هل يصح الاستدلال بهذه الآية

عبد العزيز

New member
إنضم
23/05/2003
المشاركات
3
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
هنك من يقول إ ن جزاءفعل السيئة فعل سيئة بعدها ويستدل بقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فهل هذا الاستدلال صحيح ؟ وهل قال به احد من السلف؟
 
أخي عبد العزيز وفقك الله

سؤالك غير واضح .

ويبدو أنك لم تطلع على تفسير السيئة هنا !

فلعلك تقرأ أقوال المفسرين التالية ،وأنا على يقين بأن الإشكال الذي أوردته سيزول .

قال ابن جرير في تفسيره لهذه الآية : ( وقوله:{ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} وقد بيَّنا فيما مضى معنى ذلك، وأن معناه: وجزاء سيئة المسيء عقوبته بما أوجبه الله عليه، فهي وإن كانت عقوبة من الله أوجبها عليه، فهي مَساءة له. والسيئة: إنما هي الفعلة من السوء، وذلك نظير قول الله عزّ وجلّ{وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إلاَّ مِثْلَها}

وقد قيل: إن معنى ذلك: أن يجاب القائل الكلمة القزعة بمثلها. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: قال لي أبو بشر: سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} قال: يقول أخزاه الله، فيقول: أخزاه الله. حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله:{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها } قال: إذا شتمك بشتيمة فاشتمه مثلها من غير أن تعتدي.)

وفي زاد المسير لابن الجوزي : (قوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} قال مجاهد، والسدي: هو جواب القبيح إذا قال له كلمة أجابه بمثلها من غير أن يعتدي. وقال مقاتل: هذا في القصاص في الجراحات والدماء. )

وقال القرطبي : ( قوله تعالى: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} قال العلماء: جعل الله المؤمنين صِنفين؛ صنف يعفون عن الظالم فبدأ بذكرهم في قوله: {وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ}. وصنف ينتصرون من ظالمهم. ثم بين حدّ الانتصار بقوله: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} فينتصر ممن ظلمه من غير أن يعتدي. قال مقاتل وهشام بن حُجَير: هذا في المجروح ينتقم من الجارح بالقصاص دون غيره من سب أو شتم. وقاله الشافعي وأبو حنيفة وسفيان. قال سفيان: وكان ابن شُبْرُمَة يقول: ليس بمكة مثل هشام. وتأوّل الشافعي في هذه الآية أن للإنسان أن يأخذ من مال من خانه مثل ما خانه من غير علمه؛ واستشهد في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوج أبي سفيان: "خذي من ماله ما يكفيك وولدك" فأجاز لها أخذ ذلك بغير إذنه .... وقال ٱبن أبي نجيح: إنه محمول على المقابلة في الجراح. وإذا قال: أخزاه الله أو لعنه الله أن يقول مثله. ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بكذب. وقال السُّدِّي: إنما مدح الله من انتصر ممن بغى عليه من غير اعتداء بالزيادة على مقدار ما فعل به؛ يعني كما كانت العرب تفعله. وسُمي الجزاء سيئةً لأنه في مقابلتها؛ فالأوّل ساء هذا في مال أو بدن، وهذا الاقتصاص يسوءه بمثل ذلك أيضاً . )

وجاء في تفسير التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور : ( ..أي أن المُجازيء يجازيء من فَعَل معه فَعلةً تسوءه بفعلة سيئة مثل فعلتِه في السوء، وليس المراد بالسيئة هنا المعصية التي لا يرضاها الله، فلا إشكال في إطلاق السيئة على الأذَى الذي يُلحق بالظالم .
ومعنى {مثلها} أنها تكون بمقدارها في متعارف الناس، فقد تكون المماثلة في الغرض والصورة وهي المماثلة التامة وتلك حقيقةُ المماثلة مثل القصاص من القاتل ظلماً بمثل ما قَتَل به، ومن المعتدي بجراح عمد، وقد تتعذر المماثلة التامة فيصار إلى المشابهة في الغرض، أي مقدار الضرّ وتلك هي المقاربة مثل تعذر المشابهة التامة في جزاء الحروب مع عدوّ الدين إذ قد يلحق الضر بأشخاص لم يصيبوا أحداً بضرّ ويَسْلَمُ أشخاص أصابوا الناس بضرّ، فالمماثلة في الحَرب هي انتقام جماعة من جماعة بمقدار ما يُشفي نفوس الغالبين حسبما اصطلح عليه الناس.) .
 
أخي أبو مجاهد وفقه الله
جزاك الله خيرا صحيح أني لم أبين السؤال حق البيان ولكني أردت أن أقول هل هذه الاية تصلح للاستدلال على تتابع السيئات لدى المرء أي إذا فعل سيئة فإن الله يجازيه بأن يفعل هو سيئة بعدها .
كما قال بعض السلف إن علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها
لعل سؤالي الآن أصبح واضحا .
 
بسم الله
أقول أخي الكريم بعد أن بينت سؤالك :

الآية بعد معرفة تفسيرها لا تدل على أن فعل معصية يجر إلى فعل معصية أخرى ؛ إذ هي خارج محل السؤال .

وما ذكره السلف في هذا المعنى يمكن أن يستدل له بأدلة أخرى :
منها قول الله تعالى : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) وقوله تعالى : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) .ونحو ذلك من الآيات في هذا المعنى .
 
