ناصر عبد الغفور
Member
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم"-البخاري-.
وها نحن نرى هذه العلامة من علامات قرب الساعة بأم أعيننا، فنسمع بين الفينة والأخرى موت عالم هنا وعالم هناك وداعية إلى الله هنالك.
وهذه من أعظم المصائب التي تحل بأمة الإسلام، وهي من نقص الأرض كما قال غير واحد من السلف في قوله تعالى:"أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا"، "قال ابن عباس في رواية: خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها. وكذا قال مجاهد أيضا: هو موت العلماء"-تفسير ابن كثير-.
ولعلي أذكر نموذجا من هذا الفقد للعلماء ببلادنا المغرب:
فبعد وفاة العلامة المحقق بوخبزة والشيخ الداعية عبد الحميد أبي النعيم توفي الشيخ القاضي برهون، وقبله بقليل حصد الموت روح العلامة أبي عبيدة المحرزي ، رحم الله الجميع.
وهذه نبذة يسيرة عن هذا العالم الكبير أبي عبيدة الذي آثر الخمول ورغب عن الشهرة والأضواء[1]، فلم يعرفه إلا القليل من الناس، لكن يكفيه أن يكون مشهورا في الملأ الأعلى معروفا عند رب الناس.
هو العلامة أبو عبيدة أحمد المحرزي من علماء مراكش الحمراء، كان رحمه الله تعالى من أعلام هذا العصر متفننا في سائر العلوم.
إنه مفخرة المغرب وخصوصا مراكش الحمراء.
تبحره في شتى العلوم:
قال عنه بعض تلامذته:" لو أنصفوه لأعطوه في كل دكتوراه"، فقد كان رحمه الله تعالى بحرا في العلوم العقلية والنقلية، حافظا في كل فن أشهر منظماته مع استيعاب لكل شاردة وواردة حوله.
إن تكلم في فن ظننت أنه لا يتقن غيره، فإذا ذكرت العربية كان حائز قصب السبق فيها بنحوها وصرفها وبلاغتها بل وبشعرها الذي كان رحمه الله تعالى يحفظ فيه الدواوين وكذا العروض...
وقد كان رحمه الله تعالى في علم اللغة العربية آية، دان له في تبحره وتمكنه من دقائقه وأسراره القاصي والداني، فقد رزقه الله تعالى حفظا نادرا لأصول هذا الفن ومصادره وقوة في الاستنباط واستحضار أدق التوجيهات فيه...حتى لقبه بعض طلبته-وهم أعلم به من غيرهم- (سيبويه عصره).
وإذا ذكر علم القراءات فهو من فرسان ميدنها مع إلمام بعلم الرسم القرآني، وعناية كبيرة بعلم التجويد الذي كان يحفظ فيه أجمع ما نظم فيه.
وإذا تكلم في التفسير وعلومه وفتوحات الله عليه فيه قلت لا يعرف إلا هذا العلم.
أما الفقه فلا تسأل عن تبحره فيه حتى كان يلقب بالفقيه، فكان يحفظ الكثير من كتبه ومتنه وأصوله.
وأما الحديث فقد كان شديد الشغف بفتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى والنيل للإمام الشوكاني وسبل السلام للعلامة الصنعاني وكتب العلامة المحدث ناصر الدين الألباني الذي كانت تجمعه به علاقة حب واحترام قوية.
وكان متيمما بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم رحمهما الله تعالى.
أما القرآن الكريم والسنة النبوية فكان في غاية التعظيم لهما وغاية التبجيل لنصوصهما، مع اعتبار كبير لأقوال الصحابة.
لا يفتي إلا بالدليل الثابت.
كان رحمه الله تعالى يدعو إلى الرجوع الصادق للوحيين الكتاب والسنة، ويذم التقليد الأعمى والتعصب المذهبي ويرى أنهما شر وشؤم على الأمة الإسلامية.
كان شديد الشغف بالكتب، فكان يملك مكتبة عامرة زاخرة بأنفس الكتب وأندر الكنوز، وقد قيل أنه اطلع على مخطوطات لم يسبق إليها.
زهده رحمه الله تعالى:
أما عن زهده فقد كان من أزهد الناس رحمه الله تعالى، آثر العيش في أواخر عمره بمكة المكرمة متواضعا في ملبسه ومسكنه وفي شأنه كله مستحضرا قول بعض شيوخه:" فاز من كف كفه وفك فكه وخسر من فك كفه وكف فكه".
