وصف علمي لطريقة الحفظ في الكتاتيب الليبية

معروفي

New member
إنضم
15/02/2006
المشاركات
76
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
وصف علمي لطريقة الحفظ في الكتاتيب الليبية :
1 - تعليم القرآن في ليبيا يعتمد على الكتابة،فليس الحفظ من المصحف والنقل عنه بمعروف ،بل هو الأخذ من الشيخ في مجلس الإملاء ،ومجلس الإملاء هذا هو كالمعروف عند أهل الحديث في التحمل والكتابة عن الشيخ ،فكما يجلس المحدث ويملي الحديث والأسانيد على طلبة الحديث ،فكذلك القارئ ،وفيه كثير من التفاصيل المعروفة التي ذكرها الخطيب البغدادي في الجامع ،و صاحب تذكرة السامع والمتكلم .
ويمتاز مجلس الإملاء كون الطلية يجلسون حلقة حول الشيخ يكون هو الشيخ قطبها يعلوهم على أريكة (تتسع للجلوس والاتكاء وذلك لأن بعض أهل القراء يملي من العصرحتى العشاء ،وبعضهم من بعد صلاة الفجر حتى الظهر !!!) يتعاقبون إسماع الشيخ مبتدأه مفي الكتابة ثم يبدأ الشيخ بتلقين الطالب القرآن آية أو جزء منها بطريقة المشافهة من الشيخ وفي الغالب يعتمد فيها الوقف على المتحرك لتنبيه الطالب على حركة الحرف الأخير . ثم يعيد الطالب على مسامع الشيخ ما سمعه منه قبل الشروع في الكتابة حتى إذا اطمئن الشيخ لنطق الطالب أردفه بذكر ما يتعلق بها من حيث الرسم مثلاً من حيث ألفها محذوفاً أو ثابتاً أو مخصصاً على رسم الداني أو ياء معقوصة أو مرجعة أو همزة مسهلة أو مبدلة بواو أو ياء أو غيرها وكثيراً ما يذكر هنا ما يسمى عندنا بالتنزيلات وهي ذكر الشيخ للطالب عدد المرات التي ورد هذا اللفظ في القرآن أو نكت في التفريقبين المتشابهات فقد تكون بيت شعر من العامي أو الفصيح أو قول مركب موزون يضبط بها لطالب المواضع المشتبهات . وهذا الأمر في غاية البساطة لأولئك القوم الذين نذروا أنفسهم لحفظ كتاب الله وتدريسه فمن عانى شيئاً أتقنه ،وقد ترى عيناك عجباً في هذاالباب ،وما هو إلا بتوفيق من الله عز وجل اختار له من شاء .
ثم يشرع الطالب فيكتابتها على اللوح حتى إذا انتهى وعاد الدور له في الحلقة سمّع للشيخ الآية السابقةبنطق صحيح ،فإذا اختل النطق هنا فبعض المشايخ يعنّفون الطالب على ذلك ثم يقرؤه الآية التي تليها .
وفوائد هذه الطريقة كما لا يخفى أن الطالب يردد الآية ما بين أربع إلى خمس مرات في مجلس الإملاء فقط . ثم تأتي مرحلة التصحيح وفيها يقرأ الشيخ للطالب أولاً والطالب يسمع ويتابع المقروء في لوحه - هذا إن لم يكن عدد الطلبة كبيراً - ثم يقرأ الطالب من لوحه على الشيخ ،وقد دأب المشائخ على تلقين الوقف الهبطي هنا فيوقف الشيخ الطالب قبيل الوقفة الهبطية مشيراً بيده فيقيد الطالب الوقفة على موضع وقفه ثم يسـتأنف ثم يبدأ في الحفظ مباشرة بعد ذلك ولا ينصح الطالب بإرجاء الحفظ فإن ( اللوح لابد أن يقرأ وهو أخضر ) أي بعد الفراغ مباشرة .
وما الكتابة وأهميتها فلا يعد حافظاً من لم يكتب القرآن والحافظ المتقن الذي يشهد له شيخه هو من كتب على قلمين أو ثلاثة ،وبعضهم كتبه أربعة أقلام والمشائخ الأولون منهم من كتب على ستة أقلام ويختم كل يومين أو ثلاثة !!. نسأل الله من فضله ،وقد قال تعالى : ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ) وقال أيضاً : ( الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) وفي الصحيح : ( قيدوا العلم بالكتابة) .

