ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر: آلهة قوم نوح ثم عبدتها العرب ؟

إنضم
18/12/2011
المشاركات
1,302
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
الإقامة
أنتويرب
كتب أخي ابو يوسف السلفى في "ملتقى مقاومي التنصير"
وداً وسُواعاً ويغوثَ ويعوقَ ونسراً
ملتقى رد الشبهات حول القران الكريم
ما يلي:
:يقول: بانَ للعقل الإسلامي أن وداً وسُواعاً ويغوثَ ويعوقَ ونسراً كانت الأوثان التي تعبد في الجزيرة العربية زمن البعثة المحمدية ، وعجز العقل الإسلامي عن أن يفهم الصلة بين هذه الأوثان وبين نوح عليه السلام حتى تجيء في قصته ، فالدنيا خربت في زمن نوح بالطوفان , فكيف بقيت تلك الأصنام؟(810).

-الجواب:
نسأل: مَن قال إن الدنيا خربت؟ إنما هلك كل الناس إلا من كان في السفينة ، وأما بقاء الأصنام وغيرها من الجمادات فهو غير مستبعد.

قال القرطبي : (عن ابن عباس: إن نوحا عليه السلام كان يحرس جسد آدم عليه السلام , على جبل بالهند, فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره, فقال لهم الشيطان: إن هؤلاء يفخرون عليكم، ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم , وإنما هو جسد , وأنا أصور لكم مثله تطوفون به. فصور لهم هذه الأصنام الخمسة ، وحملهم على عبادتها, فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء, فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب) (811).


http://vb.tanseerel.com/showthread.php?t=17151

فقلتُ الجواب ضعيف جدا بل خرافي أو خيالي في أحسن الأحوال ، لأن قوله حفظ الجمادات لا يستبعد، هو قول لا يقدم ولا يؤخر ، فالمستبعد هو من جهة زوال المعرفة بزوال من يحملها ، وأسماء الأشياء معرفة ، وعلاقة الإنس بتلك الأشياء معرفة ، إلا في حالة يمكن لنا تخيلها : نقش قوم نوح أسماء تلك الأصنام عليها بلغة يفهمها العرب فكانت عوامل التعرية فاستخرج العرب هذه الأجسام فجعلوها آلهة ، بل ستكون لهم مبررات أن الآلهة خرجت وعرفت بنفسها ؛ أو أي حاجة أخرى ، غير قصة الشيطان إبليس تمثل لهم بشرا ناطقا يقول لهم : تعالوا يا علماء الحفريات، احفروا وانبشوا هنا ، واستخرجوا آلهتكم !

وقوله "فلم تزل مدفونة" قول مبني على اسرائيليات متتابعة، سأذكرها لاحقا. المهم هو كيف قبلها الإمام القرطبي رحمه الله ؟ وجوزها ومررها ؟

قال شمس الدين القرطبي: (قوله تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا} قال ابن عباس وغيره: هي أصنام وصور، كان قوم نوح يعبدونها ثم عبدتها العرب. وهذا قول الجمهور. وقيل: إنها للعرب لم يعبدها غيرهم).

أنها للعرب لم يعبدها غيرهم، تمشي وتركب بسلام، والحجة حينها قوله (ويكون معنى الكلام كما قال قوم نوح لأتباعهم: {لا تذرن آلهتكم} قالت العرب لأولادهم وقومهم: لا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا؛ ثم عاد بالذكر بعد ذلك إلى قوم نوح عليه السلام) ويكون الكلام بعدئذ في المناسبة فقط.

إن صح فهو الصحيح ويتعذر الجمع، لأن الإختلاف هاهنا إختلاف تضاد لا تنوع.

وقول الجمهور يمشي لكن بشرط هو عدم محاولة إزالة الإشكال بالخرافات والإسرائيليات .

