بنت اسكندراني
New member
بسم1
منذ عدة سنوات اتصلتْ بي والدة زوجي (حفظها الله وبارك فيها, وهي امرأة صالحة حافظة لكتاب الله ومقرئة له) قالت: تعرفين صديقتي فلانة (معلمة القرآن)؟.. قد نزلتْ بجوارها جارة جديدة من إحدى الدول العربية, وقد حاولتْ زيارتها لكن المرأة لم ترحب بها، ولما علم زوج هذه الجارة الجديدة أن صديقتي معلمة قرآن؛ طلب من زوجها أن تعاود زيارة زوجته, وأن تتلطف معها في الحديث وتحببها في الاسلام!! (بالطبع كانت هذه مفاجأة, فنادرا ما نسمع عن أحد من غير المسلمين أنه يسكن المدينة المنورة!).
..لكن الرجل أوضح أن زوجته من طائفة تسمى ب "الدرزية"، وقد كان هو أيضا كذلك, فأسلم (على حد قوله) وأخفى اسلامه قبل أن يرتبط بها، وقدر الله أن يتعلق بها ويرغب في الزواج منها, وبالفعل تقدم لوالدها, وكافح كي يقنعه بأنه على غير ديانته ويريد ابنته, وشاء الله أن تتم هذه الزيجة لسبب أو لآخر رغم أن تعاليم الدرزية لا تسمح بذلك, ويبدو أن والدها قد اشترط عليه ألا يدعوها إلى الإسلام إلا أن تفعل هي بنفسها, فوافق.
أكملتْ أم زوجي قائلة: بعد هذا الطلب ذهبتْ صديقتي إليها وهي خائفة (فالدروز يبغضون جميع أهل الديانات الأخرى وخاصة المسلمين منهم, ويستبيحون دماءهم وأموالهم وغشهم عند المقدرة), لكن المشكلة تكمن في أن هذه الدرزية بدأت تتناقش مع جارتها عن الاسلام وعن اختلاف العقائد, وراحت تطرح عليها الشبهات والتساؤلات في كل زيارة، ولما وجدتْ الدرزية أن المرأة لا تستطيع اشباع نهمها بالرد عليها بإجابات مقنعة قالت لها: هل تعرفين أحدا أستطيع مناقشته؟ فعندي عدة تساؤلات وأحتاج إلى إجابات.
أكملتْ أم زوجي قائلة: فاستعانتْ بي صديقتي، فرأينا أن نذهب إليها معا, ونرشح أحدا يجيد التحاور والمناقشة والاقناع ـ إلى حد ما ـ ليرافقنا فلعلنا نجيب على أسئلتها، وقد وقع اختيارنا عليك.. فما رأيك؟
كان الأمر مفاجئا لي فمعلوماتي التي أعرفها عن الدروز لا تزيد عن صفحتين من صفحات كتاب "منهج الأديان والنحل" الذي وافق أنني درستُه في ذلك العام (عامي الجامعي الأخير), وحقيقة مع هذا الطلب المفاجئ تبخرتْ تلك المعلومات من ذاكرتي حتى بقي من الصفحتين سطرين فقط، فرفضتْ الفكرة أول الأمر, وحين رغّبتني أم زوجي بأسلوبها المحبب في أن نلبي طلب المرأة ولعل الله أن ييسر الأمر ونستطيع الإجابة على بعض تساؤلاتها بتوفيق من الله وحده, وإلا فنحن جميعا لا نعرف عن الدروز شيئا ولم نسمع بهم من قبل؛ فوافقتُ.
وتم تحديد موعد للقائنا مع هذه المرأة، وقبل الزيارة بأيام كنتُ في حيرة أفكر: كيف أتجهز لأسئلتها؟ ويا ترى عن أي شيء ستسأل؟, فشعرتُ بضيق وحيرة من هذا الوضع، وقلتُ في نفسي بعد الاستخارة: ولم أكون مضطرة لأن تدفعني المرأة في خندق الدفاع وأظل طوال الجلسة لاهثة أنتظر هجومها المتتابع؟؟!
فلْنهاجمها نحن ولْنضعها في ذات المربع الذي أرادتنا فيه, فرب هجوم يهزها ويذبذبها! ولئن تركناها وهي تشعر بأن زلزالا أصاب ثوابتها خير لنا مما لو تركناها في كامل قواها وهي تتفنن في إلقاء الشبه علينا!.
