حسن التخلص من المباحث المهمة وهو كما يقول السيوطي رحمه الله عنه :.....لايشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع عليه الثاني ،لشدة الالتئام بينهما.اهـ.
فحسن التخلص له نكات ولطائف بلاغية مهمة.
أقول :بما أن مضمون المبحث يدور حول الانتقال من معنى إلى معنى آخر ، فلماذا لانقول :حسن الانتقال ؛لأن عبارة التخلص في حق الله سبحانه وتعالى كأنها توهم الخروج من مأزق. والله أعلم
كأنك - غفر الله لك - نظرت إلى هذا الاصطلاح بفهمنا المعاصر له، ونزلته على معنى ما يستعمله العامة في كلامهم، وظننته مشابها للمشهور في وسائل الإعلام المختلفة.
وهذا من أكبر الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها طالب العلم، أعني حينما يتناول كلام أهل العلم الذين سبقونا بمئات السنين ويحاول فهمه بلغتنا الدارجة في هذا العصر.
ولا يبعد أن يأتي من يقول أيضا: إن عبارة (حسن الانتقال) فيها إيهام؛ لأن الانتقال لا يفهم منه في لغتنا الدارجة إلا استعمال السيارات والطائرات والدراجات ونحوها.
وإذا نظرنا إلى مادة ( خ ل ص) وجدناها تفيد النقاء والصفاء، ومنه (المخلص) لأنه ينقي سريرته من الشوائب، و(الخلاص) بمعنى التحرر من القيود يقرب من هذا المعنى أيضا، و(خلصت إلى كذا) أي وصلت إليه، فكأنك تحررت مما كان يعوقك عن الوصول إليه.
فالخلوص والانتقال قريبا المعنى، وهذا هو مراد أهل البلاغة باصطلاحهم، فـ(حسن التخلص) أي حسن الخلوص، بمعنى حسن الوصول أو حسن التوصل.
أخي الفاضل /بارك الله فيك.
ذكرت من معاني مادة : خ ل ص، الخلاص: بمعنى التحرر من القيود (وخلصت إلى كذا) .....فكأنك تحررت مما كان يعوقك،فهل هذا المعنى موجود في الانتقال؟
والكلمة التي من معانيها :التحرر من القيود، ومما يعوق، أليست موهمة ؟.
وقولك :ولا يبعد أن يأتي من يقول أيضا :إن عبارة (حسن الانتقال )فيها إيهام ؛لأن الانتقال لايفهم منه في لغتنا الدارجة إلااستعمال السيارات والطيارات والدراجات عبارة غير دقيقة لأنها خلاف الواقع ،ولأن الحديث عن أصل الكلمة ودلالاتها من حيث اللغة .
و المشاركة وجهة نظر وأظن أنها تحتاج إلى مزيد من السبر والتأمل من حيث بداية إطلاقها وهل التحرج من هذه اللفظة لها سابق أولاحق من العلماء رحمهم الله .
وجزاك الله خيرا على مشاركتك .
وفقنا الله وإياك لمايحب ويرضى.
أخي الفاضل /بارك الله فيك.
ذكرت من معاني مادة : خ ل ص، الخلاص: بمعنى التحرر من القيود (وخلصت إلى كذا) .....فكأنك تحررت مما كان يعوقك،فهل هذا المعنى موجود في الانتقال؟
وقولك :ولا يبعد أن يأتي من يقول أيضا :إن عبارة (حسن الانتقال )فيها إيهام ؛لأن الانتقال لايفهم منه في لغتنا الدارجة إلااستعمال السيارات والطيارات والدراجات عبارة غير دقيقة لأنها خلاف الواقع ،ولأن الحديث عن أصل الكلمة ودلالاتها من حيث اللغة .
تأمل الكلام يا أخي الفاضل، فأنا أقول (لا يبعد أن يأتي).
فلا معنى للقول إنه خلاف الواقع؛ لأني لم أقل إنه واقع.
