعنى، ودلالة عليه،كما أن من تشريفه - عليه السلام - ومن إعلاء قدره أن يتوجه إليه المسلمون ويسألونه عن هذا الأمر العظيم. ( 3)
وقد ذُكرتْ هذه المسألة العظيمة من خلال أسلوب السؤال والجواب، ومن خلال الفتوى، وفي ذلك تنبيه للأذهان، وتنشيط لها، كما أن في ذلك إشارة إلى الاهتمام بها، ولفت الأنظار إليها، يؤيد ذلك أن كثيراً من العلماء يفتتحون المسائل المهمة في كتبهم بقولهم (فإن قلت). ( 4)
والغرض من هذه الآية أن يقتنع المؤمنون بهذه الحقيقة، ويؤمنوا بها، وليعلموا بأنه – سبحانه - (( قريب منهم، ليس بينه وبينهم حجاب، ولا ولي ولا شفيع يبلغه دعاءهم وعبادتهم؛ ليتجهوا إليه وحده حنفاء مخلصين له الدين )). ( 5)
بلاغة لفظة "عبادي" وإيحاءاتها:
جاءت لفظة "عبادي" في هذا المقام متممة لهذا المعنى، ومؤكدة له، ففيها كثير من الدلالات والإيحاءات المراد تحقيقها في هذا السياق، فهؤلاء المؤمنون الذين يسألون عن ربهم هم عبيد له، ولا غنى للعبد عن خالقه ومولاه، إذ لا يستقيم أمره، ولا يحسن حاله إلا بعون من خالقه، وتوفيقه له، ومن هنا ظهرت شدة حاجته له في التضرع إليه، والانطراح بين يديه، ومن هنا جاءت لفظة "عبادي" في آية الدعاء، والحث عليه؛ إشارة إلى هذا المعنى، كما أن فيها إظهاراً لافتقار العباد إلى الله، وشدة حاجتهم إليه.
وفي إضافة لفظة "عبادي" إليه – سبحانه – تتميم لهذا المعنى، وإظهار له، كما أن فيها تشريفاً للعباد، وإعلاء من قدرهم، فقد شرف قدرهم، وارتفع أمرهم من خلال هذه الإضافة، ولذا فقد وردت لفظة "عبادي" في القرآن في أعلى المقامات وأشرفها، في مقام الدعوة والدعاء، ولذا فإن الأصح في هذه الإضافة أن يُراد بها الخصوص دون العموم( 6)، والمراد بهم المؤمنون وحدهم دون سائر الخلق، فهم من حقق معنى العبودية لله – سبحانه وتعالى -، وهم من يستحق هذا التكريم، وذلك التشريف، ومن هنا خُصوا بهذه الإضافة دون غيرهم .
الحذف في قوله ﴿ فإني قريب ﴾ وبلاغته:
وقد جاء جواب سؤالهم في قوله – تعالى - ﴿ فإني قريب ﴾، والتقدير: فقل لهم، بدلالة قوله ﴿وإذا سألك ﴾( 7)، ولا بد من هذا التقدير؛ فبدونه لا يترتب الجواب على شرطه( 8)، ومع ذلك فقد حُذف هذا التقدير مع ظهوره ووضوحه، وفي حذف لفظة "قل" في هذا المقام سرٌّ بلاغي مرتبط كل الارتباط بالأمر بالدعاء، والحث عليه، ففي ذلك إشارة إلى شدة القرب بينه – سبحانه – وبين عباده، ولذا فهو يسمع كلامهم، ويجيب دعاءهم( 9)، فلا حاجة إذن – والحالة هذه – إلى وسيط ينقل كلامهم، ويكون بينهم حتى ولو كان ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
كما أن هذا الحذف مظهر من مظاهر حنوه – سبحانه – بعباده، وقربه منهم، وفي ذلك إشارة إلى أنه – سبحانه – تكفل بسماع دعائهم، وضمن الإجابة لهم، ولم يقم الحوائل ولا الوسائط بينه وبينهم. ( 10)
كما تضمن هذا الحذف الإشارة إلى أهمية الدعاء، وعلو منزلته، وأن العبد يترقى من خلاله، ويكون قريباً من خالقه ومولاه، ولذا فهو يدعوه فيستجيب له، ويناجيه فيسمع له، فإذا كان الأمر كذلك _ وهو كذلك – فلا حاجة إلى الوسائط بينهم، فهو يخاطب ربه، ويتضرع بين يديه، إشارة إلى قربه – سبحانه – منه، ولطفه به.