وبالفعل عكفتُ بعض الوقت على جمع معلومات عن الدرزية مما تيسر لي من مراجع حتى وقفتُ على نقاط جوهرية فيها, فجهزتُ للمرأة حوارا افتراضيا أفرغتُ فيه من الحجج قدر ما أستطيع.
وقد علمتُ من خلال بحثي أن الطائفة الدرزية فرقة باطنية تؤلِّه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، وقد أخذت جل عقائدها من الإسماعيلية، وهي تنتسب إلى نشتكين الدرزي، وقد نشأت في مصر لكنها لم تلبث أن هاجرت إلى الشام (سورية ولبنان) واستوطنت فيهما, والدروز ينكرون الأنبياء والرسل جميعاً ويلقبونهم بالأبالسة, ويعتقدون بأن المسيح هو داعيتهم حمزة, ويعتقدون بأن ديانتهم نسخت كل ما قبلها, وينكرون جميع أحكام وعبادات الإسلام وأصوله كلها, وبالتالي هم لا يصومون في رمضان ولا يحجون إلى بيت الله الحرام, بل يحج بعض كبار مفكريهم المعاصرين إلى الهند متظاهرين بأن عقيدتهم نابعة من حكمة الهند, ويعتقدون أن القيامة هي رجوع الحاكم الذي سيقودهم إلى هدم الكعبة وسحق المسلمين والنصارى في جميع أنحاء الأرض, وأنهم سيحكمون العالم إلى الأبد ويفرضون الجزية والذل على المسلمين!, كما أنهم يعتقدون بأن الحاكم أرسل خمسة أنبياء هم حمزة وإسماعيل ومحمد الكلمة وأبو الخير وبهاء, ويحرمون التزاوج مع غيرهم, ولا يقبل الدروز أحداً في دينهم ولا يسمحون لأحد بالخروج منه... باختصار استوعبت أن الدروز لا يمكن أن ينسبوا للإسلام بأي حال من الأحوال, لا كما يزعم البعض بأنهم طائفة من طوائفه!.
وجاء اليوم الموعود.. وبعد أن انهيتُ استعدادي وهممتُ بالخروج من المنزل؛ وقع في نفسي أن آخذ هدية للمرأة أؤلف بها قلبها، فقلتُ لزوجي: وددتُ لو أنني أخذت هدية للمرأة, فقال: لا وقت لدينا لأي شيء.. ولكن ما رأيك بكتاب من الكتب الزائدة المكررة في مكتبتي؟، فشعرتُ حقيقة بالندم لأني لم أجهز لها هدية قيمة كعطر أو ساعة أو شيء من هذا القبيل، فسألته ساخرة: وهل لديك كتاب يصلح لدرزية؟! فأخذ ـ رعاه الله ـ يبحث في مكتبته, وبالفعل استبعدنا جميع الكتب لعدم مناسبتها, لكنه عاد إليها ثانية ورشح منها كتابا بعنوان " هذا الحبيب يا محب" عن سيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم, للشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله وبارك فيه, فأخذته مضطرة على مضض وذهبتُ لموعدي.
وفي منزلها.. استقبلتنا المرأة أنا وأم زوجي والجارة الصالحة؛ فأكرمتنا غاية الاكرام، ثم ابتدأناها بالاستفسار عن أسئلتها, فراحتْ تقذف علينا بالشبهات كما توقعنا, أبرزها كانت مسألة تعدد الزوجات, خاصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من كل هذا العدد من النساء!, وبعد أن ناقشناها في ذلك بما نعرف من حجج وحكم؛ قمتُ بإلقاء عدد من الشبهات في عقيدة الدروز عليها, منها: قولهم أن الثواب والعقاب يكون بانتقال الروح من جسد صاحبها إلى جسد أسعد أو أشقى, وبالتالي: لا جنة.. ولا نار.. ولا ثواب.. ولا عقاب ينتظر البشر!, حتى القرآن الكريم ينكرونه! ويقولون إنه من وضع سلمان الفارسي!, ولهم مصحف خاص بهم يسمى المنفرد بذاته!!
الأعجب لديهم: أن الدرزي لا يتلقى عقيدته ولا يبوحون بها إليه ولا يكون مكلفاً بتعاليمها إلا إذا بلغ سن الأربعين وهو سن العقل لديهم!!
