هو خير مما يجمعون (موضوع مرشح)

هو خير مما يجمعون (موضوع مرشح)

  • ممتاز

    الأصوات: 2 33.3%
  • جيد

    الأصوات: 4 66.7%
  • عادي

    الأصوات: 0 0.0%
  • ضعيف

    الأصوات: 0 0.0%

  • مجموع المصوتين
    6
  • الاستطلاع مغلق .
إنضم
23/05/2010
المشاركات
9
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
مدينة فاس - المغرب
هو خير مما يجمعون​

قال تعالى: { يَآ أَيـُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبـِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُومِنِينَ(57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَالِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ(58) }
موقع الآية من السورة:
هذه السورة صاحبة الآية السابقة من سور القرآن المكية، فهي تصطبغ بالخصائص التي يتميز بها القرآن المكي عن غيره من المدني، سواء في موضوعها أم في طريقة العرض المتبعة، فموضوع السورة العام هو تجلية حقيقة الألوهية وحشد الأدلة عليها، وفي مقابل ذلك نجد العبودية التي هي حق لله على العباد لما أصبغ عليهم من نعمه الظاهرة والباطنة.
وفي نفس سياق تقرير الألوهية، نجد السورة تتحدث عن القرآن، بفرضه كلام رب العالمين، الذي أنزل إلى الخلق أجمعين، وكذلك تثبت السورة من خلال حديثها عن الوحي أن هذا القرآن هو كلام الله تعالى، ما كان ينبغي لأحد أن يأتي بمثله، وما كان ينبغي للرسول أن يفتريه، والآية التي نحن بصددها هي من هذا السياق، سياق الحديث عن القرآن، عن كتاب اللهِ. وهذا ما نلحظه في مستهل السورة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ(1) } وفي مختتمها: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ(109) } وبين الآيتين حديث شيق يروي الظمآن، ويشفي الغليل، ويثبت في نفس الشاك اليقين، أن هذا القرآن أعظم من أن يقدر على الإتيان بمثله بشر مخلوق.

" يَآ أَيـُّهَا النَّاسُ " نداء العالمَيََّة، وهذا مما اختص به دين الإسلام على سائر الأديان، وكذلك كتابه المنزل والمهيمن على الكتب قبله، وليس في الآية ما يشير إلى أن الحديث يخص المكذبين بالقرآن أو المؤمنين به، فهو يخاطبهم على السواء، فيبسط القول عن القرآن كما أشرنا آنفا في المقدمة أن من مواضيع السورة الحديث عن القرآن الكريم ونفي الإفتراء عنهن ومحاججة المشركين في الإتيان بمثله، فيذكر أربع صفات لهذا الكتاب.

الوصف الأوَّل: "قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبـِّكُمْ " "موعظة" وقد تكرر هذا الَّلفظ في القرآن الكريم تسعَ مرات، جاء ذكرها في سياقات مختلفة، منها ذكر سنن الله في الذين سبقوا، ومنها ذكر ما في الكتب المنزلة من قبل القرآن، وما الموعظة إلاَّ النُّصْح والتذْكير بالعَواقِب[1]، وهي الكلامُ فيه نصحٌ وتحذيرٌ ممَّا يضرُّ، وكلُّ هذه المعاني مكتنفة في القرآن فهو الموعظة الحقَّة كما جاء في الآية.

الوصف الثَّاني: "وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ" ولفظة "شفاء" التي وردت أربعَ مرات في القرآن، واحدة منها جاءت في الحديث عن الشَّراب الذي "فيه شفاء للناس" الشراب الذي ينتجه مخلوق ضعيف من مخلوقات الله تعالى، ولكنه بديع في تنظيمه، بديع في طريقة عمله، معجز في طريقة حمايته نفسه، وأخيرا معجز في ما ينتجه للناس من عسل وشهد، دواء لكثير من الأدواء التي استعصت على الطب فسبحان الله الخالق، وفي ذكر الشِّفاء تشبيه ضمنيٌّ للقرآن بالعسل، فللأوَّل قدرةٌ على شفاء الأدواء القلبية وحتَّى العضوية، أمَّا الثاني فلا يشفي سوى بعض الأمراض العضويَّة. وفي المواضع الثلاثة الباقية كان الموصوف بالشفاء هو القرآن، في مناسبتين اختص لفظ الشفاء بالمؤمنين، وفي مناسبة واحدة جاء لفظا عاما لكل الناس وهي الواقعة في آية سورة سيدنا يونس، والظاهر أن الشفاء منزل لكل الناس ولكن لا يستفيد منه ولا يظهر إلَّا عند الذين آمنوا به، فعملوا بتوجيهاته، فسياق الآية جاء في سبيل إقامة الحجَّة على كلِّ النَّاس، وتقرير ما لهذا القرآن من قدرات. "لما في الصدور" وليس في الصدور سوى القلوب، وأعظم ما يفتك بالقلوب ويقتلها الشرك بالله والشك في وجوده، ومن كان في قلبه شيء من ذلك المرض، فننصحه بمداومة قراءة القرآن والتفكر فيه، فهو الكفيل بتخليصه من داء الأدواء. فإن عالج القرآن الشرك فهو بالأدواء الأخرى أقدر، يعالج الكبر والحقد والغضب واليأس والقائمة طويلة، والنَّماذج معروضة أمامنا على طاولة الحياة لأناس أصيبوا بهذه الأمراض وأكثر، ولم يتوقف تأثير الداء عليهم بل أعدوا به غيرهم من الخلق بدل أن يتوجَّهوا نحو القرآن ليعالجهم.