بلاغة التأكيد بـ:إنّ في هذه الآية:
وتأكيداً لهذا المعاني كلها، وتقريراً لها جاء الخبر مؤكداً بـ(إنَّ) في قوله ﴿فإني قريب ﴾ إشارة إلى أن هذا الخبر (( غريب، وهو أن يكون – تعالى – قريباً مع كونهم لا يرونه ))( 11)،ولهذه الأسرار كلها تمَّ حذف لفظة "قل" في هذا المقام، وهذه الأسرار – كما ذكرتُ – مرتبطة بالدعاء، شديدة العلوق به، ولذا فقد اختُصتْ هذه الآية بحذف فعل الأمر "قل" دون سائر الآيات الأخرى المماثلة لها المتضمنة السؤال، كما في قوله ﴿ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج... ﴾ ( 12)، وقوله ﴿ يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير... ﴾( 13)، وغيرها من الآيات.
وقفة عقدية مهمة في الآية:
وثمة وقفة مهمة مع قوله ﴿ فإني قريب ﴾ يحسن الوقوف معها، والإشارة إليها؛ لأهميتها، ولشدة ارتباطها بكثير من المسائل البلاغية، فقد حمل كثير من المفسرين معنى القرب في هذه الآية على الاستعارة التبعية( 14)، وقد أشار الزمخشري في تفسيره إلى هذا الأمر، وسار على نهجه كثير من المفسرين، يقول الزمخشري في بيان معنى "القرب": (( تمثيل لحاله في سهولة إجابته لمن دعاه، وسرعة إنجاحه حاجته من سأله بحال من قرب مكانه، فإذا دُعي أسرعت تلبيته نحوه )) ( 15)، وقد تَلَقَّف الشيخ محيي الدين زاده هذا القول، وزاده بسطة في الشرح والتأويل، يقول: (( يعني أن القرب حقيقته هو القرب المكاني، وهو ممتنع في حقه – تعالى – بدلائل قطعية من جملتها أنه – تعالى – لو كان في مكان لما كان قريباً من الكل، فإن من كان قريباً من حملة العرش كان بعيداً من أهل الأرض، ومن كان قريباً من أهل الشرق يكون بعيداً من أهل المغرب، وبالعكس، ولما تعذر القرب المكاني في حقه – تعالى – علمنا أن القرب هنا مستعمل في الحال الشبهية بحال من قرب مكانه إلى مكان القوم من العلم بأحوالهم وأفعالهم والاستماع لأقوالهم، فيكون لفظ " قريب" استعارة تبعية تمثيلية )) . (16 )
ولا يخفى ما تضمنته هذه الأقوال من انحرافات عقدية أُتي أصحابها من التحريف أو التعطيل أو التكييف أو التمثيل في أسمائه – سبحانه – وصفاته، وقد أحسن د. حسن محمد باجودة في حديثه عن معنى قوله ﴿ فإني قريب ﴾ يقول: (( والتحقيق: أن مذهب السلف إقرار النصوص في الصفات على ظاهرها من غير تعطيل، ولا تمثيل ولا تأويل والله – تعالى – قد أسند القرب في هذه الآية إلى ذاته فنأخذ هذا الإسناد على ظاهره مع إثبات تنزيهه عن مماثلة خلقه، وإثبات صفات الكمال التي نفهم منها المراد من هذا القرب في كل سياق بحسبه )) ( 17)
وقد زاد هذا المعنى وضوحاً الإمام القاسمي في تفسيره لهذه الآية، يقول: (( والقريب من أسمائه – تعالى – الحسنى، ومعناه: القريب من عبده بسماعه دعاءه، ورؤيته تضرعه، وعلمه به، كما قال ﴿ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ﴾( 18)، وقوله ﴿ وهو معكم أين ماكنتم ﴾( 19) )) . (20 )
والقول الفصل في هذا المعنى ما ذكره الإمام تقي الدين ابن تيمية – رحمه الله – يقول: (( ودخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأجمع عليه سلف الأمة من أنه – سبحانه – فوق سماواته على عرشه، عليّ على خلقه، وهو معهم أينما كانوا، يعلم ماهم عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله ﴿ هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ﴾(21 )،وليس معنى قوله ﴿ وهو معكم أين ماكنتم ﴾ أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر _ آية من آيات الله – من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر أينما كان، وهو – سبحانه – فوق العرش، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع إليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته، وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش، وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يُصان عن الظنون الكاذبة ... ودخل في ذلك: الإيمان بأنه قريب من خلقه مجيب، كما جمع بين ذلك في قوله ﴿ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب... ﴾ وقوله - عليه السلام - للصحابة لما رفعوا أصواتهم بالذكر: (والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم) (22 )، وما ذُكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذُكر من علوه وفوقيته، فإنه – سبحانه – ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليٌّ في دنوه، قريب في علوه )) . ( 23)
وقد تعمدتُ ذكر هذه المسألة والإطالة فيها؛ لأهميتها، ولخطورتها – أيضاً -، ولأدلف منها إلى قضية أخرى هي من الأهمية بمكان، وهي أن كثيراً من المسائل البلاغية بحاجة إلى تخليصها من الشوائب التي علقتْ بها، فحطَّتْ من شأنها، وأنقصتْ من قدرها، مما جعلها عرضة للنقد، أو الازدراء أو التهميش، خاصة فيما يتعلق بالأمور العقدية، وقد تنبه إلى هذه المسألة وخطورتها بعض الباحثين الغيورين، ولهم في ذلك جهود مشكورة، كما أن لهم مساعي حثيثة في تخليص البلاغة مما علق بها من الانحرافات العقدية، وهي جهود مشكورة ومساعٍ حثيثة( 24)، وإن كنتُ أدعو إلى الاعتدال في معالجة هذه القضية؛ حتى لا تُجر البلاغة إلى مباحث العقيدة، إذ لا بد أن تتمايز الأمور، حتى لا يختلط أحدهما في الآخر، فلكل واحد منهما تخصصه القائم بذاته المنبثق من موضوعاته، ومباحثه الخاصة به.
وكأن قوله ﴿ فإني قريب ﴾ تمهيد للجملة التي بعدها وهي قوله ﴿ أجيب دعوة الداع إذا دعان ﴾ فقد قرَّبتْ من معناها، وسهلتْ من قبولها( 25)، كما أن قوله – كذلك - ﴿ أجيب دعوة الداع إذا دعان ﴾ تقرير لمعنى القرب، وتحقيق له، وقطع بإجابة الدعوة(26 )، ومن هنا يتجلى السرُّ في اختيار لفظة ﴿ أجيب ﴾ فإن فيها الوعد الحق بالإجابة، ومن هنا جاء اختيارها في هذا المقام، دون لفظة "أسمع" إذ السماع لا يلزم منه الإجابة، أما قوله ﴿ أجيب ﴾ فهو وعد منه – سبحانه – ووعده الحق، فقد أمر بالدعاء، وتكفل باِلإجابة.
إشكال قد يرد في الآية والإجابة عليه:
وثمة إشكال قد يرد على هذه الآية، وقد أورده "القرطبي" في تفسيره، يقول: (( فإن قيل: فما للداعي قد يدعو فلا يُجاب له؟ فالجواب: أن يُعلم أن قول الحق في الآيتين ﴿ أجيب ﴾ و﴿ أستجيب لكم ﴾ ( 27) لا يقتضي الاستجابة مطلقاً لكل داعٍ على التفصيل، ولا بطل مطلوب على التفصيل، فقد قال ربنا – تبارك وتعالى – في آية أخرى ﴿ ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ﴾ ( 28)، وكل مصرٍّ على كبيرة عالم بها أو جاهل فهو معتدٍ، وقد أخبر أنه لا يحب المعتدين، فكيف يستجيب له؟!، وأنواع الاعتداء كثيرة )) . ( 29)
ومما قيل – كذلك – في الإجابة على ذلك الإشكال: أن في الآية حذفاً، تقديره: أجيب دعوة الداع إن شئتُ، يدل على ذلك قوله في آية أخرى﴿ فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ﴾ (30 ) )) . ( 31)
ختام الآية وبلاغتها:
وبعد أن أمر – سبحانه – عباده بالدعاء، وبعد أن تكفل بالإجابة ختم الآية بقوله ﴿ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ﴾ جاء الأمر بالاستجابة له في قوله ﴿ فليستجيبوا لي ﴾ متفرع عما قبله، فإذا كان – سبحانه – يجيب دعوتهم فهم مأمورون بالاستجابة له والانقياد التام له، والمعنى: فليستجيبوا لي (( أي إذا دعوتهم للإيمان بالطاعة، كما أجيبهم إذا دعوني لمهماتهم )) . ( 32)
وفي مجيء الأمر بالاستجابة بصيغة الاستفعال إشارة إلى صعوبته، ومشقته على النفس البشرية، كما أن فيه – كذلك – معنى الإكراه والإلزام، وأطر النفس أطراً على هذا الأمر، وحملها بالقوة على هذه الاستجابة حتى تصل إلى مبتغاها، وتحقق الاستجابة لله. (33 )
الإطناب في الآية: طريقه وبلاغته:
وقوله ﴿ وليؤمنوا بي ﴾ من عطف الخاص على العام، وهو طريق من طرق الإطناب، تتجلى بلاغته في هذا المقام أن فيه مزيداً من الاهتمام بالخاص، وهو الإيمان، ولذا أُفرد بالأمر، وخُصَّ بالذكر، وإن كان داخلاً في عموم الأمر بالاستجابة لله – عزَّ وجل – والغرض من الأمر بالإيمان: الحث والتحريض، وأمرهم بالثبات على ماهم عليه، والاستمساك به، ونظير ذلك قوله – تعالى -﴿ يأ أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزَّل على رسوله والكتاب الذي نزَّل من قبل ﴾( 34) ففي الأمر زيادة في التمسك به، والحرص عليه، والازدياد فيه.
ثم ختم – سبحانه – الآية بقوله ﴿ لعلهم يرشدون﴾ أي لعلهم يهتدون إليَّ بسبب إيمانهم واستجابتهم لي ( 35)، فهم المستفيدون من هذه الاستجابة، ومن ذلك الإيمان، فهم من سيقطف ثمارها، وينعم بخيرها، وهو – سبحانه – غني عن العالمين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي والتعليقات:
( ) في ظلال القرآن: 2/167 .
(2) انظر: إرشاد العقل السليم:1/201 .
(3) انظر: التحرير والتنوير: 2/178 .
(4) انظر: المصدر السابق: 2/178 .
(5) انظر: البحر المحيط: 2/52 .
(6) انظر: البحر المحيط: 2/52 .
(7) انظر: إملاء ما منَّ به الرحمن 1/82 .
(8) انظر: روح المعاني:2/63 .
(9) انظر: حاشية الشهاب: 2/280 .
(10) انظر: روح المعاني: 2/63 .
(11) التحرير والتنوير: 2/189 .
(12) البقرة: 189 .
(13) البقرة: 215 .
(14) ومن هؤلاء المفسرين: الزمخشري، انظر: الكشاف: 1/337، وأبو السعود، انظر: إرشاد العقل السليم:1/201، ومحيي الدين زادة، انظر: حاشيته: 1/495، والألوسي، انظر: روح المعاني: 2/63، وغيرهم .
(15) الكشاف: 1/337 .
(16) حاشية محيي الدين زادة: 1/495 .
(17) تأملات في سورة البقرة: 2/1046 .
(18) ق: 16 .
(19) الحديد: 4 .
(20) محاسن التأويل: 3/431 .
(21) الحديد: 4
(22) صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: استحباب خفض الصوت بالذكر إلا في المواضع التي ورد الشرع برفعه فيها كالتلبية، وغيرها، واستحباب الإكثار من قول " لاحول ولا قوة إلا بالله "، برقم: 6867 .
(23) العقيدة الواسطية:449 .
(24) ومن هؤلاء: أ.د محمد الصامل، فقد ناقش هذه القضية وبسطها في كتابه " المدخل إلى بلاغة أهل السنة والجماعة"، وكذلك د. عبدالمحسن العسكر، ناقض هذه القضية في بحثه الموسوم بـ(إصلاح "الإيضاح" للخطيب القزويني: استدراكات ومناقشات)، وقد أفرد جزءاً للملحوظات العقدية، انظر: مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد:46، لعام 1426هـ .
(25) انظر: التحرير والتنوير: 2/189 .
(26) انظر: محاسن التأويل: 3/433 .
(27) غافر: 60 .
(28) الأعراف: 55 .
(29) الجامع لأحكام القرآن: 2/207 .
(30) الأنعام: 41 .
(31) تفسير القرآن: 1/186 .
(32) محاسن التأويل: 3/449 .
(33) انظر: نظم الدرر: 3/76 .
(34) النساء: 136 .
(35) انظر: جامع البيان: 3/227 .
 
عودة
أعلى