وجهة نظر للتأمل

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
73
الإقامة
تارودانت-المغرب
يقول الزركشي (ت:794 هـ) في البرهان : " وقال الشافعي - رضي الله عنه - : " جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة ، وجميع السنة شرح للقرآن ، وجميع القرآن شرح أسماء الله الحسنى ، وصفاته العليا "
فماذا يصير المعنى : إذا كان النص هكذا :
[جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة ، وجميع السنة شرح للقرآن ، وجميع القرآن شرح لسورة الفاتحة .]
وذلك اعتمادا على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حدث به البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى : ((مرَّ بي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا أُصلِّي ، فدَعاني فلم آتِهِ حتى صلَّيتُ ، ثم أتَيتُ فقال : ( ما منَعك أن تأتيَ ) . فقلتُ : كنتُ أُصلِّي ، فقال : ( ألم يقُلِ اللهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} . ثم قال : ( ألا أُعَلِّمُك أعظمَ سورةٍ في القرآنِ قبلَ أن أخرُجَ منَ المسجدِ ) . فذهَب النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليخرُجَ منَ المسجدِ فذَكَّرتُه ، فقال : {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . هي السَّبعُ المَثاني ، والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيتُه ))

والله أعلم وأحكم
 
{الرّحمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ }[الرحمن:1ـ2]
ما أرحمك يا رحمن ، يا أرحم الراحمين
علمتنا القرآن ..
علمتنا أن نتعرف عليك من خلال أسمائك الحسنى
علمتنا أن نحمدك ، ونثني عليك ، ونمجدك
علمتنا أن نقر بعبادتك وحدك لا شريك لك ، وأن نستعين بك
علمتنا أن ندعوَك لتهديَنا إلى صراطك المستقيم
علمتنا من قصص وسير الذين أنعمت عليهم ، وما يصيرون إليه
علمتنا من قصص المغضوب عليهم والضالين ، وما يؤولون إليه
علمتنا العقيدة والشريعة والأخلاق ، وتفصيل كل شيء
فما أعظمه من قرآن كريم ، كلام رب العالمين
ولله الحمد من قبل ومن بعد ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
 
{وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:64]
جاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليبين للناس القرآن
جاء ليصنع أمة ، إنها أمته ، فهو يناديها : ((أمتي ، أمتي))
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة:128]
فكان اتِّبَاعُ هذا الرسولِ العظيمِ الرحيم ضمن تطبيق تعاليم القرآن الكريم : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا }[الحشر:7]
فماذا بعد هذا البلاغ ، وأناس يسمون أنفسهم (قرآنيين) !؟؟ ، يقفزون على السُّنة النبوية ، يريدون بذلك الاهتداء بهدي القرآن . أليس هذا أعظم تناقض يعيشه إنسان .
إنه تبديل خطير يدعو له هؤلاء . ألم يعلموا أن أناسا سبقوهم بهذا الصنيع ؟ ألم يَدَّعِ المتصوفةُ أن هناك فَرْقاً كبيرا بين الحقيقة والشريعة ، وأن الحقيقة فوق الأنبياء ، ولا يعلمها إلا الصالحون ؟!!.
غرور !! : {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}[عبس:17]
فالسنة النبوية تفسير للقرآن ، ونبيُّنا أسوة حسنة في الاتباع . لا يكتمل إيمان مؤمن إلا بالاقتداء بهديه : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65]
السنة النبوية تنزيل للقرآن على واقع الناس ، فهي شريان الأمة ، بها تحيا وبها تتنفس ، وشخص الرسول حاضر في وجدان هذه الأمة في كل حركاتها وسكناتها .
السنة النبوية هي الحكمة ، والحكمة هي كيفية تطبيق القرآن الكريم في الحياة الإنسانية .
كان الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي ، قام بالدور المنوط به ، أدى الأمانة ، وبلَّغ الرسالة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين . كان يصنع أمة الشهود ، فكان له ما جاء من أجله : {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة:143]
فصلى الله وسلم على نبينا وحبيبنا محمد النبي الرسول الخاتم ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، والحمد لله رب العالمين
 
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]
قال الإمام الشافعي رحمه الله : " جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة "
فمن تكون هذه الأمة ؟ نعم ، هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، منذ الرعيل الأول ، جيل الصحابة رضوان الله عليهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
الرعيل الأول الذي تربى في أحضان السنة النبوية الشريفة . والوحي ينزل غضا طريا ، وحياتهم الجديدة تتشكل تدريجيا ، إلى أن كبروا مع الدعوة الجديدة واستوى عودهم ، وأصبحوا سادة زمانهم : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة:3]
هذا الرعيل هو الذي حمل الدين كما سطرته السنة النبوية ، فهم شراح لهذه السنة المطهرة ، أخذها عنهم التابعون ويستمر التسلسل الطيب حتى النهاية .
دع عنك من يتشدق بالحداثة ، ويدعو إلى الخروج عن الخط المرسوم لهذه الأمة ، ويجري لاهتاً وراء الآخر في كل جزئيات حياته . أولئك لا يغيرون شيئا من صبغة هذه الأمة ، لأن الصبغة حقيقية مجبولة ، وصاحبها هو خالق الكون : {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}[البقرة:183]
الأمة الإسلامية مزيج من المجتمعات الإسلامية المتعددة ، وكل مجتمع يتضمن : المؤمن والمسلم والمنافق والكافر والمثبط ، والذي في قلبه مرض . نماذج صورها القرآن تصويرا دقيقا ، في سورة التوبة ، ليتبين أن الأمة الإسلامية هي هكذا في جميع العصور . مزيج من الأصناف والألوان التي يتعامل معها القرآن في كل وقت وحين . وأن مجتمع الأبرار لا يوجد إلا في الجنة . وتبقى الحياة الدنيا تموج بكل الأصناف تجمعها الأمة الإسلامية الحية المستمرة ، تتغذى بكل جزئيات السنة النبوية التي تتمثل روح القرآن :
{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101]
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101]
هناك ظاهرة نلاحظها ، وهي تسري على جميع الأمة الإسلامية ، هذه الظاهرة تتلخص في كون الناس يُقبلون على دروس الوعظ والإرشاد وأسلوب الدعوة المعتمدة على السنة النبوية أكثر مما يُقبلون على دروس التفسير .
فالقرآن يُتلى في جميع أنحاء المعمور والسنة وشروحها هي الأقرب إلى جماهير الأمة الإسلامية . فهم يقرؤون القرآن ، ويستمعون إليه ، لكنهم يستثقلون التفسير . حتى غدا التفسير حكرا على الفئة العالمة التي تتكوَّن من العلماء وطلاب العلم الشرعي دون غيرهم .
إن هذه الظاهرة تحتاج إلى وقفة تأمل ، فهي جديرة بالدراسة المستفيضة ، لاستخراج الأسباب الحقيقية التي أدت إليها .
إننا بحاجة إلى صياغة نظرية دعوية في مجال الدراسة الشرعية ، تكون قاعدة لنشر الثقافة و التربية الإسلامية في عالم اليوم ، معتمدة على القرآن والسنة على أوسع نطاق . وهي وجهة نظر أعتبرها صالحة للتأمل .
والله أعلم وأحكم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
عودة
أعلى