2- نظام المراجعة في الكتاتيب يختلف من منطقة إلى أخرى ،فمن حفظ في مسلاته ليس كمن حفظ في طرابلس أو غيرهما ،ولكن يمكن القول بالعموم أنه مكثف يعتمد على أمرين أساسين :
- جهد الطالب ومثابرته.
- متابعة الشيخ وتفقده.
فهناك في الكتاتيب ما يسمى بـ (ثمن حلقة ) وهو يوم في آخر الأسبوع يجتمع الطلبة حلقة حول الشيخ ويبتدئ الشيخ بسؤال من بيمينه عن محفوظه وقدره ثم يختار له ثمناً ( وهو نصف الربع ) من أي موضع منجملة محفوظه ( وعادة ما يكون الثمن من أصعب ما تتوصل إليه قريحة شيخ يدرس القرآن لعقود !!فمواضع قصة موسى وفرعون في الأعراف ويونس وطه والشعراء دائماً في المقدمة !!) ) فيتلوه الطالب حتى إذا انتهى تلا الذي يليه وهكذا حتى يرجع الدور عليه منجديد فإن كان الحفظ كما تركه الشيخ لأول مرة واصل الطالب الكتابة والزيادة على حفظه وإن كان ( مهزوزاً ) أو تبدل الحفظ على ما علمه الشيخ أوقف الطالب عن الكتابة حتى يتمكن من المراجعة والتسميع من جديد على الشيخ ثم يجاز للكتابة من جديد إن وفق . يعتمد كثير من الحفاظ المراجعة المكثفة في أول سني حفظهم تصل إلى ختمة كل يومين وهو ما ينصح به المشائخ أهل الخبرة ثم يرجع الحال بعد سنتين أو نحوها إلى الاعتدال في أربعة أيام أو أسبوع ،وقد كان الأولون يحذرون الطالب من الفتح بالمصحف وإن توقف سنين عدداً بل يفاتح غيره من الطلبة أو الشيخ أو من مر به في الحلقة ولهذا كانوا ينصحون الطالب بالمراجعة في الكتاب في غير وقت التكتيب وبعض الخلوات تبنى بمساحةواسعة في الوسط - مثل البيوت العربية القديمة - لإعانة الطلبة على المراجعة بطريقة المشي والدوران ،فإنه أدفع للنعاس وأطرد للكسل وأعون على دوران الدم في الجسد وهو معين في المراجعة الطويلة ،وقد دأب الطلبة على المراجعة بالاقتران وهو أن يقرأ أحدهم ثُمن والآخر يسمع ويتابع ويتعاقبه بعد انتهائه والاقتران بالتجربة أعون لقطع المسافات والمفاوز فثلث القرآن يمر سريعاً كأنه ثلاثة أجزاء.

3 - يعتمد نظام التسميع للمحفوظ على الشيخ ويرد الطالب ويوقف عنالكتابة في الخطأ في الحركة في فتحة أو ضمة أو نحوها فإن كان الخطأ في بنية الكلمة أو في الآية فليس بذلك بحفظ وربما عنف الطالب تعنيفاً غليظاً ( إذا كان في عمر التعنيف) .
وهناك نوع آخر من التسميع يسلكه بعض الحفظة بعد اكتمال حفظهم القرآن في التسميع بالأجزاء على مشائخ معروفين أعلى طبقة من الذين قرأوا عليهم وعادة ما يتم بعد القلم الثاني .

4- التصفيات القرآنية :تبدأ كما ذكر الأخوة على مستوى المنطقة ثم على مستوى المدينة ثم على مستوى ليبيا فمن اختير للوفادة في الخارج سواء لدبي أو مصر أو إيران أو ماليزيا أو غيرها من بلاد الإسلام هم خيار من خيار من خيار !!

5 - عرف عن بعض المشائخ التفرغ التام احتساباً - للتحفيظ والتدريس والإملاء والتسميع طوال فترتين من بعد صلاة الفجر وحتى صلاة العشاء تفصله الصلوات أو حين يضع الشيخ ثيابه من الظهيرة !! وهذا يمكن الطالب من أخذ وقته مع الشيخ فمن كان يقرأ بأجرة لساعة من نهار فقل لي بربك : متى يأخذ كل طالب حقه ومستحقه من المشافهة والتلقين والتصحيح وغيرها !!

6- تقليل المحفوظ وإتقانه : لا يسمح الشيخ للطالب في الزيادة على الثُّمن في اليوم وهو - للأخوة المشارقة - ما يقارب الوجه أو أزيد قليلاً ،مهما كانت قابلية الطالب فقليل دائم خير من كثير منقطع ،وأحب العمل إلى الله أدومه وإنْ قلّ ،وأما التكرار فتتفاوت الهمم في ذلك والمعمول به هو تكرار الثمن بعد السبحة وعقدها ،فمنهم من يقرأ ثمنه مائة مرة أو خمسين أو أقل أو أكثر ،إلا أنه لا يعتمد على الاكتفاء بالقدرة على قراءة الثمن غيباً بل هو يتبع تكراراً معيناً فالأثمان مختلفة ،منها ما يُحفظ من عشر مرات أو نحوها ،ولكن عند التأمل فليس هذا بحفظ طويل الأمد ،فلابد للحافظ من تكرار لا يقل على الخمسين فما فوق قبل التسميع على الشيخ .

