بعد البحث في أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى((( خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها))) النساء 01، تبين لي أنه لم يخالف في تفسير الآية بأن حواء خلقت من ضلع آدم، إلا أبو مسلم الاصفهاني المعتزلي، ثم جاء المفسرون من بعده وحكوا القولين في التفسير، والسؤال للسادة المتخصصين، هل يعتبر قول أبي مسلم في خلافه هذا أم نتهمه بالشذوذ، وهل من نقول عن العلماء في ذلك.
وهل يحق لنا إدعاء الإجماع على التفسيرالذي عليه الجمهور.
علما أنه ليس هناك دليل تفصيلي في السنة على خلق آدم من ضلع حواء، والمستند هو إجماع المفسرين على تفسير الآية
الرجاء الإثراء والمناقشة.
السلام عليكم
في الحديث الصحيح الثابت أنّ المرأة خُلقت من ضلع، وطالما أنّ أول أنثى هي حواء رضي الله عنها، فالمتجه أنّ حواء خلقت من ضلع، وطالما أنها مخلوقة من نفس واحدة، وهذه النفس هي نفس آدم عليه السلام فينتج عنه أن حواء مخلوقة من ضلع من أضلاع آدم عليه السلام.
وهذا الاستنتاج هو بعد الأخذ بمجموع النصوص، والله تعالى أعلم وأحكم
وأما بخصوص تفرّد الأصفهاني المعتزلي بقول فهذا يحتاج إلى تدبر وتأمل
فهل ما تفرّد به الأصفهاني تفرّد به على الحقيقة أم أنه بحسب اطلاعنا ؟
وهل هنالك مانع من إحداث قول جديد إذا تبنى أهل التفسير قولا أُخذ من الإسرائيليات ؟
ولو افترضنا أنّ المخالف للمفسرين من أهل السنة لا من المعتزلة فهل يُعامل معاملة الأصفهاني المعتزلي؟
هذا وما تقدم يحتاج إلى مشايخنا ليدلوا بدلوهم ونسترشد بأقوالهم. والله أعلم
والسلام عليكم
ملاحظة: أرجو النظر جيدا إلى كلمة قالها صاحب البحر المحيط عند تفسير قول الحق سبحانه وتعالى: (قال بصرت بما لم يبصروا به) الآية الكريمة، قال: وما ذكره أبو مسلم أقرب إلى التحقيق إلا أن فيه مخالفة المفسرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تُعتبر السنة النبوية ثاني أهم مصادر التفسير بعد القرآن الكريم ، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم خلق الله بمراد الله تعالى في كتابه ، وإغفال السنة حين الشروع في التفسير يُعتَبر خطأً منهجيًا كبيرًا ، وعلى هذا الخطأ المنهجي يُفرِّط المفسِّر في قول قاطع في التفسير ويُفرِط المفسِّر في ذكر أقوالٍ ليست لها أصلاً.
والحديث المذكور في صحيح البخاري - أصحُّ كتاب بعد القرآن الكريم - يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وأن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا " صحيح البخاري / كتاب النكاح / باب باب الوصاة بالنساء / (4890). نقل الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوي عن الفخر الرازي ما نصُّه : " قال الفخر الرازي ما ملخصه: «المراد من هذا الزوج هو حواء. وفي كون حواء مخلوقة من آدم قولان: الأول: وهو الذي عليه الأكثرون: أنه لما خلق الله- تعالى- آدم ألقى عليه النوم؟ ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه، فلما استيقظ رآها ومال إليها وألفها، لأنها كانت مخلوقة من جزء من أجزائه ، واحتجوا عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المرأة خلقت من ضلع أعوج فإن ذهبت تقيمها كسرتها وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها»
والقول الثاني: وهو اختيار أبى مسلم الأصفهاني: أن المراد من قوله وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها أى من جنسها. وهو كقوله- تعالى- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ، وكقوله إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وقوله لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ.
