وإليكم البحث كاملا لعطل الرابط
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله_ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا . أما بعد ...
فقد كثر الكلام في هذا الوقت في مسألة " ألم نخلقكم " وما يجوز فيها وما لا يجوز ، ووقعت في يدي رسالة لأحد طلبة العلم يمنع فيها الوجهين، وأورد بعض أقوال أهل العلم بالمنع من وجه الإدغام الناقص لحفص ، فأردت أن أجمع الأدلة والأقوال ، ونحاول أن نصل لصحة القول من عدمه بإذن الله .
لا شك أن القضية خلافية ، والخلاف عند المتقدمين علي مرحلتين :
المرحلة الأولي : هل هو بإظهار القاف عند الكاف إظهارا محضا ـ أي بغير إدغام ـ أم كان إدغاما ـ بصرف النظر كان الإدغام ناقصا أو كاملا ـ ؟؟
نقل الحسن ابن قاسم (ت 749) في كتابه " المفيد في شرح عمدة المجيد في النظم والتجويد قول الأنطاكي عن نافع " أنه كان يدغم القاف في الكاف ولا يبقي منها صوتا ولا خلاف بين القراء في ذلك .ومن حكي غير ذلك حكي غلطا "ا.هـ وقد حكي قوم الإظهار عن ابن كثير وعاصم وحكاه ابن مجاهد عن نافع . وحكاه بعضهم عن ابن ذكوان فقيل : هو علي ظاهره ، وقيل : المراد إظهار صوت القاف . قال ابن الباذش في الإقناع :" الأخذ بالبيان ليس عليه العمل ـ يقصد الإظهار المحض ـ وأنت مخير في إبقاء الصفة مع الإدغام وإذهابها وكأن إجماعهم علي إبقاء الإطباق في أحطت يقوي الاستعلاء هنا ، وكلا الوجهين مأخوذ به والله أعلم " الإقناع 68
)) ا.هـ 46
قال أبو شامة :" وأما قوله في سورة المرسلات (ألم نخلقكم) فمجمع على إدغامه .." 139 ))
وقد أوضح ابن الجزري هذه القضية بالتفصيل حيث قال في النشر :" وأما (ألم نخلقكم) في المرسلات فتقدم أيضاً ما حكى فيه من وجهي الإدغام المحض وتبقية الاستعلاء. وقد انفرد الهذلي عن أبي الفضل الراوي من طريق ابن الأخرم عن ابن ذكوان بإظهاره، وكذلك حكى عن أحمد بن صالح عن قالون ولعل مرادهم إظهار صفة الاستعلاء وإلا فإن أرادوا الإظهار المحض فإن ذلك لا يجوز، على أن الحافظ أبا عمرو الداني حكى الإجماع على أن إظهار الصفة أيضاً غلط وخطأ فقال في الجامع وكذلك أجمعوا على إدغام القاف في الكاف وقلبها كافاً خالصة من غير إظهار صوت لها في قوله (ألم نخلقكم) قال وروى أبو علي بن حبش الدينوري أداء عن أحمد بن حرب عن الحسن بن مالك عن أحمد بن صالح عن قالون مظهرة القاف قال وما حكيناه عن قالون غلط في الرواية وخطأ في العربية (قلت) فإن حمل الداني الإظهار من نصهم على إظهار الصوت وجعله خطأ وغلطاً ففيه نظر فقد نص عليه غير واحد من الأئمة. فقال الأستاذ أبو بكر بن مهران وقوله (ألم نخلقكم) وقال ابن مجاهد في مسائل رفعت إليه فأجاب فيها لا يدغمه إلا أبو عمرو قال ابن مهران وهذا منه غلط كبير وسمعت أبا على الصفار يقول قال أبو بكر الهاشمي المقرى لا يجوز إظهاره. وقال ابن شنبوذ أجمع القراء على إدغامه قال ابن مهران وكذلك قرأنا على المشايخ في جميع القراءات أعنى بالإدغام إلا على أبي بكر النقاش فإنه كان يأخذ لنافع وعاصم بالإظهار "2/77 .
مما سبق يتضح أن وجه الإظهار غير معمول به ويبقي الخلاف محصورا في الإدغام الناقص والكامل وهي المرحلة الثانية .