7- طول النفس في الحفظ :فنظام الثمن اليومي يختم القرآن كتابة وتسميعاً خلال سنتين تقريباً ( بنظام ثمن الحلقة كما ذكر أعلاه ) ،فأهل الدربة والاختصاص يوصون بالتمهل على هذا النظام فما حفظ سريعاً ذهب سريعاً !! وقد نزل القرآن في ثلاث وعشرين سنة وقرأه سيد الأنام وعرضه في سنوات. وهذا ما تراه في الحفظة اليانعين في مسابقة دبي فيحفظ الطفل دون العاشرة ولا زال حفظه غضاً طرياً ،ومخارجه غير مضبوطة وضبطه للحروف والكلمات غير متوازن ،وخبرته تحت الأضواء معدومة ،فاستعجل عليه أهله قبل القطاف فزجوا به في المسابقة قبل النضوج !! وعنده فرصة في عمره - إن نسأ الله له - مديدة عشر سنوات أو تزيد للإتقان والدربة والدراية فالنضوج النضوج فالمشي رويداً والمجيء في الأول .
وإذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده

8- الاعتناء بأصول الرواية وطرقها وما تنفرد به عن غيرها والتركيز في نظام التسميع بالأجزاء على المخارج والصفات ،وصقلها مع الاعتناء التام بالمتشابهات والطالب في هذا الدور يبدأ ربما في حفظ بعض المنظومات في المتشابه اللفظي .

9 - المكانة الاجتماعية لحافظ القرآن في المجتمع الليبي : فمما يفيد الطالب على المثابرة ويدفع فيه المصابرة ويحثه على المرابطة في الكتاب لساعات هي :
أولاً إخلاص النية لله عز وجل فيحفظه ،وابتغاء ما عند الله والدار الآخرة ،فلا يليق بمن ملأ القرآن قلبه أن يتلطخ بعرض دنيوي أو أي من هذه القاذورات ،فإذا كان هذا الجانب من الطالب مصاناً متفقداً منحين لآخر نفعه الله بما يلقاه من تبوأ مكانة رفيعة بين الناس فإن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين ،وإن الرجل يفعل الخير ابتغاء وجه الله ثم يثنى عليه الناس فتلك عاجل بشرى المؤمن .

10- البداءة من آخرالمصحف في الحفظ : يبدأ في الحفظ بقصار السور لسهولتها وقصرها وقلة تشابهها وسهولة رسم ألفاظها ،ثم يتدرج الطالب صاعداً ولا يبدأ عندنا من أول المصحف إلا في التسميع بالأجزاء أو القلم الثاني وما بعده .

11- ربط السور والجزء والأثمان بعضها ببعض في الحفظ :فالطالب حينما ينتهي من كتابة الثمن اليومي يكتب آية أو نحوها من أول الثمن التالي ويسمى عندنا بـ ( المبدأ ) وكذلك السور .

12- المعمول به في ليبيا أن الحفظ والمراجعة خطّان متوازيان ،فالحفظ متواصل ما دامت المراجعة للمحفوظ مستمرة ،فإن التوقف للمراجعة والتفرغ لها يؤخر الطالب عن الزيادة في محفوظه ،والحفظ بلا مراجعة نوع منالعبث فلا بد للطالب من الأمرين و التوازن بينهما . فثمرة النظام الثمني في الحفظ هي دوام المراجعة مع قوة المحفوظ ،وهذا ما دام الطالب محافظاً على التوازن فإذا اختلّ المحفوظ ترجّحت المراجعة دون الحفظ .

13- الالتزام بالأخذ عن شيخ واحد :
يوصي المشائخ بالأخذ والتلقي عن شيخ واحد في القلم الأول ،والالتزام بوجه واحد للرواية حتى الختم ،ثم إذا أراد الطالب أن يكتب قلماً ثانياً أو ثالثاً على غيره فلا بأس ،ولا ينصح بالشروع في تلقي الروايات إلا بعد أن يفرد بإتقان ختمة كاملة بإحدى الروايات المقروء بها .

14- أصول الرواية :
جرى العمل على تلقين الطالب أصول الرواية وما يتعلق بها مشافهة من الشيخ أثناء مجلس الإملاء ( التكتيب ) نظرياً بشرح موجز ،وعملياً بأداء الشيخ ،ثم يتدرب الطالب على ذلك في مراحل التصحيح والتسميع - أي القراءة على الشيخ بعد التصحيح و قبل الحفظ - .

15- يتلقى الطالب من الشيخ في مرحلة التصحيح ما نسميه بالأشباه والنظائر - أو المؤتلف والمفترق - ما بين السور والأثمان والآيات والأصول والفرش فهي معينة للطالب على الاستحضار وجودة الحفظ .
فتراكم المحفوظ من غير اعتناء بهذه النكت التي صقلها الأوائل بالتجارب وحسن بها حفظهم وتوارثوها كابراً عن كابر ؛يورث مشقة وعسراً على الطالب وربما ثبّط همته وأفضى به إلى الفشل والتكاسل .

من موقع : ملتقى الكتاتيب الليبية - يوسف المصراتي - وقمت بمراجعة المقال وأثبته في الموقع نفسه .
 
عودة
أعلى