وكيف ذلك ؟

تفسير القرطبي: http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=48&surano=71&ayano=24
 
سأنقل نصا من " قراءة في الاصل اللغوي في التاريخ السومري: آلهة قوم نوح في القرآن الكريم" كتبه الأستاذ م. د. عادل هاشم علي ، كلية الآداب - جامعة البصرة، للتعليق على بعض ما جاء فيه، ثم نستمر في إخضاع "قول الجمهور" كما حكاه الإمام القرطبي لقواعد الجمهور في تأويل القرآن؛ قال الأستاذ عادل هاشم:
https://www.academia.edu/33509901/ا....pdf_قراءة_في_الاصل_اللغوي_في_التاريخ_السومري

[....]
لا يكاد يختلف أرباب التفسير حول معنى هذه الأسماء ومصدرها الذي اشتقت منه للعبادة. وأغلب هذه التفاسير لم تستند إلى دراسة اللغات القديمة أو مكتشفات علم الآثار الذي يساعد على توضيح المعنى الحقيقي للآية من خلال معاصرة النص الآثاري للحدث التاريخي؛ وهذا الأمر ليس بمعيب على أصحاب التفاسير لأن علم اللغات القديمة ومكتشفات علم الآثار من العلوم الحديثة التي تبلورت بصورة عملية في بدايات القرن العشرين. وهو بذلك بعيد عن متناول العلماء من المسلمين الذين أسسوا لعلم التفسير.

[....]

أيا EA = يغوث
إتصف المعبود أيا (بالاكدية إنكي En Ki)
[14] بكونه إله الأرض والمياه العميقة (البحار) ومعنى اسمه بالسومرية بيت الماء (أصل الحياة) ، وقد أضاف عليه العراقيون القدماء صفة الحكمة فاعتبر الاله المشافي والمعافي من الامراض والمنجي من الهلكات وهو أيضا اله الحكمة [15]. وقد اعتقد السومريون بان هذا المعبود قد اسس للبشرية معالم الحضارة وملأ لهم الأنهار بالاسماك وعلم البشر مهنة الزراعة التي هي مصدر قوت المجتمع آنذاك[16]. ومن ألقابه الواردة في النصوص "إله الحكمة" . "سيد الأسرار" . "حكيم الآلهة" . "ملهم الصناع" . "معلم الحرفيين" وكل هذه النعوت تشير إلى العلاقة النفعية التي عبد على أساسها الإله ( أيا ) عند السومريين لاعتقادهم بأنه أكثر الالهة مساعدة وعونا وغوثا للبشر[17].

كما نجد صفة الاغاثة والمساعدة من هذا المعبود للناس واضحة في الاسطورة التي تحدثت عنه وهي اسطورة إنكي تنظيم الكون والمتكونة من 466 سطر ، نقرأ منها مثلا في السطر 89-99 ما نصه:
بأوامري بنيت مراعي الأغنام وشيّدت حضائر الأبقار المسيجة
عندما التفت إلى السماء ، انهمرت الامطار الغزيرة من السماء
تحولت تلقاء الارض جمعت اسماك الشبوط على السطح
بكلمتي تراكمت اكداس المخزونات والصوامع ...
[18]

وفي نص مسماري آخر أشارت اسطورة أدبا إلى أن الإله ( أيا ) هو الذي دافع عن مدينته "أريدا ملها أدابا" عندما أراد بهم كبير الآلهة سوءا
[19].

هذه الصفات التي اجتمعت في هذا المعبود جعلت البشر العابدين له في ذلك الوقت ينظرون اليه بأنه دائما ما يساعد و (يغيث) الناس ويقف إلى جانبهم في حالات غضب الآلهة الأخرى عليهم. وأوضح إشارة إلى ذلك ما ورد في ملحمة الطوفان المسمارية إلى هذا المعنى
[....]

إذن فمن الممكن أن تكون صفة الإغاثة والإعانة التي أضفاها قوم نوح على هذا الإله [21] استخدمت في الخطاب القرآني لتقريب المعنى المنشود للعرب وقريش بصورة خاصة ؛ بعبارة أخرى أن لفظة الإله ( أيا ) كانت مبهمة على مسامع العرب قديما لأنها كلمة تنتمي إلى لغة مندثرة في ذلك الوقت ولم يكن أحد يتداولها أو له معرفة بها ، إذ أن اللغة السومرية لغة لا تنتمي إلى أي من العوائل اللغوية القديمة أو الحديثة [22]. لذا فإن الخطاب القرآني قد استخدم صفة المعبود التي عبد على أساسها وأوردها ضمن السياق القرآني المفهوم للعرب بصورة عامة.

[....]

كلمة أخيرة:
البحث محاولة على الطريق لتأسيس منهج لفهم التاريخ القديم والحدث التاريخي في القرآن الكريم والتدبر فيه بالتوافق مع النصوص والنقوش الآثارية المكتشفة والتي يتم اكتشافها من حين إلى آخر.