وإذا كان الحديث عن أصل الكلمة ودلالاتها من حيث اللغة، فقد انحل الإشكال من أصله.
ما تفضل بالإشارة إليه الزميل العزيز أبو محمد الصاعدي وفقه الله لفت نظري إليه أحد جيراني بعد إحدى الصلوات وقال : سمعتكم في برنامج بينات تذكورن ما في القرآن من حسن التخلص ، ويقول : سمعت الدكتور مساعد الطيار يكرر هذا . فهل يليق أن يقال هذا في القرآن ؟
فشكرته على حسن نظره ، ووعدته بأن أثير هذا الموضوع للنقاش العلمي مع ضيف حلقة الغد في برنامج (التفسير المباشر) وكان الضيف هو الصديق العزيز د. عويض العطوي وهو من أهل البلاغة . وفعلاً سألتُ الدكتور عويض عن الموضوع قبل الحلقة وتناقشنا فيه ولكن كثرت الاتصالات والموضوعات فلم أجد مناسبة للحديث عن (حسن التخلص) .
وكما أشار أخي الكريم أبو مالك العوضي وفقه الله فالأمر هو اصطلاح بلاغي لحسن الانتقال من موضوع إلى موضوع ، وأكثره في الشعر ، ثم تنبه البلاغيون لذلك في القرآن ولم يلتفتوا إلى مثل هذه الدلالات في المصطلح التي لا قد تفهم منه وهي لا تليق بالله سبحانه وتعالى .
وقد وردت لذهني فكرة حينها وهي لماذا لا يبحث باحث موضوع المصطلحات البلاغية التي توهم سوء الأدب مع كلام الله وهي ليست (حسن التخلص) فحسب ، بل هناك مصطلحات أخرى مثل (براعة الاستهلال) وإن كان دونه في الإيهام ، وغيرها مما لو تتبعه باحث لأفادنا بنتيجة بحثه ثم ينظر أهل البلاغة وهم أهل علم وفضل وعناية كبيرة بالقرآن في البديل المناسب ، أو نحو ذلك .
وهذا كله على افتراض صحة هذا التوهم في مثل هذه المصطلحات ، وإلا فالأمر واسع إن شاء الله ولم أجد من اعترض على مثل هذه المصطلحات من قبل ، ولكن أهل العلم مطالبون بمراعاة أفهام الناس وإزالة أي سوء فهم يعرض لهم بسببها ، ولذلك فإنني أقدر كثيراً أي ملحوظات يذكرها لي غير المتخصصين في العلم الشرعي في مقالة أكتبها أو خطبة جمعة ألقيها أو درس أو غير ذلك ، لأنني أراهم مرآة لا بد من العناية بها وبالصورة التي تعكسها .
والحديث في هذا ذو شجون .. وليتنا نسمع رأي زملائنا الفضلاء في الملتقى د. عبدالعزيز العمار و د. يوسف العليوي وغيرهم من أهل البلاغة القرآنية .
وبمناسبة الحديث عن هذا الموضوع، فقد قرأت لبعض أهل العلم أنه ذكر عدة أوجه في تفسير آية من كتاب الله، ثم قال: (وهذا من مجاز التعقيد)، ولم أقف على أحد من قبل ذكر أن في كتاب الله شيئا من مجاز التعقيد.
وهذا لغز للأعضاء الكرام: يا ترى من هذا العالم الذي ذكر هذا الوجه؟
وبمناسبة الحديث عن هذا الموضوع، فقد قرأت لبعض أهل العلم أنه ذكر عدة أوجه في تفسير آية من كتاب الله، ثم قال: (وهذا من مجاز التعقيد)، ولم أقف على أحد من قبل ذكر أن في كتاب الله شيئا من مجاز التعقيد.
وهذا لغز للأعضاء الكرام: يا ترى من هذا العالم الذي ذكر هذا الوجه؟
للأسف يا أبا مالك أن هذه الموسوعات الالكترونية قد قربت البعيد !
