سؤال : وصف الله عز وجل القران الكريم بأنه (كتاب ) باختلاف المواطن , ولم تكن بداية جمع القران في كتاب واحد إلا في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ..
- هل يصح القول :أن ذلك دلالة وإشارة إلى جمعه وحفظه ؟ مع أنه سبحانه قال ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ). عبر عنه ب ( الذكر ) عند التأكيد على حفظه ؟
- أو هل يمكن القول : بأن وصفه بالكتاب دلالة على أن حفظه يكون بالحفظ في الصدور والسطور؟
- وإن لم تصح الدلالة على ذلك فما سر وصف القران الكريم بأنه كتاب . قبل جمعه ؟ مع الإيمان بأن تعبير القران له سر وبلاغة وحكمة سواء علمناها أم لم نعلمها . لكن لعل الله منّ على من يشاء من عباده بفهم وعلم ببعض معاني كتابه. نسأل الله من فضله .
------------------------------ حال السائلة : ( ليتم على وفقه الإجابة على الأسئلة) - طالبة متخرجة من قسم الدراسات الاسلامية , وهذا لا يعني احتواء وفهم جميع ما دُرس , ولا يخفى حال طالب الجامعات لكل من درس ...لكن حسبنا قلب حوى القران ونريد قلبا يعي القران.. .يتعلمه ويعمل به ويعلمه نسأل الله من فضله .
القرآن الكريم مدون في اللوح المحفوظ قبل نزوله. وفي ليلة القدر نزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا. ثم نزل به جبريل عليه السلام مفرقاً مدة سنين. وعندما كان جبريل عليه السلام ينزل به كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستدعي من حضر من الكتاب ويملي عليهم ويتحقق من كتابتهم بأن يقرؤوا عليه ما كتبوا. لفظة كتاب تطلق على كل ما كتب حتى لو كان أسطراً. ويبدو أن الأخت الكريمة تظن أن كلمة كتاب لا تطلق إلا على الصحف المجموعة معاً في صيغة كتاب. القرآن من جهة كونه مقروءاً. والكتاب من جهة كونه مكتوباً. وعليه فقد نبه بعض المعاصرين إلى ضرورة الاهتمام بالمكتوب وصور الكتابة، لأن الرسم العثماني عند الجمهور هو توقيفي. (هناك نزاع حول مذهب الجمهور فاقتضى التنويه).
قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)) سورة الواقعة قال بن جرير رحمه الله تعالى: "وقوله:( فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) يقول تعالى ذكره: هو في كتاب مصون عند الله لا يمسه شيء من أذى من غبار ولا غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن حكيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) الكتاب الذي في السماء. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:( فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) قال: القرآن في كتابه المكنون الذي لا يمسه شيء من تراب ولا غبار. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) زعموا أن الشياطين تنزلت به على محمد، فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك، ولا تستطيعه، ما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا ، وهو محجوب عنهم، وقرأ قول الله( وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ) . حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن جابر بن زيد وأبي نهيك، في قوله:( فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) قال: هو كتاب في السماء."
ويؤكده قول الله تعالى: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) سورة الزخرف(4) قال بن جرير رحمه الله تعالى: "القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) } يقول تعالى ذكره: وإن هذا الكتاب أصل الكتاب الذي منه نسخ هذا الكتاب عندنا لعليّ: يقول: لذو علوّ ورفعة، حكيم: قد أحكمت آياته، ثم فصلت فهو ذو حكمة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، عن القاسم بن أبي بزة، قال: ثنا عروة بن عامر، أنه سمع ابن عباس يقول: أول ما خلق الله القلم، فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق، قال: والكتاب عنده، قال:( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ). يعني القرآن في أمّ الكتاب الذي عند الله منه نسخ. حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطية بن سعد في قول الله تبارك وتعالى:( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) يعني القرآن في أمّ الكتاب الذي عند الله منه نسخ. حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت مالكا يروي عن عمران، عن عكرمة( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا ) قال: أمّ الكتاب القرآن. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله:( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا ) قال: أمّ الكتاب: أصل الكتاب وجملته. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) : أي جملة الكتاب أي أصل الكتاب. حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) يقول: في الكتاب الذي عند الله في الأصل."
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سيدنا محمد و سلم تسليما
اعلم أن الوحي بوصفه مقروءا سمي قرآنا، و بوصفه مكتوبا سمي كتابا.. لذلك كان النبي يقرؤ صحابته ما نزل إليه ليعلموه و يعملوا به و يأمر كتبته بكتابته و يراجعهم في ذلك، لأن كتابته من تمام الوحي، إذ لو قيل لنا إنما فعل ذلك لحفظه لقلنا إن آي القرآن تدل على تكفل الله سبحانه بذلك.