وقد تتضح الصورة للقارئ عن فكرة البحث ولكن -- من جانبي -- لا ألزمه الأخذ بها، لأني إن كنت مخطئا فإني لا أريد أن أحمل وزر ذنبه معي، وإن كنت مصيبا فمن الله الواحد الأحد التوفيق والسداد. لذا أترك الرأي للقارئ وأكتفي بصدق نيتي. على أمل أن يصوب أو يقوم أو يكمل المختصين هذا التوجه في الدراسة.
 
كيف دخلت هذه الأصنام إلى بلاد العرب ؟؟ يضيف الشيخ الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير 209/9 , وجها جديدا يفسر به كيفية دخول هذه الأصنام " ود , وسواع, ويغوث, ويعوق , ونسرا" , إلى بلاد العرب , فيقول : " فالأحسن ما رآه بعض المفسرين وما نريده بيانا: أن أصنام قوم نوح قد دثرت وغمرها الطوفان وأن أسماءها بقيت محفوظة عند الذين نجوا مع نوح من المؤمنين فكانوا يذكرونها ويعظون ناشئتهم بما حل بأسلافهم من جراء عبادة تلك الأصنام، فبقيت تلك الأسماء يتحدث بها العرب الأقدمون في أثارات علمهم وأخبارهم، فجاء عمرو بن لحي الخزاعي الذي أعاد للعرب عبادة الأصنام فسمى لهم الأصنام بتلك الأسماء وغيرها فلا حاجة بالمفسر إلى التطوح إلى صفات الأصنام التي كانت لها هذه الأسماء عند العرب ولا إلى ذكر تعيين القبائل التي عبدت مسميات هذه الأسماء.". وهو حمل وجيه جدا , إذ أن الشعوب تظل تحتفظ بموروثاتها , وخاصة العقدية منها , سواء على سبيل التمجيد والإشادة , أو على سبيل التحذير, والتذكير, من الردة إليها مرة أخرى.. فقد يكون المؤمنون الذين نجوا من الطوفان , ظلوا يحكون أصل قصة " الأصنام " اللواتي أضللن كثيرا من الخلق , حتى أن إصرار القوم على الكفر بالتمادي في عبادتها , كانت السبب الرئيس في وقوع حادثة " الطوفان" , الذي طوى صفحة قوم نوح العتيدة إلى الأبد !!! قد يعترض البعض على "فرضية" الشيخ ابن عاشور , بأنها من قبيل " التخريجات العقلية" التي لايسندها النص, ولاتحف بها الوقائع الثابتة !! لكنها بكل الأحوال تبقى أقرب إلى " المعقولية" من التفاسير " الإسرائلية" , ومن الفرضيات - الظنية - التي لاتثبت أمام الإنتقادات , مثل كون الشيطان دل الناس على "ركاز" هذه الأصنام في جوف الأرض, بعدما طمرها الطوفان !!أو إفتراض أن قوم نوح قد تركوا حفريات , وكتابات على الكهوف , والجدران , شرحوا فيها طبيعة هذه الأصنام , ووظائفها !!أو إسقاط صفات تخص " آالهة " في التاريخ البشري , على هذه الأصنام بعينها , لمجرد التشابه في التوصيف !!مع أن القرآن الكريم إطلق أسماء هذه الأصنام كأسماء " أعلام " , كما كما تحدث عن أصنام أخرى , مثل " اللات , والعزى, ومناة " والله أعلم , وصلى الله على محمد وآله وسلم.
 
مسعود محمد محمود: قد يعترض البعض على "فرضية" الشيخ ابن عاشور , بأنها من قبيل " التخريجات العقلية" التي لايسندها النص, ولاتحف بها الوقائع الثابتة !! لكنها بكل الأحوال تبقى أقرب إلى " المعقولية" من التفاسير " الإسرائلية" , ومن الفرضيات - الظنية - التي لاتثبت أمام الإنتقادات.