لعل من تقصده هو القرافي رحمه الله : حيث قال في كتابه في الفروق .
الباب الثالث : في تعارض مقتضيات الألفاظ .
يحمل اللفظ على الحقيقة دون المجاز والعموم دون الخصوص والأفراد دون الاشتراك والاستقلال دون الاضمار وعلى الإطلاق دون التقييد وعلى التأصيل دون الزيادة وعلى الترتيب دون التقديم والتأخير وعلى التأسيس دون التأكيد وعلى البقاء دون النسخ وعلى الشرعي دون العقلي وعلى العرفي دون اللغوي إلا أن يدل على خلاف ذلك )
ثم قال : فروع أربعة :
الأول : يجوز عند المالكية استعمال اللفظ في حقائقه إن كان مشتركا أو مجازاته أو مجازه وحقيقته . وبذلك قال الشافعي رحمه الله وجماعة من أصحابه خلافا لقوم. وهذا يشترط فيه دليل يدل على وقوعه وهذا الفرع يبني على قاعدة وهي :
أن المجاز على ثلاثة أقسام :
1- جائز إجماعا . وهو ما اتحد محمله وقربت علاقته .
2- وممتنع إجماعا . وهو مجاز التعقيد . وهو ما افتقر الى علاقات كثيرة . نحو قول القائل تزوجت بنت الأمير ، ويفسر ذلك برؤيته لوالد عاقد الأنكحة بالمدينة معتمدا على أن النكاح ملازم للعقد الذي هو ملازم للعاقد الذي هو ملازم لأبيه.
3- ومجاز مختلف فيه وهو الجمع بين حقيقتين أو مجازين أو مجاز وحقيقة فإن الجمع بين الحقيقتين مجاز وكذلك الباقي لأن اللفظ لم يوضع للمجموع فهو مجاز فيه. فنحن والشافعي نقول بهذا المجاز وغيرنا لا يقول به. لنا قوله تعالى :( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) والصلاة من الملائكة الدعاء ومن الله تعالى الاحسان فقد استعمل في المعنيين بأنه يمتنع استعماله حقيقة لعدم الوضع ومجازا لأن العرب لم تجزه والجواب منع الثاني) .. الخ كلامه .
والشاهد قوله :
2- وممتنع إجماعا . وهو مجاز التعقيد . وهو ما افتقر الى علاقات كثيرة . نحو قول القائل تزوجت بنت الأمير ، ويفسر ذلك برؤيته لوالد عاقد الأنكحة بالمدينة معتمدا على أن النكاح ملازم للعقد الذي هو ملازم للعاقد الذي هو ملازم لأبيه.
شكر الله لكم يا دكتور عبد الرحمن ونريد مزيد بيان للعبارة
فمن المراد بالأمير وبالبنت؟
وعاقد الأنكحة ؟ وما جهة التلازم بين هذه الأطراف ومجاز التعقيد؟ ومنكم نستفيد، أو ممن يتفضل من أهل الملتقى ، جزاكم الله خيراً.
والشاهد قوله :
2- وممتنع إجماعا . وهو مجاز التعقيد . وهو ما افتقر الى علاقات كثيرة . نحو قول القائل تزوجت بنت الأمير ، ويفسر ذلك برؤيته لوالد عاقد الأنكحة بالمدينة معتمدا على أن النكاح ملازم للعقد الذي هو ملازم للعاقد الذي هو ملازم لأبيه.
الإخوة الفضلاء / بارك الله فيكم .
استطراد مفيد،ولكن نريد الرجوع إلى أصل الموضوع :(عبارة حسن التخلص)،وتداول الاطروحات حولها،ومشاركة من ذكرهم الدكتور عبدالرحمن الشهري، مثل :الدكتور عبد العزيز العمار، والدكتور يوسف العليوي، وغيرهم من أهل الاختصاص.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
قال السيوطي في الإتقان ( ص 1843 - المجلد الخامس - طبعة المجمع ):
(( ويقرب من الاستطراد حتى لا يكادان يفترقان حسنُ التخلص، وهو أن ينتقل مما ابتدئ به الكلام إلى المقصود على وجه سهل يختلسه اختلاسا، دقيق المعنى بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع عليه الثاني لشدة الالتئام بينهما.
