يتناول فقيه أهل المدينة عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ( ت عام 164 في بغداد) هذه المسألة في كتابه الذى وصلت منه الينا عدة أوراق في رواية سحنون بن سعيد ( مخطوط بالقيروان) . فلا خلاف في أن المرتد عن الاسلام يقتل.
أما استتابة المرتد ففيها اختلاف بين الفقهاء القدماء .
وكل ما أود الاشارة اليه هو الفقرات المعنية في كتاب الماجشون المذكور الذي حسب تقديري لم يزل معروفا الى الآن .
ولذلك اليكم بما رأى الماجشون في هذه المسألة مستخرجا من كتابه :
وأما من كفر بعد اسلامه فانه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
من كفر بعد اسلامه فاقتلوه , كان زيد بن أسلم يرفع ذلك الى النبي ونافع مولى عبد الله بن عمر (1) .
وبلغنا أن عثمان بن عفان قال يومئذ وهو محصور وسمع انسانا وهو يقول : لا تتركوه حتى نقتله .
فقال عثمان : بماذا أقنل و فوالله ما كفرت بعد اسلامي , ولا زنيت بعد احصاني , ولا قتلت نفسا مسلمة فاقتل بها , فهذه الخصال يقتل من فعلهن , ولم أفعل منهن شيئا .
وبلغنا عن معاذ بن جبل (2) حين كان باليمن ومعه يومئذ أبو موسى الأشعري فزعموا أن معاذ بن جبل وقف على أبي موسى وعنده رجل , فقال معاذ : ما هذا ؟ قال : كفر بعد اسلامه , فقال معاذ له . لا أنزل عن دابتي حتى تقتله .
ولا أذكر في شيء من هذا استتابة (3) . وكان هذا القول هو الذي يوافق الناس عندنا . ولا أعلم الا أنه كان رأي من أدركنا من مشيختنا من العبر انه لا يستتاب .
انّ الزاني اذا أحصن رجم في دين الله وحكمه وسنة نبيه , وهو أيسرهما ذنبا (4)
والكفر أعظم منه والكافر بعد اسلامه أعظم ضرا في اسلامه .
لو قبلت توبته من الزاني بعد احصانه ولو قبلت توبة هذا يتجرم بما أظهر من الاساءة وهو يوغل في الشر طاعنا في الدين عدوا في السر للمسلمين بتهمته على ذلك ..................
ومن العبرة في ذلك قول الله :
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( سورة الاسراء , الآية 15 )
وقوله :
ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت الينا رسولا ( سورة طه , الآية 134 )
فأبى الله أن يعذبهم حتى يعلمهم ما يدعوهم اليه لأن لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل .
فانما الحجة بالرسل اعلام الرسل من أرسلوا فمن اتبع الرسل وآمن ثم كفر بعد ذلك فليس على الرسل أن يدعوه مرة أخرى لانهم لا يعلمونه الا ما قد علم , فهو يترك الاسلام بعد معرفته أقل عذرا من تركه أياه قبل معرفته وان كان لا عذر له .
.........................................................
(1) انظر الاستذكار , ج 22 الرقم 32137
(2) أنظر الاستذكار , ج 22 الرقم 32163 والتمهيد لابن عبد البر , 5 , ص 319
(3) أنظر الاستذكار , ج 22 الرقم 32168 , والبيان والتحصيل , ج 16 , ص 379 عن مالك بن أنس : ما أرى بهذا بأسا وليس على هذا أمر جماعة الناس .
وهناك احالة على ما رأى الماجشون في عدم الاستتابة .
(4) أنظر البيان والتحصيل , ج 16 , ص 429 باحالة على الماجشون أيضا بهذا المعنى .
تقديرا
موراني