قال القاضي: والقول الأول أقوى ، لكي يصح قوله: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، إذ لو كانت حواء مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة" (التفسير الوسيط 3 / 19 ).
وقال الزمخشري في كشَّافه ما نصُّه : " يا أَيُّهَا النَّاسُ يا بنى آدم خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فرعكم من أصل واحد وهو نفس آدم أبيكم ، فإن قلت: علام عطف قوله وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يعطف على محذوف، كأنه قيل: من نفس واحدة أنشأها أو ابتدأها، وخلق منها زوجها ، وإنما حذف لدلالة المعنى عليه ، والمعنى: شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها، وهي أنه أنشأها من تراب وخلق زوجها حواء من ضلع من أضلاعها وَبَثَّ مِنْهُما نوعي جنس الإنس وهما الذكور والإناث ، فوصفها بصفة هي بيان وتفصيل بكيفية خلقهم منها.
والثاني: أن يعطف على خلقكم ، ويكون الخطاب في: (يا أَيُّهَا النَّاسُ) للذين بعث إليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، والمعنى: خلقكم من نفس آدم، لأنهم من جملة الجنس المفرع منه، وخلق منها أمكم حواء وبث منهما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً غيركم من الأمم الفائتة للحصر " (الكشاف :1 / 461).
وذكر القاسمي في محاسن التاويل ما نصُّه : " وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها أي من نفسها. يعني من جنسها ليكون بينهما ما يوجب التآلف والتضامّ. فإن الجنسية علة الضم. وقد أوضح هذا بقوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21]"( محاسن التأويل ( 3 / 6 ).
بعد ما ذُكر من أقوال المفسرين : يتبيَّن أن مرجع الاختلاف حول مراد رسول اللهصلى الله عليه وسلم من قوله الشريف " خُلِقَتْ مِن ضلعٍ أعوج "
الذين أخذوا اللفظ على ظاهره في كونها مخلوقة من ضلعٍ لآدم عليه السلام فسَّروا الآية ( وخلق منها زوجها ) بالحديث بصورة مباشرة.
والذين قالوا بأن ( معنى خلق منها زوجها ) أي : من نفسها - أي من جنسها ليكون بينهما ما يوجب التآلف والتضامّ ، لأن الجنسية علة الضم : هؤلاء لم يفسروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " خُلقت من ضلعٍ أعوجٍ " لم يفسروه على ظاهره ، بل اعتبروه مثالا ضُرب لحال المرأة مع زوجها أنها : خُلِقت كضلعٍ أعوج ، فالضلع : على المجاز لا الحقيقة .
إلا أن الفريقين متفقان على أن آدم خُلِقت منه حوَّاء لكنهما فقط مختلفان في الكيفية : أمن ضلع آدم خُلقت؟ أم ترك الأمر لمراد الله مادام مبهمًا؟
والقرآن أكَّد على أن حوَّاء من آدم ، وبصرف النظر عن الكيفية التي اختلف عندها المفسِّرون إلا أن البحث لا يجد أن الالتزام بالقول بأن آدم خُلقت من ضلعه حوَّاء لايجده ملزمًا للخروج من إشكال أن القول بأن حواء ليست مخلوقة من ضلع آدم هو قول بأن حوَّاء مخلوقة ابتداءً وهو ما ينافي الآية ( من نفسٍ واحدةٍ ) فالناس إذن مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة .
الحديث الصحيح الشريف ليس المخرج - حتى على فرض أن قول الرسول الكريم هو على حقيقته وليس مجازًا - ليس المخرج من الإشكال ، فلا إشكال أصلا.
شيخنا الكريم : نحن ملتزمون تمامًا بالموضوع ، وإنما نذكر مقدِّمات منهجية قبل الخوض في المشاركة : كأهمية السنة النبوية في التفسير.
شيخنا الكريم : أصل الخلاف هو حول تفسير المفسِّرين للحديث الشريف الصحيح المذكور ( إن المرأة خُلقت من ضلعٍ أعوج ) : الخلاف حول هل اللفظ النبوي (ضلع أعوج) هو على حقيقته أم على المجاز.
