د محمد الجبالي
Well-known member
سألت إحدى المعلمات: هل يوجد مجاز مرسل في لفظ [الصور] قول الله تعالى: {ونفخ في الصور}؟
فأجبتها:
أما في لفظ [الصور] فلا، ليس مجازا مرسلا، إنما هو حقيقة يعلمها الله سوف تكون لا شك حين يأتي أوانها.
فإن قلنا إن في الآية مجازا، فإنه في الفعل [نفخ] الماضي الذي جاء معبرا عن المستقبل،
فإن سألنا: ما نوع المجاز في الفعل [نفخ]؟ أهو مجاز عقلي أم مجاز مرسل؟
والجواب: إنه مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون.
وقد يعترض أصحاب التفلسف بالمجاز العقلي ويتأولون ثم يستنتجون أن الآية مجاز عقلي، ولن أعترض على ما يقدمون، لكني لا أميل إليه.
وإن شئتم الحق فإني أيضا لا أميل لكون {ونفخ في الصور} مجازا بالكلية، لا مرسلا ، ولا عقليا؛
وإنما أميل إلى شيء آخر ينصرف انصرافا عن التفاصيل التقعيدية البلاغية أو النحوية، وأقول لأهل البلاغة والنحو، دعوني والآية، أعفوني من قواعدكم وشرائطكم، فإني أعيش الآية، إني أرى المشهد ماثلا أمام عيني، فهذا إسرافيل قد انتصب، هاهو قد رد رأسه للخلف، والتقم الصور، وأخذ ينفخ.
دعوني يرحمكم الله، لا تفسدوا عليَّ تلك اللحظات الرهيبة التي تملأ صدري رهبة ورعبا فيخشع قلبي لربه ويخضع.
إن الهدف الذي يرمي إليه التعبير عن المستقبل بالماضي هو استحضار هذا المستقبل، استحضار صورته وهيئته ماثلة في الخيال، فيتحقق الأثر الشعوري في النفس والقلب، فإن دخلنا في التفصيل البلاغي والنحوي ضاعت الصورة، وتلاشت من الخيال، ونزلنا إلى الواقع الجاف، وهذا لا يعني أن ندع دراسة البلاغة والنحو، لا، لكني أميل إلى الاستغناء عن التفصيل مادامت الكلمة تحقق هدفها ذاتيا.
إن عوام الناس حين يقرءون: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} ليسوا في حاجة للبلاغة والنحو لكي يقع الأثر في قلوبهم، سيعيشون الصورة في خيالهم، ستقع الرهبة في قلوبهم.
إنهم ليسوا في حاجة للبلاغة ولا للنحو حين يقرءون:
{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}
إنهم ليسوا في حاجة للبلاغة ولا للنحو حين يقرءون:
{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}
إنهم ليسوا في حاجة للبلاغة ولا للنحو حين يقرءون:
{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}
إن الفعل الماضي استحضر المستقبل حيا شاهدا أمام العيون والقلوب في الخيال
إن عوام الناس على جهلهم سوف يرون الصورة حية شاهدة أمام عيونهم وقلوبهم، وهذا هو الجمال الحقيقي الذي يتحقق من التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي أو العكس.
والله أعلم
د. محمد الجبالي
فأجبتها:
أما في لفظ [الصور] فلا، ليس مجازا مرسلا، إنما هو حقيقة يعلمها الله سوف تكون لا شك حين يأتي أوانها.
فإن قلنا إن في الآية مجازا، فإنه في الفعل [نفخ] الماضي الذي جاء معبرا عن المستقبل،
فإن سألنا: ما نوع المجاز في الفعل [نفخ]؟ أهو مجاز عقلي أم مجاز مرسل؟
والجواب: إنه مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون.
وقد يعترض أصحاب التفلسف بالمجاز العقلي ويتأولون ثم يستنتجون أن الآية مجاز عقلي، ولن أعترض على ما يقدمون، لكني لا أميل إليه.
وإن شئتم الحق فإني أيضا لا أميل لكون {ونفخ في الصور} مجازا بالكلية، لا مرسلا ، ولا عقليا؛
وإنما أميل إلى شيء آخر ينصرف انصرافا عن التفاصيل التقعيدية البلاغية أو النحوية، وأقول لأهل البلاغة والنحو، دعوني والآية، أعفوني من قواعدكم وشرائطكم، فإني أعيش الآية، إني أرى المشهد ماثلا أمام عيني، فهذا إسرافيل قد انتصب، هاهو قد رد رأسه للخلف، والتقم الصور، وأخذ ينفخ.
دعوني يرحمكم الله، لا تفسدوا عليَّ تلك اللحظات الرهيبة التي تملأ صدري رهبة ورعبا فيخشع قلبي لربه ويخضع.
إن الهدف الذي يرمي إليه التعبير عن المستقبل بالماضي هو استحضار هذا المستقبل، استحضار صورته وهيئته ماثلة في الخيال، فيتحقق الأثر الشعوري في النفس والقلب، فإن دخلنا في التفصيل البلاغي والنحوي ضاعت الصورة، وتلاشت من الخيال، ونزلنا إلى الواقع الجاف، وهذا لا يعني أن ندع دراسة البلاغة والنحو، لا، لكني أميل إلى الاستغناء عن التفصيل مادامت الكلمة تحقق هدفها ذاتيا.
إن عوام الناس حين يقرءون: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} ليسوا في حاجة للبلاغة والنحو لكي يقع الأثر في قلوبهم، سيعيشون الصورة في خيالهم، ستقع الرهبة في قلوبهم.
إنهم ليسوا في حاجة للبلاغة ولا للنحو حين يقرءون:
{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}
إنهم ليسوا في حاجة للبلاغة ولا للنحو حين يقرءون:
{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}
إنهم ليسوا في حاجة للبلاغة ولا للنحو حين يقرءون:
{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}
إن الفعل الماضي استحضر المستقبل حيا شاهدا أمام العيون والقلوب في الخيال
إن عوام الناس على جهلهم سوف يرون الصورة حية شاهدة أمام عيونهم وقلوبهم، وهذا هو الجمال الحقيقي الذي يتحقق من التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي أو العكس.
والله أعلم
د. محمد الجبالي