ثالث الأوصاف ورابعها: "وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُومِنِينَ" وكلاهما وصفان مطردا الذِّكر في القرآنِ، وأصله : الدالة على الطريق الموصل إلى المقصود. ومجازه: بيان وسائل الحصول على المنافع الحقة.[2]وأما كونه هدى ورحمة فإن تمام وصف القرآن بهما يكون بالنسبة لمن حَصَلت له حقيقتُهما ، وأما لمن لم تحصل له آثارهما ، فوصف القرآن بهما بمعنى صلاحيته لذلك ، وهو الوصف بالقوة في اصطلاح أهل المنطق.[3]

وفي مجموع هذه الصفات وصفة ربانية لحصول الهدى والرحمة، وقد أومأ وصف القرآن بالشفاء إلى تمثيل حال النفوس بالنسبة إلى القرآن، وإلى ما جاء به بحال المعتل السقيم، الذي تغير نظام مزاجه عن حالة الاستقامة، فأصبح مضطرب الأحوال خائر القوى فهو يترقب الطبيب الذي يدبر له بالشفاء، ولا بد للطبيب من موعظة للمريض يحذره بها مما هو سبب نشء علته ودوامها، ثم ينعت له الدواء الذي به شفاؤه من العلة، ثم يصف له النظام الذي ينبغي له سلوكه لتدوم له الصحة والسلامة، ولا ينتكسَ له المرض، فإن هو انتصح بنصائح الطبيب أصبح معافى سليماً وحَيِيَ حياةً طيبة لا يعتوِرُه ألم ولا يشتكي وَصَبَا، وقد كان هذا التمثيل لكماله قابلاً لتفريق تشبيه أجزاء الهيئة المشبَّهة بأجزاء الهيئة المشبَّه بها، فزواجرُ القرآن ومواعظه يُشبَّه بنصح الطبيب، وإبطالُه العقائد الضالة يشبه بنعت الدواء للشفاء من المضار، وتعاليمُه الدينية وآدابه تشبَّه بقواعد حفظ الصحة، وعبر عنها بالهُدَى، ورحمتُه للعالمين تشبه بالعيش في سلامة.[4]


{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَالِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}
عن أيفع بن عبد الكلاعي قال : لما قَدِمَ خراجُ العراقِ إلى عمرَ - رضي الله عنه - خرج عمر ومولى له، فجعل يعُدُّ الإِبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: الحمد لله - تعالى - ويقول مولاه : هذا والله من فضل الله ورحمته. فقال عمر: كذبت ليس هذا هو؛ الذي يقول الله -تعالى-{قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[5]، ولقد صدق عمر فلم يغره ما فتح الله على المسلمين من خيرات وما أسقط في أيديهم من أراض، وما أغدق عليهم من شتى بقاع الأرض حتى دانت لهم الدنيا، لقد علم ذلك علم اليقين؛ فهو الذي رافق الرسول من أول البعثة، وقاسى معه ومع المسلمين الأوائل التعذيب على يد المشركين، فصبروا جميعا، وثبتوا على ما جاءهم من الحق، ولسان حالهم يقول: { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتَ اَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[6] ولم يكن جواب الله تعالى لهم إلا أن قال: { فَئَاتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الاَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[7] فهان بذلك على عمر بن الخطاب كل نعيم، واستشعر قيمة القرآن الذي لولاه ما كان على ما هو كائن عليه اليوم، لا هو ولا أصحابه أبدا.
ولنا أن نمثل لطالب القرآن وطالب المال؛ هل يستويان مثلاً، لا ورب الكعبة لا يستوي من خير بين المال والقرآن فاختار المال، فالمال وإن كثر يفنى ويبلى، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاَّ التراب[8]، المال وإن كان نافعا، ما أمكنه أن يؤلف بين القلوب قال تعالى:{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوَ اَنفَقْتَ مَا فِي الاَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمُ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[9]، وما أمكن أن يبدل دين إنسان من الكفر إلى الإيمان، وما أمكن أن يشفي القلوب من أدوائها، بل كثيرا ما يزيد على القلوب أدواء، فهو مصدر التكبر، ومصدر الطغيان وغيرهما، و القرآن شفاء لما في الصدور، ومؤلف بين القلوب، وهادٍ إلى الصراط المستقيم، فللعاقل أن يتعظ وللمذنب أن يتوب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. تمت كتبة المقال عشية يوم الجمعة المبارك الخمس والعشرون من شعبان سنة 1431من هجرة المصطفى الحبيب عليه الصلاة والسلام، يوافقه السادس من شهر أوت 2010 من ميلاد المسيح عليه السلام، ونحن بقصر بنورة في حي بريش ولله تعالى الفضل والحمد والمنة من قبل ومن بعد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.​

[1] ابن منظور: لسان العرب، ج7 ص 466.​

[2] الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج7 ص 8.​

[3] الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج7 ص 9.​

[4] الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج 7 ص 9.​

[5] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج1 ص 275.​

[6] سورة آل عمران الآية 147.​

[7] سورة آل عمران الآية 148.​

[8] مقطع من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ لابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ مَالٍ لابْتَغَى إِلَيْهِمَا ثَالِثًا، وَلا يَمْلأُ جَوْفَ بن آدَمَ إِلا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ" المعجم الكبير للطبراني، ج9 ص 383.​

[9] سورة الأنفال الآية 63.​
 
تم ترشيح هذا الموضوع ضمن مسابقة الملتقى، يمكنك أخي العضو التصويت عليه أعلاه
 
عودة
أعلى