وهنا طال نقاشنا عن السر وراء هذا التخفي؟ فكان مما قلناه: "لم نحن نعرف كل صغيرة وكبيرة عن ديننا بينما أنت لا تعرفين؟ إذن أنت تؤمنين وتدينين بدين لا تعرفينه حق المعرفة ومع ذلك تتعصبين له!! لماذا لا يثق علماؤكم في امرأة رشيدة عاقلة مثلك أو في زوجك أو في سائر شبابكم حتى يطلعونكم على تعاليمكم؟ هل ثمة ما يخجل في الأمر؟ ولم "التقية" في دينكم إن كانت عقيدتكم هي الحق؟!
ثم لماذا تحرمون ميراث الإناث؟ أو ليس هذا ظلما لها؟ وهل ترضين بذلك من قرارة نفسك؟.
وماذا عن تناسخ الأرواح؟ هل يعقل أن الإنسان إذا مات فإن روحه تتقمص إنساناً آخر يولد بعد موت الأول، فإذا مات الثاني تقمصت روحه إنساناً ثالثاً وهكذا في مراحل متتابعة للفرد الواحد, إذن أنت لستِ أنت, وكل واحدة فينا ليست هي؟ وابنتك الصغيرة هذه ليست هي؟!!!, نحن من عصر قديم وتلبسنا في أجساد جديدة!! أليس كذلك؟! فأين ذهبت أرواح الأجساد الجديدة؟! أم أن الله خلقهم أجسادا بلا أرواح؟! وهل تشعرين حقا بأن روحك آتية من عصر آخر؟"
ومضى الوقت وانقضت ثلاث ساعات تقريبا، وللأسف لم تكن المرأة لينة معنا كما كنا نتمنى ونرجو, وإنما كانت تجادل وتكابر رغم أدبها الجم, وقد أبدت أكثر من مرة تعجبها من معرفتي بأسرار من عقيدتها رغم أنها لم تعلم بها إلا مؤخرا!.
وهكذا انتهت الزيارة.. صحيح أننا لم نستطع تحقيق نجاحات تذكر إلا أننا خرجنا بعدما أفرغنا ـ ثلاثتنا ـ طاقتنا وجهدنا المتواضع في الحديث معها, وسألنا الله ـ من صميم قلوبنا ـ لها الهداية, ولزوجها العون على هذه المهمة الصعبة والمصيبة المقلقة.
ومرت الأيام والشهور، وبعد عامين تقريبا اتصلتْ بنا الجارة الطيبة تلك لتزف لنا البشرى بإسلام الدرزية، وحكت عن سعادة زوج المرأة بهذا الحدث، وأن المرأة تقرؤنا السلام وتقول: "لقد شرح الله صدري للإسلام بفضل الله وحده, ثم بالكتاب الذي أهديتمونيه.. فمنه أحببتُ الرسول صلى الله عليه وسلم, وحين أحببتُه وقع في قلبي أن دينه الحق... فأسلمتُ!!! فجزاكن الله خيرا".
نعم أسلمتْ المرأة من قراءتها لكتاب عن سيرة الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وحسب, وقراءتها لسيرته عليه السلام اختزلت دعوتها للإسلام بكل أساليب الدعوة الأخرى, بما فيها مناقشتها ومقارعتها بالحجج والبراهين التي تثبت فساد عقيدة الدروز وتفضح عورها وما بها من أشياء لا يصدقها عقل ولا منطق.. فسبحان الله الذي إن أراد بعبده خيرا شرح صدره للإسلام من حيث لا يحتسب هو ومن حيث لا نحتسب نحن, وربما يشرح الله صدر امرئ للإسلام من أعجب طريق ومن أتفه سبب, فكيف بطريق فيه سيرة وتفاصيل حياة خير البشر؟! بأبي وأمي هو, صلوات الله وسلامه عليه.
وكم هي القصص التي تشهد على اسلام أصحابها بسبب أشياء في ديننا وشريعتنا الإلهية العادلة.. لكنها لم تخطر ببالنا نحن المسلمين بالوراثة وبالتقاليد!, فليتنا إذ ذاك نعمل على استشعار روعة وعظمة هذا الدين داخل قلوبنا وبيوتنا وأُسرنا ومجتمعنا, ونعمل على شكر هذه النعمة بالتمسك بها وعدم التفريط فيها ما حيينا, وليتنا نحرص جاهدين على أن نكون نموذجا متجسدا للدعوة إلى الإسلام بتصرفاتنا وأخلاقنا النبوية الراقية, وبتمسكنا بهدي الحبيب عليه الصلاة والسلام.
أسأل الله أن يستعملنا وإياكم في طاعته, ويجعلنا جميعا مفاتح للخير مغاليق للشر.
بقلم: حفصة اسكندراني