من القرطبي.. واسمع مصطفى اسماعيل يتلو الاية..
من القرطبي.. واسمع مصطفى اسماعيل يتلو الاية..
[rams]C:\Documents and Settings\AmeerX\سطح المكتب\وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض..مصطفى اسماعيل.اضغط هنا.wav[/rams]
قال القرطبي في تفسيره:
[لَمَّا ذَكَرَ جَهَالَات الْمُشْرِكِينَ وَطَعْنَهُمْ فِي الْقُرْآن وَالنُّبُوَّة ذَكَرَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا وَذَكَرَ صِفَاتهمْ , وَأَضَافَهُمْ إِلَى عُبُودِيَّته تَشْرِيفًا لَهُمْ , كَمَا قَالَ : " سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ " [ الْإِسْرَاء : 1 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ فَمَنْ أَطَاعَ اللَّه وَعَبَدَهُ وَشَغَلَ سَمِعَهُ وَبَصَره وَلِسَانه وَقَلْبه بِمَا أَمَرَهُ فَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقّ اِسْم الْعُبُودِيَّة , وَمَنْ كَانَ بِعَكْسِ هَذَا شَمَلَهُ قَوْله تَعَالَى : " أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ " [ الْأَعْرَاف : 179 ] يَعْنِي فِي عَدَم الِاعْتِبَار ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْأَعْرَاف " . وَكَأَنَّهُ قَالَ : وَعِبَاد الرَّحْمَن هُمْ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض , فَحُذِفَ هُمْ ; كَقَوْلِك : زَيْد الْأَمِير , أَيْ زَيْد هُوَ الْأَمِير . فَ " الَّذِينَ " خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف ; قَالَهُ الْأَخْفَش . وَقِيلَ : الْخَبَر قَوْله فِي آخِر السُّورَة : " أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَة بِمَا صَبَرُوا " [ الْفُرْقَان : 75 ] وَمَا بَيْن الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر أَوْصَاف لَهُمْ وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا ; قَالَهُ الزَّجَّاج . قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْخَبَر " الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض " . وَ " يَمْشُونَ " عِبَارَة عَنْ عَيْشهمْ وَمُدَّة حَيَاتهمْ وَتَصَرُّفَاتهمْ , فَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ الْعِظَم , لَا سِيَّمَا وَفِي ذَلِكَ الِانْتِقَال فِي الْأَرْض ; وَهُوَ مُعَاشَرَة النَّاس وَخُلْطَتهمْ . قَوْله تَعَالَى : " هَوْنًا " الْهَوْن مَصْدَر الْهَيِّن وَهُوَ مِنْ السَّكِينَة وَالْوَقَار . وَفِي التَّفْسِير : يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض حُلَمَاء مُتَوَاضِعِينَ , يَمْشُونَ فِي اِقْتِصَاد . وَالْقَصْد وَالتُّؤَدَة وَحُسْن السَّمْت مِنْ أَخْلَاق النُّبُوَّة . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيّهَا النَّاس عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرّ لَيْسَ فِي الْإِيضَاع ) وَرُوِيَ فِي صِفَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا زَالَ زَالَ تَقَلُّعًا , وَيَخْطُو تَكَفُّؤًا , وَيَمْشِي هَوْنًا , ذَرِيع الْمِشْيَة إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطّ مِنْ صَبَب . التَّقَلُّع , رَفْع الرِّجْل بِقُوَّةٍ وَالتَّكَفُّؤ : الْمَيْل إِلَى سُنَن الْمَشْي وَقَصْده . وَالْهَوْن الرِّفْق وَالْوَقَار . وَالذَّرِيع الْوَاسِع الْخُطَا ; أَيْ أَنَّ مَشْيه كَانَ يَرْفَع فِيهِ رِجْله بِسُرْعَةٍ وَيَمُدّ خَطْوه ; خِلَاف مِشْيَة الْمُخْتَال , وَيَقْصِد سَمْته ; وَكُلّ ذَلِكَ بِرِفْقٍ وَتَثَبُّت دُون عَجَلَة . كَمَا قَالَ : كَأَنَّمَا يَنْحَطّ مِنْ صَبَب , قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض . وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يُسْرِع جِبِلَّة لَا تَكَلُّفًا . قَالَ الزُّهْرِيّ : سُرْعَة الْمَشْي تُذْهِب بَهَاء الْوَجْه . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : يُرِيد الْإِسْرَاع الْحَثِيث لِأَنَّهُ يُخِلّ بِالْوَقَارِ ; وَالْخَيْر فِي التَّوَسُّط . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : كُنْت أَسْأَل عَنْ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى : " الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا " فَمَا وَجَدْت مِنْ ذَلِكَ شِفَاء , فَرَأَيْت فِي الْمَنَام مَنْ جَاءَنِي فَقَالَ لِي : هُمْ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ أَنْ يُفْسِدُوا فِي الْأَرْض . قَالَ الْقُشَيْرِيّ ; وَقِيلَ لَا يَمْشُونَ لِإِفْسَادِ وَمَعْصِيَة , بَلْ فِي طَاعَة اللَّه وَالْأُمُور الْمُبَاحَة مِنْ غَيْر هَوَك . وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ كُلّ مُخْتَال فَخُور " [ لُقْمَان : 18 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْرُوف وَالتَّوَاضُع . الْحَسَن : حُلَمَاء إِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا . وَقِيلَ : لَا يَتَكَبَّرُونَ عَلَى النَّاس . قُلْت : وَهَذِهِ كُلّهَا مَعَانٍ مُتَقَارِبَة , وَيَجْمَعهَا الْعِلْم بِاَللَّهِ وَالْخَوْف مِنْهُ , وَالْمَعْرِفَة بِأَحْكَامِهِ وَالْخَشْيَة مِنْ عَذَابه وَعِقَابه ; جَعَلْنَا اللَّه مِنْهُمْ بِفَضْلِهِ وَمِنْهُ . وَذَهَبَتْ فِرْقَة إِلَى أَنَّ " هَوْنًا " مُرْتَبِط بِقَوْلِهِ : " يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض " , أَنَّ الْمَشْي هُوَ هَوْن . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيُشْبِه أَنْ يُتَأَوَّل هَذَا عَلَى أَنْ تَكُون أَخْلَاق ذَلِكَ الْمَاشِي هَوْنًا مُنَاسَبَة لِمَشْيِهِ , فَيَرْجِع الْقَوْل إِلَى نَحْو مَا بَيَّنَّاهُ . وَأَمَّا أَنْ يَكُون الْمُرَاد صِفَة الْمَشْي وَحْده فَبَاطِل ; لِأَنَّهُ رُبَّ مَاشٍ هَوْنًا رُوَيْدًا وَهُوَ ذِئْب أَطْلَس . وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَكَفَّأ فِي مَشْيه كَأَنَّمَا يَنْحَطّ فِي صَبَب . وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصَّدْر فِي هَذِهِ الْأُمَّة . وَقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( مَنْ مَشَى مِنْكُمْ فِي طَمَع فَلْيَمْشِ رُوَيْدًا ) إِنَّمَا أَرَادَ فِي عَقْد نَفْسه , وَلَمْ يُرِدْ الْمَشْي وَحْده . أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُبْطِلِينَ الْمُتَحَلِّينَ بِالدِّينِ تَمَسَّكُوا بِصُورَةِ الْمَشْي فَقَطْ ; حَتَّى قَالَ فِيهِمْ الشَّاعِر ذَمًّا لَهُمْ : كُلّهمْ يَمْشِي رُوَيْدَا كُلّهمْ يَطْلُب صَيْدَا قُلْت : وَفِي عَكْسه أَنْشَدَ اِبْن الْعَرَبِيّ لِنَفْسِهِ . تَوَاضَعْت فِي الْعَلْيَاء وَالْأَصْل كَابِر وَحُزْت قِصَاب السَّبْق بِالْهَوْنِ فِي الْأَمْر سُكُون فَلَا خُبْث السَّرِيرَة أَصْله وَجُلّ سُكُون النَّاس مِنْ عِظَم الْكِبْر