السلام عليكم إخوتي الله وشكرا لكم على التفاعل:
أصل المسألة عندي هي: ماهو الدليل على أن حواء خلقت من ضلع آدم؟ اهو إجماع المفسرين على تفسير الآية بذلك أم هو حديث " خلقت المراة من ضلع اعوج؟
لأني تناولت هذه المسألة في رسالتي للماجستير وأريد الإستفصال أكثر، لأن الذين يطعنون في الحديث، يذهبون إلى أن خلق حواء من ضلع آدم هي خرافة إسرائيلية ليس عليها دليل، أنظر مثلا قول رشيد رضا" :
" أما قوله تعالى: ﴿ وخلق منها زوجها ﴾ فمعناه على الوجه الذي قررناه يظهر بطريق الاستخدام بحمل النفس على الجنس، وإعادة الضمير عليه بمعنى أحد الزوجين، أو بجعل العطف على محذوف يناسب ذلك كما قال الجمهور، أي وحد تلك الحقيقة أولا، ثم خلق لها زوجها من جنسها، ومعناه المراد عند الجمهور أن الله تعالى خلق لتلك النفس التي هي آدم زوجا منها وهي حواء، قالوا: إنه خلقها من ضلعه الأيسر، وهو نائم، وذلك ما صرح به في الفصل الثاني من سفر التكوين، وورد في بعض الأحاديث، ولولا ذلك لم يخطر على بال قارئ القرآن.
والآية تدل على أن آدم كان له زوج، أي: امرأة، وليس في القرآن مثل ما في التوراة من أن الله تعالى ألقى على آدم سباتا انتزع في أثنائه ضلعا من أضلاعه فخلق له منه حواء امرأته، وأنها سميت امرأة لأنها من امرئ أخذت، وما روي في هذا المعنى فهو مأخوذ من الإسرائيليات، وحديث أبي هريرة في الصحيحين [FONT="]«[/FONT]فإن المرأة خلقت من ضلع[FONT="]»[/FONT] على حد [FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P325]ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][الأنبياء: ٣٧]بدليل قوله: [FONT="]«[/FONT] فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء [FONT="]»[/FONT]أي: لا تحاولوا تقويم النساء بالشدة..". تفسير المنار، محمد رشيد رضا: 4/ 330.
وهناك بعض أهل السنة الذين يؤمنون بالحديث ولكنهم يحمولنه على التشبيه والتصوير لا الحقيقة، ولقد تعجبت من شيخنا الألباني رحمه الله، لما رجح أنه من باب التصوير وأنه ليس هناك دليل على خلق حواء من ضلع آدم . قال معلقا على قول الطيبي:
:" [FONT="]([/FONT]فإنهن خلقن من ضلع[FONT="])[/FONT]، أي: خلقن من خلق فيه اعوجاج، وكأن خلقهن من أصل معوج، فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمداراتهن والصبر على اعوجاجهن. والضلع- بكسر الضاد وفتح اللام- واحد الأضلاع، استعير للمعوج صورة أو معنى." الكاشف عن حقائق السنن، شرف الدين الطيبي: ص 1325-1326
قال الألباني معلقا "قلت: وهذا هو الراجح عندي أنه استعارة وتشبيه لا حقيقة، وذلك لأمرين:
الأول: أنه لم يثبت حديث في خلق حواء من ضلع آدم كما تقدم. والآخر: أنه جاء الحديث بصيغة التشبيه في رواية عن أبي هريرة: [FONT="]«إن المرأة كالضلع... »."[/FONT] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، الألباني: 13/ 1140.
والذي أريده من إخوتي اهل التفسير: هل يصح علميا ان استدل بإجماع المفسرين على المسألة بالرغم من مخافلة الأصفهاني، ويهل يعتد بخلافه، لأني أرى أن إجماع المفسرين هو المرجح؟.