قال السمنودي :"
وَقَافُ نَخْلُقكُّمْ بِكَافِهِ ادُّغِمْ ** مَعْ وَصْفِ عُلْوٍ وَالأصَحُّ أَنْ يَتِمّ
وقال صاحب الروضة الندية "
ثم إن أهل الأداء اختلفوا في إدغام القاف الساكنة في الكاف من قوله: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ هل يلفظ بها كاملاً من غير إبقاء صفة الاستعلاء من القاف أو ناقصًا تَبْقِيَةً للصفة لأجل قوة القاف بذلك؟ فذهب الداني وجماعة إلى الأول وهو الأصح. وذهب مكي إلى الثاني، وكلاهما مأخوذ به كما بينه في النشر، وهذا معنى قوله: (والخلف بنخلقكم وقع) أي كان ووجد وجرى. اهـ.صـ63
وهنا نقول : هل الوجهان لكل القراء ؟؟
قال في النشر : " (الثالث) أجمع رواة الإدغام عن أبي عمرو على إدغام القاف في الكاف إدغاماً كاملاً تذهب معه صفة الاستعلاء ولفظها ليس بين أئمتنا في ذلك خلاف وبه ورد الأداء وصح النقل وبه قرأنا وبه نأخذ ولم نعلم أحداً خالف في ذلك
وإنما خالف من خالف في (ألم نخلقكم) ممن لم يروا إدغام أبي عمرو والله أعلم. " ا.هـ 1/344
إذن لا خلاف لحفص أنه يقرأ بالإدغام والخلاف عند القراء في بقاء الصفة وعدمها بما فيهم حفص وغيره إلا عند أبي عمرو .
قال في النشر :" في قوله تعالى:
ألم نخلقكم. فلا خلاف في إدغامها. وإنما الخلاف في إبقاء صفة الاستعلاء مع ذلك فذهب مكي وغيره إلى أنها باقية منه الإدغام كهي في: أحطت، وبسطت. وذهب الداني وغيره إلى إدغامه محضاً. والوجهان صحيحان إلا أن هذا الوجه أصح قياساً على ما أجمعوا في باب المحرك للمدغم من: خلقكم، ورزقكم، وخلق كل شيء. والفرق بينه وبين أحطت وبابه أن الطاء زادت بالإطباق. وسيأتي الكلام فيها أيضاً آخر باب حروف قربت مخارجها."ا.هـ 1/249
ونخلص مما سبق أن ابن الجزري أخذ بالوجهين في المسألة ، فإن قلت : وما أدراك ؟؟
قلنا قول ابنه _أى ابن الناظم _ في شرح الطيبة فهو أدري بكلام أبيه وباختيارات أبيه ..
قال الإمام أحمد بن محمد بن الجزري في شرحه لمتن الطيبة :" وقوله (ألم نخلقكم) هل يلفظ بها كاملا من غير ابقاء صفة الاستعلاء من القاف أو ناقصا تبقية للصفة لأجل قوة القاف بذلك وذهب الداني وجماعة إلى الأول وذهب مكي إلى الثاني ..
وكلاهما مأخوذ به كما بينه في النشر ..." 33
وهذا ما عليه شراح الجزرية ، وارجع لهم عند قول ابن الجزري " والخلف بنخلقكم وقع "
الرد علي بعض الشبهات بالنسبة للوجهين لحفص .
قالوا : قال الإمام أحمد الطيبي:
نَخْلُقكُّمُ أدْغِمْ بِلا خِلافِ وَلا تُبَقِّ صِفَـةً لِلْقافِ
الجواب :
فالكلام علي ظاهره ، فقد خالف فيه الطيبي صريح النشر " والوجهان صحيحان " كما سبق .
ولكن قد يقال : إن الطيبي وضع في منظومته الوجه المفضل عند القراء ، وليس معني اختيار الوجه المفضل إلغاء الوجه الآخر وقد نقلت أعلاه إجماع القراء علي الوجهين ، ولو فرضنا أن هذا اختيار الطيبي فهناك من القدامي من قال بوجه واحد ولم يذكر الإمام عبد الوهاب القرطبي (461ت) في كتابه "الموضح " سوي وجه واحد قال صـ79 " وفي " نخلقكم " كلام أختاره فيما يأتي "
ثم ذكر صـ 113 " ...فإن الإدغام يجب لقرب المخرج ، إلا أنك تبقي شائبة من جهر القاف وقوتها واستعلائها وقلقلتها كما تمنع بالغنة والإطباق مع الإدغام في " من يؤمن " و" أحطت" لأن الغنة لا تدخل بكليتها في الياء ولا الطاء في التاء من أجل إطباقها واستعلائها كذلك القاف لا تدخل في الكاف بقوتها وضعف الكاف عنها ، وحال تشديد ذلك التوسط بين المبالغة والتخفيف علي نحو ماتقدم "ا.هـ
وانظر لقول القرطبي " وفي " نخلقكم " كلام أختاره.." يدل علي أنه اختيار له ولم يذكر نفيا للوجه الآخر ، وبهذا نجمع بين قول القرطبي والطيبي وبين صحة الوجهين عند جمهور القراء كما سبق .