عرض عليه بعض الوجهاء مبلغا كبيرا من المال فرده بلطف قائلا:" تكفيني يكفيني"، أي كفني حينما أموت يكفيني.
وكما أسلفت كان رحمه الله تعالى يؤثر الخمول ويمقت الظهور، ولعل هذا من أسباب عدم شهرته عند الكثير من الناس، فقد كان رحمه الله تعالى كما يصفه بعض طلابه:" غير حريص على المناصب والألقاب والامتيازات ماقتا للشهرة وحب الظهور مرددا قولته المشهورة:" حب الظهور يقصم الظهور" زاهدا في الترقيات والعلاوات فارا من أبواب المسؤولين وكلما اشتدت رغبة بعضهم فيه كلما اشتد زهده فيهم.".
من خصاله رحمه الله تعالى:
خصاله رحمه الله تعالى لا يمكن أن يحاط بها في كلمات.
يقول عنه أحد تلامدته:" إن شيخنا رحمه الله حباه الله بخصال قد لا أكون مبالغا إن قلت ما رأيتها في غيره. من ذلك العلم المحقق والفقه المحرر والحفظ المدقق والاستحضار السريع والذكاء الحاد والفطنة الكثيفة السريعة والإجابة على البديهة والورع الصادق والزهد الخاص والتواضع الشديد والهيبة الغير المصطنعة والقبول التقائي من الجميع...كان رحمه الله تعالى دمث الأخلاق حلو المعشر سمح المعاملة والبيع والشراء كثير الصدق شديد الحب للطلبة حريصا على الإفادة متنزها في المجالس عن الغيبة حريصا على نشر السنة..وقافا عند حدود الله قوالا للحق لا يخاف في الله لومة لائم...".
كان رحمه الله تعالى لا يمل من غرس الأخلاق الحميدة في نفوس طلبته، ومن ذلك خلق الشكر والاعتراف بالجميل.
ومن ذلك قوله رحمه الله تعالى:
إذا أفادك إنسان بفائدة * من العلوم فأكثر شكره أبدا
وقل فلان جزاه الله صالحة * أفادنيها والغ الكبر والحسدا
فالحر يظهر شكرا للمعين له * خيرا ويشكره إن قام أو قعدا.
ومن خصاله التواضع الكبير فكان لا يلقى مسلما إلا سلم عليه صغيرا كان أو كبيرا، ويظهر تواضعه بقوة في مجالسه العلمية، فقد كان رحمه الله تعالى مع ما أوتي من غزارة العلم في كثير من الفنون –ومن ذلك علم اللغة-لا يتفاخر بذلك أو يزهو بنفسه على أحد من العلماء أو طلبته أو يصف أحدا باللحن، بل يناظر ويعلم ويوجه بأدب وتواضع.
من نظمه رحمه الله تعالى:
من نظم العلامة أبي عبيدة المحرزي رحمه الله تعالى نظم في مقاصد السبع المثاني حوى عشر أبيات في غاية الإتقان الإبداع:
نظم مقاصد سورة الفاتحة:
ماذا تقول الفاتحة * ذات المعاني الواضحــــــــــــــــــــــــــــة
تقول إني قد جمعت * قرآنكم وقد ضممـــــــــــــــــــــت
أصول الدين والفروع * عقيدة مع التشــــــــــــــــريع
عبادة مع الإيمان * تضرعا إلى الرحمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن
أخبرتكم عن الأمم * من عرب ومن عجــــــــــــــــــــــــم
من أتقياء صاحين * وأشقياء طالحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـن
دعوت للدين القويم * على الصراط المستقيم
فلتضرعوا إلى الإله * ولتطلبوا منه هــــــــــــــــــــــــــــداه
فإنني رغم القصر * أصبحت أما للســـــــــــــــــــــــــــور
لكل ما يخفى جواب * عندي أنا أم الكتاب.
وفاته رحمه الله تعالى:
توفي العلامة المراكشي أحمد أبو عبيدة المحرزي يوم الأحد 6 محرم 1443 من الهجرة الموافق ل 15/08/2021 في مدينة مراكش عن عمر يناهز خمس وثمانين سنة قضاها في الدعوة إلى العقيدة السليمة ومنهج السلف الصالح ونشر السنة والذب عليها ومحاربة البدع والتعصب المقيت.
