وسائل العرب في التفريق بين ضمائر المخاطب المذكر والمخاطبة المؤنثة

إنضم
22/03/2012
المشاركات
288
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
القاهرة
من "الكتاب" لسيبويه، تحقيق الشيخ عبد السلام هارون، دار الجبل، بيروت.
***​
(هذا باب الكاف التي هي علامة المضمر)
اعلم أنها في التأنيث مكسورة وفي المذكر مفتوحة وذلك قولك: رأيتك للمرأة ورأيتك للرجل، والتاء التي هي علامة الإضمار كذلك تقول: ذهبتِ للمؤنث وذهبتِ للمذكر.
فأما ناسٌ كثير من تميم وناسٌ من أسد فإنهم يجعلون مكان الكاف للمؤنث الشين، وذلك أنهم أرادوا البيان في الوقف؛ لأنها ساكنة في الوقف، فأرادوا أن يفصلوا بين المذكر والمؤنث وأرادوا التحقيق والتوكيد في الفصل؛ لأنهم إذا فصلوا بين المذكر والمؤنث بحرف كان أقوى من أن يفصلوا بحركة، فأرادوا أن يفصلوا بين المذكر والمؤنث بهذا الحرف كما فصلوا بين المذكر والمؤنث بالنون حين قالوا: ذهبوا وذهبن، وأنتم وأنتن. وجعلوا مكانها أقرب ما يشبهها من الحروف إليها؛ لأنها مهموسة كما أن الكاف مهموسة، ولم يجعلوا مكانها مهموساً من الحلق؛ لأنها ليست من حروف الحلق. وذلك قولك: إنشِ ذاهبة، ومالشِ ذاهبة؟ تريد إنكِ، وما لكِ؟
واعلم أن ناساً من العرب يلحقون الكاف السين؛ ليبينوا كسرة التأنيث، وإنما ألحقوا السين؛ لأنها قد تكون من حروف الزيادة في استفعل، وذلك أعطيتكِسْ وأكرمكِسْ. فإذا وصلوا لم يجيئوا بها؛ لأن الكسرة تبين.
وقومٌ يلحقون الشين؛ ليبينوا بها الكسرة في الوقف كما أبدلوها مكانها للبيان وذلك قولهم: أعطيتكِشْ وأكرمكِشْ. فإذا وصلوا تركوها، وإنما يلحقون السين والشين في التأنيث؛ لأنهم جعلوا تركهما بيان التذكير.
واعلم أن ناساً من العرب يلحقون الكاف التي هي علامة الإضمار إذا وقعت بعدها هاء الإضمار ألفاً في التذكير وياءً في التأنيث؛ لأنه أشد توكيداً في الفصل بين المذكر والمؤنث كما فعلوا ذلك حيث أبدلوا مكانها الشين في التأنيث، وأرادوا في الوقف بيان الهاء إذا أضمرت المذكر؛ لأن الهاء خفية، فإذا ألحق الألف بيَّن أن الهاء قد لحقت. وإنما فعلوا هذا بها مع الهاء؛ لأنها مهموسة كما أن الهاء مهموسة، وهي علامة إضمار كما أن الهاء علامة إضمار. فلما كانت الهاء يلحقها حرف مد ألحقوا الكاف معها حرف مد، وجعلوهما إذا التقيا سواء وذلك قولك: أعطيكِيها وأعطيكِيه للمؤنث، وتقول في التذكير: أعطيكَاه وأعطيكَاها.
وحدثني الخليل أن ناساً يقولون: ضربتيه، فيلحقون الياء، وهذه قليلة.
وأجود اللغتين وأكثرهما أن لا تلحق حرف المد في الكاف، وإنما لزم ذلك الهاء في التذكير كما لحقت الألف الهاء في التأنيث والكاف والتاء لم يفعل بهما ذلك، وإنما فعلوا ذلك بالهاء لخفتها؛ لأنها نحو الألف.

(هذا باب ما يلحق التاء والكاف اللتين للإضمار إذا جاوزت الواحد)
فإذا عنيت مذكرين أو مؤنثين ألحقت ميماً تزيد حرفاً كما زدت في العدد، وتلحق الميم في التثنية الألف وجماعة المذكرين الواو. ولم يفرقوا بالحركة وبالغوا في هذا، فلم يزيدوا لما جاوزوا اثنين شيئاً؛ لأن الاثنين جمع كما أن ما جاوزهما جمع؛ ألا ترى أنك تقول: ذهبنا فيستوي الاثنان والثلاثة، وتقول: نحن، فيهما. وتقول: قطعت رءوسهما.
وذلك قولك: ذهبتما وأعطيتكما وأعطيتكمو خيراً، وذهبتمو أجمعون.
وتلزم التاء والكاف الضمة وتدع الحركتين اللتين كانتا للتذكير والتأنيث في الواحد؛ لأن العلامة فيما بعدها والفرق، فألزموها حركة لا تزول. وكرهوا أن يحركوا واحدة منهما بشيء كان علامة للواحد حيث انتقلوا عنها، وصارت الأعلام فيما بعدها. ولم يسكنوا التاء؛ لأن ما قبلها أبداً ساكن، ولا الكاف؛ لأنها تقع بعد الساكن كثيراً، ولأن الحركة لها لازمة مفردة فجعلوها كأختها التاء.
قلت: ما بالك تقول: ذهبن وأذهبن، ولا تضاعف النون. فإذا قلت: أنتن، وضربكن- ضاعفت؟ قال: أراهم ضاعفوا النون ههنا كما ألحقوا الألف والواو مع الميم وقالوا: ذهبن؛ لأنك لو ذكرت لم تزد إلا حرفاً واحداً على فعل فلذلك لم يضاعف، ومع هذا أيضاً أنهم كرهوا أن يتوالى في كلامهم في كلمة واحدة أربع متحركات أو خمس ليس فيهن ساكن نحو ضربكن ويدكن وهي في غير هذا ما قبلها ساكن كالتاء، فعلى هذا جرت هذه الأشياء في كلامهم.
 
عودة
أعلى