واستدلوا أيضا بما قاله الشيخ علي الضباع:
(( ذهب جمهور أهل الأداء إلى إدغام القاف في الكاف منه إدغامًا محضًا، وذهب مكي وابن مهران إلى إدغامه فيه مع بقاء صفة استعلاء القاف، وليس مكي وابن مهران عن حفص من طرقنا، فكل ما ذكره المحررون من التفريع لا داعي إليه، فليُعلم، والله سبحانه وتعالى أعلم ) اهـ
أما الجواب علي قول الضباع كالآتي :
أقول : إن ابن الجزري هو الذي قال بالوجهين كما سبق ، إذن هم ذهبوا إلي ما اختاره ابن الجزري ، والضباع خالف ما اختاره ابن الجزري ،
وبناء علي هذا التصحيح وافقا الأزميري والمتولي ابن الجزري
قال المتولي: " أما حفص فقال الأزميري :" قرأنا له بالإدغام مع إبقاء الصفة مع المد في المنفصل علي الساكن قبل الهمزة علي أن يكون من التبصرة وغاية ابن مهران ، وإن لم يسندها في النشر إلي رواية حفص ويأتي له علي الإدغام الكامل كل الوجوه "صـ 509
الأزميري والمتولي أخذا بالوجهين مع علمهما أن وجه الإدغام الناقص ليس من طرق النشر ، والشيخ الضباع وافقهما في اختيار روضة ابن المعدل رغم أنه لم يسنده في النشر ، وفي مسألتنا خالف القراء في ذلك ، فلو كانت العبرة بالخروج من الطريق ، فلا فرق بين كتاب الروضة وبين مسألتنا فكلاهما خروج عن الطريق .
وقد خالف القراء أيضا الضباع حيث لم يثبت الشيخ الضباع التوسط لصاحب روضة ابن المعدل وأثبته بعده السمنودي وعامر بما وجداه في المخطوطة ، يعني ليس كل ما يقوله الضباع مسلم به، وليس كل ما خرج فيه ابن الجزري عن كتبه لا يؤخذ به ، وأيضا ليس كل ما في الكتب التي ذكرها يؤخذ به هناك ضوابط وهو موضوع طويل ليس محل شرحه هنا ، ولكن المعول عليه شهرة الوجه واستفاضته .
فهناك من الأوجه في القراءة لاينبغي أن تدخل تحت القراءة بالطرق مثل الوجهين في " تأمنا ، وألم نخلقكم " لأن القراء نصوا علي جواز الوجهين ، فإن قلنا بأن الداني اختار وجها واحدا ، ومكي اختار الوجه الآخر ، قلنا : إن ابن الجزري فصل في الأمر واختار الوجهين للكل إلا ما ذكر من الخلاف لأبي عمرو ـ كما سبق ـ لأن الإدغام من الأوجه العامة التي أخذ القدامي فيها بلا تفصيل . وكان وجها مقروءا به لحفص ، كما هو مقروء به اليوم وإن حصرها المتولي علي المد .
وعليه عمل المشايخ أمثال والشيخ عبد الباسط هاشم والشيخ الجوهري والشيخ حسنين جبريل والشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف وغيرهم خلافا لما قاله الشيخ الضباع كما خالفوه في التوسط من الروضة كما سبق .
والخلاصة : جواز الوجهين في " ألم نخلقكم " وهو المعمول به والمشهور ، ولا داعي للتضيق في وجه أعمل ابن الجزري فيه الوجهين . والله أعلم
وفي هذا القدر كفاية . هذا ما من الله به علينا وأسأل الله لنا ولسائر المسلمين السلامة من كل إثم وأن يرزقنا جميعا الإخلاص في القول والعمل آمين .
والحمد لله رب العالميـــــــن
أبو عمر عبد الحكيم عبد الرازق فولي