وقد غلط أبو العلاء محمد بن غانم في قوله: لم يقع منه [أي التخلص] في القرآن شيء؛ لما فيه من التكلف، وقال: إن القرآن إنما ورد على الاقتضاب الذي هو طريقة العرب من الانتقال إلى غير ملائم.
وليس كما قال، ففيه من التخلصات العجيبة ما يحير العقول .... )) إلخ.
ويلاحظ هنا أن من اعترض على وجود التخلص في القرآن إنما اعترض من جهة المعنى لا من جهة اللفظ؛ (لما فيه من التكلف).
أخانا أبا مالك العوضي/ وفقك الله لكل خير:
ذكرت كلام السيوطي رحمه الله ،وبينت -أثابك الله -أنه ذكر اعتراض من اعترض من جهة المعنى ،لامن جهة اللفظ .
أما قولك من جهة اللفظ فهذه لم يشر إليها السيوطي رحمه الله،ولم يتطرق لها،وإنما هو يرد على أبي العلاء محمد بن غانم في انكاره التخلص ؛لما فيه من التكلف.
فمضمون حسن التخلص سبق الاتفاق على أهميته ،ولكن نريد مناقشة اللفظ ،وهل هي موهمة؟يجب تجنبها.
وأشكرك على دقة مناقشاتك .
جاء في القرآن النهي عن الألفاظ الموهمة؛خشية أن تفهم خطأ ،أويكون فيها مشابهة للمغضوب عليهم الذين يتعمدون الخطأ.
قال تعالى:(ياأيها الذين آمنوا لاتقولوا راعنا وقولو انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ).
فالله سبحانه ينهى الصحابة رضي الله عنهم أن يقولوا لرسوله صلى الله عليه وسلم :راعنا وهم يقصدون به معنى حسنا،،وهو أن يراعيهم ويلتفت إليهم ليفهموا عنه ،ولكن لما كانت يهود تقولها وتقصد بها (الرعونة )الحمق والهوج ،نهى الله المؤمنين عن هذا القول؛ خشية مشابهة اليهود في قولهم الخبيث.
قال القرطبي رحمه الله : في الآية دليلان : أحدهما :على تجنب الألفاظ المحتملة....اهـ.وقال ابن عثيمين رحمه الله :لما كان اللفظ واحدا وهو محتمل للمعنيين نهى الله عزوجل المؤمنين أن يقولوه تأدبا وابتعادا عن سوء الظن .
فتجنب الألفاظ المحتملة جاء به القرآن .وجاءت به السنة كذلك فقد ورد النهي عن بعض الألفاظ الموهمة ،ومن ذلك ما ورد في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :لايقل أحدكم اللهم اغفرلي إن شئت،اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإن الله لامكره له.
فنصّ الحديث على علة النهي وهي اشعارها : أن الله له مكره على الشيء.
أما قولك من جهة اللفظ فهذه لم يشر إليها السيوطي رحمه الله،ولم يتطرق لها،وإنما هو يرد على أبي العلاء محمد بن غانم في انكاره التخلص ؛لما فيه من التكلف.
فمضمون حسن التخلص سبق الاتفاق على أهميته ،ولكن نريد مناقشة اللفظ ،وهل هي موهمة؟يجب تجنبها.
وأشكرك على دقة مناقشاتك .
الإخوة الفضلاء د. عبدالعزيز العمار ود.يوسف العليوى الذين طلب الدكتور الفاضل عبدالرحمن الشهري مشاركتهم في عبارة :(حسن التخلص)،. لم أر لهم مداخلة.
وحبذا لو نعرف رأي الدكتور مساعد الطيار في هذا الموضوع.