وقد وقعت حادثة في الساعات الأواخر من حياته تعتبر بشرى خير له رحمه الله تعالى...تحكي الممرضة التي كانت تمرضه أن أباها كان يحتضر في نفس الغرفة من المستشفى فعلمها أبو عبيدة رحمه الله تعالى دعاء الاحتضار وحفظها إياه لتلقنه أباها، وبعد تلقينه فاضت روح أبيها إلى بارئها وبعده توفي العلامة المحرزي في نفس اليوم...
فانظر رعاك الله إلى حاله، لا يكتفي بالدعوة إلى الله وتعليم الخير في صحته وحياته بل حتى في مرضه وقرب أجله يستمر في الدعوة إلى الله ونفع الناس.
وهذا الدعاء ربما الكثير لا يعرفه، أخرجه الأئمة الترمذي وابن ماجة والنسائي وغيرهم وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ونصه:
( إذا قال العبد : لا إله إلا الله و الله أكبر قال الله : صدق عبدي لا إله إلا أنا و أنا أكبر فإذا قال : لا إله إلا الله وحده قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا وحدي فإذا قال : لا إله إلا الله لا شريك له قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا و لا شريك لي فإذا قال : لا إله إلا الله له الملك و له الحمد قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا لي الملك و لي الحمد فإذا قال : لا إله إلا الله و لا حول و لا قوة إلا بالله قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا و لا حول و لا قوة إلا بي من رزقهن عند موته لم تمسه النار.).
وكثيرا رحمه الله تعالى ما كان يذكر طلبته بهذا الدعاء.
ولا شك أن الخاتمة إنما هي خلاصة لحياة العبد، فرجل خصص حياته للعلم والدعوة ونشر السنة لا غرابة أن يختم له بمثل هذا الخير، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من مات على شيء بعث عليه".
فرحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام وأهله خير ما جزى عالما عن أمته.
([1] ) ومن العلماء الربانيين الذين ساروا على هذا النهج قبله العلامة الكبير بكر أبو زيد رحمه الله تعالى فقد عرف عنه اعتزاله الكبير للناس رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام وأهله خير ما جزى عالما عن أمته.
وفاة العلامة أبي عبيدة المحرزي المراكشي:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم"-البخاري-.
وها نحن نرى هذه العلامة من علامات قرب الساعة بأم أعيننا، فنسمع بين الفينة والأخرى موت عالم هنا وعالم هناك وداعية إلى الله هنالك.
وهذه من أعظم المصائب التي تحل بأمة الإسلام، وهي من نقص الأرض كما قال غير واحد من السلف في قوله تعالى:"أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا"، "قال ابن عباس في رواية: خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها. وكذا قال مجاهد أيضا: هو موت العلماء"-تفسير ابن كثير-.
ولعلي أذكر نموذجا من هذا الفقد للعلماء ببلادنا المغرب:
فبعد وفاة العلامة المحقق بوخبزة والشيخ الداعية عبد الحميد أبي النعيم توفي الشيخ القاضي برهون، وقبله بقليل حصد الموت روح العلامة أبي عبيدة المحرزي ، رحم الله الجميع.
وهذه نبذة يسيرة عن هذا العالم الكبير أبي عبيدة الذي آثر الخمول ورغب عن الشهرة والأضواء[1]، فلم يعرفه إلا القليل من الناس، لكن يكفيه أن يكون مشهورا في الملأ الأعلى معروفا عند رب الناس.
هو العلامة أبو عبيدة أحمد المحرزي من علماء مراكش الحمراء، كان رحمه الله تعالى من أعلام هذا العصر متفننا في سائر العلوم.
إنه مفخرة المغرب وخصوصا مراكش الحمراء.
تبحره في شتى العلوم:
قال عنه بعض تلامذته:" لو أنصفوه لأعطوه في كل دكتوراه"، فقد كان رحمه الله تعالى بحرا في العلوم العقلية والنقلية، حافظا في كل فن أشهر منظماته مع استيعاب لكل شاردة وواردة حوله.
إن تكلم في فن ظننت أنه لا يتقن غيره، فإذا ذكرت العربية كان حائز قصب السبق فيها بنحوها وصرفها وبلاغتها بل وبشعرها الذي كان رحمه الله تعالى يحفظ فيه الدواوين وكذا العروض...