جزاك الله خيرا أخي الأستاذ مسعود، لكن قولك "فرضيات ظنية" قول ضعيف، بل إنها خرافات وأساطير خيالية. وأما الإسرائيليات في هذا السياق فموجودة في الخلفية ، في تصور الشيطان، وكذا في تصور الطوفان بشكل خاص على أنه قد عم الأرض كلها ؛ إذ حتى العلامة الطاهر بن عاشور المعروف بتشدده العلمي في التحقيق قد ذهب هذا المذهب الغريب للأسف، وهو تأويل لا يمكن قبوله إلا إذا كان الطوفان "معجزة" لكن المعجزة بحكم التعريف أمر خارق للعادة يظهره الله على يد نبي تأييدا له وتعجيزا للمكذبين، فهل كان المطلوب أن يأتي المكذبون بطوفان ؟

أشياء غريبة تقال في التفاسير وفي كثير من الأحيان يحكي أحدهم حكاية، يأتي من بعده يحكيها ، فتتكرر وتستمر. والمشكل هنا أن الزنادقة من المكذبين والطاعنين، معهم المنصرين وغيرهم، يفتحون التفاسير بحثا عن شيء يعضون عليه عضا، ويقول لك: هذا فهم المفسرين؛ أنا مليش دخل بالموضوع، إذن القرآن فيه هذه وتلك، فيكون قول المفسر حينها فذلكة للترقيع والإصلاح، فيخرجه على هذا النحو ممزوجا بكلام ظاهره مسحور بالتركيب العلمي.

فكيف يكون الرد؟ إن المفسرين لم يتفقوا على المنهج للتفسير عامة وعلى القواعد خاصة إلا ليقولوا لك من هنا الطريق للحكم على تفسيري واجتهادي وظنوني وأوهامي وخيالاتي!

وهناك أشياء لا يمكن أن نقبلها حتى لو صدرت عن ابن عباس وعكرمة، بل ومجاهد معهم، والدليل بالمثال المشهور:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه حديث أبي هريرة : قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِى فَقَالَ : (خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ فِيهَا يَوْمَ الاِثْنَينِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَق آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْخَلْقِ فِى آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ).

حكم الإمام البخاري وغيره أنه من كلام كعب الأحبار.

حتى لا يأتي أحد ويقول لك: الكلام في حكم المرفوع، لأنه في أمر غيبي. لا تمشي ولا تركب، فالكلام في الغيبيات يمكن أن يكون مبنيا على حكايات شعبية يتم ربطها توهما بتأويل لكلام الله مثل حكاية الطير الأبابيل لها خراطيم كخراطيم الفيل وأكف كأكف الكلاب وأنها كانت تعشش ما بين السماء والأرض وكانت طيرا خضرا لها رؤوس كرؤوس السباع، أو إسرائيليات، أو تأويل شخصي ينفرد به قائله. لم لا؟

قال الأستاذ عادل هاشم: (وأغلب هذه التفاسير لم تستند إلى دراسة اللغات القديمة أو مكتشفات علم الآثار الذي يساعد على توضيح المعنى الحقيقي للآية من خلال معاصرة النص الآثاري للحدث التاريخي).

فقلت: هذا كلام غير صحيح، والذي يقول أن في القرآن آيات مبهمة لم تكن مفهومة للعرب وفق لغتهم ومعهودهم في الكلام، يلزمه الدليل أولا، ثم تأويل ظاهر الآيات التي نفهم منها أن القرآن بلسان عربي مبين لعلهم يفقهون ولعلهم يعقلون ولعلهم يتذكرون، تأويلا يناسب ما به استدل على فرضيته. وعليه فإن المستفاد من دراسة اللغات القديمة أو مكتشفات علم الآثار لا يمكن إلا أن يكون شيئا نؤكد به ما صح من التفاسير أو شيئا يوسع المعنى فيأتي بما لا يؤدي إلى معارضة ما صح من التفاسير مع عدم الجزم به كما قال الأستاذ في كلمته الأخيرة.

والمهم في كلامه هو قوله هذا:
إذن فمن الممكن أن تكون صفة الإغاثة والإعانة التي أضفاها قوم نوح على هذا الإله [21] استخدمت في الخطاب القرآني لتقريب المعنى المنشود للعرب وقريش بصورة خاصة ؛ بعبارة أخرى أن لفظة الإله ( أيا ) كانت مبهمة على مسامع العرب قديما لأنها كلمة تنتمي إلى لغة مندثرة في ذلك الوقت ولم يكن أحد يتداولها أو له معرفة بها ، إذ أن اللغة السومرية لغة لا تنتمي إلى أي من العوائل اللغوية القديمة أو الحديثة [22]. لذا فإن الخطاب القرآني قد استخدم صفة المعبود التي عبد على أساسها وأوردها ضمن السياق القرآني المفهوم للعرب بصورة عامة.