وفق الله الجميع لمايحب ويرضى.
الإخوة الكرام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد أن قرأت وجهة نظر أخينا محمد الصاعدي رجعت إلى ما سطرته يدي في معجمي "مفاتيح التفسير"
الذي مَنّ الله عليّ بإتمامه وأسعى الآن إلى نشره بعون الله
وتتبعت مادة التخلص (حسنه وبراعته) فوجدت لها ذكرا في أكثر من مادة من مواد المعجم هي:
[الاستطراد، الانتقال،براعة التخلص،خواتم السور، فصل الخطاب]
فأحببت نقل ما يخص حسن التخلص إليكم عسى أن يكون فيه فائدة
ولعل من الفوائد أن حسن التخلص يقال له أيضا: حسن الانتقال.
أما من جهة الإيهام وعدمه فهذا غير وارد لأن المقصود بحسن التخلص أو براعته أو حسن الانتقال هو إظهار براعة المتكلم في نقل المخاطب من غرض إلى آخر بطريقة لا يدرك المخاطب معها هذا الانتقال أي أنه كان في موضوع وانتقل منه إلى موضوع آخر.
فأثر التخلص يقع على المخاطب لا على المتكلم وعليه فالإيهام الذي يخشاه أخونا محمد الصاعدي غير وارد
ولا يتمكن من هذا إلا بليغ تطاوعه كلماته ليبلغ بها ما يريد
فكيف إذا كان بلوغ ذلك عن طريق القرآن ؟ !!!!
نقل من معجم [ مفاتيح التفسير]
الاستطراد:
الاستطراد يذكر في علوم القرآن في باب "المناسبة بين الآيات "وهو مأخوذ في اللغة من قولك: اطّرد الشئ إذا تبع بعضه بعضا0
واصطلاحا: هو سوق الكلام على وجه يلزم منه كلام آخر، وهو غير مقصود بالذات، بل بالعرض. ومنه قوله تعالى: { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير } ( الأعراف: 26 ) قال الزمخشرى: هذه الآية وردت على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدو السوءات وخصف الورق عليها إظهارا للمنة فيما خلق سبحانه من اللباس ولما في العري وكشف السوءات من الفضيحة، وإشعارا بأن الستر باب عظيم من أبواب التقوى0 أ0هـ ويدخل في الاستطراد التعريض بعيب إنسان بذكر عيب غيره، وجعل منه الزركشي قوله تعالى: { ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود } ( هود: 95 ) وهو قريب من حسن التخلص، كما سيأتي إن شاء الله0 ( انظر: براعة التخلص ) الانتقال:
هو أن ينتقل المستدل إلى استدلال أو مثال غير الذي كان آخذا فيه، لكون الخصم لم يفهم وجه الدلالة من الأول أو أنه يفهمه لكنه يقصد المغالطة، فيأتي حينئذ المستدل بدليل أو مثال آخر، لا يجد الخصم معه مفرا دون الانقطاع أو التسليم0 وهو أحد طرق الاستدلال والجدل في القرآن الكريم، ومثاله مناظرة الخليل إبراهيم عليه السلام للنمروذ حين قال الخليل:"رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ } ( البقرة: 258 ) وترجم زعمه هذا بأن دعا رجلا وجب عليه القتل فأعتقه، وقتل آخر بدون جرم، فعلم الخليل أنه لم يفهم معنى الإحياء والإماتة، أو علم بذلك وغالط بهذا الفعل، فانتقل عليه السلام إلى استدلال لا يجد له الجبار وجها يتخلص به منه، فقال: { فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } ( البقرة:258) ولم يمكنه أن يقول: أنا الذي أتى بها من المشرق، لأن من هو أكبر منه سنا يكذبه، حيث إنها كانت تأتي من المشرق قبل أن يولد النمروذ0
* ومن الانتقال نوع يسميه البعض "الاقتضاب"وهو الانتقال مما افتتح به الكلام إلى المقصود من غير مناسبة0 وأدخلوا فيه قول: "أما بعد" كأن يقول المتكلم بعد حمد الله: أما بعد، فإني قد فعلت كذا وكذا0 والواقع أن هذا يسمى "فصل الخطاب "( انظر: فصل الخطاب )