فائدة لها صلة بما سبق :

قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل :( فصل: وأما الصّرْف
وأما الصرف فقال تعالى:
"وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون"
فأخبر سبحانه عن فعلهم وهو الانصراف، وعن فعله فيهم وهو صرف قلوبهم عن القرآن وتدبره لأنهم ليسوا أهلاً له، فالمحل غير صالح ولا قابل، فإن صلاحية المحل بشيئين حسن فهم، وحسن قصد، وهؤلاء قلوبهم لا تفقه، وقصودهم سيئة. وقد صرح سبحانه بهذا في قوله: " ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون "
فأخبر سبحانه عن عدم قابلية الإيمان فيهم، وأنهم لا خير فيهم يدخل بسببه إلى قلوبهم فلم يسمعهم سماع إفهام ينتفعون به وإن سمعوا سماعاً تقوم به عليهم حجته، فسماع الفهم الذي سمعه به المؤمنون لم يحصل لهم.
ثم أخبر سبحانه عن مانع آخر قام بقلوبهم يمنعهم من الإيمان لو اسمعهم هذا السماع الخاص، وهو: الكبر والتولي والإعراض.
فالأول: مانع من الفهم، والثاني: مانع من الانقياد والإذعان، فأفهام سيئة وقصود رديئة، وهذه نسخة الضلال وعلم الشقاء، كما أن نسخة الهدى وعلم السعادة فهم صحيح وقصد صالح. والله المستعان.
[color=990000]وتأمل قوله سبحانه: "ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم"
كيف جعل هذه الجملة الثانية سواء كانت خبراً أو إعادة عقوبة لانصرافهم فعاقبه عليه بصرف آخر غير الصرف الأول، فإن انصرافهم كان لعدم إرادته سبحانه ومشيئته لإقبالهم، لأنه لا صلاحية فيهم ولا قبول، فلم ينلهم الإقبال والإذعان فانصرفت قلوبهم بما فيها من الجهل والظلم عن القرآن، فجازاهم على ذلك صرفاً آخر غير الصرف الأول كما جازاهم على زيغ قلوبهم عن الهدى إزاغة غير الزيغ الأول.
كما قال: " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم "
وهكذا إذ أعرض العبد عن ربه سبحانه جازاه بأن يعرض عنه، فلا يمكنه من الإقبال عليه. ولتكن قصة إبليس منك على ذكر تنتفع بها أتم انتفاع، فإنه لما عصى ربه تعالى ولم ينقد لأمره وأصر على ذلك، عاقبه بأن جعله داعياً إلى كل معصية، فعاقبه على معصيته الأولى بأن جعله داعياً إلى كل معصية وفروعها صغيرها وكبيرها.
وصار هذا الإعراض والكفر منه عقوبة لذلك الإعراض والكفر السابق. فمن عقاب السيئة السيئة بعدها كما أن من عقاب الحسنة الحسنة بعدها.[/color])

و قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره :
"وفي قوله عن المنافقين: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) بيانٌ لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين؛ وأنه بسبب ذنوبهم السابقة, يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها، كما قال: (ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)، وقال تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)، وقال تعالى: (وأما الذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجساً إلى رجسهم)؛ فعقوبة المعصية المعصيةُ بعدها, كما أنّ من ثواب الحسنة الحسنة بعدها, قال تعالى: (ويزيد الذين اهتدوا هدى)" [ص 42].
 
حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يبيّن تأويل السيئة في الآية الكريمة : ((وجزاء سيئة سيئةٌ مثلها))
قال صلى الله عليه وآله : (المستبّان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم) رواه مسلم
أي : إن السيئة التي يَسبُّها المظلومُ فإنها تُكتب على الظالم . فهي سيئة لكن تكتب على الظالم
((وجزاء سيئة سيئة مثلها)) ، أي : جزاء الظالم أن تزيده سيئة مثل ما اعتدى . وهذا موافق للحديث الشريف .

ولذلك لمّا قال سبحانه وتعالى في آية أخرى : ((والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها)) لم يذكر سبحانه لفظ السيئة مرة أخرى فيها .

والآية الأولى أعيد لفظ السيئة فيها إشارة لما بيّنه الحديث النبوي .
 
بارك الله فيك يا حمد...حبيبي:
الآية ليستْ في سياق ما يكتب للظالم و إنما في سياق ما يجوز فعله للمظلوم، و الحديث دل على ما قلتَ و بَيَّنَ ما في الآية من عدم جواز الزيادة و الاعتداء في القصاص. فعلى هذا ربطُك الآيةَ بالحديثِ و ما ترتب على ذلك في كلامك اجتهادٌ لا يقال في مثله: "يبيّن تأويل السيئة في الآية الكريم". و لهذا أخرج الطبري (21|547 - شاكر) عن السديّ، في قوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) قال: "إذا شتمك بشتمة فاشمته مثلها من غير أن تعتدي". فقولك -حفظك الله- مخالف للسياق و الربط اجتهادي دخل فيه خطأ.

الأخ عبد العزيز:
إذا تبين لك تفسير الآية عرفتَ أن من استدل بالآية على قولة السلف (منهم سعيد بن جبير) المشهورة: "من ثَوَاب الْحَسَنَة الْحَسَنَة بعْدهَا وَإِن من عُقُوبَة السَّيئَة السَّيئَة بعْدهَا" فقد أوردها في غير محلها. و هو يشبه طريقة التفسير الإشاري الذي هو في الحقيقة استنباطٌ قد يقبل و قد لا يقبل. و هو هنا فيما يظهر -و إن كان معنى صحيحاً في نفسه- غير مقبول لأمور:
1) لأنه يناقض معنى الآية
2) ليس في اللفظ إشعار به
3) ليس بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم.
و الله تعالى أعلم.
للفائدة: و من الآيات في ذلك قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا"، قال ابن كثير: "أي: ببعض ذنوبهم السالفة، كما قال بعض السلف: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من جزاء السيئة السيئة بعدها".
و بالله التوفيق.
 
عودة
أعلى