هل يقع الترادف في القرآن الكريم ؟

إنضم
19/05/2006
المشاركات
28
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
الرياض
تباينت آراء العلماء قديماً وحديثاً في الترادف بين نفيه وإثباته؛ فهم ما بين مقرٍّ له جامع تلك الألفاظ المترادفة - في نظره -، وبين منكرٍ له سعى جاهداً لإظهار الفروق بين تلك الألفاظ التي قيل بترادفها، رافضاً كل رأي يقول بترادفها، واتحاد معانيها.
وقبل أن أذكر أقوالهم في ذلك، والرأيَ الراجح الذي يتوافق مع الأسلوب القرآني في توخيه لألفاظه وانتقائه لها لتأدية المعنى المراد، يحسن قبل ذلك تعريف الترادف حتى ننطلق في دراستنا على بيِّنة ووضوح .
التعريف اللغوي للترادف
فالمعنى اللُّغوي لمادة (ر د ف) تدل على اتِّباع الشيء، فالترادف: التتابع(1)، والرِّدف: التابع، والرَّديف:كل ما تبع شيئاً(2)، يُقال: جاء القوم رُدَافى: أي بعضهم يتبع بعضاً، وهذا أمرٌ ليس له رِدْف: أي ليس له تَبِعة ، وأردفت النجوم أي: توالت وتتابعت، والمُرْدفان: الليل والنهار . (3)
ومن هذه المعاني اللغوية التي تشير في مجموعها إلى التتابع والتعدد يظهر معنى الترادف الاصطلاحي ، فهو - كما عرفه ابن فارس - (( اختلاف الألفاظ، واتفاق المعانى، أي يُسمى الشئ الواحد بالأسماء المختلفة، نحو: السيف والمهند والحسام )) . (4)
ويزيد الدكتور رمضان عبدالتواب في حَدِّه قائلاً: ((الترادف ألفاظ متحدة المعنى، وقابلة للتبادل فيما بينها في أي سياق )) . (5)
فالترادف إذن أن تتعدد الألفاظ وتكثر والمعنى واحد، فالألفاظ وإن تتعددت واختلفت إلاّ أنها تدل على معنى واحد، بل يصح أن تقوم كل لفظة في مقام الأخرى، كما نرى ذلك في تعريف الدكتور رمضان، فهذا هو معنى الترادف، وهذا الذي اختُلف فيه مابين مثبتٍ له ومنكرٍ لوجوده .
حجج المثبتين:
وقد احتج العلماء المثبتون للترادف(6) فيما ذهبوا إليه : (( أن أهل اللغة إذا أرادوا أن يُفسروا "اللُبَّ " قالوا هو: "العقل"، أو"السكب" قالوا:هو: "الصب"، وهذا يدل على أن "اللُبَّ " هو "العقل" عندهم، وكذلك "السكب" و"الصب" وما أشبه ذلك )) (7)، فهذا هو دليلهم في هذه المسألة، وذلك أن أهل اللغة ما قالوا إن "اللب" هو "العقل" إلاّ أن معناهما واحد، ولو كان في كل لفظة منهما معنى ليس في الأخرى لما صحّ منهم هذا الأمر، وكان هذا التفسير خطأ. ( 8)
حجج المانعين:
ويقابل هذا الفريقَ فريقٌ آخر ينكر وجود الترادف ويردُّه (9)، ويذكر الفروق بين الألفاظ التي قيل بترادفها، ويظهر رأي هذا الفريق من خلال أمرين :
الأمر الأول: ورود مقولات لهم تردُّ الترادف وتُنكره، ومن ذلك: قول ابن فارس بعد أن ذكر تعريف الترادف - وقد تقدم ذكره - قال: (( والذي نقول في هذا: إن الاسم واحد وهو السيف، وما بعده من الألقاب كالمهند والحسام صفات، فمذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى )) .( 10)
وكذلك ابن الأنباري يؤكد هذا الأمر حينما حكى في كتابه "الأضداد" قول ابن الأعرابي (( كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى واحد، في كل واحد منهما معنى ليس في صاحبه، ربما عرفناه فأخبرنا به، وربما غمُض علينا فلم نلزم العرب جهله )). ( 11)
وكذلك ابن درستويه ينفي هذا الأمر، ويذكر أنه من المحال أن تكون هناك لفظتان مختلفتان ومعناهما واحد، ويذكر أن بين الألفاظ فروقاً في المعنى، ولكنها قد تخفى على بعض مَن يسميها.( 12)
الأمر الثاني: الذي يدل على ردِّ كثير من العلماء الترادف ما أفردوا فيه من التصانيف مبينين الفروق بين الألفاظ، وما تختصُّ به كلُّ لفظة عن الأخرى بمعنى، وبما تتضمنه من دلالة وإيحاء، ومن تلك المصنَّفات على سبيل المثال لا الحصر: كتاب "الفروق" لأبي هلال العسكري فقد ألفه لبيان فروق الدلالات بين معاني الألفاظ التي قيل بترادفها، مبيِّناً ما اختصتْ به كل لفظة من دلالة ومعنى لا يشاركها فيه غيرها، وإن ظن الناس بترادفها واتحاد المعنى بينهما، كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه حين بيّن (( أن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني في لغة واحدة، فإن كل واحد منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلاّ لكان الثاني فضلاً لا يُحتاج إليه )) . ( 13)
نفي الترادف في القرآن:
ومما تقدم تبين أن كثيراً من العلماء الذين نفوا الترادف نرى أن نفيهم منصب عليه في اللغة، وأما نفيه في القرآن فهو من باب أولى وألزم ؛ وذلك لِمَا تميز به أسلوب القرآن في تخيُّره لألفاظه التي تؤدي المعنى المراد دون سواها من الألفاظ، وإنْ كانت قريبة من معناها حتى يُظن أنها مرادفة لها .
وأول ما يُقرِّرُ هذه المسألة ما جاء في القرآن صريحاً من التفريق بين الألفاظ من حيث استخدامها في المواضع المختلفة؛ وذلك لِمَا بين كل لفظة وأخرى من دلالة ومعنى تتميز به دون غيرها (( فالقرآن لا يكتفي بانتقاء الألفاظ وتخيُّرِها، بل يشرع في ذلك صراحة، يُنبِّه إلى خطأ وضع استعمال اللفظ في غير موضعه، ويُرشد إلى بديله))( 14)، يتضح هذا الأمر جلياً في قوله - تعالى -: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ...) [ الحجرات : 14]، فهكذا نراه يفرق بين لفظة وأخرى، يفرق بين الإيمان والإسلام؛ وذلك أن كل كلمة منهما لها دلالة ما ليس في الأخرى . ( 15)
وقد تضمن هذا التوجيه الرباني دعوة صريحة إلى النظر في دلالات الألفاظ، ومراعاة استخدامها في المقام المناسب لها، وقد تمثَّل العلماء هذا الأمر، وساروا على هذا المنهج، فرأينا كثيراً منهم يفرد في مصنفاته فصولاً في ذكر الألفاظ التي يُظن أنها أن بينها ترادفاً مبيناً الفروق المعنوية فيما بينها.
ومن أولئك العلماء:
1- الزركشي فقد ذكر في كتابه " البرهان" فصلاً بعنوان : ألفاظ يُظن بها الترادف وليست منه .
2- السيوطي في "معترك الأقران" ذكر فصلاً بعنوان : ألفاظ يُظن بها الترادف وليست منه .
3- د. محمد الشايع في كتابه "الفروق اللغوية وأثرها في تفسير القرآن الكريم" ذكر فصلاً بعنوان: دراسة أمثلة من القرآن ظاهرها الترادف، وغيرهم.