* ومن الاقتضاب أيضا الانتقال من حديث إلى آخر تنشيطا للسامع مفصولا بكلمة "هذا "وهو بهذا المعنى يقرب من حسن التخلص أو براعته ولذلك، فإني سأذكره فيه ( انظر: براعة التخلص ) براعة التخلص:
يقال له: التخلص، وحسن التخلص، وحسن الانتقال، وتعريفه كما ذكر السيوطي: هو أن ينتقل المتكلم مما ابتدأ به الكلام إلى المقصود على وجه سهل يختلسه اختلاسا دقيق المعنى، بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول، إلا وقد وقع عليه الثاني لشدة الالتئام بينهما0
ومثاله قوله تعالى حاكيا قول إبراهيم عليه السلام: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } ( الشعراء:87 ) ثم تخلص منه إلى وصف المعاد بقوله: { يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} ( الشعراء:88 ) ويقال له أيضا: "حسن التخلص" ويعبر عنه بذلك من المفسرين كثيرا أبو السعود، والآلوسى0
الفرق بين التخلص والاستطراد:
والفرق بينهما أنك في التخلص تركت ما كنت فيه بالكلية وأقبلت على ما تخلصت إليه، وأما في الاستطراد فإنك تمر بذكر الأمر الذي استطردت إليه مرورا سريعا، ثم تتركه إلى ما كنت فيه كأنك لم تقصده، وإنما عرض عروضا ( انظر: الاستطراد )
ويقرب من حسن التخلص أو براعته أمران:
1-الانتقال من حديث إلى آخر تنشيطا للسامع مفصولا بكلمة " هذا " كما في قوله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} ( سورة ص:49 ) فقد انتقل للحديث عن المتقين بعد الحديث عن الأنبياء فاصلا بين الحديثين بكلمة " هذا " ثم انتقل للحديث عن أهل النار على نفس الطريقة في الانتقال فقال: { هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} ( سورة ص:55) ويسمى " الاقتضاب " ( انظره في: الانتقال )
2-براعة المطلب، ويقال له: حسن المطلب، وهو أن يخرج إلى الغرض بعد تقدمة الوسيلة، كما في قوله تعالى: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ( الفاتحة:5 ) حيث قدم تعظيم الممدوح على الطلب، ويقال له: براعة الطلب0
* خواتم السور:
ويمضى على نسق حسن الابتداء في الحُسن، "حُسْنُ الانتهاء":
وهو أن تختم السورة بما يحسن السكوت عليه، لأنه غاية ما ينتهي السامع إليه.
وقيل:هو أنْ يجعلَ المتكلِّمُ آخرَ كلامه، عذبَ اللفظِ، حسَنَ السبكِ، صحيحَ المعنَى،مشعراً بالتمامِ.
وعرفه النويري في "نهاية الأرب" وقد سماه "براعة المقطع" فقال:
هو أن يكون آخر الكلام الذي يقف عليه المترسل أو الخطيب أو الشاعر مستعذبا حسنا، لتبقى لذته في الأسماع.
ويستخدمه بهذا التعبير " براعة المقطع" كثيرا ابن عاشور في تفسير "التحرير والتنوير"
** و[حسن الانتهاء، براعة المقطع،حسن الختام،براعة الختام] كلها مصطلحات معبر بها عن خواتم السور أي ما اختم الله عز وجل به كل سورة من سور كتابه الكريم، وهي مثل الفواتح الحسن لأنها أخر ما يقرع الأ سماع، ولهذا جاءت متضمنة المعاني البديعة، مع إيذان السامع بانتهاء الكلام، حتى لا يبقى معه للنفوس تشوف إلى ما يذكر بعدها، لأنها بين أدعية ووصايا، وفرائض، وتحميد، وتهليل، ومواعظ، ووعد، ووعيد، وغير ذلك0ويظهر ذلك لمن تأمل ببصيرة واعية موفقة بتوفيق الله.