و إن قيل أن الكتابة ليست من الوحي قلنا لماذا حرص الرسول صلى الله عليه و سلم على ذلك ؟ و هل فعل ذلك من عند نفسه أم وحيا ؟ فإن قيل لنا أن أمر كتابته كانت بوحي الله، كانت صفة الكتابة من تمام الوحي المنزل. و إن قيل لنا إن ذلك من عند نفسه كأن يكون خشي نسيان ذلك قلنا إن الذي أوحى لا ينسى و لا يسهى و هو جل شأنه يقول " إنا علينا جمعه و قرآنه" فليس على النبي ذلك. و الثاني أنه لو كان من عند نفسه لكان الله تعالى أخبر عن ذلك في كتابه إذ الواضح أنه أخبر عن ما هو أدق من ذلك، حين أخبر عن تعجله في إقرائه عليه السلام فقال " لا تحرك به لسانك لتعجل به".
ثم إن الله سبحانه و تعالى لما أنزل وحيه على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم أمره أن : اقرأ بسم ربك الذي خلق خلق الإنسن من علق، اقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم.. فجمع بين القراءة و القلم.. لماذا ؟
و لعلي أسأل الأخ الفاضل أبو سعد الغامدي عن قوله تعالى : ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ )، أهو من باب الأمر أم من باب القضاء ؟ فالواضح أن الآية تفهم من الوجهين.
و لعلي أسأل الأخ الفاضل أبو سعد الغامدي عن قوله تعالى : ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ )، أهو من باب الأمر أم من باب القضاء ؟ فالواضح أن الآية تفهم من الوجهين.
حياك الله أخي الفاضل وبياك
سؤالك جوابه في كتب التفسير عموما ، وكتب الأحكام منها على وجه الخصوص وما ترجح لديك من أقوال أهل العلم في المسألة فقل به واعمل ولا تثريب عليك ، , وإن أحببتَ أن أذكر لك أقوال أهل العلم في المسألة فعلت.
غفر الله لي ولك.
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سيدنا محمد و سلم تسليما
من ابن سعد إلى أبي سعد، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أرى أن بيان ذلك من تمام فضلك علي جزاك الله خيرا أخي أبو سعد.. فإن قدمت لنا ملخصا عن أقوال أهل العلم في المسألة أكون لك ممنونا..
يغفر الله لي و لكم
أخي الفاضل عمارة هذا كلام الشوكاني رحمه الله تعالى في كتابه " نيل الأوطار" حيث تناول حكم المسألة من الناحية الحديثية والتفسيرية والأصولية فأرجو أن تجد فيه بغيتك.
قال الشوكاني رحمه الله تعالى:
" وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان فيه لا يمس القرآن إلا طاهر )
رواه الأثرم والدارقطني وهو لمالك في الموطأ مرسلا عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : ( أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهرا ) وقال الأثرم : واحتج أبو عبد الله يعني أحمد بحديث ابن عمر : ( ولا يمس المصحف إلا على طهارة )
- الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في الخلافيات والطبراني وفي إسناده سويد بن أبي حاتم وهو ضعيف
وذكر الطبراني في الأوسط أنه تفرد به وحسن الحازمي إسناده وقد ضعف النووي وابن كثير في إرشاده وابن حزم حديث حكيم بن حزام وحديث عمرو بن حزم جميعا
وفي الباب عن ابن عمر عند الدارقطني والطبراني قال الحافظ : وإسناده لا بأس به لكن فيه سليمان الأشدق وهو مختلف فيه رواه عن سالم عن أبيه ابن عمر قال الحافظ : ذكر الأثرم أن أحمد احتج به
وفي الباب أيضا عن عثمان ابن أبي العاص عند الطبراني وابن أبي داود في المصاحف وفي إسناده انقطاع . وفي رواية الطبراني من لا يعرف وعن ثوبان أورده علي بن عبد العزيز في منتخب مسنده وفي إسناده حصيب بن جحدر وهو متروك . وروى الدارقطني في قصة إسلام عمر أن أخته قالت له قبل أن يسلم : إنه رجس ولا يمسه إلا المطهرون قال الحافظ : وفي إسناده مقال وفيه عن سلمان موقوفا أخرجه الدارقطني والحاكم وكتاب عمرو بن حزم تلقاه الناس بالقبول
قال ابن عبد البر : إنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول وقال يعقوب بن سفيان : لا أعلم كتابا أصح من هذا الكتاب فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم . وقال الحاكم : قد شهد عمر بن عبد العزيز والزهري لهذا الكتاب بالصحة
والحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرا ولكن الطاهر يطلق بالاشتراك على المؤمن والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ومن ليس على بدنه نجاسة
ويدل لإطلاقه على الأول قول الله تعالى { إنما المشركون نجس } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي هريرة ( المؤمن لا ينجس ) وعلى الثاني { وإن كنتم جنبا فاطهروا } وعلى الثالث قوله صلى الله عليه وآله وسلم في المسح على الخفين ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) وعلى الرابع الإجماع على أن الشيء الذي ليس عليه نجاسة حسية ولا حكمية يسمى طاهرا وقد ورد إطلاق ذلك في كثير فمن أجاز حمل المشترك على جميع معانيه حمله عليها هنا
والمسألة مدونة في الأصول وفيها مذاهب . والذي يترجح أن المشترك مجمل فيها فلا يعمل به حتى يبين وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز للمحدث حدث أكبر أن يمس المصحف وخالف في ذلك داود
( استدل المانعون للجنب ) بقوله تعالى { لا يمسه إلا المطهرون } وهو لا يتم إلا بعد جعل الضمير راجعا إلى القرآن والظاهر رجوعه إلى الكتاب وهو اللوح المحفوظ لأنه الأقرب والمطهرون الملائكة ولو سلم عدم الظهور فلا أقل من الاحتمال فيمتنع العمل بأحد الأمرين ويتوجه الرجوع إلى البراءة الأصلية ولو سلم رجوعه إلى القرآن على التعيين لكانت دلالته على المطلوب وهو منع الجنب من مسه غير مسلمة لأن المطهر من ليس بنجس والمؤمن ليس بنجس دائما لحديث ( المؤمن لا ينجس ) وهو متفق عليه فلا يصح حمل المطهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية بل يتعين حمله على من ليس بمشرك كما في قوله تعالى { إنما المشركون نجس } لهذا الحديث ولحديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو ولو سلم صدق اسم الطاهر على من ليس بمحدث حدثا أكبر أو أصغر فقد عرفت أن الراجح كون المشترك مجملا في معانيه فلا يعين حتى يبين . وقد دل الدليل ههنا أن المراد به غيره لحديث ( المؤمن لا ينجس ) ولو سلم عدم وجود دليل يمنع من إرادته لكان تعيينه لمحل النزاع ترجيحا بلا مرجح وتعيينه لجميعها استعمالا للمشترك في جميع معانيه وفيه الخلاف ولو سلم رجحان القول بجواز الاستعمال للمشترك في جميع معانيه لما صح لوجود المانع وهو حديث ( المؤمن لا ينجس ).
واستدلوا أيضا بحديث الباب وأجيب بأنه غير صالح للاحتجاج لأنه من صحيفة غير مسموعة وفي رجال إسناده خلاف شديد ولو سلم صلاحيته للاحتجاج لعاد البحث السابق في لفظ طاهر وقد عرفته
قال السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير : إن إطلاق اسم النجس على المؤمن الذي ليس بطاهر من الجنابة أو الحيض أو الحدث الأصغر لا يصح لا حقيقة ولا مجازا ولا لغة صرح بذلك في جواب سؤال ورد عليه فإن ثبت هذا فالمؤمن طاهر دائما فلا يتناوله الحديث سواء كان جنبا أو حائضا أو محدثا أو على بدنه نجاسة
( فإن قلت : ) إذا تم ما تريد من حمل الطاهر على من ليس بمشرك فما جوابك فيما ثبت في المتفق عليه من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة ) إلى قوله ( مسلمون ) مع كونهم جامعين بين نجاستي الشرك والاجتناب ووقوع اللمس منهم له معلوم . ( قلت : ) اجعله خاصا بمثل الآية والآيتين فإنه يجوز تمكين المشرك من مس ذلك المقدار لمصلحة كدعائه إلى الإسلام ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنه قد صار باختلاطه بغيره لا يحرم لمسه ككتب التفسير فلا تخصص به الآية والحديث . إذا تقرر لك هذا عرفت عدم انتهاض الدليل على منع من عدا المشرك وقد عرفت الخلاف في الجنب . وأما المحدث حدثا أصغر فذهب ابن عباس والشعبي والضحاك وزيد بن علي والمؤيد بالله والهادوية وقاضي القضاة وداود إلى أنه يجوز له مس المصحف
وقال القاسم وأكثر الفقهاء والإمام يحيى : لا يجوز واستدلوا بما سلف وقد سلف ما فيه.