والذي لا يقبله أخي مسعود بقوله: أو إسقاط صفات تخص " آلهة " في التاريخ البشري , على هذه الأصنام بعينها , لمجرد التشابه في التوصيف !!مع أن القرآن الكريم إطلق أسماء هذه الأصنام كأسماء " أعلام " , كما كما تحدث عن أصنام أخرى , مثل " اللات , والعزى, ومناة ".

ولاشك أنها "أسماء" لكن هذا الإعتراض لا يقدم ولا يؤخر في شيء إلا إذا قلنا بعجمة مثل هذه الأسماء. وهذا قول يمكن أن يفضي إلى نفي عبادة العرب لهذه الآلهة ، إلا إذا وجد الدليل، فأين هو ؟ كما هو الحال مع "إبراهيم" لا توجد كلمة عربية على وزن "إفعاليل"، ولا على وزن "إفعالال" عند من قرأها "إبراهام" بل إن هذا التنوع دليل إضافي على عجمتها إذ هكذا تتكون الألفاظ الدخيلة غالبا ما تتشكل بصيغ صوتية متنوعة.

فالدليل أخي مسعود بالقراءات وباللغة، فهل معك ما تستدل به، أم أستمر أنا ؟

حياك الله.
 
من عادة النظار والمحققين في التفسير الإنتباه إلى ما في الأقوال من مشكلات، وفي هذا الصدد قال فخرالدين الرازي رحمه الله:

( هذه الأصنام الخمسة كانت أكبر أصنامهم، ثم إنها انتقلت عن قوم نوح إلى العرب؛ فكان ود لكلب، وسواع لهمدان، ويغوث لمذحج، ويعوق لمراد، ونسر لحمير ولذلك سمت العرب بعبد ود، وعبد يغوث. هكذا قيل في الكتب ، وفيه إشكال لأن الدنيا قد خربت في زمان الطوفان، فكيف بقيت تلك الأصنام، وكيف انتقلت إلى العرب ؟ ولا يمكن أن يقال: إن نوحا عليه السلام وضعها في السفينة وأمسكها لأنه عليه السلام إنما جاء لنفيها وكسرها فكيف يمكن أن يقال إنه وضعها في السفينة سعيا منه في حفظها ).

فقال جمال الدين القاسمي في محاسن التأويل: ( وعجيب من الرازي أن لا يجد مخرجا من سؤاله وهو على طرف الثمام ).

ومن عجائب ابن عجيبة قوله: ( فلما أهلك الله الأرض ومَن عليها بالطوفان، قذف الطوفان تلك الأصنام إلى أرض جُدة وما والاها من مكة، وأخفتها الرمال هناك ). فلنحاول تصوير المشهد بغية حصر الغرائب والعجائب التي يصعب حصرها لكن سنحاول:

عم الطوفان الأرض كلها ولا تصح كل تلك الألوف من الإعتراضات العلمية (من علوم الأرض والبحار والمحيطات والآثار وغير ذلك) كما لا تصح الإعتراضات الأخلاقية لأن الذين لم تصلهم رسالة نوح عليه السلام سيبعثون على نياتهم، والإعتراضات من علوم الأحياء، كذلك لا تصح، فلا يصح إلا الصحيح وهو أن الطوفان "معجزة" أعجز الله بها المكذبين ولم يفلح أحد منهم في الإتيان بمثل هذا الطوفان. قذف هذا الطوفان أصنام قوم نوح إلى أرض العرب فدفنها الطين والتراب والماء والرمال والكبريت والنفط والزعفران؛ ولأن عملية قذف هذه الأصنام أيضا "أعجوبة" خارقة للعادة فإن تلك الأصنام مصنوعة بمادة لا تتحطم ولا تتأثر بالعوامل الطبيعية (سبق تكنولوجي رهيب) ثم إنها قذفت مجموعة إلى أرض العرب ولم يقذف صنم يعوق مثلا إلى الصين والثاني إلى المحيط الهندي وهكذا، بل كانت مصفدة ومصنوعة بمادة تطفو كي ترسى على اليابسة في أرض العرب، ثم تدفن هناك في الرمال والتراب وغيرها، ولا نقول في داخل طبقات الأرض لنسهل المأمورية على شخصية أخرى ستظهر بعد ألوف السنين إذ ستحدث أعجوبة أخرى. هنالك تمثل إبليس للعرب بشرا ناطقا "يعلمهم" شيئا من الاركيولوجيا وأخبار السابقين و "يصحح" لهم ما تناقلته الأجيال من أخبار وأحوال قوم نوح، وهو يقول لهم: هذه هي تلك الآلهة فاسمعوا قصتها، واعبدوها، ولأن الأخبار المشوشة المحرفة التي وصلتهم عن أصنام عهد الطوفان فيها بعض المتشابهات من قبيل كان شكل إله من تلك الآلهة يشبه الطير، فأصابتهم الدهشة لدقة معرفة إبليس بل إنه يعرف أين دفنت بل يعرف كيف نستخرجها : عجبا، هذا الرجل العالم لا يمكن إلا أن يقول الحقيقة، فكيف إذا أضفنا إلى هذا حقيقة عبادته هو لهذه الآلهة؟ فحدثت ثورة ثقافية معرفية ووصلت الأخبار إلى القبائل العربية، ثم حصل النزاع فالإقتتال كل قبيلة تريد الظفر بهذه الآلهة، حتى اجتمعت القبائل القوية واتفقوا على توزيع الثروة واظطهاد القبائل الضعيفة فكان ود لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل، ويغوث لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبإ، ويعوق لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع. فاكلع هذه الكلعكة كما يكلع لك الكعلوك. ولما انهزمت القبائل التي لم تظفر بشيء، فكروا في الثأر، خاصة مع تزايد الحجاج الذين يذهبون إلى تلك القبائل للتبرك بالآلهة العجيبة هذا إله يتودد والآخر يغيث ونسر يجسد نجم الشِّلْياق الجميل فهو خالق النسر الذي يرشدنا إلى الحيوانات البرية ذوات اللحوم اللذيذة، مما سيؤدي إلى تقويتها اقتصاديا وثقافيا؛ هنالك رجع إبليس وتمثل لهم بشرا ناطقا "يعلمهم" صناعة تماثيل لآلهة هبل واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وغيرها ..!!


لكن ما هو المخرج، مولانا القاسمي ؟ قال:

( ونحن نقول إن جوابه بديهي وهو أن انتقالها إلى العرب بواسطة نقل أحوال قوم نوح وأبنائهم وعوائدهم على ألسنة الرحل والسمار لأن سيرة القرن المتقدم في العصر المتاخر وسنة الخالف أن يؤرخ السالف وجلي أن النفس أميل إلى الجهل منها إلى العلم لا سيما إذا زين لها المنكر بصفة تميل إليها فتكون ألصق به وهكذا كان بعد انقراض العلم وحملته أن حدث ما حدث من عبادتها كما أشارت إليه رواية ابن عباس عند البخاري: " حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم عبدت " ).

وللأسف، نحن سنعتذر لمولانا القاسمي رحمه الله تعالى، ونقول أن الجواب لا بديهي هو ولا يحزنون. لأن الإشكال هاهنا إنتقال الأوثان أو الأصنام تلك إلى العرب، وليس نقل الأحوال والأخبار، وحتى نقل الأحوال والأخبار مشكل بل مستبعد بشكل قوي، لأن: إذا كانت الأخبار الواردة في أصنام العرب متضاربة ومختلفة، رغم أن المسافة الزمنية الفاصلة بيننا لاشيء مقارنة بالمسافة بين العرب وقوم نوح، فإن الأخبار في الحالة الأخرى أولى بالتضارب وبالتحريف والأسطرة وغير ذلك مما تميل إليه الأنفس في تخيلات وأوهام وتهويل وغير ذلك.