وقد اختتم الله عز وجل قرآنه المنزل بقوله: { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } ( البقرة:281 ) إنها غاية في الحسن والروعة، وهي أنسب ما يختم به القرآن من جهة النزول، كما أن المعوذتين هما أنسب ما يختم به المصحف الشريف لتضمنهما الاستعاذة تطفئ نار حسد الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم على نعمة القرآن، ولتحصل الاستعاذة عند بدء القرآن، واختتامه أيضا، تماما كما كان التناسب في افتتاح نزوله بسورة "اقرأ "لما تضمنه من الأمر بالقراءة، والبداءة باسم الله، والإشارة إلى الوحدانية، وعلم الأحكام وغير ذلك، ولذا قيل: إنها جديرة بأن تدعى: "عنوان القرآن "وقد أفضت في بيان ذلك كله عند الحديث عن المناسبة0 ( انظر: المناسبة )
فائدة:
قال القزويني في الإيضاح:
ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع من كلامه حتى يكون أعذب لفظاً وأحسن سبكاً وأصح معنى.
الأول: الابتداء لأنه أول ما يقرع السمع فإن كان كما ذكرنا اقبل السامع على الكلام فوعى جميعه، وغن كان بخلاف ذلك أعرض عنه ورفضه، وإن كان في غاية الحسن.
والثاني: التخلص ونعني به الانتقال مما شبب الكلام به من تشبيب أو غيره إلى المقصود مع رعاية الملاءمة بينهما لأن السامع يكون مترقباً للانتقال من التشبيب –أي التنشيط - إلى المقصود كيف يكون، فإذا كان حسناً متلاءم الطرفين حرك من نشاط السامع وأعان على إصغائه إلى ما بعده، وإن كان بخلاف ذلك كان الأمر بالعكس.
قلت: وهو في القرآن الكريم أبرز ما يكون ويقال له: براعة التخلص ، حسن التخلص وسيأتي (انظر: براعة التخلص)
والثالث: الانتهاء لأنه آخر ما يعيه السمع ويرتسم في النفس فإن كان مختاراً كما وصفنا جبر ما عساه وقع فيما قبله من التقصير وإن كلن غير مختار كان بخلاف ذلك، وربما أنسى محاسن ما قبله
فصل الخطاب:
*هو عند العلماء قول: " أما بعد " والإتيان بها في الكلام يمهد للانتقال إلى كلام غير الذي كان ماضيا فيه، وهو قريب من " براعة التخلص " ( انظرها )، غير أن العلماء لا يدرجون " أما بعد" في براعة التخلص بل يدرجونه في الاقتضاب ( انظره فى: الانتقال )
وهو: الانتقال مما افتتح به الكلام إلى المقصود من غير مناسبة. وقد اعتاد الخطباء والكاتبون والمحاضرون من ذوي الاتجاه الديني أن يفتتحوا كلامهم في كل أمر ذي شأن بحمد الله والثناء عليه، ثم إذا أرادوا أن يخرجوا من هذا المقام إلى الفرض المسوق لأجله، فصلوا بينه، وبين الثناء على الله بهذا التركيب المذكور.
* ويطلق مصطلح " فصل الخطاب " على ما هو أعم من " أما بعد " إذ يعنى به وصف المتكلم بكونه قادراً على التعبير عن كل ما يخطر بالبال، ويحضر في الخيال، بحيث لا يختلط شيء بشيء، وبحيث ينفصل كل مقام عن مقام. أفاده الفخر الرازي عند تفسير قوله تعالى: { وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } ( سورة ص: 20 ) وقال بعده: وهذا معنى عام يتناول جميع الأقسام.