وقد كان رحمه الله تعالى في علم اللغة العربية آية، دان له في تبحره وتمكنه من دقائقه وأسراره القاصي والداني، فقد رزقه الله تعالى حفظا نادرا لأصول هذا الفن ومصادره وقوة في الاستنباط واستحضار أدق التوجيهات فيه...حتى لقبه بعض طلبته-وهم أعلم به من غيرهم- (سيبويه عصره).
وإذا ذكر علم القراءات فهو من فرسان ميدنها مع إلمام بعلم الرسم القرآني، وعناية كبيرة بعلم التجويد الذي كان يحفظ فيه أجمع ما نظم فيه.
وإذا تكلم في التفسير وعلومه وفتوحات الله عليه فيه قلت لا يعرف إلا هذا العلم.
أما الفقه فلا تسأل عن تبحره فيه حتى كان يلقب بالفقيه، فكان يحفظ الكثير من كتبه ومتنه وأصوله.
وأما الحديث فقد كان شديد الشغف بفتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى والنيل للإمام الشوكاني وسبل السلام للعلامة الصنعاني وكتب العلامة المحدث ناصر الدين الألباني الذي كانت تجمعه به علاقة حب واحترام قوية.
وكان متيمما بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم رحمهما الله تعالى.
أما القرآن الكريم والسنة النبوية فكان في غاية التعظيم لهما وغاية التبجيل لنصوصهما، مع اعتبار كبير لأقوال الصحابة.
لا يفتي إلا بالدليل الثابت.
كان رحمه الله تعالى يدعو إلى الرجوع الصادق للوحيين الكتاب والسنة، ويذم التقليد الأعمى والتعصب المذهبي ويرى أنهما شر وشؤم على الأمة الإسلامية.
كان شديد الشغف بالكتب، فكان يملك مكتبة عامرة زاخرة بأنفس الكتب وأندر الكنوز، وقد قيل أنه اطلع على مخطوطات لم يسبق إليها.
زهده رحمه الله تعالى:
أما عن زهده فقد كان من أزهد الناس رحمه الله تعالى، آثر العيش في أواخر عمره بمكة المكرمة متواضعا في ملبسه ومسكنه وفي شأنه كله مستحضرا قول بعض شيوخه:" فاز من كف كفه وفك فكه وخسر من فك كفه وكف فكه".
عرض عليه بعض الوجهاء مبلغا كبيرا من المال فرده بلطف قائلا:" تكفيني يكفيني"، أي كفني حينما أموت يكفيني.
وكما أسلفت كان رحمه الله تعالى يؤثر الخمول ويمقت الظهور، ولعل هذا من أسباب عدم شهرته عند الكثير من الناس، فقد كان رحمه الله تعالى كما يصفه بعض طلابه:" غير حريص على المناصب والألقاب والامتيازات ماقتا للشهرة وحب الظهور مرددا قولته المشهورة:" حب الظهور يقصم الظهور" زاهدا في الترقيات والعلاوات فارا من أبواب المسؤولين وكلما اشتدت رغبة بعضهم فيه كلما اشتد زهده فيهم.".
من خصاله رحمه الله تعالى:
خصاله رحمه الله تعالى لا يمكن أن يحاط بها في كلمات.
يقول عنه أحد تلامدته:" إن شيخنا رحمه الله حباه الله بخصال قد لا أكون مبالغا إن قلت ما رأيتها في غيره. من ذلك العلم المحقق والفقه المحرر والحفظ المدقق والاستحضار السريع والذكاء الحاد والفطنة الكثيفة السريعة والإجابة على البديهة والورع الصادق والزهد الخاص والتواضع الشديد والهيبة الغير المصطنعة والقبول التقائي من الجميع...كان رحمه الله تعالى دمث الأخلاق حلو المعشر سمح المعاملة والبيع والشراء كثير الصدق شديد الحب للطلبة حريصا على الإفادة متنزها في المجالس عن الغيبة حريصا على نشر السنة..وقافا عند حدود الله قوالا للحق لا يخاف في الله لومة لائم...".
كان رحمه الله تعالى لا يمل من غرس الأخلاق الحميدة في نفوس طلبته، ومن ذلك خلق الشكر والاعتراف بالجميل.
ومن ذلك قوله رحمه الله تعالى:
إذا أفادك إنسان بفائدة * من العلوم فأكثر شكره أبدا
وقل فلان جزاه الله صالحة * أفادنيها والغ الكبر والحسدا
فالحر يظهر شكرا للمعين له * خيرا ويشكره إن قام أو قعدا.