فكيف ذكر القاسمي نقل الأحوال، وهو الذي قال مباشرة بعد رده على الرازي :

( قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: حكى الواقدي قال: كان "ود" على صورة رجل، و "سواع" على صورة امرأة، و "يغوث" على صورة أسد، و "يعوق" على صورة فرس، و "نسر" على صورة طائر. وهذا شاذ والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر وهو مقتضى ما تقدم من الآثار في سبب عبادتها. انتهى ) ؟؟

ثم قال فخر الدين:

( قرئ {لا تذرن ودا} بفتح الواو وبضم الواو، قال الليث: ود بفتح الواو صنم كان لقوم نوح، ود بالضم صنم لقريش، وبه سمي عمرو بن عبد ود. وأقول: على قول الليث وجب أن لا يجوز هاهنا قراءة ود بالضم لأن هذه الآيات في قصة نوح لا في أحوال قريش؛ وقرأ الأعمش {ولا يغوثا ويعوقا} بالصرف وهذه قراءة مشكلة لأنهما إن كانا عربيين أو عجميين ففيهما سببا منع الصرف، إما التعريف ووزن الفعل، وإما التعريف والعجمة، فلعله صرفهما لأجل أنه وجد أخواتهما منصرفة ودا وسواعا ونسرا ).

وهنا سنرى أن الإشكال قد أثر حتى في الحكم على القراءة بما لا يصح، إذ لا يجوز الحكم على القراءة بالسياق ولا بالمناسبة ولا بوجه لغوي (وحده). والمهم هاهنا هو الدليل الواضح البين على عربية هذه الأسماء وقد قيل ود بالفتح والضم لغتان للعرب، وبالتالي تفسير من فسرها أنها للعرب لم يعبدها غيرهم، تفسير قوي لا يستهان به. وفي نفس الوقت دلالة السياق أيضا قوية، فكيف الجمع في حالة ضعف تقديم القواعد الأخرى على دلالة السياق؟

طبعا نحن نعلم أن الاشتراك في الأسماء لا يستلزم تماثل المسميات، وكذلك الاشتراك في الصفات لا يستلزم تماثل الموصوفات. قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} فهم آمنوا بالله لكن أشركوا به . كذلك يجوز الفرق بين ( وَد ) العرب و ( وُد ) قوم نوح. جاء في التفاسير : " سمي ود لودهم له " أي كانوا يتوددون إلى الذي يجسده هذا الوثن أو الصنم، ولا يهم ماذا كان يمثل الصنم (ظاهرة فلكية أو جرم فلكي أو إنسان أو غير ذلك) ، فالقواسم المشتركة :
- عند العرب: عبد بالباطل والمكر // عند قوم نوح: عبد بالباطل والمكر
- عند العرب: تمثال // عند قوم نوح: تمثال
- تسمية العرب: لودهم له // تسمية قوم نوح: لودهم له
- قالت العرب: لا تذرن ودا // قال قوم نوح: لا تذرن ودا
و هكذا ..


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
 
"ذن فمن الممكن أن تكون صفة الإغاثة والإعانة التي أضفاها قوم نوح على هذا الإله[21] استخدمت في الخطاب القرآني لتقريب المعنى المنشود للعرب وقريش بصورة خاصة ؛ بعبارة أخرى أن لفظة الإله ( أيا ) كانت مبهمة على مسامع العرب قديما لأنها كلمة تنتمي إلى لغة مندثرة في ذلك الوقت ولم يكن أحد يتداولها أو له معرفة بها ، إذ أن اللغة السومرية لغة لا تنتمي إلى أي من العوائل اللغوية القديمة أو الحديثة [22]. لذا فإن الخطاب القرآني قد استخدم صفة المعبود التي عبد على أساسها وأوردها ضمن السياق القرآني المفهوم للعرب بصورة عامة."

هذا استنتاج مستبعد ومتكلف جداً في ظني . لا يوجد مانع شرعي أن يذكر الله عزوجل الأسماء (بعينها) بعد
أن تأخذ شكلاً معيناً في اللغة العربية. وأسماء الأنبياء والملائكة لدينا مثال واضح .

و لا أرى أنها معضلة في نقل أخبار قوم نوح وما عبدوا. فالأمم تتأثر بقصص بعضها.
وإشكالية كيف انتقل الصنم لبلاد العرب هو عائد لتصور أن( الحجر المصور) ذاته انتقل لبلاد العرب. لا! بل هذا تصور قاصر.
بل العرب تأخذ مسماه وتنحته عندها وتعبده.
كما قيل أن هبل هو مجرد تعريب لآلهة الإغريق أبولو. فهذا لا يعني أنهم سرقوا آلهة الإغريق أبولوا وأصبح في مكة!
فكل عنده صنمه وكل عنده "أبولوه " الخاص به، لكنهم أخذوا المسمى وأضفوه على نحوتهم هم أو مما جلبوه من الشام.
والله أعلم .
 
عودة
أعلى