ولا نعجب إذا ذهبوا إلى نفي الترادف في القرآن الكريم، فأنى للترادف أن يكون في القرآن (( ونحن نعلم أن لكل نوع من المعنى نوعاً من اللفظ هو به أخص أولى، وضرباً من العبارة هو بتأديته أقوم، وهو فيه أجلى )) ( 16) لا يشاركه فيه غيره من الألفاظ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) انظر: مادة : ردف: معجم مقاييس اللغة .
(2) انظر: مادة : ردف: القاموس المحيط.
(3) انظر: مادة : ردف :لسان العرب .
(4) الصاحبي :114 .
(5) فصول في اللغة العربية : 309 .
(6) ومنهم : الرماني ، ابن السكيت ، ابن خالويه ، أبو على الفارسي ، ابن سيدة ، ابن جني ، الفيروز أبادي وغيرهم .
(7) الفروق اللغوية : 13 .
(8) انظر : المزهر في علوم اللغة وأنواعها : 1/ 404 .
(9) ومن هؤلاء : الجاحظ ، والمبرد ، وثعلب ، وابن فارس ، وابن الأعرابي ، والأنباري ، وابن درستويه ، والراغب الأصفهاني ، وأبو هلال العسكري ، وغيرهم .
(10) الصاحبي : 114 .
(11) الأضداد : 7 .
(12) انظر : المزهر : 1/ 384 .
(13) الفروق : 11 .
(14) خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية : 1/ 252 .
(15 ) وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فروقاً بينهما ، انظر : الفتاوى : 7/ 6 .
(16 ) الرسالة الشافية : 117 .
 
جزاك الله خيرا
ومن باب إتمام الفائدة هناك رسالة علمية مطبوعة في مكتبة العبيكان بعنوان (( الفروق اللغوية وأثرها في تفسير القرآن ))للدكتور محمد بن عبد الرحمن بن صالح الشايع

أفاض في هذه القضية ذاكرا رأي القدماء والمعاصرين
 
عودة
أعلى