ومن خصاله التواضع الكبير فكان لا يلقى مسلما إلا سلم عليه صغيرا كان أو كبيرا، ويظهر تواضعه بقوة في مجالسه العلمية، فقد كان رحمه الله تعالى مع ما أوتي من غزارة العلم في كثير من الفنون –ومن ذلك علم اللغة-لا يتفاخر بذلك أو يزهو بنفسه على أحد من العلماء أو طلبته أو يصف أحدا باللحن، بل يناظر ويعلم ويوجه بأدب وتواضع.
من نظمه رحمه الله تعالى:
من نظم العلامة أبي عبيدة المحرزي رحمه الله تعالى نظم في مقاصد السبع المثاني حوى عشر أبيات في غاية الإتقان الإبداع:
نظم مقاصد سورة الفاتحة:
ماذا تقول الفاتحة * ذات المعاني الواضحــــــــــــــــــــــــــــة
تقول إني قد جمعت * قرآنكم وقد ضممـــــــــــــــــــــت
أصول الدين والفروع * عقيدة مع التشــــــــــــــــريع
عبادة مع الإيمان * تضرعا إلى الرحمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن
أخبرتكم عن الأمم * من عرب ومن عجــــــــــــــــــــــــم
من أتقياء صاحين * وأشقياء طالحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـن
دعوت للدين القويم * على الصراط المستقيم
فلتضرعوا إلى الإله * ولتطلبوا منه هــــــــــــــــــــــــــــداه
فإنني رغم القصر * أصبحت أما للســـــــــــــــــــــــــــور
لكل ما يخفى جواب * عندي أنا أم الكتاب.
وفاته رحمه الله تعالى:
توفي العلامة المراكشي أحمد أبو عبيدة المحرزي يوم الأحد 6 محرم 1443 من الهجرة الموافق ل 15/08/2021 في مدينة مراكش عن عمر يناهز خمس وثمانين سنة قضاها في الدعوة إلى العقيدة السليمة ومنهج السلف الصالح ونشر السنة والذب عليها ومحاربة البدع والتعصب المقيت.
وقد وقعت حادثة في الساعات الأواخر من حياته تعتبر بشرى خير له رحمه الله تعالى...تحكي الممرضة التي كانت تمرضه أن أباها كان يحتضر في نفس الغرفة من المستشفى فعلمها أبو عبيدة رحمه الله تعالى دعاء الاحتضار وحفظها إياه لتلقنه أباها، وبعد تلقينه فاضت روح أبيها إلى بارئها وبعده توفي العلامة المحرزي في نفس اليوم...
فانظر رعاك الله إلى حاله، لا يكتفي بالدعوة إلى الله وتعليم الخير في صحته وحياته بل حتى في مرضه وقرب أجله يستمر في الدعوة إلى الله ونفع الناس.
وهذا الدعاء ربما الكثير لا يعرفه، أخرجه الأئمة الترمذي وابن ماجة والنسائي وغيرهم وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ونصه:
( إذا قال العبد : لا إله إلا الله و الله أكبر قال الله : صدق عبدي لا إله إلا أنا و أنا أكبر فإذا قال : لا إله إلا الله وحده قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا وحدي فإذا قال : لا إله إلا الله لا شريك له قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا و لا شريك لي فإذا قال : لا إله إلا الله له الملك و له الحمد قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا لي الملك و لي الحمد فإذا قال : لا إله إلا الله و لا حول و لا قوة إلا بالله قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا و لا حول و لا قوة إلا بي من رزقهن عند موته لم تمسه النار.).
وكثيرا رحمه الله تعالى ما كان يذكر طلبته بهذا الدعاء.
ولا شك أن الخاتمة إنما هي خلاصة لحياة العبد، فرجل خصص حياته للعلم والدعوة ونشر السنة لا غرابة أن يختم له بمثل هذا الخير، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من مات على شيء بعث عليه".
فرحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام وأهله خير ما جزى عالما عن أمته.
([1] ) ومن العلماء الربانيين الذين ساروا على هذا النهج قبله العلامة الكبير بكر أبو زيد رحمه الله تعالى فقد عرف عنه اعتزاله الكبير للناس رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام وأهله خير ما جزى عالما عن أمته.